بسم الله الرحمن الرحيم
اللهُم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ واللعنة على اعدائهم ومخالفيهم من الجن والانس اجمعين وعجل فرجهم يارب العالمين
وسكنت أنفاس الزهراء (عليها السلام )
وبعد ما أصاب الزهراء (عليها السلام) من المرض والعلة ما أصابها كان أمير المؤمنين يمرضها، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار من ذلك، ومن جملة ما لفت بالي فيما يرتبط بالأيام الأخيرة من حياتها أمران:
الأول: حرصها على أمر سترها بعد الوفاة
وكما كانت عند ولادتها قد لفت بخرقتين، واحدة لبدنها والآخر لرأسها، فإنها قرب وفاتها كانت حريصة على مزيد من الستر في شأنها، فبالرغم من أنها كانت تعلم بقلة من سيحضر جنازتها من الرجال، وبالرغم من أنها كانت تعلم أن تشييعها سيكون في الليل مما يساعد في خفاء معالم البدن، وبالرغم من أن المرض كان قد أخذ من جسدها مأخذه مما سيخفي معالمه فإن الزهراء (عليها السلام) أول امرأة جعلت فكرة النعش الذي يستر بدن المرأة موضع التنفيذ، وقد روى الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
«أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها، وقالت لأسماء: إني نحلت وذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئا يسترني؟ قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا، أفلا أصنع لك؟ فان أعجبك أصنع لك؟ قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه، ثم جللته ثوبا، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت: اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار». (تهذيب الأحكام ج1 ص469 ح1540/185)
الثاني: إصرارها على تسجيل الموقف لكل الأجيال القادمة ضد من ظلمها وظلم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فعندما جاء من ظلمها ليتظاهرا بالاعتذار منها أظهرت غضبها منهما، ولم تكتف بذلك بل أوصت أمير المؤمنين (عليه السلام ) أن يدفنها ليلا وأن لايشيعها أحد ممن ظلمها، وأن لا يعلم أحدا منهم بقبرها، وكان هذا الشاهد أي خفاء القبر مما لايمكن إنكاره في إثبات غضبها وسخطها على المنقلبين على الأعقاب.
وبالفعل نفذ أمير المؤمنين (عليه السلام ) وصاياها، وهذا ما تظهره رواية الشيخ الطوسي والمفيد في أماليهما، فقد رويا عن الإمام علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهما السلام قال:
«لما مرضت فاطمة بنت رسول (ص) وصت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحدا بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله، على استسرار بذلك ما وصت به، فلما حضرتها الوفاة وصت أميرالمؤمنين (عليه السلام ) أن يتولى أمرها، ويدفنها ليلا ويعفي قبرها، فتولى ذلك أميرالمؤمنين (عليه السلام) ودفنها، وعفى موضع قبرها.
فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال:
"السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك، وقرة عينك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقتعك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك، والحزن الذي حل بي لفراقك، موضع التعزي، ..... إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لايبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك علي، وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين». (أمالي المفيد ص281 ح7 المجلس33، وأمالي الطوسي ص109 المجلس4 ح20)