العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام

منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام المنتدى مخصص بسيرة أهل البيت عليهم السلام وصحابتهم الطيبين

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين للإستاذ بناهيان الجلسة 3
قديم بتاريخ : 25-01-2014 الساعة : 04:36 PM


هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو الجلسة الثالثة من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في جمع من طلاب وأساتذة الجامعة في مسجد جامعة طهران. تمت ترجمتها لما تنطوي على أبحاث بديعة في مختلف المواضيع الأخلاقية. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لترجمة جميع الأبحاث تماما كي لا تقتصر فائدتها على من له معرفة باللغة الفارسية. وأسأله كذلك أن يتقبل هذا العمل القليل خدمة للإسلام والمسلمين ويعصمه من آفات النفس الأمارة والشيطان الرجيم، إنه أرحم الراحمين.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.



نظرة قصيرة أخرى إلى روائع هذه الخطبة

بودّي أن أشير مرة أخرى إلى إحدى خصائص هذه الخطبة المباركة كمدخل للبحث، ثم ننتقل إلى تكملة الأبحاث. من الضروري لكل إنسان أن يستعرض هذه الخطبة لما تتصف به من الشمولية بمستوى كبير. فأحيانا نحن نملك الحافز اللازم للصلاح، وكذلك نحظى برأس مال جيّد لنيل الصلاح، ولكن لم نُحص الفضائل ومصاديق هذا الصلاح كي لا تفوتنا واحدة منها. فمرور الفضائل معا حال كونها مجموعة منتظمة واحدة أمر ضروري لكل من أراد أن يحصل على هذه الفضائل. كما أن لهذه الخطبة إنجازات وآثارا أخرى سأشير إليها لاحقا إن شاء الله.
في الواقع إن خطبة المتقين هي أمطار الفضائل، فكل من يقف تحت فيضها وتسقط قطرات فضائلها على فكره ومشاعره، تنبت أثمارا وأزهارا في وجوده.

خصائص السؤال الجيّد

لقد قال لي الإخوة إنه كان أثر أبحاث الجلسة الماضية هو أن نمتنع عن طرح السؤال تماما، وعليه فاقتضت الضرورة على أن نؤكد الجانب الإيجابي في السؤال ونذكر مواطن الحسن والصلاح في إبداء السؤال. مع أنّي لم أرفض في الجلسة الماضية السؤال الحسن، بل إنما قلت: لابدّ أن نتجنب السؤال السيئ. إن ما أردت أن أؤكد عليه هو أن نقوم بتقييم أسئلتنا ونبحث عن دوافعه وحوافزه حتى أن ندرس أسئلتنا من الناحية النفسية. وهذا ما قام به القرآن بشكل دقيق جدا. من أهم الفوارق الموجودة بين القرآن والكتب العلمية هو أن الكتب العلمية تطرح السؤال وتجيب عنه، بيد أن القرآن لا يطرح السؤال والجواب وحسب، بل يطرح دوافع طرح السؤال أيضا وبكل جرأة. فبأمكاننا أن نخوض في معرفة النفس عبر دراسة أسئلتنا والبحث عن جذورها ودوافعها. إما بالإضافة إلى هذه النقاط التي ذكرناها في الجلسة الماضية، أردفنا نقطة أخرى وهي أنه لا داعي لطرح الكثير من الأسئلة الجيّدة، إذ إن «حسن السؤال نصف العلم».[1] إذن بإمكان الإنسان أن يحصل على النصف الباقي عبر الفكر والتأمل. ولهذا لا داعي لطرح السؤال الجيد والحسن أيضا في بعض الأحيان.
ولكن اسمحوا لي في هذه الجلسة أن أثني على الأسئلة الحسنة في بضع جمل قصيرة كي نتدارك بها ما تركته الأبحاث السابقة من أثر سلبيّ ضدّ السؤال. وهي أن السؤال الجيّد ينشأ من مصدرين: فإما هو ناشئ من وحي العلم، وإما ناشئ من وحي الهمّ. ولا يمكن الحصول على الجواب اللازم بدونهما. فتارة تكون الأسئلة من وحي العلم وحسب وليس فيها شيء من الهمّ والألم. فلا أثر لها وللجواب الذي يحصل عليه الإنسان عبر طرحها ولا سيما في المجالات المعنوية. وتارة تصدر من وحي الهمّ والألم المجرد عن العلم. فلأضرب مثالا:
اقترح عليّ بعض الإخوة قبل سنين أن أقيم هنا (في جامعة طهران) جلسات استشارية في المجالات المعنوية لطلاب قسم الطبيّة. فأقبل الطلاب يسجّلون لحجز الموعد لمدّة أسابيع، وفعلا بدأت الجلسات. أما اللطيف والملفت هو أن في تلك الأيام التي كنت بخدمة الطلاب كانت سبعين بالمئة من أسئلة الطلاب متشابهة ومن نمط واحد. كانت قد انطلقت أكثر أسئلتهم من همّ واحد ومشترك بلا أن يصاحبه علم مكمل لذاك الهمّ. إن همّهم الذي دفعهم لطرح أسئلتهم هو أنهم كانوا يريدون أن يعرفوا مدى شأنهم وقدرهم عند الله. فعلى سبيل المثال قال أحدهم: ارتكبت ذنبا وتبت بعد ذلك، فهل قد تقبلها الله أم لا؟ وقال الآخر: اتخذت برنامجا معنويا وتلكأت في تنفيذه فهل يقبلني ربي أم لا؟ وقال آخر: عزمت على القيام بالعمل الفلاني فهل سيجيبني الله أم لا؟ فكان همّهم هو أن يقضون على حالة الغموض في رؤية الله تجاههم. وأنا كنت أشير إلى نقطة في مقام الجواب وأشعر أن لو كانت هذه الحقيقة في علم الإخوة الطلاب لغضوا الطرف عن طرح أمثال هذه الأسئلة. وهي أن الله سبحانه قد أحاط علاقته مع عباده بهالة من الغموض. فلماذا تريدون أن تزيلوا هذا الغموض برمته؟ ولماذا تعتبرون هذا الغموض عائقا في مسار حركتهم المعنوية؟ ولماذا ترون هذا الغموض دليلا على عدم رضا الله عنكم؟
كما سألني صبيحة اليوم أحد الطلاب وقال: أحيانا أفقد الحال المعنوي، وهذا ما يحكي عن عدم رضا الله عني... . فقلت له: لماذا تعتقد بأنك يجب أن تشعر برضا الله عنك وتلمس ذلك؟ فقال لي: لا أريد أن أشعر به من الناحية المادية، بل أريد أن أشعر بذلك عبر حالي المعنوي وروحيتي وبهجتي في العبادة. فقلت له: إنك تأتي بكلمة «المعنویة» ولكنك تريد أن تشعر به من الناحية النفسية والوجدانيّة. بينما يجب أن نفرّق بين المعنى والمسائل المعنوية وبين الحالات والمشاعر النفسيّة. فلا داعي لأن يشعر الإنسان برضا الله. وهنا يأتي دور الإيمان بالغيب. وهنا يأتي دور العقل. ولكنه استغرب هذا الكلام!

