سيناريو يوم القيامة: ماذا لو دمرت منشآت النفط السعودية؟
بتاريخ : 22-12-2013 الساعة : 08:47 PM
سيناريو يوم القيامة: ماذا لو دمرت منشآت النفط السعودية؟
بانواما الشرق الاوسط
الاحد , 22 كانون اول / ديسمبر 2013
ستعرض لكم الجزء الثالث من كتاب “النوم مع الشيطان” لمؤلفه روبرت باير الضابط الميداني السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية.
الجزء الثالث:
وقفت سيارة الفورد البيضاء التي تقلني بجانب البرج رقم “7″ الذي يعتبر واحدا من أهم عشرة مبان في “بقيق”، ويستخدم لإزالة الكبريت من البترول، أو تحويله من “الحامض” إلى “الحلو”، وفقا للمصطلحات النفطية.
إلى الشرق، ترى عبر الصحراء السعودية، -حيث تلوح الشمس صباحا في الأفق- يقف سائق الشاحنة، وهو واحد من آلاف المسلمين الشيعة الذين يعملون في حقول النفط السعودية، أطفأ المحرك، وبدا يتفقد ساعته للمرة الأخيرة، وبدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، التي حفظها منذ فترة طويلة، وأضواء أكبر منشأة لاستخراج ومعالجة النفط في العالم تتلألأ من حوله.
في غرب “بقيق” ترى في سفوح جبال الرماح الجاثمة في قلب المنطقة البدوية، سعودي وهابي، من المتعصبين الدينيين الذين حملوا آل سعود إلى السلطة، تم تدريبه في أفغانستان من قبل رجل كان يدرس لدى وكالة الاستخبارات المركزية. وفي سفوح الجبل، تقبع مضخة هي أول محطة في خط أنابيب النفط تنتج ما يقرب من مليون برميل يوميا من الخام من “بقيق” عبر شبه الجزيرة إلى البحر الأحمر والميناء البحري في “ينبع”.
“آل سعود” في تراجع كبير فالنفط الذي يغذي رغباتهم وشهواتهم لم يعد منتجا مثل السابق، بوجود الشيطان الأميركي والحماية الإسرائيلية له. العالم يجب أن ينتبه أن الاقتصاد ينهار.
أنا بحثت في التفاصيل وتحدثت عنها، ولكن لم اخترع أي شيء، إنها دراسات لمتخصصين في صناعة النفط السعودي. ففي الفترة الممتدة من 1930 إلى العام 1960 كانت المملكة العربية السعودية مكتبا فرعيا “للعملاق الأميركي” – الخيال الأممي الجمهوري. وظلت الولايات المتحدة تشعر بالأمان باعتبار أن النفط السعودي سيكون دائما لها، وهو تحت الرمال، وبالرخص عينه، كما لو كانت وجدته في فورت نوكس. قمنا ببناء قطاع النفط في المملكة العربية السعودية، وبجهودنا، حصلنا على حق الوصول الكامل وبسهولة لنفطها الخام.
بداية الذعر الأميركي: أزمة النفط عام 1973
أزمة النفط في العام 1973 أفقدت تلك الزهرة عبيرها، ولكن تحول القلق إلى ذعر في وقت مبكر من العام 1980 خلال الحرب بين إيران والعراق، وخصوصا عندما بدا وكأن إيران ستجر الحرب إلى الجانب العربي من الخليج (الفارسي)، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
هذا الكابوس أدى إلى انخفاض في معدل نمو الاقتصاد في العالم، وباشر خبراء الكوارث داخل الحكومة الأميركية وخارجها توجيه أسئلة مقلقة. ما هي النقاط النفطية والبنية التحتية في السعودية الأكثر عرضة للهجوم الإرهابي؟ وماذا يعني؟ ما أنواع التعطيل القصيرة والطويلة المدى لتدفق النفط؟ وما هي العواقب الاقتصادية؟.
خلص مخططو الكوارث إلى أن المجمع الخام في “بقيق” هو النقطة الأكثر ضعفا في النظام النفطي السعودي والهدف الأكثر جذبا. فبسبعة ملايين برميل تنتج يوميا في “بقيق” يعتبر هذا المو%²«a
A “غودزيلا” المرافق النفطية.
عموما، رأى الباحثون أن أي هجوم على “بقيق”، قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في صهاريج التخزين والأجسام شبه الكروية الكبيرة المستخدمة للحد من الضغط على النفط خلال عملية التكرير، وأضرار متوسطة على الأبراج حيث تتم إزالة النفط من الكبريت.
