ونحن نعيش اجواء قدسية ومباركة ومناسبة للمذاكرة العلمية بودي طرح مجموعة من الاسئلة التي تستهدف البحث السياسي رغم استعانتها بالمنهج التاريخي الاستقرائي والسيكولوجي طريقا للبرهنة والتاكيد على صحة حقيقة موجودة ومعلومة او كشف اخرى مجهولة متعلقة بالواقع السياسي العراقي الحديث والمعاصر وصولا الى الاستشراف لمستقبله . مستفيدين من السيرة ال
سياسية والتاريخية لامير المؤمنين والجامعة لخطبه واقواله المعروفة بنهج البلاغة ولكنها منهج العلم والمعرفة والحضارة والعدالة والادارة انها منهج الحياة وبناء الدولة بعد بناء الافراد والمجتمعات على الفضيلة والافادة من سيرة الامام وولده عليهم السلام لدراسة المجتمع والواقع السياسي العراقي .
السؤال الاول
لماذا اختار امير المؤمنين الكوفة عاصمة لخلافته ؟
السؤال الثاني
ماذا لوظهر امير المؤمنين بلحمه ودمه بين اظهرنا وتمثل لنا بشرا سويا كما كان في حياته الشريفة صلوات الله عليه بعد ان عرفناه وقراناه سيرة وتاريخا وسنة وقرآنا وفكرا ووصيا واماما مفترض الطاعة ؟ ما رد فعل العراقيين بالذات ؟ وهل تختلف درجة الطاعة والانضباط والحب والولاء التي نراها في غيابه عنها في ظهوره ؟ ما الاثر النفسي للظهور على تلك الخصائص .
لا يفوتني التذكير ان امير المؤمنين علي عليه السلام قدم من البصرة يوم الثاني عشر من شهر رجب الاصب الى الكوفة بعد انتهاء حرب الجمل ليتخذ الكوفة عاصمة جديدة للدولة والخلافة الاسلامية
فاعينوني باجتهاد ومشاركة منكم في البحث فربما له علاقة بمستقبل واحداث المنطقة وجغرافية الظهور استكمالا لبحثنا السابق
السلام عليكم - الاخ الاستاذ السيد عبد الله الجزائري المحترم
اضع بين يدي طرحكم هذا ما انقله عن السيد جعفر مرتضى العاملي اجده مفيد تاريخيا في فهم المسالة ( بخصوص السؤال الاول ) حسب طرح السيد العاملي وكما ادناه .
**********************
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الأولين إلى قيام يوم الدين.
بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وحينما تعرضت القيادة الرسالية الحقة لمحنة الإقصاء العملي لفترة تقرب من ربع قرن عن مركزها الطليعي والطبيعي الذي رتبها الله فيه.. ومنعت – من ثم – عن مواصلة القيام بمسؤوليتها القيادية للأمة، على مستوى الدولة والمجتمع بعد كل ذلك.. كان من الطبيعي أن تتمخض تلك الفترة " بما رافقها من ظروف وإجراءات ذات طابع معين على صعيد السياسة في الدولة الإسلامية " عن الكثير من السلبيات، التي دفعت بالأمة الإسلامية إلى متاهات خطيرة الأبعاد، ثم لم تزل آثارها ظاهرة في التكوين النفسي والفكري ذي الطابع المعين في الأمة الإسلامية على مدى التاريخ، ولسوف تبقى كذلك في المستقبل المنظور على الأقل.
ونخص بالذكر هنا: السياسة المعينة التي منحت طلحة والزبير، وحتى معاوية بن أبي سفيان أملاً بالحصول على امتيازات هامة، من نوع خاص، على حساب الإسلام والأمة، هذه الامتيازات التي لم يكونوا ليحلموا بها لولا بعض المواقف والظروف التي رافقت تلك الفترة التي تلت وفاة النبي(ص).. والتي هيأت لهؤلاء وأم المؤمنين معهم ومن لف لفهم ودار في فلكهم: أن يقفوا في موقع المعارضة والعصيان، والتمرد على الشرعية، والمناهضة للقائد الحق. وفي هذه الظروف بالذات تاتي خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لتواجه ذلك الركام الهائل من المشاكل العاتية، التي لم يكن لهذه السلطة الشرعية أي دور في صنعها أو استمرارها، بل كانت فقط من صنع الآخرين، وعلي (ع) وحده هو الذي فرض عليه أن يتحمل آثارها، ويواجه أخطارها، ويصلى شاء أم أبى نارها. المدينة:
في هذه الظروف بالذات، وفي حين كانت المدينة المنورة هي مركز القيادة السياسية للأمة الإسلامية، إذ كان فيها جلّة المهاجرين والأنصار، ومن الصحابة الصفوة الأخيار..
