أشكرك على تفضلك بقراءة مقالي المطول والثناء عليه من فيض لطفك وكرمك ، وبغض النظر عن الاعتقاد حول منهج الفلكيين فلا أحد ينكر دورهم الهام والخطير في التاريخ وتأثيرهم في قرارات الكثيرين من قادة ونخب المجتمعات، وما تفضلت به من صيرورة العراق عاصمة للعالم أمنية عزيزة، وإن كانت أبعد بكثير من طموحات وتطلعات العراقيين اليوم، التي أطاحت بها ويلات الحكم الطاغوتي والحروب والحصار الاقتصادي والارهاب والفساد، لذا أقصى ما يتمناه أغلبهم اليوم نهاية الارهاب وتوفير مصدر للرزق وتأمين متطلبات الحياة الاساسية.
وتحضرني في هذا الصدد نبوءة سمعت بها في أوائل الثمانينات وقبل مغادرتي العراق هرباً من الاضطهاد البعثي إلى المنفى الاختياري، وقد ذكرتها في مقال قديم لي، ففي أحد الأيام أخبرنا زميل عمل عزيز عن هذه النبوءة، الصادرة عن أحد المتنبئين العراقيين في حينه، وقد تضمنت النبوءة ثلاثة أمور أو أحداث كبرى:
1. سيطول أمد الحرب العراقية على إيران الإسلامية لسنوات عدة
2. ستهبط طائرات عراقية ضخمة في إيران وسيفرح الإيرانيون بذلك
3. عندما تبحر السفن الضخمة إلى خارج الخليج سترتفع الرايات الحسينية فوق كل أرجاء العراق
بصراحة أنا لا أصدق النبوءات وفي حينها سخرت منها في قرارة نفسي، وعندما تحقق الشق الأول منها قلت بأنه حدس أو توقع تطابق مع واقع فرضته مجريات الحرب وتدخلات أطراف خارجية، ولكن لا أخفيك دهشتي عندما تبين صدق الشق الثاني، وهو هبوط القاصفات العراقية التي أرسلها الطاغية صدام في إيران قبل حرب تحرير الكويت، ومن كان يتصور في أوائل الثمانينات أن الطاغية صدام سيبعث طائرات العراق الحربية إلى عدوته اللدود إيران طوعاً؟ وحتى لو جمح الخيال بعقل المرء فلن يصل به إلى تصور إمكانية حدوث ذلك، لكن ذلك حدث بالفعل وتحقق ذلك الشق من النبوءة أو الكشف الغيبي.
بقي الشق الثالث، وهو ما يؤيده العقل والتحليل السليم، فالارهاب ينطلق من الشمال والغرب ليضرب وسط وجنوب العراق، ويبدو أن الإرهاب لن ينتهي إلا بتجفيف منابعه، وهو ما تشير إليه النبوءة برفع الأعلام الحسينية، وهي ليست أعلام اخضاع وهيمنة لطائفة أو مجموعة عرقية على غيرها بل رموزاً لبسط قيم احترام الحياة والعدل والمساواة والحرية، وحدوث ذلك معلق على شرط خروج السفن الضخمة من الخليج، والإشارة هنا كما يبدو للسفن الحربية الأمريكية والغربية، والنتيجة هي أن لا أمن في العراق قبل خروج أمريكا من منطقة الخليج، التي كبلت العراق بظام سياسي فاسد وفاشل، واستبعد أن تفعل ذلك مختارة، لأن لها مصالح حيوية، ولكنها قد تضطر لذلك بسبب نشوء عوامل أو ظروف قاهرة، تقسرها على تقليص وجودها العسكري في الخليج ولجم تدخلاتها التخريبية في الشان العراقي الداخلي، والاحتمال الثاني الأقوى هو أن تجبر على ذلك نتيجة صراع عسكري، بينها وبين إيران على الأغلب، وهو ما يتمناه الكيان الصهيوني المحتل ويدفع بإتجاهه، وسيطول هذا الصراع على الأغلب مما سيرهق أمريكا ويدفعها لسحب اسطولها من المنطقة، وحينئذ تتاح الفرصة لفرض سيطرة الحكومة المركزية على كافة الأراضي العراقية، لتبدأ بعدها نهضة عراقية حقيقية، قد توصلنا كما تفضلت إلى موقع ريادي في العالم.
د. حامد العطية تحية رمضانية لكم وشهر مبارك فضيل على شخصكم الكريم ...
موضوع شائق وموسع في محاوره السلبيات والايجابيات والتشخيص والحلول ...
اسمح لي أن أعرض وجهة نظري أداخل بها موضوعكم القيم وأشارك أخوتي في النقاش
بما أن حضرتكم افترضت سنة 2040 كمدى لرؤية متكاملة ثلاثة عقود متواصلة تنبثق
عنها جملة من المتغيرات في السياسة والاقتصاد والوعي والثقافة والمعرفة والتقدم
والعمران ...
أما النماذج التي اخترتها فهي الصومال ؛ البحرين ؛ لبنان ؛ كوريا الجنوبية مع ترك نماذج
أخرى كالسعودية أو الإمارات لأنها تتقارب ببعض مستويات تحسن الأوضاع فيها النموذج
الكوري مع الاختلاف في المستويات ...