يتبع إن شاء الله...

[1]. بحار الأنوار، ج1، ص224.



من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين 2
قديم بتاريخ : 26-01-2014 الساعة : 05:31 PM


وفي المقابل إذا كان السؤال منطلقا من العلم فحسب دون أن يصاحبه همّ وغمّ، عند ذلك يتلاعب السائل بالجواب، أو لن يوفّق للحصول على الجواب الصحيح، وإذا حصل على الجواب الصحيح ولم يتلاعب به ولم يجادل فيه، لن يطبّقه ولن يعمل بمقتضاه.
إذن لابدّ لأي سؤال حسن وجميل أن يكون نابعا من مصدري العلم والهمّ. فهذه أسئلة جيدة فإن طرحت في محلها، يكون ذلك علامة على أن الجواب في الطريق وسيصل للسائل إن شاء الله. كما لا يخفى أن التطور المعنوي لكل شخص مرهون بمستوى الأسئلة التي تتبلور عنده عن علم وهمّ في مسار حركته التكاملية.

شهود وإدراك الجمال ومستلزماته

لقد كان سؤال همام عن وصف المتقين لينظر إليهم ويشاهدهم ولا بأس أن نقف قليلا عند موضوع «المشاهدة» في هذا المقام. إن المشاهدة هي حاجة حقيقة وليست آلية. إذ ليس المقصود من النظر إلى الزهرة هو شراؤها. ولكن عادتنا ومقتضى حياتنا الدنيوية هي أننا عندما ننظر إلى الوردة ننظر إليها لنشتريها ثم لنضعها في البيت في سبيل أن نتفاخر بها. وقلّ ما نجد إنسانا يشتري الوردة لينظر إليها ولا يقصد وراء النظر أية غاية أخرى. إن النظر لدى أهل المعرفة هي الغاية بحد ذاتها وليست مقدمة لشيء آخر.
إن المشاهدة بحاجة إلى إدراك الجمال في بداية الأمر، وبعد ذلك تحتاج إلى شعور روحي. إن إدراك الجمال وطلب الجمال غير متوفر لدى كثير من الناس. حيث إن علماء النفس لا يعتبرون النزعة إلى الجمال في عداد الاحتياجات الأولى لدى الإنسان. فهم يقسمون الحاجات إلى أربعة أقسام: على رأس قائمة احتياجات الإنسان هي الحاجات الحياتية التي تؤمن حياته وتقيه من الموت والهلاك. ثم تأتي في الدرجة الثانية الحاجة إلى اللذات، وبعد ذلك نصل إلى الحاجة إلى العاطفة والمشاعر. ويعتبرون آخر احتياجات الإنسان هي حاجته إلى الجمال. ولكن ترى بعض الناس قد شغفوا بحبّ الجمال قبل أن تتوفر لديهم احتياجاتهم الأولى.
إن سألني أحد عن سبب تديني أقل له: أنا التزم بديني لكي لا أذوق عذاب القبر، ولا أدخل نار جهنّم. يعني قد انطلقت في الالتزام بالدين من احتياجاتي الأولى ولم ارتفع للمستوى الذي أقول فيه قد اضطرّني إلى الالتزام بالدين جمال الله وحب مشاهدة المزيد من جماله.
إن الله سبحانه قد نهى عن الغيبة بذكر قبحها لا أضرارها. حيث قد صورّها كعمل قبيح جدا يشمئز منه الإنسان. ومن المهمّ أن تمتنع عن الغيبة لقبحها وحسب، وإلا فنستطيع أن نمتنع عنها فرارا من نار جهنّم. فإن امتنع أحد عن الغيبة لقبحها فقط، هذا إنسان يحبّ الجمال، والذي ينتهي عنها لخوفه من نار جهنّم فهو إنسان نفعي. ومقام حبّ الجمال أسمى من مقام النفعيّة بلا ريب.