استعادة عمل الأجسام الشبه كروية لا يتطلب أكثر من تركيب سلسلة من الصمامات المؤقتة، لتحل في نهاية المطاف بشكل دائم. وصهاريج التخزين لن تكون جزءا كبيرا من المشكلة، وهناك عدد قليل من الإصلاحات هنا وهناك، وسيكون لديها القدرة على العودة للإنتاج الكامل في وقت من الأوقات. استقرار الأبراج قصة أخرى. فالكبريت والنفط يسيران جنبا إلى جنب، العمليات نفسها تستمر وحتى إزالة الكبريت، البترول لا طائل منه، ولنقله من دولة إلى أخرى – ومن حامض إلى حلو – البترول يمر بعملية تعرف باسم “السلفرة الهيدروجينية”.
في “بقيق”، السلفرة الهيدروجينية تجري في عشرة أبراج اسطوانية طويلة. داخل الأبراج، يتم إدخال الهيدروجين في الزيت بكميات كافية لتحويل الكبريت إلى غاز كبريتيد الهيدروجين، الذي يرتفع بعد ذلك إلى الجزء العلوي من الهيكل، حيث الحصاد ويصبح في مرحلة مؤذية، الكبريت آمن بيئيا، وقابل للاستخدام. لكن كبريتيد الهيدروجين هو غاز غير متواجد ومستهلك يوميا. وهو مألوف لطلاب المدرسة الثانوية الذين يدرسون الكيمياء وأما الغاز الأبيض الفاسد، فهو ضار للغاية ويحتمل أن يكون قاتلا للبشر. طالما أن استقرار الأبراج يقتصر على الغاز فإن كل شيء جيد.
في الغلاف الجوي، كبريتيد الهيدروجين يتفاعل مع الرطوبة لخلق حمض ثاني أكسيد الكبريت. وعندما يتشكل فإن الأسيد يتجمع بسرعة في الأنابيب المحيطة به، صمام التجهيزات، والروابط، ومحطات الضخ، وصناديق التحكم، تبدأ بالانتشار كالنمل الأبيض. والإصدار الأولي لكبريتيد الهيدروجين تكون له آثار أكثر خطورة بسبب تأثيره على البشر.
الوكالة الاتحادية للمواد السامة وتسجيل الأمراض (ATSDR)، والوكالة التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض، صنفت كبريتيد الهيدروجين باعتباره broad spectrum poison – - أي أنه يهاجم أنظمة متعددة في الجسم. “استنشاق كمية كبيرة من مادة كبريتيد الهيدروجين تسبب الوفاة في غضون بضعة دقائق، تقارير ” ATSDR” تؤكد انه “يمكن أن يكون هناك فقدان للوعي بعد نفس أو أكثر” ويتسبب في تهيج العين، والتهاب الحلق والسعال، وضيق في التنفس، والسوائل في الرئتين. هذه الأعراض عادة ما تذهب بعيدا في غضون بضعة أسابيع. على المدى الطويل، قد يؤدي التعرض لمستوى محدد من الاستنشاق إلى التعب، وفقدان الشهية، والصداع، والتهيج، وضعف الذاكرة، والدوار “.
إدارة السلامة والصحة (OSHA) -جناح الولايات المتحدة- ووزارة العمل ركزا على سقف مقبول وهو عشرين جزءا في المليون من كبريتيد الهيدروجين في مكان العمل، مع أقصى مستوى من خمسين جزء في المليون لمدة عشر دقائق “إذا لم يحدث التعرض لأي مقياس آخر”. وأوصى المعهد الوطني للسلامة المهنية بمستوى التعرض بحد أقصى عشر جزء في المليون.
أي هجوم متوسط القوة وناجح على منشأة “بقيق” يسمح بتسريب سبع مئة جزء في المليون من مادة كبريتيد الهيدروجين في الغلاف الجوي. قوته سوف تتبدد، ولكن ليس بسرعة كافية لمنع وفاة عاملين في الجوار المباشر وإصابات خطيرة للآخرين في المنطقة – أو لوقف كبريت ثاني أكسيد الكربون من التسرب إلى قلب البنية التحتية النفطية السعودية. كما من شأنه ردع عملية الإصلاح وعرقلتها لمدة أشهر.