في هذه الظروف الدقيقة جداً نلاحظ: أن علياً عليه السلام يترك المدينة ويختار الكوفة عاصمة لخلافته ومنطلقاً لتحركاته..
وهنا يرد السؤال:إنه إذا كانت المدينة تتمتع بقدسية خاصة في نفوس المسلمين، وتعتبر مركز الريادة والقيادة.. وإذا كانت قد استطاعت أن تثبت عملياً صلاحيتها لذلك طيلة ما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً. فلماذا تركها علي عليه السلام، ورغب عنها إلى الكوفة، التي لم يكن لها تلك الميزات ؟.
فهل كان ذلك أمراً عفوياً غير متعمد ؟.
أم أنه أمر مدروس، في نطاق خطة ذات أبعاد استراتيجية، واعتبارات عسكرية وقيادية ؟.
ونحن في مقام الإجابة على هذا السؤال نبادر إلى رفض الخيار الأول – العفوية – لأنه عليه السلام لم يعودنا ان يعتمد المواقف المرتجلة، والتصرفات العفوية طيلة فترة حياته المليئة بالأحداث والظروف الدقيقة، التي تتطلب الكثير من العمق والأصالة والوعي..
ولا نريد أن نتوسع في تلمس سرّ ذلك، فإن من الواضح: أن الذي يختاره الله قائداً ورائداً، لابد وأن تكون كل حركاته وسكناته، وتصرفاته في خط الرسالة، وعلى وفق الضوابط الدينية، والحكيمة، بحكم كونه القائد المعصوم الذي يفترض فيه أن يمتاز على الناس جميعاً في الملكات والقدرات النفسية العالية، وأيضاً في مختلف الكفاءات والفضائل المكتسبة وغيرها، وبكلمة: أن يكون في مستوى القمة على جميع المستويات، وفي جميع المجالات، ينحدر عنها لا سيل ولا يرقى إليها الطير، حسب تعبير علي نفسه إمام الفصحاء، وسيد البلغاء والحكماء، بعد نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن هنا نلاحظ: أنه عليه السلام لم يكن يقدم على أي موقف إلا من منطلقات دينية أصيلة، وضوابط ر سالية ثابتة، لا يتأثر في أي من مواقفه بعاطفة أو مصلحة شخصية أو غير ذلك على الإطلاق. وكذلك يجب أن يكون القائد المعصوم في الذروة من الوعي والدقة والأصالة، وأبعد ما يكون عن الخطأ والخطل، وإلا فإن صدور أي خطأ منه لا تنعكس نتائجه فقط على خصوص شخصه، ومصالحه الخاصة، بل هو يرتبط بشكل مباشر أحياناً – أو غير مباشر بمصالح الأمة نفسها، ويمس بالتالي شخصيتها، وتكوينها الفكري، والنفسي، والسياسي وغير ذلك، ويؤثر على حاضرها ومستقبلها، وما أكثر الشواهد التاريخية على ذلك..
وعلى هذا.. فلا محيص عن الالتزام بالخيار الثاني، وهو ان تخليه عن المدينة إلى الكوفة كان ضمن خطة واعتبارات معينة..
وإذا ما أردنا أن نتلمس الخيوط الحقيقية لتلك الخطة، ونتعرف على الاعتبارات التي اقتضت اختيار الكوفة، وترك المدينة، فلابد من ملاحظة الظروف ومعرفة طبيعة التحديات التي كان عليه السلام يواجهها..
وهنا نجد: أنه عليه السلام كان يواجه تحدياً سافراً من تلك الفئات التي كانت تحلم بالحصول على امتيازا أكبر على حساب الدين والأمة وعلى حساب الشرعية، ولذا فإن من الضروري أن يكون علي الذي سوف لا يهادن هؤلاء، ولن يداري ولن يماري في الحق والدين.. في مركز القوة عسكرياً وسياسياً، وأن يكون الذين معه على بصيرة من أمرهم، مهيئين نفسياً للتضحية في سبيل الدين والأمة إن اقتضى الأمر ذلك.. فعليه إذن.. أن يعد العدة لمواجهة الأخطار التي لم يكن من الصعب عليه التكهن بها، وبعواقبها.