ولعله لهذا السبب قد دعانا الإسلام إلى تجنب الشهوات. إذ أن الشهوات تعمي بصر الإنسان لرؤية مظاهر الجمال الإنساني فيصبح الإنسان بعد هذا العمي ينتهز أنواع الجمال في سبيل تلبية شهواته. أما الجمال الإنساني فهو ذو معان عميقة جدا حتى الجمال المادي السطحي فضلا عن الجمال المعنوي الذي هو أصل الجمال ورأسه وذو عمق واسع جدا. وما يجري الآن في الأفلام مع الأسف هو انتهاز واستغلال الجمال في سبيل مصالح ومنافع أخس منه رتبة وأدون منه ثمنا.
إن طلب المشاهدة هو في سبيل أن يرى الإنسان ذاك الجمال ويتمتع به. والتمتع بالجمال يتم بمرحلتين: الأولى هي إدراكه والثانية هو عيشه والشعور به. يجب ان تعيش جمال الشيء الجميل.
المشكلة كل المشكلة هي في الشعور بالجمال ولمس الجمال المعنوي، وإلا ففي مرتبة العلم والإدراك لا يعوزنا شيء. نحن لا نحتاج في سبيل إدراك جمال الله والعلم بجماله أكثر من قوله: «قل هو الله أحد». ولكن ما يعوزنا هو الإحساس والشعور بهذا الجمال. نحن بحاجة إلى ما يجعلنا نشعر ونلمس جمال ما نعلمه من الله عز وجل. طبعا لا أنكر أثر بعض الكلمات اللطيفة والبديعة في مزق بعض الحجب الرقيقة ما قد تهزّ قلب الإنسان وتمهّده لتذوق بعض أنواع الجمال، ولكن لا تنحل المشكلة بشكل عام بإلقاء واستماع المحاضرات. لابدّ من تفريغ القلب لذلك.
كان أحد الشباب الجامعيين يتلو القرآن بجوار الكعبة فقال لي: قد اعتراني شعور أثناء تلاوتي لا أستطيع وصفه، وإن وصفته لا يدركه أحد. قال: أثناء ما كنت أتلو القرآن وجعت رجلاي إذ كنت أتلوه بلا وقفة لساعة أو ساعتين. فبينا أنا أتلو القرآن وإذا اعتراني شعور جعلني أبكي إلى الصبح. فقلت له لماذا؟ قال: رأيت فجأة كم أن الله قد تكلم عني وشؤوني مع نبيّه في القرآن، وكم قد صرف من وقته لذلك. فكدت أهلك من البكاء من كوني موجودا مهما لدى الله سبحانه ولهذا قد أنزل من أجلي هذا القرآن.
إن العلم هو الخطوة الأولى لإدراك الجمال، وما يحدث بعده هو الشعور. وهذا ما يقتضي شرح الصدر لإدراك جمال الله وأسمائه.

يتبع إن شاء الله...


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين 3
قديم بتاريخ : 27-01-2014 الساعة : 06:57 PM


كتب لي شابّ آخر وقال لي قد أهلكتني عبارة واحدة من عبارات دعاء الجوشن الكبير في جلسة إحيائنا في ليلة القدر، ما جعلتني أجهش بالبكاء إلى صباح تلك الليلة وهي عبارة «يا ذا العهد والوفاء». قال: شعرت فجأة بهذه الحقيقة وهي أنه ليس لأحد في هذه الدنيا أن يعطيني كلاما ويعاهدني على شيء، إذ ليس بيد أحد شيء ولا يوجد ذو وفاء في هذا العالم. فالشخص الوحيد الذي عهد ويوفي بعهده هو الله سبحانه، إذ شاهدت عهده ووفاءه.
فإذا طالبتم هذا الشابّ أن يشرح لكم هذه العبارة لتدركوا جمالها وحرارتها فلا يمكن. فلا تعالج المشكلة بالشرح، بل نحن بحاجة إلى عملية تشريح في صدورنا وقلوبنا ليتمكن القلب من مشاهدة هذا الجمال.
في سبيل كسب هذا الشعور وتعزيزه الذي يجعل الجمال على رأس حاجات الإنسان ويمكنه من إدراك جمال الله، لابدّ اجتياز بعض المقدمات والمراحل.