الهجوم المتوسط على “بقيق” سيبطئ إنتاج 6.8 مليون برميل يوميا وما يقرب من مليون برميل في شهرين، أي ما يعادل حوالي ثلث الاستهلاك اليومي لأميركا من النفط الخام، وبعد سبعة أشهر من الهجوم، انتاج “بقيق” سوف يعود بنسبة 40 %، أي بقدر 4 ملايين برميل اقل من العادي – ما يعادل تقريبا ما ينتجه جميع شركاء أوبك خلال حصار العام 1973.
سيناريو “بقيق واحد من العديد من السيناريوهات التي وضعها مخططو الكوارث في عهد ريغان، وذلك جزئيا لان نظام النفط في المملكة العربية السعودية غني ومستهدف. أي نفط يعتمد نظام الاستخراج، والإنتاج، والتسليم بمعظمه مهدد “بهيكله الخارجي”. أضف إلى ذلك تضاريس شرق المملكة العربية السعودية، حيث تقع حقول النفط الهائلة – والرمال التي تتخللها الكثبان المتنقلة، و التي تنزلق نحو الخليج الفارسي- وشكل ذلك أسوأ كابوس للأمن القومي. انخفاض البنية التحتية للنفط السعودي تشبه وضع بعض الأسماك في برميل لصيدها. إنها ليست مسألة فرص، بل هي مسألة الرجال الأقوياء وماذا لديهم للعمل به؟.
المملكة العربية السعودية لديها أكثر من ثمانين حقل نفط وغاز نشطين، وأكثر من ألف بئر تعمل بشكل جيد، ولكن نصف احتياطياتها المؤكد يشكل 12.5 % من النفط العالمي وه موجود في ثمانية حقول، بما في ذلك حقل الغوار، -أكبر حقول النفط في العالم وبفارق شاسع عن الحقل التالي له.
العنصر الذي جعل “بيرل هاربور” هدفا جذابا في العام 1941 كان قوة النيران الأمريكية، الجوية والبحرية، المحصورة في مساحة صغيرة، فحتى لو أخطئت القنبلة اليابانية هدفها، فإنه كانت على الأرجح ستجد شيئا يستحق التفجير. من الناحية التكتيكية، الملاعب السعودية تقدم نفس النوع من البيئة المستهدفة. ويخلص السيناريو الاول إلى أنه إذا سعى الإرهابيون إلى ضرب خمسة فقط من ابرز النقاط الحساسة في النظام النفطي للمملكة العربية السعودية، فذلك من شانه أن يعيد السعوديون عشرين سنة إلى الوراء.
بمجرد أنها خارج الأرض أو قاع البحر، النفط السعودي يتحرك في سبعة عشر ألف كيلو متر من الأنابيب: من المورد إلى المصفاة، ومن المصفاة إلى الموانئ البرية والبحرية، داخل المملكة وخارجها. الكثير من هذه الأنابيب هي فوق سطح الأرض، الجزء الموجود تحت الأرض يكمن في المتوسط ثلاثة أرباع متر تحت سطح الأرض، وغالبا في الأراضي التي تحتلها القبائل البدوية، وتحرك الإبل، وأجهزة اللاسلكي تخرب قسم من الأنابيب. ولكن إذا رغب الإرهابيون في زيادة الضرر، كيس من الأسمدة، ودلو من زيت الوقود، وعصا من الديناميت سوف تفعل تلك الخدعة.
تحتفظ المملكة بمخزون ضخم من الأنابيب، الأمر الذي يجعل مخرب واحد لا يشكل تهديدا بارزا ولكن، تعدد المخربين العاملين في نطاق واسع ولفترات متباعدة في جميع أنحاء الشبكة النفطية يصبحوا كالطاعون ويقوموا بأمور تدميرية.
النفط السعودي النموذجي ينتج أيضا نحو خمسة آلاف برميل يوميا من سيلان المادة اللزجة: الخليط الغير صالح للاستعمال من النفط، الغازات الذائبة والشوائب والكبريت، والمياه المالحة يتم ضخها في البئر لخلق ما يكفي من الضغط لإجبار المادة اللزجة على الخروج من الآبار، ويتم ضخ النفط إلى واحد من المحطات الخمس لفصل النفط عن الغاز التي تحتفظ به أرامكو السعودية -شركة النفط الحكومية في المملكة العربية السعودية-. والأجسام الشبه كروية تضغط في عملية إطلاق الغازات الذائبة، وفي العملية الثانية تأخذ المياه الباردة.