وواضح: أن المدينة لا تتوفر فيها عوامل النجاح العسكري والسياسي إذا ما أخذ حجم التحدي بنظر الاعتبار، وبالتالي فهي لا تصلح عاصمة للدولة في ظروف كتلك التي كان يواجهها الإمام علي عليه الصلاة والسلام. والكوفة وإن لم تكن في المستوى المطلوب إلا أنها كانت أغنى منها في نواحٍ عديدة.. وواضح: أنه لولا أن علياً كان هو المعني بالأمر لكانت مجريات الأمور على خلاف ما رأيناه، تماماً..
ومهما يكن من أمر فإننا نستطيع أن نجمل وضع المدينة في مجال تقييم قدرتها على تحمل المواجهة في الأمور التالية:
أولاً: إن المدينة لم تكن تتوفر فيها كثافة سكانية، تستطيع أن تتحمل أعباء المواجهة للتحديات التي تنتظر هذا الحكم الجديد، إذا أخذ حجم هذا التحدي بعين الاعتبار، فلقد كانت تلوح في الأفق رايات العصيان والتمرد على الشرعية، بشكل واسع النطاق، فلقد استغل أهل الأطماع فئات كبيرة من الناس وضللوها بالشبهات، واستغلوا فيها بساطتها، وعدم نضجها الرسالي، والنقصان الكبير في وعيها الديني الصحيح، لأنها منذ البداية لم تتعرف على الإسلام الصحيح، المتمثل بالإسلام " المحمدي العلوي "، وإنما عرفت الإسلام الأموي وتربت ونشأت عليه، وكلنا يعرف ان الإسلام الأموي ما هو إلا إسلام أطماع ومآرب، ولا يمكن أن يقاس بأصالة الإسلام العلوي، وعمقه ووعيه الرسالي..
وإذا كانت هذه الفئات لم تتفاعل مع الدين تفاعلاً يسمح لها بالرؤية الصحيحة، والتثبت من مواقع القوة والضعف في مواقفها، لأنها لم تعرف غير الإسلام الأموي الرقيق في ماهيته ومحتواه – ولاسيما بلاد الشام التي افتتحها الأمويون في أول عهد عمر، وظلت تعيش في ظل حكمهم باستمرار، فمن الطبيعي ان لا تتورع عن مناهضة الشرعية والتمرد عليها، وبالفعل فقد جند طلحة والزبير بقيادة أم المؤمنين عائشة عشرات الألوف أولاً، ثم جاء بعدهم معاوية ليجند أضعاف ذلك في محاولة لإقصاء وصي الرسول(ص) عن صعيد السياسة والحكم، حينما وضح لديهم بما لا يقبل الشك والترديد:
أنه لم يعاملهم إلا كما يعامل أي فرد آخر من المسلمين.. في أي من الظروف والأحوال..
ومن أين للمدينة أن تؤمن لعلي عليه السلام الجيش الذي يقدر به على المواجهة والاحتفاظ بالموقع، فضلاً عن إنزال الضربة القاصمة والنصر ؟
وبديهي:أن الاستعانة بالأعراب حول المدينة، إن لم تكن مضرة فلا أقل من أنها سوف لا تكون كافية لتحقيق كامل الأهداف، بشكل مرض ودقيق..
أما الاعتماد على النجدات من سائر الأقطار الأخرى كالعراق وفارس مثلاً..
فلربما يكون من السهل جداً على أعداء علي صلوات الله وسلامه عليه عرقلة وتشويش، إن لم يكن منع وصول من يريد الوصول إليه منهم، بشكل طبيعي وسليم..
ثانياً:لا تتوفر في المدينة الموارد الاقتصادية الضخمة، التي تستطيع أن تؤمن احتياجات جيش يعد بعشرات الألوف، لأنها أرض صحراوية، ليس بها زرع، ولا ضرع، ولا تجارة واسعة.
وكشاهد على ذلك نذكر: أن هذا كان أحد العوامل التي أوجبت فشل ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن على المنصور، رغم أنه كان قد بويع له في أغلب الأقطار والأمصار الإسلامية.
قال المسعودي:لما ظهر محمد بن عبد الله بالمدينة دعا المنصور إسحاق بن مسلم العقيلي، وكان شيخاً ذا رأي وتجربة، فقال له: أشر علي في خارجي خرج علي، قال: صف لي الرجل.
قال: رجل من ولد فاطمة بنت رسول الله(ص)، ذو علم وزهد وورع.
قال: فمن تبعه ؟
قال: ولد علي، وولد جعفر وعقيل، وولد عمر بن الخطاب، وولد الزبير بن العوام، وسائر قريش، وأولاد الأنصار.