1ـ الابتعاد عن القبائح

فعلى سبيل المثال لابدّ للإنسان أن يغضّ عين قلبه عن المشاهد غير الجميلة في العالم. لابدّ أن يكفّ عن إنتاج ما ليس بجميل. كيف يريد الإنسان أن يشعر بجمال الله وهو ينتج غير الجميل بأعماله وصفاته. فإذا كان الإنسان ينتج الأفعال القبيحة وغير الجميلة، عند ذلك تعجز روحه عن إدراك مصاديق الجمال في هذا العالم. فلا يشعر حينئذ بجمال الله. يجب أن يبتعد الإنسان عن الغيبة والكذب وباقي السيئات والقبائح حتى تتمهد روحه لإدراك الجمال.
من مراقبات العطّار أنه لا يشتمّ أية رائحة، حتى يحافظ على شامته وذوقها. ومن هذا المنطلق تجدون الشيخ بهجت(رض) ما كان ينظر إلى كل شخص ولا يكلم كل إنسان، حيث كان يراقب نوافذ قلبه ولا سيما عينه وسمعه. فليس لنا بد من هذه المراقبات.
قال لي أحد الشباب: نحن في أجواء هذه المدينة، فنتلوث بأشكال المشاهد والصور والأحاديث شئنا أم أبينا، فما نفعل؟ قلت له: اقرأ القرآن ليلا، وطهر أوساخ قلبك بجمال آيات القرآن. وهذا أمر لابدّ منه.
وبالتأكيد ليست الأفعال القبيحة هي كلّ ما ينبغي الإنسان أن يجتنبه، فلابدّ من الاجتناب عن الأفكار القبيحة والرغبات القبيحة كالحقد على الآخرين. فلنحاول أن نبعد كل هذه الأمور عن قلبنا. ونفرّغه لإدراك الجمال. فإن الهجرة إلى الله بدافع الجمال لها طعم آخر.

2ـ مصاحبة أهل الجمال

الخطوة الأخرى التي لابدّ أن نخطوها في هذا المسار هو مصاحبة أهل الجمال. إن أئمتنا المعصومين هم «وجه الله»، فلنصاحبهم ونستأنس بهم، فعند ذلك تتغير ذائقتنا ونستأنس حينها بجمالهم.

3ـ الخلوة مع الطبيعة

كما ينبغي أن لا نمرّ مرور الكرام عن جمال الطبيعة. حيث يعتبر الفنانون بأجمعهم أن هذا الجمال الطبيعي هو مصدر إدراك الجمال بشكل عام. فلتكن لكم خلوة مع الطبيعة، مع الليل ونجومه، مع الصحاري والجبال والبحار. فإن الخلوة مع الطبيعة مستحسن جدا.
أنا أعتقد أن ما قاله أمير المؤمنين(ع) أن: «النَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ يُسْر؛ صحفيفة الإمام الرضا(ع)، ص72»، لم يكن بغرض صحة الجسم وحسب. واستبعد أن تكون بعض إرشادات أمير المؤمنين(ع) ذات بعد واحد، ولا يمكن افتراض الحياة ذات بعد واحد. عندما يوصي أمير المؤمنين بهذه التوصية فلابدّ أن يكون في هذا النظر أثر خاص على روح الإنسان.
على كل نحن بحاجة إلى مراقبة عامة في سبيل تطهير القلب من الأوساخ والقبائح لكي نتمكن من إدراك الجمال المعنوي في هذا العالم.

يتبع إن شاء الله...



من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين للإستاذ بناهيان الجلسة 4
قديم بتاريخ : 17-02-2014 الساعة : 03:31 PM


إليك ملخّص الجلسة الرابعة من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في جمع من طلاب وأساتذة الجامعة في مسجد جامعة طهران.

دواعي وفوائد ابتداء الكلام بحمد الله

لقد ابتدأ أمير المؤمنين خطبته بحمد الله والصلاة على نبيه وآله وهناك داعيان وفائدتان يمكن تصورهما لحمد الله في أول الكلام.

الداعيان: مراعاة الأدب/ حبّ الله

الداعي الأول هو مراعاة الأدب. فالذي يبتدأ كلامه بحمد الله والصلاة على نبيه فهو في الواقع قد عمل بمقتضى الأدب لله سبحانه وتعالى. ولكن هناك من يجتاز هذه المرحلة فيراعي الأدب إذ قد أشرب قلبه من حبّ الله. فهو في الواقع لا يستطيع أن يبتدأ كلامه بغير حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه وأهل بيته.
فإذا استطعنا أن نبتدأ بحمد الله والصلاة على نبيه وآله بحافز الحبّ والعشق فطوبى لنا، وإلا فلنفتتح الحديث بذكرهم أدبا. إنه عمل صغير ولكن آثاره كبيرة جدا. لا بأس أن تلتزموا بهذا الأدب على مستوى القلب لا اللسان فقط وتضيفوا إلى ذكر الله حمده والصلاة على نبيّه وأهل بيته. وأتصور أن كل من داوم على هذا العمل والتزمه في حياته سوف يرى آثاره الجيدة.