ونقاش هذه النماذج الأربعة يحتاج نظرة للعالم من حولنا وهو دول عظمى تحرك السياسة
العالمية بشكل مباشر وغير مباشر وهي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التي كان لها
الدور المنافس للولايات المتحدة الأمريكية والآن خفت هذا الدور بشكل أو بآخر واصبح
تاليا ً... مع دول اقليمية تحيط ببلدنا العراق وهي دول اقليمية لنا مساس معها في حرب
أو سلام كتركيا وإيران ...
فالدول المختارة كنماذج الصومال والبحرين ولبنان وكوريا الجنوبية والسعودية وتركيا
وايران بالإضافة للعراق كانت ولا زالت متأثرة بالدولتين العظيمتين بمنضار وتقييم القوة
والسلاح وإعلان نفير الحرب والسلام منذ أربعينيات القرن المنصرم وإلى لحظة هذه
الأسطر وبالتالي فهي صاحبة مستوى ونسبة في تقييم الإوضاع سنة 2040 ...
ومع استبعاد الصومال من تلك النماذج لأننا لايمكن بشكل من الأشكال أن نصل إلى
هذا المستوى من التشاؤم ... ولنخوض عدوا ًإلى النماذج الثلاثة البحرين
لبنان كوريا الجنوبية ؛ وإذا ماعدنا إلى الوراء وقارنا بين أحوال العراق قبل 35سنة
وبين أحوال البحرين ولبنان سياسيا ًواقتصاديا ًومعاشيا ًلوجدنا أن العراق بغض
النظر عن القيمة المثالية السامية التي لم تتحقق قبل والآن لوجدنا العراق أفضل
من هاتين الدولتين فالبحرين ماكان لها وجود سياسي واقتصادي ومعاشي لأن
العراق هوالذي ساعد هذه الدول دول الخليج العربي بما كان يملك من خبرة في
اقتصاد والثقافة والعلم والمعرفة ويضخ لها كوادره وكانت عملته تفوق عملة
الكويت التي هي الآن أقوى عملة خليجية ...
أما لبنان فقد كانت تتناعها حرب أهلية يشترك بها الجميع سنة وشيعة ومسيح
ودروز ويشعل لهيبهاالجميع حسب ايدلوجية حكمه وسياسته ومصلحته عراق
سعودية فلسطين اردن سوريا ليبيا مصر... مع دول عظمى تسير تلك الدول من
خلفها ...
وبالانتقال إلى يومنا المعاش نجد أن البحرين حققت تقدم لابأس به في بعض المجالات
لا يقارن بمستوى ما حققناه قبل 35 سنة لأنها لاتزال متأخرة عن السعودية الامارات
وقطر والكويت التي كنا ننافسها في ذلك الوقت ؛ أما لبنان فمازالت هي هي تتنازعها
حرب شبه أهلية واحزاب تمتلك السلاح وتعتمد على دول عربية تسيرها أو عظمى
توجهها وتمولها ...
فقد نكون نموذج بحرينيا ًيحقق بعض التقدم من ثم ينتكس ثم يحقق تقدم ثم ينتكس وهكذا
أو نتحول أكثر فأكثر إلى لبنان آخر إذا ما تنازعتنا حرب شبه أهلية طائفية أوغلنا فيها
برضى وقرار مراهق من سياسات تقودنا تتقوى بدول إقليمية تقدم مصلحتها على مصلحة
بلد كان له قرار في الحرب والسلام قبلا ً...
أما النموذج الكوري فهو مثال راق ٍلسياسة فهمت حجم امكاناتها رغم خضوعها لسياسة
الدول العظمى والتي كما يبدو سياسيا ًأن الجانب الأمريكي فيها هو الاقوى في معادلة
المصالح وتمنية الشعوب ؛ تقدمت وتعاملت مع هذه القوة كند اقتصادي ومعاشي وثقافي
ومعرفي واصبحت تواكبه في سبل الحياة وتفرض كلمتها عليه في هذا السياق ...
فلو امتلكت قيادتنا السياسية القدرة العقلية والاستيعابية وفهمت وتفهمت عصرها الذي
تعيش فيه دون مثاليات هي بعيدة عنها كل البعد وهو مالمسناه لمس اليد لحققت النموذج
الكوري الجنوبي وبعدها ستفرض رؤيتها السياسية والاقتصادية والواقعية ومن بعدها
المثالية بوصفها الفرقة الناجية التي عليها مدار العالم وقطبه ...
فدول من حولنا كتركيا والسعودية من جهة وايران من جهة أخرى تتفهم ذلك وتسير عليه
خطوة بخطوة مع انها ترى في نفسها مثالية مافي سيرها مع اختلاف المستويات فلماذا
ندعي في بلدنا ذلك وهو غير موجود واقعا ً...
الدكتور حامدالعطية وجهة نظري سياقها الواقعية بغض النظر عن التسامي والمثالية المدعاة
مع احترامي لشخصكم الكريم ...