قال له: صف لي البلد الذي قام به، قال: ليس به زرع، ولا ضرع، ولا تجارة واسعة، ففكر ساعة، ثم قال: اشحن يا أمير المؤمنين !! البصرة بالرجال.
فقال المنصور في نفسه: قد خرف الرجل، أسأله عن خارجي خرج بالمدينة، يقول لي: اشحن البصرة بالرجال. فقال: انصرف يا شيخ..
ثم لم يكن إلا يسيراً حتى ورد الخبر: أن إبراهيم قد ظهر بالبصرة، فقال المنصور: علي بالعقيلي، فلما دخل عليه أدناه، ثم قال: إني قد شاورتك في أمر خارجي خرج بالمدينة، فأشرت علي أن أشجن البصرة بالرجال، أو كان عندك من البصرة علم ؟!
قال: لا، ولكن ذكرت لي خروج رجل إذا خرج مثله لم يتخلف عنه أحد، ثم ذكرت لي البلد الذي هو فيه، فإذا هو ضيق لا يحتمل الجيوش، فقلت: أنه رجل سيطلب غير موضعه الخ..[1].
كما أنها أعني المدينة في الوقت نفسه بعيدة عن مناطق التموين، ومن السهل جداً – بملاحظة موقعها الصحراوي – التأثير على قوافل التموين وتهديها بالخطر، الأمر الذي سوف يجعل الأمر في غير صالح علي(ع)، ويجعله باستمرار في موضع حرج، وتحت رحمة العصاة والمتمردين..
ثالثاً:إن المدينة لم تكن شديدة الولاء للشرعية، المتمثلة في علي عليه السلام، وصي الرسول بنص يوم الغدير، بل ربما نجد فيها ما يدل على عكس ذلك، ولاسيما بملاحظة: أن الأمويين، ومحبيهم، والتمييين، والزبيريين ومن ينتمي إليها من أهل الأطماع، وبالتالي كل من وترهم الإسلام على يد علي عليه السلام، ممن لم يكن ينطلق من قاعدة إيمانية ثابتة.. كل هؤلاء كانوا إلى المتمردين من الناكثين والقاسطين أميل منهم إلى الشرعية المتمثلة في علي عليه الصلاة والسلام بل لقد صرح الإمام السجاد(ع) بأنه لم يكن يحبهم في مكة والمدينة ثلاثون رجلاً[2].. وليراجع كلام الأصمعي ومحمد بن علي بن عبد الله بن العباس في وصف البلدان، في كتاب البلدان للهمداني، وأحسن التقاسيم للمقدسي وعيون الأخبار لابن قتيبة وروض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار والعقد الفريد وغير ذلك.. فإنه يظهر بشكل قاطع أن مكة والمدينة لا يمكن الاعتماد عليها من قبل علي(ع) فإن ولاءهما كان متجهاً إلى غير علي(ع) وأهل البيت..
وإذن..فمعنى الاعتماد على المدينة كقاعدة للخلافة، وعاصمة لها، هو أن تكو الأسرار العسكرية، مواقع الضعف، ومواقع القوة متوفرة لدى الجهة المناوئة، كما وأن الخلافة الحقة سوف تكون معرضة للتمزق من الداخل، وللأعمال الخيانية لصالح الناكثين والقاسطين، وذلك لوجود أعوانهم ومحبيهم بين ظهراني السلطة الحاكمة، التي يستحيل أن تقدم على أي إجراء، ضد أي شخص، مادام ذلك الشخص لم يثبت أي اتهام ضده، أي لأنها لا ترضى بالعقاب قبل الجناية، وتعتبر أن كل متهم برئ، حتى تثبت إدانته بالطرق الشرعية..
ويذكرنا هذا الجو الذي يواجهه الإمام علي عليه السلام بما كان يتعرض له النبي(ص) في حربه مع المشركين من دسائس اليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة، مع فارق آخر، يزيد من حراجة الموقف بالنسبة لعلي(ع)، وهو أن اليهود كانوا عدواً ظاهراً معروفاً لدى المسلمين، عدو له نمط حياة خاص به متميز عن المسلمين، وفي معزل عنهم.
أما هؤلاء الذين كانوا يهددون أمن الدولة من الداخل في حكم علي عليه السلام، فقد كانوا يعيشون بين المسلمين، ويطلعون على دقائق أحوالهم، وخفايا أمورهم، وكثيراًَ ما كان يصعب تميزهم ومعرفتهم بأعيانهم وأشخاصهم.. نعم.. تكون حالته معهم شبيهة بحالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع المنافقين.