الفائدتان: تذكير الآخرين/ اتخاذ موقف

وهناك فائدتان متصورتان لهذا العمل، وهي أنّكم بهذا السلوك تذكرون الآخرين بالله وبحمده وبالرسول(ص) والثناء عليه. فإن في هذا التذكير درسا كبيرا للآخرين الذين كانوا قد غفلوا عن هذا العمل. كما عندما يحضر الإنسان في صلاة الشيخ بهجت(ره) قد يتعجب من شدّة خشوع الشيخ وشدّة خضوعه أمام الله سبحانه، فلعلّه يتساءل في نفسه هل أن الله عظيم بهذا القدر ولابدّ من الخضوع والخشوع أمامه إلى هذا الحدّ، وهل يمكن أن يحبّه الإنسان بهذا المستوى ما يجعله يبكي في صلاته حبا وشوقا وخوفا وحشوعا؟! فانظروا كم يمكن لسلوك ما أن يشتمل على دروس وإشارات!
وهناك أمر آخر لابدّ من إضافته كفائدة لهذا العمل وهو أن هذا النمط من الابتداء هو موقف في حد ذاته. فإنكم عندما تبدأون كلامكم باسم الله وبالصلاة على النبي وآله، سوف تُحرَمون من بعض الأساليب و الطرق العصرية والتي قد تبدو أنيقة وجذابة. فهذا الذي يبتدئ كلامه وعمله باسم الله وباسم الرسول وآله فهو في الحقيقة قد أفصح عن موقفه.
أنتم تعرفون أنّ أحد أساليب المجاملة والتظاهر بالحيادية هو أن لا يصرّح الإنسان باسم الشخصيات والمسؤولين والأحزاب. وهو أسلوب متعارف ومطلوب في كثير من الأحيان. أما بالنسبة إلى الله والرسول وآله فلأننا نودّ أن ننخرط في حزبهم ولا نبغي أن نكون حياديّين فنصرح باسمهم لنعلن عن مبادئنا وموقفنا بشكل صريح. وإن هذا الإعلان واتخاذ الموقف الصريح يجعل الإنسان يتمتع بدينه وديانته ويشعر باللذة المعنوية.
ليس من الفنّ والإناقة أن لا يذكر الإنسان اسم ربّه ونبيّه لكي يخفي موقفه تحرجا من بعض الأوساط، فإن أمثال هذه المواقف قد تسلب من الإنسان بركة دينه. من الجميل جدّا أن تبدأوا حديثكم في خطبتكم ببسم الله الرحمن الرحيم ثم اذكروا الإمام صاحب العصر والزمان(عج) مثلا بشكل أو بآخر. وأنتم تعلمون كم هو موقف كبير وقيّم من الشابّ في جلسة خطبته. وهنا سوف يعرف أهل الفتاة مدى علاقتكم بأهل البيت(ع). ومن شأن هذا الموقف أن يجلب البركات لحياتكم ويجرّ ألطاف الإمام الحجة(عج) إليها. إن في هذه الممارسات والمواقف لذة ومتعة خاصة، وحري بمن شاء أن ينخرط في حزب الدين أن يمارس هذه الأعمال ويتخذ مثل هذه المواقف.

وقفة عند مقدمة الخطبة

بعد ما انتهى أمير المؤمنين(ع) من حمد الله والثناء عليه، يقدم مقدمة قصيرة جدا في مقطعين ويشتمل كلا المقطعين على جزئين. فهي مقدمة مجملة جدا ومقسمة إلى أربعة أقسام. وكذلك ينبغي أن نقف عند جمالها ولحنها.
قال(ع): «َ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَه مِنهُم‏» ولا يخفى عليكم أن العرب يدركون روعة هذه العبارة من مختلف أبعادها. وفي القسم الثاني من مقدمته قال(ع): «فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُم‏»

إن الله متكبر عظيم ولولا ذلك لما أمكنت عبادته ومحبته

أول ما ابتدأ به أمير المؤمنين(ع) بعد الحمد والثناء هو تعظيم الله وبيان عزّته وغناه. إذ لا يمكن عبادة إله غير عظيم. ولا يمكن أن يعشق الإنسان إلها غير متكبّر. ولا يمكن عبادة إله غير واحد أو يتحمّل إلى جانبه موجودا غيره. كما لا يمكن عبادة إله يتنازل عن الشرك في عبادته ويقبل الصلاة من عبده حتى وإن كان قد أشرك غيره في واحد بالمئة من أجزائها وكان الباقي لوجهه. فلا يمكن عبادة إله يغضّ الطرف عن هذا الجزء الواحد بلا أن تأبى كبرياؤه وعظمته.
فلا نصغّر الله في سبيل أن يسهل علينا إدراكه والارتباط به. ولا نصوّر رأفته ورحمته بالنحو الذي تتغارض مع عظمته وكبريائه.

يتبع إن شاء الله...


