|
بــاحــث مهدوي
|
رقم العضوية : 65883
|
الإنتساب : May 2011
|
المشاركات : 1,191
|
بمعدل : 0.24 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بيان أنَّ الإنسانَ مُختارٌ في جميع أفعاله
بتاريخ : 16-07-2013 الساعة : 02:50 PM
بحوثٌ في أصل العدلِ الإلهيِّ ومَسائله العَقَديَّة
========================
القسم الثاني في
بيان أنَّ الإنسانَ مُختارٌ في جميع أفعاله
======================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين
إنَّ حرية وإرادة الإنسان في هذه الحياة الدنيا في إنحفاظها له
هي من الضروريات والبديهيات والتي يدركها كل إنسان في وجدانه .
لما يجده في نفسه من القدرة على أخذ القرار بيده وإختياره وبقصد ووعي وحكمة .
إلاَّ أنَّ الإتجاهات الكلامية والآيديولوجية في الداخل الإسلامي منذ زمن بعيد
عقّدتْ هذه المسألة الحساسة في حياة الإنسان وأخضعتها لتنميطات فلسفية دقيّة ربما تصبُ في مصلحة مذهبٍ ما .
حتى ظهرتْ فرقة الأشاعرة والتي تفلسفت في ماهية واقع الأفعال التي تصدر عن الإنسان
فذهبتْ إلى أنَّ الواقع هو صدور كل أفعال الإنسان عن الله تعالى إستقلالاً .
وأنَّ الإنسان هو مُجبراً في أفعاله ولاخيار له في قبالة الله تعالى فيما يصدر عنه .
لدرجة أنَّ الأشاعرة قالتْ إنَّ فعل الإنسان هو فعل الله تعالى دون أن يكون للإنسان أي دخل في إيجاد أفعاله في الواقع الموضوعي .
وبهذا الزعم الباطل سلبتْ عن الله تعالى أصل العدل لتنسب الظلم إلى الله تعالى عن ذلك علواً كبيرا .
فيما لو أذنبَ الإنسانُ وهو مجبورٌ على فعله بحسب زعم الأشاعرة .
ومع وضوح بطلان هذا الإتجاه الأشعري الجبري
إلاَّ أنَّ بعض الأشاعرة أراد أن يكون مرناً نوعاً ما في مسألة إختيار الإنسان وحريته
فقالوا إنَّ ذات الفعل من الله تعالى والإنسان إنما له الكسب وهو تحقيق الفعل في الخارج الموضوعي .
على مستوى الطاعة أو المعصية
بمعنى أنَّ الإنسان إذا صمم وعزم على إحداث فعلٍ ما
خلقَ اللهُ تعالى هذا الفعل عقيب تصميم الإنسان مباشرة.
وفي قبالة هذا الإتجاه الأشعري ظهرتْ فرقة المعتزلة لتذهب إلى أبعد من ذلك وأخطر
حيث قالتْ بالتفويض وهو يعني أنَّ الأفعال الصادرة من الإنسان هي كلها واقعة بتأثيره وبإستقلال عن الله تعالى كليّاً .
وليس لله سبحانه أي دور أو أثر هنا سوى إفاضة الوجود على الإنسان من أول الأمر وتركه وشأنه
وهذا هو التفويض الفلسفي والذي يعني أنَّ الله تعالى قد خلق الإنسان وفوض الأمرَ إليه
مما جعلهم يصلون إلى درجة الإستغناء بقاءً عن الله تعالى .
وهم بهذا الإتجاه أيضاً قد سلبوا صفة العدل وأصالته عن الله تعالى وحددوا من سلطنته المُطلقة على الوجود.