من وجهة نظر احد مهندسي النظام النفطي كل هذه الحركة، من الاستخراج الى عملية التكرير، هي عملية متصلة. الأبراج الثابتة حيث يتم تحييد الكبريت، والأجسام الشبه الكروية، وحيث يتم تقليل الضغط وسحب الشوائب، وصهاريج التخزين وحيث يعقد النفط بين التجهيز والشحن تعتبر كاتدرائيات للعملية الصناعية. الإرهابيون والمخربون يميلون إلى النظر للعالم بشكل مختلف.
هناك أيضا جانب التوزيع والتسليم، حيث ينقسم النظام النفطي السعودي بين المناطق المنتجة الشمالية والجنوبية. أما مراكز الشمال فهي تتغذى من عدة مواقع، ومن ثم يتم إيصال المخزون إلى واحدة من اثنين من المحطات المتطرفة على طول الخليج (الفارسي) – الجعيمة ورأس تنورة- ومن منصات التحميل البحرية والمراسي العائمة الموجودة في المياه العميقة.
ويتم ضخ كل النفط المنتج في الجنوب إلى “بقيق”، أي حوالي أربعين كم داخل الطرف الشمالي لخليج (الفارسي) البحرين، للتجهيز، ومن ثم ارساله الى “جعيمة أو رأس تنورة”، أو عبر طريق خط أنابيب بين الشرق والغرب على مدى 12 كلم عبر شبه الجزيرة العربية، من غرب المملكة -جزيره العرب إلى المحطة في ينبع على البحر الأحمر- (طريق آخر للخروج من بقيق،- 17 كيلومترا- خط أنابيب يمر عبر البلاد العربية ويمتد إلى صيدا، على ساحل البحر المتوسط في لبنان). وخط أنابيب العراق السعودية، الذي اغلق في العام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت.
“الجعيمة” هي النقطة الأكثر عرضة للهجوم وهي منصة القياس التي تقع 11 كلم من الشاطئ. أربعة خطوط أنابيب تحت الماء تغذي النفط الخام الوقود من منصة التخزين البرية. المنصة، بدورها، تغذي خمسة مراكز منفردة، وقادرة على نقل 2.5 مليون برميل من النفط والوقود الأخرى يوميا لناقلات النفط.
في اليوم العادي، نحو 4.3 مليون برميل من النفط يغادر المملكة العربية السعودية عبر محطة “الجعيمة”. اي ضربة قد تدمر المعدات على منصة القياس، وتلحق أضرار كبيرة بنصف العوامات الراباطة على الشاطىء، وأضرار معتدلة على الخزان البري، وعلى قدرة التحميل في “الجعيمة” ويتحول الإنتاج من 4.3 مليون برميل الى ما بين 1.7 و 2.6 مليون برميل بعد شهرين…. وقد تحتاج إلى سبعة أشهر لتستعيد كامل قدرتها.
ومن شأن هجوم كوماندوز على متن قارب القيام بهذه المهمة. تبقى المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية القاحلة واحدة من أكثر مواقع الملاحة خطورة على وجه الأرض، وهو المكان الذي تغرق فيه المدمرات الكبيرة بالاسمنت مثل “يو إس إس كول” وببضع مئات الكيلوغرامات من البلاستيك.
مضخات النفط في “رأس تنورة” أكثر بقليل من “الجعيمة” – فهي تصدر 4.5 مليون برميل يوميا وبشكل مستدام – وتقدم مجموعة متنوعة من الأهداف والمزيد من سبل الهجوم. منشاة البحر في جزيرة “رأس تنورة”، تمتد 1.5 كيلومترا إلى الشرق من الرصيف الشمالي في الخليج (الفارسي)، وتعالج كل النفط المصدر من المحطة، المنصة الرابعة هي واحدة فقط ممن لديهم المعدات الخاصة ومعدات القياس، بينما الآخرون يستخدمون الدبابات والمعدات البرية، كما هو الحال مع منصة القياس في “الجعيمة”، واي هجوم كوماندوز على المنصة الرابعة بقوارب سطحية أو غواصات سيكون مدمرا.
“جزيرة البحر” تغذى بواسطة مجموعة معقدة من الخزانات وخطوط الأنابيب، ومضخات متصلة بأنبوب “الجعيمة” لزيادة المرونة. هذا المجمع البري معرض للهجوم الارهابي برا وجوا: “رأس تنورة” تقع حوالي مائة كيلومتر من الطرف الشمالي من قطر، مرتع الأصوليين الإسلاميين.
