بسم الله الرحمن الرحيم
وهذا شهر نبيّك سيّد رسلك
(بمناسبة حلول شهر شعبان المعظّم)
شهر شعبان المعظم شهر عظيم وشريف وهو شهر نبينا محمد صلى الله عليه وآله حيث قال: «شهر شعبان شهري رحم الله من أعانني على شهري».
فضل شهر شعبان
ودلّت الأخبار الواردة عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى سلام الله عليهم أن فضائل هذا الشهر العظيم كثيرة والأجر فيه مضاعف. فقد جاء عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تذاكر أصحابه عنده
فضائل شهر شعبان:
«شهر شريف، وهو شهري، وحملة العرش تعظّمه وتعرف حقه، وهو شهرٌ تزاد فيه أرزاق المؤمنين كشهر رمضان، وتُزين فيه الجنان، ... وهو شهرٌ العمل فيه مضاعف، الحسنة بسبعين، والسيئة محطوطة، والذنب مغفور، والحسنة مقبولة، والجبّار جلّ جلاله يباهي فيه بعباده، وينظر إلى صوّامه وقوّامه، فيباهي بهم حملة العرش».
وقال صلى الله عليه وآله: «شعبان المطهّر، ورمضان المكفّر، ... وشعبان ترفع فيه أعمال العباد».
في تسميته
جاء في معنى كلمة شعبان أقوال عدّة. ومن ذلك ما قاله ابن منظور في لسان العرب المجلد الأول: (إنما سمّي شعبان لأنه شَعَب، أي ظهر بين شهري رمضان ورجب، والجَمع شعبانات وشعابين. وشعبان: بطن من هَمْدان، تشعَّب من اليمن، إليهم يُنسب عامر الشعبي، وقيل: شَعَب جبل باليمن، وهو ذو شعبين).
وقال صاحب المنجد في اللغة: (سمّي بذلك لتشعب العرب فيه أي تفرّقهم في طلب المياه).
أما ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فهو قوله:
«وإنما سمّي شعبان لأنه تتشعب فيه أرزاق المؤمنين».
وقال صلى الله عليه وآله: «وإنما سمّي شعبان لأنه يشعب فيه خير كثير لرمضان».
فضل أعمال شهر شعبان
جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري سلام الله عليه في خصوص أعمال شهر شعبان المعظم الرواية التالية:« ولقد مرّ أمير المؤمنين عليه السلام، على قوم من أخلاط المسلمين، ليس فيهم مهاجريّ ولا أنصاريّ، وهم قعود في بعض المساجد، في أوّل يوم من شعبان، إذا هم يخوضون في أمر القدر، وغيره ممّا اختلف فيه الناس، قد ارتفعت أصواتهم، واشتدّ فيهم محكهم وجدالهم، فوقف عليه السلام عليهم، وسلّم وأوسعوا له، وقاموا اليه يسألونه القعود اليهم، فلم يحفل بهم، ثم قال لهم وناداهم: يا معشر المتكلّمين فيما لا يعنيهم، ولا يردّ عليهم ـ الى أن قال عليه السلام ـ يا معشر المبتدعين، هذا يوم غرّة شعبان الكريم، سمّاه ربّنا شعبان، لتشعّب الخيرات فيه، قد فتح فيه ربكم أبواب جنانه، وعرض عليكم قصورها وخيراتها، بأرخص الأثمان وأسهل الأمور، فابتاعوها، وعرض لكم إبليس اللّعين، بشعب شروره وبلاياه، فأنتم وإنّما تنهمكون في الغيّ والطّغيان، وتتمسكون بشعب إبليس، وتحيدون عن شعب الخير، المفتوح لكم أبوابه، هذه غرّة شعبان وشعب خيراته: الصلاة، والصوم، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبرّ الوالدين، والقرابات، والجيران، وإصلاح ذات البين، والصدقة على الفقراء والمساكين، تتكلّفون ما قد وضع عنكم، وما قد نهيتم عن الخوض فيه، من كشف سرائر الله، التي من فتش عنها كان من الهالكين، أما أنكم لو وقفتم على ما قد أعدّه ربّنا عزّ وجلّ، للمطيعين من عباده في هذا اليوم، لقصرتم عمّا أنتم فيه، وشرعتم فيما أمرتم به، قالوا: يا أمير المؤمنين، وما الذي أعدّ الله في هذا اليوم للمطيعين له؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا أحدّثكم إلا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله ـ الى أن قال ـ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحق نبيّاً، إنّ ابليس إذا كان أوّل يوم، بثّ جنوده في أقطار الأرض وآفاقها، يقول لهم:اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم،وإن الله عزّوجلّ،بث الملائكة في أقطار الأرض وآفاقها،يقول لهم: سدّدوا عبادي وأرشدوهم، فكلّهم يسعد بكم إلا من أبى، وتمرّد وطغى، فإنّه يصير في حزب إبليس وجنوده، إنّ الله عزّ وجلّ، إذا كان أوّل يوم من شعبان، أمر بأبواب الجنة فتفتح، ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا، ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: يا عباد الله، هذه أغصان شجرة طوبى، فتمسكوا بها يرفعكم الى الجنة، وهذه أغصان شجرة الزقوم فإيّاكم وإيّاها، ولا تعود بكم الى الجحيم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فو الذي بعثني بالحقّ نبيّاً، إنّ من تعاطى باباً من الخير والبرّ في هذا اليوم، فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة طوبى، فهو مؤدّيه الى الجنة، ومن تعاطى بابا من الشرّ في هذا اليوم، فقد تعلّق بغصن من أغصان شجرة الزقّوم، فهو مؤديّه الى النار، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فمن تطوّع لله بصلاة في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن صام هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن تصدّق في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن عفا عن مظلمة فقد تعلّق منه بغصن، ومن أصلح بين المرء وزوجه، أو الوالد وولده، أو لقريبه، أو الجار والجارة، أو الأجنبيّ والأجنبيّة، فقد تعلّق منه بغصن، ومن خفّف عن معسر دينه أو حطّ عنه، فقد تعلّق منه بغصن، ومن نظر في حسابه، فرأى ديناً عتيقاً قد أيس منه صاحبه فأدّاه، فقد تعلّق منه بغصن، ومن تكفّل يتيماً، فقد تعلّق منه بغصن، ومن كفّ سفيها عن عرض مؤمن، فقد تعلّق منه بغصن، ومن قرأ القرآن أو شيئاً منه، فقد تعلّق منه بغصن، ومن قعد يذكر الله ونعماءه ويشكره عليها، فقد تعلّق منه بغصن، ومن عاد مريضاً، فقد تعلّق منه بغصن، ومن برّ والديه أو أحدهما في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ومن شيّع جنازة فقد تعلّق منه بغصن، ومن عزّى فيه مصاباً فقد تعلّق منه بغصن، وكذلك من فعل شيئاً من سائر أبواب الخير، في هذا اليوم، فقد تعلّق منه بغصن، ثم ذكر صلى الله عليه وآله، أبواب الشر، وما رآه من حالات شجرة طوبى، والزقّوم، ومحاربة الملائكة مع الشّياطين ـ إلى أن قال في آخر كلامه ـ ألا تعظّمون هذا اليوم من شعبان، بعد تعظيمكم لشعبان، فكم من سعيد فيه؟وكم من شقي فيه؟ لتكونوا من السعداء فيه، ولا تكونوا من الأشقياء».