رابعاً:إن الجيل الجديد في المدينة لم يكن قد اعتاد على الحياة الصعبة التي تتطلبها الحروب الطاحنة التي خاضها علي(ع)، لأن شباب المدينة كانوا قد اعتادوا حياة الرخاء والدعة، لأنهم صاروا يعيشون على العطاءات السخية التي كان يغدقها عليهم الخلفاء الذين سبقوا علياً عليه السلام.. حتى اصبح من الصعب عليهم التخلص من أجواء اللذة التي يعيشونها ثم التضحية بأنفسهم، والتعرض للمصاعب والمشاق التي تتطلبها الحروب..
وخامساً:لقد كان الإسلام جديداً على العراق وكانت العادات القبلية والجاهلية لا تزال تتحكم في روابطه وعلاقاته الاجتماعية في داخله وخارجه..
وكانت الحروب فيه محكومة لزعماء القبائل عموماً، لا للإيمان والعقيدة وكانت المدينة أبعد عن ذلك ولو بشكل محدود، فكان إغواء أهل العراق من قبل معاوية أقرب احتمالاً وأسهل منالاً وإذا صار العراق مع معاوية، فإن وضع المدينة العسكري والاقتصادي سوف يصير حرجاً جداً.. ولهذا فلابد من تدارك الأمر وحفظ العراق أولاً، ثم استغلال روح التنافس التي كانت قائمة بين القطرين العراق والشام وحتى الروح القبلية، وتوظيفها في صالح الدين والأمة بدلاً من أن يستغلها معاوية في غير هذا السبيل..
وهكذا.. نجد أن المدينة لا تستطيع في هذه الظروف بالذات أن تكون عاصمة للخلافة، ومنطلقاً لتحركاتها بحرية، وثقة بهذا الشكل المكثف والواسع..
نعم.. هي كانت الموقع المناسب لمضايقة مكة اقتصادياً وسياسياً، وحتى عسكرياً أيضاً، حينما كان ثمة حاجة إلى ذلك في بدء انتشار الإسلام، في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم..
بل إننا نلاحظ:إن كثيراً من العوامل التي دفعت النبي(ص) إلى الهجرة إلى المدينة، هي نفسها كانت السبب في ترك علي عليه السلام المدينة إلى الكوفة، ولهذا البحث مجال آخر.. أما الكوفة:
فقد كانت في ذلك على الضد من المدينة، فهي بالإضافة إلى قربها إلى الشام والبصرة، وإلى أنها تقع في قلب الدولة الإسلامية، وفي نقطة الوسط بالنسبة إلى كثير من المناطق التي سوف تشهد نشاطاً واسعاً على مستوى الدولة وليتقرر من ثم مصير الأمة حاضراً ومستقبلاً بشكل عام.. إنها بالإضافة إلى ذلك:
1- كانت تملك الطاقات البشرية، أو على الأقل تستطيع ان تؤمن الكيمة الكافية القادرة على مواجهة أي تحدٍ مهما كان كبيراً.. ثم تمده بما يحتاج إليه باستمرار لو ظهر ثمة ما يبرر ذلك، لتوسطها، ولقربها من البلاد ذات الكثافة السكانية..
2- وهي أيضاً قادرة اقتصادياً على التموين المستمر للجيوش التي سوف تواجه الحرب، لما تملكه هي والمناطق القريبة إليها من ثروات زراعية متمثلة بالسواد الذي كان يحاذي الفرات، ثم تمكنها من الاتصال السريع بمناطق الثروات إن اقتضت الحاجة إلى ذلك.
هذا عدا عن موقعها التجاري في المنطقة سواء بالنسبة إلى الفرس أو إلى العرب على حد سواء.
3- ثم هناك قرب العراق من الشام بالنسبة إلى الحجاز..
وقد جمع علي عليه السلام الأسباب الثلاثة المتقدمة، في جوابه لأبي أيوب رحمه الله تعالى، حيث قال له عليه السلام: "صدقت يا أبا أيوب، ولكن الرجال والأموال بالعراق، وأهل الشام لهم وثبة أحب أن أكون قريباً منهم[3] الخ..".
وقال عليه السلام حينما نصحه ابن عباس بأن يولي طلحة والزبير الكوفة والبصرة: "ويحك، إن العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان"[4].
وقال المغيرة بن شعبة لأمير المؤمنين عليه السلام، بعد أن عرض عليه أموراً: "فإن أبيت فاخرج من هذه البلاد، فإنها ليست ببلاد كراعٍ وسلاح"[5].
