حين أخبرني زميلي في «الأخبار الدولية»، عند الثالثة والنصف من مساء الثلثاء، عن حدوث هزة أرضية في منطقة السيف، حسبته للوهلة الأولى يمزح، لكنه أكّد كلامه بالقول: هناك صور في «الانترنت» و«الواتس أب».
لم تمض غير دقائق معدودة حتى بدأت تصلني صور بعض الموظفين خارج المباني والأبراج. وبعد دقائق أخرى عاد ليقول: لقد اكتشفت السبب، هناك زلزال في بوشهر أوردته وكالات الأنباء الآن.
الصحف المحلية اختارت الخبر أمس على صدر صفحاتها الأولى: «أبراج البحرين تهتز وزلزال إيران يثير هلعاً في الدول الخليجية»؛ «زلزال بوشهر يهزّ البحرين والخليج وإخلاء منشآت نووية وذعر بين المواطنين»؛ «البحرين تهتز (مع علامة تعجب)!»؛ و«زلزال إيران يوقع 30 قتيلاً في بوشهر ويهز مناطق بشمال البحرين». أما التفاصيل فتوزعت في الداخل على صفحة أو صفحتين، مدعّمة بصور الموظفين المذعورين.
هذه التغطيات سيطرت عليها مفردات الرعب: الهلع، الفزع، الذعر، الخوف، اهتزازات، ارتباك الشارع، خمسة ارتدادات زلزالية، تصدعات في بعض المباني، حركة الطيران بالمطار لم تتأثر، تحذير من ارتياد البحر خلال عشر ساعات، إخلاء واسع للمباني بالعاصمة... إخلاء أبراج المنطقة الشرقية بالسعودية، ومئات الجرحى والقتلى في بوشهر، ونوّرنا أحد الأكاديميين بقوله أن الارتدادات نتيجة التقاء صفيحتي «الجزيرة» و«إيران».
هذه حصيلة القراءة السريعة لصحف الأربعاء، وهي تعكس الأجواء النفسية التي عمّت المنطقة، والبحرين خصوصاً، نتيجة ارتدادات خفيفة لزلزالٍ وقع على الضفة الأخرى من الخليج، لم تستمر أكثر من ثوانٍ معدودة. هذا الذعر والفزع والخوف والارتباك يعكس من جانب آخر، حالة السكون والأمان التي تنعم بها المنطقة، كما تعكس ضعف الاستعدادات الرسمية والشعبية لمواجهة أبسط الكوارث الطبيعية التي لم يعد بلدٌ في مأمنٍ منها.
الغرابة ليست هاهنا، فنحن قومٌ لا توقِظنا من سباتنا إلا الكوارث الكبرى، لتذكّرنا بهشاشة وجودنا وتعيد إلينا جزءًا من إنسانيتنا المهدورة، إنّما الغرابة في دعاة الكراهية وأبواق الفتنة والاحتراب الأهلي، ممن بنوا ثرواتهم وامتيازاتهم على حساب المصلحة العامة للشعب. يستاء أحدهم ويخرج من طوره، احتجاجاً على عقد طاولة حوار للتوافق الوطني، وتثور ثائرته، وينادي كأي علقةٍ بنصب المشانق للمعارضة، ويوزّع عليهم شتائمه ويتهمهم بالخيانة والإجرام. ويتجاهل هذا الداعية «الليبرالي» المتطرّف أن هؤلاء يمثلون مكوناً أساسياً من الشعب، لا يمكن رميه في البحر كما يتمنى. وهم يمثّلون قوى سياسية بعضها يمتد جذوره لأكثر من ستين عاماً، ناهضت الاستعمار البريطاني قبل أن يتخرّج حضرته من المدرسة الإعدادية.
زلزالٌ يقع على بعد 200 كيلومتر، وتفصلنا عنه مياه الخليج، وتصيبنا ثوانٍ من ارتداداته بكل هذا الذعر والفزع والهلع، ويصيب قلب المنطقة الاقتصادية بالشلل. ومع ذلك هناك من يدعو ويعمل ويكتب ويؤجج النفوس منذ سنوات، ولن تهدأ مراجل حقده إلا بقيام حرب ضروس بين ضفتي الخليج، وكأن الحرب نزهةٌ للفارغين المتسّكعين.
دعاةٌ وضعوا عقولهم في أحذيتهم وأضاعوا بوصلتهم عن عدو الأمة «إسرائيل»، يتكلّمون عن الحرب باعتبارها جهاداً ضد الكفار، وهم يشاهدون قنواتهم الفضائية بالعشرات تبدأ بأدعية الصباح، ويُرفع فيها الأذان والتواشيح عند أوقات الصلوات، ولا تجد لهم مذيعةً متبرجةً، أو تضع على وجهها طبقةً سميكةً من المكياج الفرنسي. يشاهدونهم يطوفون معهم حول الكعبة أيام الحج الأكبر، ولا تنقطع قوافلهم عن الذهاب إلى العمرة طوال العام، ولم يقتنعوا بعد أن هؤلاء «المشركين» دخلوا الإسلام.
الشاعر الحكيم زهير كان يقول: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم»، ودعاة الكراهية والحروب أرعبتهم وأنزلتهم من صياصيهم هزّة ارتدادية استمرت خمس ثوان.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3869 - الخميس 11 أبريل 2013م الموافق 30 جمادى الأولى 1434هـ