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 15  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين 2
قديم بتاريخ : 22-02-2014 الساعة : 11:47 AM


إن إدراك رأفة الإمام تقتضي معرفة عظمته

كما أنكم إذا أردتم أن تدركوا رأفة الإمام الرضا(ع) ومدى شفقته بشيعته، لابدّ أن تراعوا منتهى الأدب في حضرته ولا تدخلوا حرمه إلا بعد ما تستأذنوه بقراءة إذن الدخول، فإن مراعاة هذا الأدب والعمل بمقتضى عظمة الإمام(ع) وعلوّ مقامه هو الذي يجعلكم تشعرون بمحبوبيته ورأفته.
إن الطريق الوحيد الذي يعرفه الناس في كسب محبّة الإمام(ع) هو استماع القصص والكرامات التي تحكي عن مدى رأفته وقضائه حوائج الناس وحلّ الأزمات المعقّدة وشفاء الأمراض المستعصية. ولكن إلى جانب هذه القصص الجميلة والمؤثرة بحقّ في قلوبنا هناك طريق آخر يضاعف حبنا للإمام(ع) بشكل غير مباشر وقلّ ما يتحدث المحدثون عنه، وهو آداب الدخول في حرم الإمام وآداب زيارته. وهذا هو الذي جعل الشيخ بهجت(رض) يراعي شدّة الأدب عند الإمام(ع) حيث نقل عنه نجله قال: في أحد الأيام التي كان قد ذهب والدي إلى زيارة الإمام الرضا(ع) وقف أمام الضريح وبدأ يزور ويناجي الإمام لمدة ثلاث ساعات، فقد كادت رجلي أن تنكسر من شدة الوجع مع أنّي كنت شابّا!
فالسبب غير المباشر في تعزيز حبّنا للإمام المعصوم(ع) ليس كراماته وقصصه، فإنها هي أسباب مباشرة، ولكن السبب غير المباشر في ازدياد حبّنا للإمام(ع) هو عظمة الإمام ما تجعل كبار الشخصيات وعظام العلماء يأتونه بكل أدب وخشوع.

إن الله متكبر وهذا هو المدعاة لحبه وعشقه

فخذوا هذا المثال وطبّقوه على علاقتكم بالله سبحانه. فبمقتضى عظمة الله وكبريائه إنه لا يجامل أحدا. ففي سبيل أن يُدخِل حبّه في قلوبنا فرض علينا الصلاة وجعل مستهلّها «الله أكبر» لا «الله أرحم». إنه أمرنا بصلاة تشتمل كل ركعة فيها على خضعات ثلاث؛ أي ركعة وسجدتين.
لا يتكلم الله معكم كما تناغي الأمّ طفلها، إذ هو يعرفكم جيّدا، ويعرف أنه لا يحتلّ قلوبكم بطريقة مثل أن يفرض عليكم عظمته وأن يأمركم بتعفير جبينكم أمامه. فبهذا الأسلوب يزداد حبّنا لله؛ بالأدب لا بأدبيات الحبّ والغرام.
اقرأوا سورة التوحيد وانظروا كم هي تحكي عن كبرياء الله. ففي هذه السورة قد فصل الله نفسه عن مخلوقيه تماما، ورفض أي شبه بينه وبين ما سواه. فهذه السورة بما تنطوي على مضامين كبرياء الله مدعاة لازدياد حبّنا له.
ولهذا ترى أمير المؤمنين(بأمي وأمي) يشير إلى عزة الله وعظمته وغناه في مستهلّ حديثه قائلا: «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ» لئلا يتصوّر أحد أنّه صاحب فضل على الله بتقواه وورعه، ولا یتوهّم متوهّم أنه ينفع الله بما يقوم به من طاعة وعبادة، ولا يزعم أحد أنه قادر على إلحاق الضرر بالله بمعصيته وفسقه؟!
فلا بأس أن نقف عند شعور أمير المؤمنين(ع) عند بيان هذه العبارة، فكأنه أراد أن يشير إلى عظمة الله وكبريائه وعزته قبل أن يستعرض صفات المتقين الرائعة.

لا تختص التقوى بمزاج خاص دون غيره

ثم في المقطع الآخر قال أمير المؤمنين(ع): «فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُم». فعندما خلق الله الناس، جعلهم مختلفين في معايشهم ومواضعهم ومواهبهم وقابليّاتهم.
ولا يخلو هذا الاختلاف من أسرار. واحد يولد في هذا تموز والآخر في شباط وخلق هذا في هذه الأسرة وجعل ذاك في ذاك المجتمع... وكل هذه الاختلافات مدروسة ومبرمجة. ففي هذه الأجواء «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ‏ الْفَضَائِل‏» ومن هنا يبدأ الكلام.
لعل مزاجنا يختلف عن مزاج زميلنا، فقد يكون دمنا حارّا ما يجعلنا نغضب بسرعة، أما الآخر فإنسان بارد لا يغضب. وقد تكون أنت من النوع الذي يظهر مودّته للآخرين، أما غيرك فلا يستطيع أن يبدي مشاعره ويظهر مودّته. فالناس مختلفون في طبائعهم وخصالهم وظروفهم، ولكن لا شكّ في أن الجميع معنيّون بمراعاة التقوى.
فلا ينبغي أن نرى التقوى هي سلوك تنسجم مع بعض الطبائع والأمزجة دون غيرها، كما هو الحال في الغرب حيث يعتبرون التديّن ملائما لبعض الطبائع وحسب.