“ينبع” التي تقع على البحر الأحمر، منيعة ضد اي هجوم، حيث خلص المهندسون إلى أنها تحتاج فقط الى نقل التسعمائة ألف برميل التي تضخهم يوميا إلى محطة أخرى وذلك في حال حصول أي هجوم، وللقيام بذلك، يمكن ببساطة أخذ محطة الضخ الأقرب إلى بقيق…. لماذا؟ لأن المضخة تدفع النفط صعودا، وبدون مضخة يتدفق النفط في الاتجاه الخاطئ.
الانبوب القصير الممتد من “بقيق” الى محطات الخليج (الفارسي) لا يخلو من الفرص، وعند مفرق “القطيف” على بعد بضعة كيلومترات من الساحل الداخلي، يتشعب المجمع النفطي إلى “رأس تنورة” أو “جميعة” أو إلى خط الأنابيب العربي. وأي ضرر جسيم في المجمع قد يوقف مسار النفط لعدة أشهر. وخلافا للأنابيب الجاهزة القابلة للاستخدام التي تربط محطات ومرافق المعالجة، والفتحات وتقاطعات الأنابيب في القطيف فهي تحتاج إلى معالجات مخصصة لتحل محلها.
تقييم مخططي الكوارث، يقلل خوف أسواق النفط العالمية، والسعوديون ليسوا الشعب الوحيد الذي يدرس الأضرار التي قد تلحق بسلسلة البترول السعودي – أو سلسلة المال العالمي – بحال هز استقرار أبراج “بقيق”، أو المنصة الرابعة في رأس تنورة، أو محطة خط أنابيب الضخ بين الشرق والغرب -احد القطع الصغيرة- (وخطف طائرة جامبو عبر انتحاري أثناء إقلاعها من دبي وسقوطها في قلب مدينة رأس تنورة)، ستكون كافية لضرب الاقتصادين الذين يعتمدون على النفط في العالم، وأميركا معهم جنبا إلى جنب. في الواقع، فإن مثل هذا الهجوم قد يكون أكثر ضررا من الناحية الاقتصادية من قنبلة نووية قذرة انطلقت من وسط مانهاتن أو على الجانب الآخر من البيت الأبيض في ساحة لافاييت.
المروجين لنفط “لالسكن” و”خليج المكسيك” و”بحر قزوين” و “سيبيريا” يبدو ان صوتهم يدوي مثل الاسطوانة المشروخة، وذلك عندما يشيرون إلى أن الولايات المتحدة قد فطمت نفسها عن النفط السعودي، وهم يجادلون بأن المملكة العربية السعودية تمثل فقط حوالي 8% من استهلاك الولايات المتحدة للنفط الخام. ويقولون أيضا أن ثلاثة من أربعة شركات للنفط الرئيسي لديها نصف الكرة الغربي: كندا ، فنزويلا، والمكسيك. ونشير إلى أن المملكة العربية السعودية تقع على 25 % من الاحتياطيات المؤكدة في العالم، ربما برميل النفط المستخرج هو أرخص نفط في العالم. الأهم من ذلك، السعوديين يملكون نصف فائض الطاقة الإنتاجية في العالم – مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم .
إخراج الفائض السعودي من التداول، يعني إفقاد السوق استقراره وسيولته، قدرة الفائض على ملء السوق تحدد وجهة ومسار الأزمة. وبغض النظر عن البلد الذي سيشتري النفط الخاص بالمملكة العربية السعودية يحدد السعر العالمي حسب كمية النفط المختارة للإنتاج. كانت المملكة العربية السعودية قد خرقت حظر العام 1973 لشحونات أوبك ( ذلك لم يكن قبل أن تثري نفسها بعشرات المليارات من الدولارات)، واستخدمت السعودية مرة أخرى قدرة فائضها للحفاظ على تدفق النفط الى الغرب الصناعي. وخلال 1979-1980 محطة “الجعيمة” على الخليج الفارسي كانت تشحن حوالي تسعة ملايين برميل من النفط يوميا اي اكثر من انتاجها الطبيعي بمرتين.
الشيء عينه حدث خلال حرب الخليج (الفارسي) العام 1990-1991 انتجت السعودية مدعومة من دول الخليج (الفارسي) الأخرى، خمسة ملايين برميل إضافي يوميا، للتعويض عن خسارة النفط العراقي والكويتي دون استخدام الفائض، وبذلك من المرجح ان يرتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من مائة دولار .
