مر عالمنا الإسلامي بمراحل من الانتكاسات وابتليت الأمة بنكبات وأزمات كثيرة . وان أعظم ما أصيب به المسلمون هو سيطرة الروح الانهزامية والهزيمة النفسية في مجالات الحياة كافة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية , وهي من اشد واخطر الأمراض النفسية التي يعيشها المسلم أكثر من أي وقت مضى ويعايش تداعياتها على الواقع .
لقد أورثت التجارب التاريخية الفاشلة وحقب الاستعمار وسيطرة دول الاستكبار على مصادر القوة العسكرية والاقتصادية واستثمارها دول الاستدرار من الأعراب من اجل تعزيز قدراتها مصالحها وإحكام قبضتها , أورثت الهزيمة النفسية عند المسلمين وزادت شعور الناس بالانبهار بالغرب والسقوط أمامه في كافة مجالات الحياة والتحديات .
إن الهزيمة النفسية تتعزز وتترسخ عندما يفكر الإنسان في حركة الصراع وفي مواجهة التحديات بحسابات القوة والضعف والكثرة والقلة فقط (العامل المادي الطبيعي ) بمعزل عن عامل مهم هو العامل الغيبي (الإيماني) , لذا من الطبيعي أن ينهزم ويسقط الإنسان أو المجتمع في مواجهة التحديات .
إن بالعامل المادي (الطبيعي) والعامل الغيبي (الإيماني) متلازمان , لذا فأن اعتماد العامل المادي (الأسباب الطبيعية ) دون استحضار العامل الغيبي الإيماني هو فكرة خاطئة , كما إن الاعتماد على العامل الغيبي الإيماني وحده بحيث بحيث يجعلنا نبتعد عن دراسة الواقع والتخطيط والأخذ بالأسباب الطبيعية فكرة خاطئة أيضا .
لذا من اجل الانتصار على الهزيمة النفسية وبعث روح التحدي والمقاومة بدلا من روح الهزيمة والانكفاء واليأس , لابد أن نزاوج بين العامل المادي الطبيعي والعامل الغيبي الإيماني في حركة الصراع والمواجهة .
من هنا يأتي دور الانتصارات النوعية في خروج الإنسان والمجتمع من حالة الهزيمة الى حالة الانتصار المعنوي والتعبئة لمواجهة التحديات المختلفة .
ان الانتصارات النوعية لا تقتصر اهميتها على الخروج من نكسة الهزيمة النفسية فحسب بل انها تشكل عاملا مهما له تاثيرا مهما في الدور التمهيدي في زمن الغيبة .
إن المستفاد من روايات عصر الظهور وفق المنهج المختار عندنا , يوحي ويعطي تصورا واضحا بضرورة وجود جهة عالمية تمهد للظهور المبارك اقرب إلى الشبكة الخفية أو الحكومة الخفية .
يمكن الاستناد والاستدلال على هذا المعنى قرآنيا من خلال سورة القدر المباركة التي تثبت التنزيل المستمر للملائكة والروح فيها من كل أمر على الإمام عليه السلام وفيها يفرق كل أمر حكيم من التوجيهات والأوامر الإلهية الحكيمة لسنة كاملة , وهذه الأوامر والتعليمات والمعلومات السنوية تمثل السياسة الإلهية العامة والتفصيلية أو (الخطة السنوية) التي ينفذها الإمام عليه السلام .
وأذكركم بما قال الإمام (خاصموهم بليلة القدر) راجعوا الحديث.
إن هذه الخطة السنوية المتجددة تأخذ بعين الاعتبار التغذية الراجعة من تقييم واقع الحال للعباد والبلاد وحالة الوعي التي يعيشها الناس والاستعداد والتطور العقلي والتغيير الخارجي في السلوك الذي يعتبر شرطا حسب قاعدة (إن الله لا يغير ما بقوم ) .
إن هذه الخطة تتطلب كادر تنفيذي بجانب القائد الأعلى سلام الله عليه وهو من أساليب الإدارة الناجحة والكفوءة والفعالة ولا تدخل ضمن دعوات (السفارة والبابية) مضمون وموضوع روايات نفي المشاهدة بعد انتهاء السفارة في الغيبة الصغرى وبداية الغيبة الكبرى .