ليُشابهوا اليهود في مقولتهم هذه
قال تعالى
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }المائدة64
وأما الإمامية الإثنا عشرية فقد قالوا بمقولة الوسط والإعتدال
وهي نظرية (الأمر بين أمرين فلا جبر ولاتفويض)
والمنسوبة إلى الإمام جعفر الصادق :عليه السلام:
ونصها
( قال :عليه السلام: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين
قال :الراوي: قلتُ وما
أمر بين أمرين ؟
قال مَثلُ ذلك : رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل
تلك المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنتَ أنتَ الذي أمرته بالمعصية)
:الكافي:الكليني:ج1:ص160:
وقد ذكرَ العلامة الحلي(رحمه اللهُ تعالى)
دليله في إنحفاظ حرية الإنسان وإرادته وإختياره في صدور أفعاله منه
وقال:
===
(أنَّا فاعلون بالإختيار والضرورة :البداهة: قاضية بذلك للفرق الضروري بين سقوط الإنسان من سطح ونزوله منه على الدرج
وإلاَّ لأمتنع تكليفنا بشي فلاعصيان
ولقبُحَ أن يخلق :الله: تعالى الفعل فينا ثم يُعذبنا عليه
وللسمع :أي والأدلة السمعية النقلية قاضية هي الآخرى بذلك الإختيار)
:شرح الباب الحادي عشر:العلامة السيوري الحلي :ص71:
إنَّ العلامة الحلي (رحمه الله تعالى) في دليله هذا قد أحالَ المسألة وتعقلها إلى الحس والوجدان
والبداهة وقطعيّة دلالة الأدلة النقلية في إفادتها لمعنى إختيار الإنسان وإرادته.
وذكر أنّا نجدُ فرقاً ضرورياً بين صدور الفعل من الإنسان بتبع قصده ووعيه وخياره كالنزول من السطح على الدرج
وبين صدور الفعل لا كذلك كالسقوط من السطح قهراً أوغفلةً .
فإنّا نقدرُ على الترك في النزول الإختياري
ولانقدر على الترك في السقوط القهري من السطح
وهذا أمرٌ معلومٌ بالوجدان والحس
ولوكانت الأفعال ليست هي منا صدوراً أي أنا مجبرون عليها
لكانتْ تقع على وتيرة واحدة من غير فرقٍ بين الإختيار والقهر.
ولكن الفرقَ حاصلٌ بالحس والوجدان
فيكون في النتيج أنَّ صدور الأفعال منا إختياراً وهو المطلوب خلافاً لمذهب الأشاعرة الجبري.
ثمَّ إنَّ الإنسان لو لم يكن مُوجِداً لأفعاله لإمتنع تكليفه
ذلك كون التكليف الإلهي هو فرعُ قدرة الإنسان المُكلّف على الإمتثال عقلا وشرعا
والتكليف بغير المقدور محالٌ عقلاً
ومع إنجبار الإنسان على أفعاله فلا قدرة له وجوداً وبالتالي لايصح تكليفه لأنّه لو كُلِّفَ وهو بهذا الحال
لكان ذلك تكليف بما لايطاق وهو باطل عقلا وإجماعاً.
مما يُمثِّل ذلك قبحاً وظلماً والله تعالى منزه عن الظلم وفعل القبيح
وإنَّ القرآن الكريم قد نسب الأفعال صدوراً إلى الإنسان مباشرة ورتب عليها آثارها وأحكامها.
قال تعالى
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79
وهنا أثبتَ القرآن الكريم إضافة وإسناد الكتابة إلى الكتّاب وبأيديهم مباشرةً وصدورا.
{ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }النساء123
وهذه الآيةُ الشريفة هي نصٌ في إضافة الفعل إلى الإنسان المذنب مباشرة وأنه واقع بخياره ومشيئته.
ومفاد نظرية (الأمرُ بين ألأمرين)
هو أنَّ أفعال الناس صدوراً ووقوعاً هي منوطةٌ بمقدمتين رئيسيتين هما
كما ذكرهما السيد الخوئي:رحمه الله تعالى:
: المقدمة الاُولى :
========
حياتهم وقدرتهم وعلمهم:أي الناس:
وما شاكل ذلك
المقدمة الثانية
========
مشيئتهم وإعمالهم القدرة نحو إيجادها في الخارج
والمقدّمة الاُولى:
=========
تُفاضُ من الله تعالى وترتبط بذاته الأزلية ارتباطاً ذاتياً وخاضعة له
يعنى أ نّها عين الربط والخضوع ، لا أ نّه شيء له الربط والخضوع .
وعلى هذا الضوء لو انقطعت الافاضة من الله (سبحانه وتعالى) في آن ما انقطعت الحياة فيه حتماً .