وفي 12 سبتمبر 2001، بعد أقل من 24 ساعة من الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، اضافت السعودية تسعة ملايين برميل من النفط الى السوق، ذهبت بمعظمها الى الولايات المتحدة الاميركية. ونتيجة لذلك، بقيت أسعار النفط منخفضة، والتضخم الاميركي ارتفع هامشه على الرغم من الهجوم الإرهابي الأكثر تدميرا في تاريخ الولايات المتحدة، وان أخذنا نفس السيولة خارج اللعبة بعشرين رطلا من البلاستيك جميع الرهانات ستكون غير قبالة للعمل .
ولفتت دراسة اعدت في ديسمبر\ كانون الاول 2000 من قبل صندوق النقد الدولي الى تأثير ارتفاع خمس دولارات على كل برميل على سعر النفط، الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الاميركية ومعظم الدول الأوروبية يتراجع 3% على أساس سنوي. الأسواق المالية قد تقع، ولكن ليس إلى أعماق كارثية. الأمم التي تصدر صافي انتاجها من النفط الخام تنمو فيها الثروة، وتلك التي تورد صافي انتاجها تنهار. الشرق الأقصى يعاني بشكل خاص لأنه ينتج نسبة قليلة جدا من النفط لنفسه.
ولكن كل ذلك كان محسوبا على ما كان يمكن أن يكون عليه الوضع بعد زيادة تقرب من 20 % على أسعار النفط الخام، عثرة خفيفة قد تؤدي الى كوارث اقتصادية. الهجوم الإرهابي على منشأة “بقيق” النفطية من شأنه أن يقلص نسبة 5.8 مليون برميل من النفط الخام يوميا من الأسواق العالمية، اضافة الى ثلاثة مليون برميل يوميا خرج من الإنتاج خلال الحظر النفطي لأوبك.
ماذا يخبرنا التاريخ عن آثار مثل هذه الخسارة؟ رأى الأميريكيون ان التضخم السنوي في خانة العشرات يمثل فقط عشرة أضعاف في القرن الماضي، وأربعة إذا ما استثنينا آثار الحربين العالميتين: في العام 1974، في أعقاب حظر أوبك، عندما ارتفع معدل التضخم إلى 11 % وفي 1979-1981، عندما بلغت نسبة التضخم 13.5%، وبحلول العام 1981 بيع سعر برميل النفط الخام بـ 53،39 $، والبنزين العادي كان يباع في محطات الخدمات في الولايات المتحدة لأكثر من 2 دولار للغالون.
حصار أوبك أدى إلى هبوط سوق الأسهم، وبتدني “ستاندرد آند بورز 500″ إلى أدنى مستوياته في شهر سبتمبر عام 1974، وفقدان 47.7 % من السكان قيمة أسهمهم في واحد وعشرين شهرا، بالتساوي مع خسارة 47.8 في ثمانية وعشرين شهرا بدأت في مارس 2000. بين عامي 1980 و1982، ورفع المؤشر نسبة 27.1 % من قيمة الأسهم خلال الاضطرابات الايرانية والعراقية وقفز النفط إلى مستويات قياسية مذهلة.
أي أضرار جسيمة على تجهيزات مركز “بقيق” النفطية تكاد تكون تكرار لأرقام التضخم هذه وغرق مؤشرات الأسهم مرة أخرى.
هجوم منسق على “بقيق”، “رأس تنورة” “المنصة الرابعة”، أو على أنبوب ضخ النفط بين الشرق والغرب، أو أي مركز من المراكز العشر المحتملة، من شأنه أن يزيد أضعافا مضاعفة الآثار المترتبة على مرونة إمدادات النفط العالمية. المخزون الاستراتيجي الأميركي يساعد فقط في دعم الأسواق الدولية لعدة أشهر، إلا أن المصادر البديلة للنفط تتراجع بسرعة بعد ذلك، وسنكون في “الأراضي العذراء”.