وقال المنصور لمسلم بن قتيبة: قد خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة. قال ليس بشيء، خرج بأرض ليس بها حلقة ولا كراع قال: "قد خرج إبراهيم بالبصرة قال: قد خرج بأرض لو شاء أن يقيم بها سنة يبايعه كل يوم ألف رجل ويضرب له فيها كل رجل ألف بسيف لا يعلم به احد يمكنه ذلك"[6].
4-هذا.. وقد تقدم أن العراقيين كانت لديهم القابلية للإغواء من قبل معاوية ثم تأليبهم على أمير المؤمنين عليه السلام.. وذلك بملاحظة ظروف معينة عاشها ويعيشها العراق نفسياً واجتماعياً وفكرياً وغير ذلك.. وقد تحدثنا عن بعض ذلك في كتاب لنا حول الخوارج، وكتابنا: الحياة السياسية للإمام الحسن عليه السلام في عهد الرسول والخلفاء الثلاثة بعده.
5-ثم أن الأخطبوط الأموي، والتيمي والزبيري، وغيرهم من طلاب اللبانات، ومن وترهم الإسلام على يد علي عليه السلام – هذا الأخطبوط – كان أقل قدرة على التحرك والمناورة فيها..
6- ثم إنه م لم يكونوا قد تعودوا على لذائذ الحياة وزبارجها وبهارجها، بملاحظة حياتهم الحربية على مر الزمن، فكان يسهل عليهم التضحية وخوض غمار الحروب ومكابدة شظف العيش وتحمل الصعاب.
بل إن العراق كان أفضل من الشام من حيث الأموال والرجال فقد قال نسير بن ثور العجلي لخالد بن الوليد: " ليس الشام عوضاً من العراق ساعة قط لأن العراق اكثر من الشام حنطة وشعيراً وديباجاً وحريراً وفضة وذهباً وقراً ونسباً وما الشام كلها إلى كجانب من جوانب العراق. فقال له خالد صدقت يا نسير، إن العراق لعلى ما تقول "[7].
وهكذا يتضح أن الإمام علياً عليه السلام وصي الرسول(ص) الذي نصبه قائداً للأمة في يوم الغدير، لم يتخذ الكوفة عاصمة لخلافته إلا لاعتبارات استراتيجية وعسكرية فرضت عليه ذلك.. ولم يكن ذلك إجراء عفوياً مرتجلاً، كما قد يتخيل بعض من لم يمعن النظر في مواقفه عليه السلام، ويحاكم الظروف التي كانت قائمة آنذاك بدقة وموضوعية وتجرد.
السلام عليكم
اقتبس من طرح الاخ الاستاذ الجزائري المقطع التالي من السؤال الثاني وكما ادناه :
ما رد فعل العراقيين بالذات ؟ وهل تختلف درجة الطاعة والانضباط والحب والولاء التي نراها في غيابه عنها في ظهوره ؟ ما الاثر النفسي للظهور على تلك الخصائص .
--------------
واقول : يعني اذا استثنينا السنة من هذا التصور مثلا ونعتبر ان مقصدكم متعلق بالشيعة العراقيين فقط .
فهنا لا شك ان الاغلب الاعم من الناس الشيعة سواء اقلهم التزاما أو انت صاعد الى اعلاهم سيكون مبدئيا لما لاثر ال البيت ع في النفوس رد فعل ايجابي عالي .
ولكن المشكلة بعد ذالك ان ال البيت ع ومقياس اتباعهم وحبهم له درجات واساسه تطبيق الشريعة وطاعة الامام ع ومخالفة الاهواء . وهنا تبدا المشكلة والتمحيص - حيث يظهر لنا المحب عاطفيا والمخالف لهم ارضائا لاهوائه ومصالحه على حساب الدين .
واما بقياسات الزمن الحاضر وفي غيبة الامام الحجة ع . فان احد مقاييس طاعة الامام الغائب هي طاعة واحترام نائبه العام بالعنوان العام له ويظهر بشكل مشخّص عند كل مقلّد لمرجعه في الدين . فأذا رايت من يزغ بلا سبب وينتفض عند العتب فهو لعله هناك كما هنا . وتحدثنا روايات الظهور في قضية الامام الحجة ع لما يقدم الى الكوفة ويصده البتريون ويقولون له " اذهب يابن فاطمة لا حاجة لنا بك ( المعنى ) " وهم يومئذ من ظاهر العُبّاد واهل قرائة القران - فيضع السيف فيهم حتى اخرهم . والله اعلم . وشكرا
الاخ العزيز البحث الطائي اشكر حسن تفاعلك مع الموضوع بشقيه وبعد ......