والمقدّمة الثانية :
=========
تُفاضُ من العباد عند فرض وجود المقدمة الاُولى ، فهي مرتبطة بها في واقع مغـزاها ومتفرعة عليها ذاتاً
وعليه فلا يصدر فعل من العبد إلاّ عند إفاضة كلتا المقدمتين
وأمّا إذا انتفت إحداهما فلا يعقل تحققه .
وعلى أساس ذلك صحّ إسناد الفعل إلى الله تعالى
كما صحّ إسناده إلى العبد
ولتوضيح ذلك نضرب مثالاً عرفياً لتمييز كل من نظريتي الجبر والتفويض عن نظرية الإمامية
بيانه: أنّ الفعل الصادر من العبد خارجاً على ثلاثة أصناف :
:الأوّل :
====
ما يصدر منه بغير اختياره وإرادته ، وذلك كما لو افترضنا شخصاً مرتعش اليد وقد فقدت قدرته واختياره في تحريك يده ، ففي مثله إذا ربط المولى بيده المرتعشة سيفاً قاطعاً ،
وفرضنا أنّ في جنبه شخصاً راقداً وهو يعلم أنّ السيف المشدود في يده سيقع عليه فيهلكه حتماً .
ومن الطبيعي أنّ مثل هذا الفعل خارج عن اختياره ولا يستند إليه ، ولا يراه العقلاء مسؤولاً عن هذا
الحادث ولا يتوجه إليه الذم واللوم أصلاً
بل المسؤول عنه إنّما هو من ربط يده بالسيف ويتوجه إليه اللوم والذم ، وهذا واقع نظريّة الجبر وحقيقتها .
:الثاني :
====
ما يصدر منه باختياره واستقلاله من دون حاجة إلى غيره أصلاً ، وذلك كما إذا افترضنا أنّ المولى أعطى سيفاً قاطعاً بيد شخص حر وقد ملك تنفيذ إرادته وتحريك يده
ففي مثل ذلك إذا صدر منه قتل في الخارج يستند إليه دون المعطي
وإن كان المعطي يعلم أنّ إعطاءه السيف ينتهي به إلى القتل ، كما أ نّه يستطيع أن يأخذ السيف منه متى شاء ، ولكن كل ذلك لا يصحح استناد الفعل إليه
فانّ الاستناد يدور مدار دخل شخص في وجوده خارجاً، والمفروض أ نّه لا مؤثر في وجوده ما عدا تحريك يده الذي كان مستقلاً فيه . وهذا واقع نظريّة التفويض وحقيقتها .
:الثالث :
====
ما يصدر منه باختياره وإعمال قدرته على رغم أ نّه فقير بذاته ، وبحاجة في كل آن إلى غيره بحيث لو انقطع منه مدد الغير في آن انقطع الفعل فيه حتماً، وذلك كما إذا افترضنا أنّ للمولى عبداً مشلولاً غير قادر على الحركة
فربط المولى بجسمه تياراً كهربائياً ليبعث في عضلاته قوّةً ونشاطاً نحو العمل ، وليصبح بذلك قادراً على تحريكها
وأخذ المولى رأس التيار الكهربائي بيده ، وهو الساعي لايصال القوّة في كل آن إلى جسم عبده بحيث لو رفع اليد في آن عن السلك الكهربائي انقطعت القوّة عن جسمه وأصبح عاجزاً .
وعلى هذا فلو أوصل المولى تلك القوّة إلى جسمه وذهب باختياره وقتل شخصاً والمولى يعلم بما فعله
ففي مثل ذلك يستند الفعل إلى كل منهما
أمّا إلى العبد فحيث إنّه صار متمكناً من إيجاد الفعل وعدمه بعد أن أوصل المولى القوّة إليه وأوجد القدرة في عضلاته وهو قد فعل باختياره وإعمال قدرته
وأمّا إلى المولى فحيث إنّه كان معطي القوّة والقدرة له حتّى حال الفعل والاشتغال بالقتل
مع أ نّه متمكن من قطع القوّة عنه في كل آن شاء وأراد
وهذا هو واقع نظريّة الأمر بين الأمرين وحقيقتها :
:مُحاضرات في أصول الفقه:الشيخ الفياض:ج1:ص433/434.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
|
|
|
|
|