ذلك بالضبط ما سيحدث لأسعار النفط.. لقد استطلعت بعض الاتصالات في صناعة النفط، ولكن أحد لا يستطيع أن يأتي حتى برقم تقريبي. على ما يبدو، فان توقعات الاقتصاد القياسي الجيدة حول هذا السيناريو لا يمكن أن تحصل، رغم ذلك، في البداية يجب أن نحسب أن النفط قد يصل إلى 80 دولارا أو 90 دولارا للبرميل، على أساس العرض والطلب. ولكن هذا لا يؤثر في الهلع الذي قد يترتب على ذلك – والمضاربة الشرسة في عملية الشراء. الآن سعر مبيع النفط في طريقه إلى 100 دولار للبرميل، ولكن ماذا لو الفوضى في المملكة العربية السعودية انتشرت عبر الحدود الى غيرها من “المشيخات العربية” التي تملك مجتمعة 60 % من احتياطي النفط في العالم؟ اتصالاتي لم تلمس هذا التصور -أن نرى النفط يصل إلى 150 دولار- فهذه الحالة لن تستغرق وقتا طويلا لتؤدي إلى: الانهيار الاقتصادي، عدم الاستقرار السياسي العالمي، والكساد العظيم.
وبالمناسبة، أسامة بن لادن كان لديه توقعات أكثر تواضعا وهي أن يصل النفط السعودي إلى 144 دولار للبرميل.
إذا تصورنا أن الأسعار الحالية للنفط كانت قبل خمسين عاما أو نحو ذلك -أي عندما أصبح الغرب يعتمد على النفط العربي ستنقل الثروة بناء على وجود 76 تريليون دولار من الاقتصادات الصناعية إلى العالم الإسلامي، بحوالي 1.5 تريليون دولار سنويا. لم تكن حتى العام 1985 ديون الولايات المتحدة المتراكمة قد تجاوزت 1.5 تريليون دولار، ولكن بحلول العام 1985، كانت ميزانية الولايات المتحدة قد وصلت إلى 1.5 تريليون دولار.
بالنسبة إلى مخططي الكوارث في حقبة ريغان، الذين قيموا ضعف البنية التحتية النفطية السعودية فان إيران تشكل تهديدا واضحا عليها. وبعد عقد من الزمن رياح الجغرافيا السياسية تحولت لتعيد المخاوف مجددا: الفوضى في العراق، على سبيل المثال، الممتدة عبر الحدود مع المملكة العربية السعودية، ورغم ذلك، التهديد الموجه لنفط المملكة العربية السعودية يأتي من خارج المملكة. وكانت المملكة العربية السعودية مرساة أميركا في الشرق الأوسط العربي. انها تخزن نفطنا تحت الرمال، وخسارتها ستكون مثل فقدان مجلس الاحتياطي الاتحادي. وحتى لو فعلتها السعودية وتحولت إلى مناهض للولايات المتحدة، فإنها لن توقف أبدا ضخ النفط، لأن ذلك سيؤدي إلى انتحارها.
ولكن كل ذلك كان قبل صباح يوم 11 سبتمبر 2001. قبل أن يقوم خمسة عشر سعوديا وأربعة مواطنين من جنسيات عربية أخرى بالاستيلاء على أربع طائرات تجارية وقيادتها بركابها نحو مباني في نيويورك وواشنطن والأراضي الزراعية من شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، وقبل أن يصبح أسامة بن لادن الأكثر شعبية في تاريخ السعودية، قبل أن يصبح معروفا أن زوجة السفير السعودي في واشنطن كانت ترسل المال، إلى الخاطفين. لقد تغيرت المعادلات. لقد وصل تقرير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن المملكة العربية السعودية نقلت نصف مليار دولار لتنظيم القاعدة في السنوات العشر منذ العام 1992، الافتراضات القديمة هي خارج الجدول، والحقائق الجديدة ليست مطمئنة.
خمس أسر مفككة تمتلك نحو 60٪ من احتياطات النفط العالمي، ولكن آل سعود في المملكة العربية السعودية يملكون أكثر من الثلث: واحد من كل خمسة براميل تستهلك عالميا، هذه هي نقطة ارتكاز الاقتصاد العالمي. وفي الوقت نفسه، مساجد المملكة العربية السعودية تدعو لكراهية الغرب والعالم غير الإسلامي، وأصبحت مدارس الدين في المملكة مأوى للمتشددين الإسلاميين، وأرضا خصبة للإرهاب السني… بالي، كينيا، البوسنة، الشيشان، ومانهاتن السفلى كلها فيها مدارس تعود إلى الدولة السعودية.
ولخوفهم الشديد من أن المتعصبين سوف يأتون يوما ما إليهم، يقوم ال سعود بالإسراع في جرف المال من حساباتهم المصرفية السويسرية لحمايتهم. أبدا لن ننسى أن آل سعود وقعوا الشيكات لإنشاء هذه المدارس.