إن انسجمت مقتضيات التقوى مع إحدى خصالنا في مرة فإنها سوف تعارضها في مرة أخرى

إن كان تديّنك ناجما من بعض طبائعك وسجاياك، فإن الله سوف يسلب هذا الدّين منك. فإذا كان الإنسان ملتزما ببعض ظواهر الزهد بدافع سجاياه أو خصائصه الوراثية، يمتحنه الله بموقف ما يفرض عليه فيه أن يتخلّى عن التزامه بما اعتاد عليه. وفي الحقيقة لن يأمر الله بترك الزهد، ولكن يغيّر قوالب الزهد وظواهره.
ما معنى التقوى؟ التقوى هي أن تترك ما يعزّ عليك تركه من أجل الله، وتقوم بما يعزّ عليك فعله من أجل الله. وبطبيعة الحال تختلف مصاديق هذه القاعدة بين الناس باختلاف طبائعهم وسجاياهم وظروفهم. ومن هنا تبدأ التقوى ويمتاز المتقي الحقيقي عن غيره.

تختلف مصاديق التقوى من شخص إلى آخر

«فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ‏ الْفَضَائِل‏» يعني أنهم قد التزموا التقوى بالرغم من هذه الاختلافات الموجودة بين طبائع الناس. فليست التقوى سجية وخصلة في غرض خصلة المزاح والرأفة والشجاعة وغيرها، بل هي شيء وراء هذه الخصال وفوقها. فلعل أمير المؤمنين(ع) أراد من خلال هذه المقدمة أن يشير إلى إمكان التقوى للجميع مع كل الفوارق الموجودة بينهم.
وكثيرا ما تختلف مصاديق التقوى من شخص إلى آخر. فعلى سبيل المثال يجب عليّ أن أتقي الله وأجاهد نفسي وأفرّ من مدح الآخرين وثنائهم عليّ لكي لا أغترّ ولا أتورط بالعجب، أما الإمام الراحل(ره) فكان تكليفه هو أن يتقي الله ويأتي إلى الناس من شرفة حسينية جماران ويحيي الناس ويسمع هتافاتهم في مدحه والولاء له. فإنه كان يفعل ذلك بسبب تقواه وإلا فلو كان يريد أن يعمل على أساس ما يهواه لاعتزل عن الناس وانشغل بالله بعيدا عما يجري في الدنيا. ولكنه كان يتّقي الله ويعمل بتكليفه.

يتبع إن شاء الله...


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.07 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي شرح خطبة المتقين 3
قديم بتاريخ : 25-02-2014 الساعة : 10:21 AM


لا تعوّلوا على فضائلكم الذاتيّة والوراثية

فلنخض في خطبة أمير المؤمنين(ع) لنشاهد فضائل المتّقين. ثم ينبغي لكم أن تفرّقوا بين هذه الفضائل وبين الصفات الحسنة غير المكتسبة والطبيعية المتوفّرة في خصال الناس.
قال لي أحد زملائي في أيّام الدراسة: إن أصدقائي وزملائي يحترموني كثيرا لكونهم قد استحسنوا أخلاقي وسلوكي ولم يروا مني إلا خيرا، ولكني لم أجد نفسي أهلا لهذا الثناء والمدح والاحترام. فقلت له: من الجيد أن لا يرى الإنسان نفسه شيئا ولا يغتر بمدح الآخرين له... ولكنه لم يقتنع بجوابي وقال لي: أشعر بأن حالي المعنوي أسوأ بكثير مما يبدو في ظاهر سلوكي وعملي. ثم بدأنا سوية ندرس صفاته وسلوكه، فخرجنا بنتيجة أن كل ما يشتمل عليه من حسنات وفضائل فإنها من طبائعه وما ورثه من أبويه أو ما اقتضت بيئته وظروف نشأته. فقلت له: إن هذا الشعور الذي اعتراك بسبب أنك لم تجاهد نفسك ولم تعمل شيئا في سبيل كسب هذه الفضائل بل قد جاءتك بلا تعب. فلا فضل فيما اشتملت عليه من هذه الخصال بل هي فرصة ورأس مال لكسب المزيد من الفضائل.
وهناك رواية عن الإمام الصادق(ع) حيث يفضل الفضائل الاكتسابية على الذاتية؛ «عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَ‏ الْخُلُقَ‏ مَنِيحَةٌ يَمْنَحُهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقَهُ فَمِنْهُ سَجِيَّةٌ وَ مِنْهُ نِيَّةٌ فَقُلْتُ فَأَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ صَاحِبُ السَّجِيَّةِ هُوَ مَجْبُولٌ لَا يَسْتَطِيعُ غَيْرَهُ وَ صَاحِبُ النِّيَّةِ يَصْبِرُ عَلَى الطَّاعَةِ تَصَبُّراً فَهُوَ أَفْضَلُهُمَا»[الكافي/ج2/ص101].

التقوى بمثابة السبح عكس التيار

التقوى بمثابة السبح عكس التيّار، فأدب هذا الإنسان الذي لم يتعلّم من أسرته وبيئته الشتم والسباب، لا يدلّ على فضيلة له، إذ ورث هذا الأدب من آبائه وبيئته ولم يسع لها شيئا. وهكذا كثير من فضائلنا وصفاتنا الجيدة هي وراثية وغير متعوب عليها ولهذا لا تعتبر رصيدا قويّا لتقوى الإنسان.
ومن جانب آخر، إن بعض حسناتنا هي ما تقتضيه حياتنا الدنيوية وحتى قد تكون خطة. فإذا لم أبتسم ـ أنا المعمّم ـ في وجه الناس سيقولون ما أقبح أخلاقه. فهذا الصنف الذي أنتسب إليه يقتضي أن أكون مبتسما بين الناس. فلا يدرى كم من هذه الابتسامات التي أوزعها بين الناس هي في سبيل الله، حتى يمكن عدّها من الفضائل.
فبعض فضائلنا غير مكتسبة، وفرضتها طبيعتنا علينا فرضا، وبعض أخر هي فضائل تجارية، وهي من قبيل الأخلاق الحسنة واللسان المعسول والوجه البشاش والمشي المتواضع لكسب الناس إلى أنفسنا وتلطيف سمعتنا بينهم. وكل هذه الفضائل هي غير التقوى.