اما بخصوص راي السيد المحقق جعفر مرتضى العاملي وبحثه حول اسباب نقل العاصمة الى الكوفة ففيه مناقشة تتعلق بغزوات الامام عليه السلام قبل انتقاله الى الكوفة وهي كثيرة وقد حقق الانتصارات الباهرة والفتوحات الواسعة والتي تعطي مؤشرات كثيرة حول امكانية الامام للتغلب على التحديات وخلق فرص الانتصارات باقل الموارد المادية والبشرية وباضيق المساحات الجغرافية وبافضل المناورات الميدانية ، ولا ننسى ان المدينة قد بايعت الامام سلام الله عليه عن بكرة ابيها وقد تحقق له الاجماع واجرى الكثير من الاصلاحات الادارية والسياسية التي افرزت المنافقين الا ان ذلك لم يعدم وجود المخلصين من اهلها من المهاجرين والانصار فضلا عن بني هاشم ، كما لا ننسى القبائل الكثيرة والعريقة المنتشرة في محيط المدينة وقربها من اهل اليمن المسارعين لنصرته وغيرهم الذين يشكلون رافدا كميا ونوعيا والذي استطاع من خلال استنهاضهم تحقيق الفتوحات والانتصارات ، ولا ننسى ان استباحة المدينة ثلاثة ايام دليل على عدم مداهنتها ليزيد لعنة الله عليه وهذا يجعلنا نعيد تقييمنا لاهل المدينة وجيلها المعاصر لامير المؤمنن والحسن والحسين عليهم السلام . . هذا من جهة
ومن جهة اخرى حينما تستعرض ونراجع الكثير من الخطب لامير المؤمنين والامام السجاد والعقيلة زينب عليهم السلام التي تتعرض لاهل الكوفة واهل العراق وما تحويه من مضامين مقارنة باهل المدينة واصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار واهل قم واليمن نجد فارقا واضحا لكنه لايعدم وجود مناصرين له في الكوفة والعراق .
الا ان السيد المحقق اشار الى وجود اعتبارات استراتيجية وعسكرية ، اوضح العسكرية منها فقط (وفيها نقاش ) ، اما الاعتبارات الاستراتيجية فلم يشر لها وهذه الاعتبارات هي بيت القصيد وعليها المناط والمدار وهذا ما سوف نتطرق اليه من خلال البحث ان شاء الله تعالى .
الحديث عن الاعتبارات الاستراتيجية هو في نظرنا حديث عن الاهداف الاستراتيجية في حركة اهل البيت عليهم السلام المترابطة والمتفاعلة والمتكاملة والتأسيسية للمشروع الالهي الاكبر حيث ابتدأها الرسول الاعظم واستمرت مع الائمة الخلفاء الاثني عشر صلوات الله عليهم اجمعين ، انها القيادة والحكومة التي تضطلع بمهمة تهيئة الظروف والمناخ لحكومة المخلص الموعود افضل الحكومات بعد ان جربت البشرية انواع الحكومات .
ان المنهج المتبع في دراسة حركة العترة لا يمكن اختزاله بالظواهر الطبيعية والاقتصار عليها رغم غلبتها ولا اجراء المقارنة بظاهرة تاريخية اخرى خارجة عن حسابات المعصومين فلا مقارنة ولا مقايسة بين المعصومين والناس فكما نعرف ان علمهم صعب مستصعب وعلمهم لدني رباني ولهم اجندة الهية على امتداد الزمان واتساع المكان لبلوغ الهدف ووراثة الارض والتمكين للمستضعفين وظهور الاسلام على الدين كله .
وهذا المنهج هو منهج التوفيق بين المنهج الطبيعي والمنهج الميتافيزيقي ان صح التعبير ، وعلى اساس ذلك يمكن بلورة رؤيا شاملة ومتكاملة ونظرة ثاقبة وفلسفة مفسرة لسياسة اهل البيت واستراتيجيتهم الممهدة والمتدرجة .
وكما اسلفنا في ردنا وتعقيبنا الموجز والمقتضب على راي السيد المحقق جعفر العاملي وملخصه ان الموارد البشرية والمادية (اقصد العدة والعديد) وجغرافية الجزيرة العربية سيما المدينة وما حولها ، لم تُعجِز الامام عن استحداث خطط بديلة وفرص اكثر ضمانا لتحقيق الانتصارات ، وكيف تعجزه وقد اظهر المعجزات وغير مجرى الغزوات تارة بعد اخرى بعد ان بلغت القلوب الحناجر في مواطن ومواقف كثيرة اصيب بها الجند بالاحباط واليأس فبث فيهم الحماس وسار بهم سبيل الخلاص على قلتهم وتخاذلهم .