إنهم يمولون الحركات الإسلامية المتشددة في منطقة الشرق الأوسط، أفريقيا، آسيا الوسطى، وآسيا لنفس السبب. هذه الرشاوى هي لصرف انتباه المسلمين عن أموال آل سعود المسروقة التي يجمعوها لليوم الذي سيفرون فيه من الصحراء لقصورهم على طول شاطئ الريفييرا، وشققهم المتوهجة في سماء ليل باريس، ولندن، ونيويورك.
هذا هو السبب في أن السيناريوهات الكارثية التي أنشئت خلال سنوات ريغان لا تزال جوهرية، لهذا السبب نحن في الغرب وبالأخص واشنطن لديها مصلحة في زراعة “الفيروس” الذي أصاب المملكة العربية السعودية. وهذا هو السبب الذي يدفعنا إلى القول انه إذا لم يعالج ال سعود أنفسهم، فسيكون علينا النظر في الاستيلاء على حقول النفط .
فإذا وصلنا لهذا الوضع من قد يفعل ذلك؟ فالمستقبل ليس محتوم، الحديث السعودي عن إصلاحات ديمقراطية هو أكثر من غطاء. ربما حرب الولايات المتحدة على العراق قوضت كل الافتراضات القديمة مرة أخرى. فكل الرهانات تعتمد على الانتفاضة الجماعية للإسلام ضد الغرب الكافر وكلائه. ولكن قضيت ما يكفي من السنوات في الشرق الأوسط لكي اعلم أنه في مكان مثل المملكة العربية السعودية الأشياء تتدفق بشكل طبيعي نحو مزيج قابل للاحتراق.
هناك بالفعل غضب شديد ضد الغرب وضد ال سعود. هناك اقتناع بأن مال النفط أفسد الأسرة الحاكمة، والقادة السعوديين دنسوا بلدهم من خلال السماح للقوات الأميركية بالدخول إلى المملكة. التخلص من الوجود العسكري الأميركي قد يساعد، ولكن الغضب من العائلة الحاكمة هو أبعد من الوجود الأميركي. في الشارع، ينتقد آل سعود لفشلهم في حماية مواطنيهم المسلمين في فلسطين والعراق، ووقوفهم بلا حول ولا قوة أمام إذلال المسلمين. في بداية الألفية الجديدة، العديد من السعوديين يعتقدون أن بلادهم ستكون أفضل حالا وأكثر نقاء إذا عادوا الجميع الى الصحراء وعاشوا على التمر وحليب الإبل.
في السنوات التي قضيتها اخدم بلدي كضابط في الـ CIA في أماكن مثل لبنان، السودان، شمال العراق، والولايات علمني مسلمو آسيا الوسطى شيئا آخر. شهدت المعاناة والمذابح البشرية التي تتواجد دائما بعد أن تضع أميركا رأسها في الرمال. المملكة العربية السعودية هي عبارة عن برميل بارود ينتظر الانفجار.
لمدة ربع قرن من الزمن، حاولت فهم الأسباب الجذرية للعنف في الشرق الأوسط. أنا لم أبدأ هذا البحث بعد 11 سبتمبر، ولم افعل وعيني على المملكة العربية السعودية ونفطها الخام. أردت أن أعرف المزيد حول الإخوان المسلمين: من هم، وكيف تعمل، لماذا الولايات المتحدة قد جعلتهم قضيتها المشتركة في الأماكن النائية واليمن وأفغانستان.
نظرت ووصلت إلى إجابات، أنا أدرك أن بحثي كان يقودني إلى طريقين – إلى الرياض وإلى واشنطن – وإلى النفط الذي يربطهما.
بالنسبة لي، هذه القضية تتناول ثلاثة جوانب”
- هل الوهابيين، والشيعة، والإخوان المسلمين، والجميع في جزيرة العرب الذين يريدون إسقاط آل سعود يضعون أيديهم لحشد القوة الكافية للقيام بذلك؟ قد تبدو العملية سهلة، ولكن صدقوني، الأمور ليست كذلك.
- هل بيت ال سعود محمي باعتباره السلطة الحاكمة؟
- هل لدى واشنطن القدرة على رؤية المملكة العربية السعودية بما هي عليه؟ أو لا يوجد لديها يد عميقة في المحفظة السعودية، وتقول إنها “لا ترى ولن تتصرف”؟.