كما إن المختار عندنا إمكانية الرؤية والتواصل بين من يختارهم الإمام عليه السلام والذين يشكلون الكادر التنفيذي والخدمي لتعليمات الإمام عليه السلام وما موضوع (الابدال) إلا مثال على ذلك .
إن وجود كادر خدمي يمكن استنتاجه من القران في آية (كقوله تعالى : ( إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ ) [ النساء : 97 ] وقوله تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) [ محمد : 27 ] وقوله تعالى : (حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) [ الأنعام : 61 ] إلى غير ذلك من الآيات . ولا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض بحمد الله تعالى ، وذلك لأن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد ، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك .
ولما كان غياب الإمام لا يؤثر على دوره المناط به والمهام المكلف بها في ظل السرية التامة فحاجته إلى أعوان ومساعدين ضرورة عقلية تؤيدها الأدلة النقلية والنصوص القرآنية الآنفة الذكر .
إن عملية التمهيد لظهور الإمام عليه السلام تستند إلى الأدلة النقلية والموروث الروائي غني وحافل بذلك وكذلك تستند إلى الأدلة العقلية التي تحتم وجود مقدمات تسبق أي حدث وأمر كبير أي المرحلية والتدرج .
لقد بدأت المرحلة التمهيدية على المستوى النظري والتنظيري منذ وقت مبكر كما تناولنا في المحاور السابقة فقد مهدت قيادة أهل البيت المعصومة المتمثلة بالرسول الأعظم والأئمة المعصومين عليهم صلوات الله عليهم ووضعت الأسس النظرية والتنظيمية لتأسيس المنظومة العالمي الممهدة للظهور المبارك وصولا إلى التشكيل العالمي قرب الظهور الذي يقع على عاتقه الدور التنفيذي للسياسة التمهيدية التي وضع ملامحها أهل البيت عليهم السلام .
تضطلع هذه الشبكة أو الحكومة أو القيادة العالمية بالمهام التالية التي تنقسم مستويين :
المستوى التثقيفي:
1- نشر الثقافة والمعارف الخاصة بقضية الإمام المهدي عليه السلام والتعريف بأهدافها وفوائدها
2- تهيئة القاعدة الجماهيرية والرأي العام العالمي وتوعيته بضرورة وجود نظام عالمي ومصلح وقائد رباني يدير العالم بالعدل والقسط
3- توعية الرأي العام العالمي بضرورة التمييز بين الإسلام الحقيقي والإسلام الأميركي المتمثل بالتيارات المتطرفة التي تشوه الإسلام الحقيقي
4- التوعية من مخاطر التنظيمات السرية العالمية المعادية للإسلام والمرتبطة بالصهيونية العالمية
المستوى التنفيذي :
1- تهيئة وتسمية ممثلين عالميين سريين ضمن هيئة تنسيقية عالمية لتنفيذ التوجيهات والتوصيات الصادرة من القيادة أو الحكومة العالمية الخفية بقيادة الإمام عليه السلام .
2- تهيئة المعلومات الاستخبارية الدقيقة عن حلف الشيطان الأكبر في كافة المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية .
3- القيام بمشاريع عسكرية واقتصادية لتوفير الدعم المالي وتجاوز حالات الحصار والعقوبات الدولية الاقتصادية والعسكرية من اجل ضمان استمرارية العمل لتحقيق الأهداف التمهيدية .
4- التغلغل إلى الطبقات والكيانات السياسية وتشكيل لوب مقابل اللوبي الصهيواميركي يوثر على القرارات الإستراتيجية .
5- إفشال السياسات العدوانية التي ينفذها خلف الشيطان الأكبر المتمثل بقوى الاستكبار العالمي من خلال تهيئة ظروف مضادة وبيئة ممانعة.
6- كشف سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة التي يمارسها حزب الشيطان الأكبر وتعريتها أمام الرأي العالمي .
7- بناء القدرات العسكرية وتطويرها .
8- بناء حلف دولي مقابل حلف الشيطان الأكبر للحد من سيطرته على العالم .
في المحور القادم نعطي بعض ملامح هذه الحكومة الخفية