وقلنا ان من الضروري اعادة تقييم ودراسة واقع المدينة واهلها ومن حولها من الرساتيق والامصار والعشائر فلم نسمع ان وصفهم الامام بصفة الخذلان ولا اراد استبدال العشرة منهم بالاحاد من غيرهم والى غير ذلك من الصفات الشائعة .
ورغم ذلك اختار الامام الكوفة والعراق موطنا وعاصمة واجرى اعادة هيكلة للنظام واعادة انتشار وتوزيع للقبائل واحياء للمصادر والثروات .
لم ينحصر هذا النهج والتخطيط في الامام امير المؤمنين وانما تبعه وسار وفقا له ومكملا له الامام الحسن حينما استقر بالمدائن بعد خذلان الجيش له والاعتداء عليه وكذلك فعل الامام الحسين عليهما السلام حينما ترك المدينة واستجاب لرغبة ودعوة القبائل ورسائلها وهو يعلم انه راحل الى مصرع ومقتل حتمي فقال (خير لي مصرع انا لاقيه )وقد اشار الامام علي الى موقع كربلاء بعد عودته من صفين مهضوما بسب التحكيم وخذلان اصحابه . فهم يعلمون ما تخبئه الكوفة له ولولده ولكن لا بد من المضي في تنفيذ مراحل المشروع فقتل الامام وولده الحسين عليهما السلام في الكوفة وكربلاء .
ان تنوع اماكن واضرحة الائمة في العراق في الكوفة وكربلاء وبغداد وسامراء توحي وترسم منطقة جيوسياسية مميزة واذا اتجهنا شرقا وضممنا لها مشهد ايران حيث الامام الرضا عليه السلام وانحدرنا جنوبا وضممنا ائمة البقيع الغرقد اقصد المدينة ورساتيقها واليمن وما حولها لاكتملت خارطة اقليمية جيو سياسية لها اهمية كبرى في توجيه بوصلة الاحداث ورسم الملامح العامة والمعالم الرئيسية لحركة الصراع وصولا الى الظهور المبارك وبداية حركته التي تبدا من عدة محاور كما ورد في الرويات واستدراج جيش السفياني الى وسط كماشة ثلاثية المحاور . ان الامام اراد تاسيس منطقة توازن قوى مستقبلية تشكل فيما بعد محورا مهما من محاور نصرة الامام وتوفير عمق استراتيجي لانصاره واعوانه .
ولذلك كان اهل البيت حريصين على وحدة العراق ارضا وشعبا من خلال تنوع مراقد اهل البيت عليهم من اجل استقطاب الشيعة وتوسيع انتشارهم وتحركهم السلام فيما بعد والحض على اتباعه والتقريع المستمر من اجل صقل نفوسهم وتغيير طبيعتهم وتربيتهم على النصرة والانظباط والطاعة له واهل بيته واصحابه وقد عانى الامام كثيرا وكان بامكانه الرحيل عنهم ولكنه صبر حتى استشهد عليه السلام .
وكذلك دأب علمائنا الاموات منهم والاحياء على نفس النهج فحافظوا على وحدة العراق ارضا وشعبا ورفضوا كل اشكال التقسيم تماهيا وتناغما مع الاهداف الاستراتيجية للمشروع الاعظم .
ولذلك كان اهل البيت حريصين على وحدة العراق ارضا وشعبا من خلال تنوع مراقد اهل البيت عليهم من اجل استقطاب الشيعة وتوسيع انتشارهم وتحركهم ، اضافة لذلك قد مارس عليه السلام سياسة التربية والحض على اتباعهم والتقريع المستمر من اجل صقل نفوسهم وتغيير طبيعتهم وتربيتهم على النصرة والانضباط والطاعة له واهل بيته واصحابه وقد عانى الامام كثيرا وكان بامكانه الرحيل عنهم ولكنه صبر حتى استشهد عليه السلام .
وكذلك دأب علمائنا الاموات منهم والاحياء على نفس النهج فحافظوا على وحدة العراق ارضا وشعبا ورفضوا كل اشكال التقسيم تماهيا وتناغما مع الاهداف الاستراتيجية للمشروع الاعظم .
الفقرة اعلاه هي المصححة لما ورد من اخطاء طباعية في شبيهتها في المشاركة السابقة