كلما ازداد الإنسان مواهب كلما يزداد حاجة إلى التقوى

لقد منح الله بعض الشعوب وبعض الناس مواهب وطاقات أكثر من غيرهم. فترى بعض الشعوب يحظون بالعقل والمشاعر معا. فمثل هذه الشعوب إذا أرادت أن تنال سعادتها، تكون أحوج من أيّ شعب آخر إلى التقوى. كما تجد بعض الشعوب تحظى بهمم وطموحات عالية تفتقدها غيرها من الشعوب. وهنا يأتي دور التقوى إذ لا شكّ في ضرورة تعديل هذه الهمم والطموحات بالتقوى.
الأذكياء أكثر حاجة إلى التقوى، وإلا فقد يؤول ذكاؤهم إلى استغلال الآخرين ونهبهم. وكذلك الفنانون أكثر حاجة إلى التقوى وإلا فقد يغرون الناس بفنّهم. وكذلك الاجتماعيون والذين يتأقلمون مع مختلف الظروف أكثر حاجة إلى التقوى، فلولاها قد تنجرّ خصلتهم هذه إلى النفاق.

ما نصنع بفضائلنا الذاتية والوراثية؟

عندما تسمعون الفضائل التي يحصيها أمير المؤمنين(ع) للمتقين، غضّوا الطرف عن تلك الفضائل التي تجدونها عندكم وسلطوا الضوء على ما تفتقدونه منها. طيب؛ ما نصنع بفضائلنا إن لم تأت عن طريق التقوى وكنا قد ورثناها من أبوينا أو كانت مما وهبتها لنا بيئتنا أو طبيعتنا؟ هنا لابدّ أن ندع هذه الفضائل جانبا ونعمل بها من أجل الله وهذا من أصعب مراحل سلوك الإنسان. فعلى سبيل المثال أحد أعمالنا الحسنة والجيدة هو الأكل. فهل تستطيعون أن تأكلوا الطعام في سبيل الله؟!
من السهل جدا أن نصلي من أجل الله، إذ لولا أمر الله لما صلينا أبدا، أما الأكل فيختلف أمره. هل تستطيعون أن تتنفسوا من أجل الله؟! فهو أشبه شيء بالمستحيل. إن بذل النفْس في سبيل الله أسهل بكثير من جرّ النَفَس من أجله. وكذلك الحال بالنسبة إلى الصفات التي ورثناها من آبائنا وأمهاتنا فمن الصعب جدا أن نعمل بها من أجل الله. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا لنيل هذه الدرجات من فضائل المتقين.

إن تحصيل التقوى ليس بأمر هيّن

إن توفيق كسب الفضائل توفيق لا يناله إلا قليل من الناس، إذ أن أكثر الناس يكسبون فضيلة أو فضيلتين أو ثلاث وهي فضائل قليلة جدا. فتجد أكثر الناس لا يغيّرون أنفسهم وإنما فضائلهم ومحاسنهم هي التي ورثوها من آبائهم وأمهاتهم.
ولهذا تجد أخلاق كثير من الناس تشابه أخلاق آبائهم، فلم يتعبوا على أنفسهم ولم يغيروا شيئا من صفاتهم إلا بعض الشكليات الظاهرية. فعلى سبيل المثال كان الوالد يغضب على صانعه في الدكان، أما الابن فيغضب في دائرته كمدير عام. فكان الأب يصفع صانعه إذا غضب، أما الابن فيعزل وينصب من وحي غضبه. فهو على سر أبيه ولم يتغير سوى في بعض الظواهر والشكليات أما فالصفات فهي نفسها.
فهناك القليل من الناس يستطيع أن يشتغل على نفسه بحيث يكسب صفات تختلف تماما عن مقتضيات طبيعته ووراثته وبيئته. فكم نجد أحدا ترعرع في أسرة عصبية وهو كان إنسان عصبي بمقتضى طبيعته ووراثته، ثم تعب على نفسه في مسار تغييرها وإصلاحها حتى حصل على نفسية هادئة مطمئنة لا تغضب في غير محلّه ولا تثار في أمر باطل حتى ولو استفزّه الناس أجمعون! فمثل هذا الإنسان يصدق عليه أنه اتّقى الله ونال الفضائل.
اللهم اجعلنا من أهل التقوى. وفقنا لكسب فضائل المتقين. اللهم إنا وإن لم نكن من أهل التقوى ولكن نحبهم ونودهم فاقبلنا واستجب لنا بهذا الحب يا الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 07:59 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية