بعد إبرام الاتفاق الإيراني _ الغربي، وبعد «التعقل» الأميركي والتراجع عن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، ماذا تنتظر المملكة العربية السعودية؟ وما هي بدائلها في ما يعني الحملة التي تسلمت قيادتها أخيراً بشكل علني ضد النظام في سوريا وشخص رئيسه بالتحديد؟ وهل اقتنعت قيادة المملكة التي يبدو أنها لم تقرأ دروس الماضي القريب والحاضر حول علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها أو أصدقائها؟ أسئلة وغيرها الكثير مما بات يحتاج الى إجابات واقعية من هذه القيادة بعيداً عن القراءات التقليدية حول توازنات المنطقة وأدوار المملكة التاريخية فيها، إضافة الى تحالفاتها الدولية.
فالمملكة التي تمكنت على مدى عقود طويلة من فرض ريادتها في العالمين العربي والإسلامي عبر تطويق حالات قومية صاعدة (حكم الراحل جمال عبد الناصر) أو استخدام حالات أخرى (صدام حسين ضد الثورة الإسلامية الإيرانية) أو مسايرة حالات ثالثة (العلاقة مع الراحل حافظ الأسد)، انطلاقاً من استراتيجيتها المضمرة القائمة على تفادي، بل منع استفحال أية قوة عربية تحمل مشروعاً قومياً بحتاً يُسقط التقسيمات المذهبية والطائفية داخل المجتمعات العربية، وخصوصاً أن هذه القوة ستسود بشكل خاص في المساحات «السنية» من هذه المجتمعات، ما يفقد المملكة السلاح المذهبي الأبرز الذي تشهره كلما تحسست خطراً ما على ريادتها، تجد نفسها اليوم في مواجهة الحائط بعدما انكشفت الأدوار والنوايا من خلال الصراع في سوريا وعليها.
والمملكة التي استنفدت وسائلها كلها لتطويق التمدد الإيراني في المنطقة العربية ودخلت في مواجهة مباشرة مع هذا التمدد في أفغانستان ومن ثم في العراق _ آخر مواقع دفاعاتها لصد هذا التمدد _ باتت اليوم أيضاً أمام مواجهات مباشرة مفتوحة في مواقع أخرى كاليمن ولبنان وفلسطين، ما دفعها الى أن تستلّ هذا السلاح وتستخدمه بلا ضوابط، وخصوصاً في سوريا، ما أخاف القوى الإقليمية والدولية من مخاطر استعمال هذا السلاح، وترك المنطقة لأدواتها من القاعدة وجبهة النصرة ومثيلاتهما، بحيث تم استبعاد المملكة من اللقاءات الدولية في ما يعني قضيتي سوريا والمشروع النووي الإيراني ووضعها في عزلة سياسية إقليمية، وخصوصاً بعد اقتراب تركيا من إيران وبداية استعادة مصر لدورها القومي ولموقعها المرجعي الأزهري، وعزلة دولية بسبب معاندتها الوقائع التي قد تقودها الى ما يشبه الانتحار السياسي بعدما تمادت في التحايل على رغبات «المعلم» الأميركي بالانضباط ومحاولة الالتفاف عليها والذهاب الى المحظور عبر مد يد التعاون الاستخباري مع إسرائيل، وشبه تمرد خليجي ضد رغبة المملكة في محاصرة الاتفاق الإيراني _ الأميركي باندفاع دول مجلس التعاون الخليجي لزيارة طهران لمباركة هذا الاتفاق ورفض سلطنة عُمان (أحد عرابي الاتفاق) تحويل المجلس المذكور إلى اتحاد تقوده السعودية في مواجهة إيران.
وقد تكون ذروة الانتحار السياسي إذا ثبت مادياً تورط استخبارات المملكة في عملية تفجير السفارة الإيرانية في بيروت لأنها تكون حينها قد نقلت الصراع إلى الأراضي الإيرانية، باعتبار أن السفارات وفق المعاهدات الدولية تعتبر جزءاً من أراضي الدولة التي تتبع لها وتتمتع بحصانتها السيادية نفسها.
كان من المفترض أن تستثمر دول الخليج، ومعها تركيا، على ما سُمي «الربيع العربي» عبر توزع النفوذ بينها في الدول التي ضربها هذا «الربيع» وبناءً على امتدادات الأنظمة التي كانت ستحكم هذه الدول، وهابية كانت أو إخوانية، لكنّ أمرين لم يكونا في الحسبان غيّرا الحسابات كلها وهما: صمود النظام في سوريا وسقوط نظام الإخوان في مصر. فتكون بذلك سوريا قد أوقفت زحف «الربيع العربي»، ومصر قد صوّبت مسار الثورات العربية. وبالتالي لم يعد من مفر أن تأتي الارتدادات على دول الخليج وعلى رأسها السعودية، بعدما تسعى تركيا الى العودة الى سياسة «صفر مشاكل» مع محيطها، لكنها اختارت البدء هذه المرة من إيران.