صرخة المرأة السورية: دعوة الى تحييدها عن الانتقام
دمشق - يحيى الأوس
لم يُعط «يوم المرأة» في سورية سابقاً أية أهمية تستحق الذكر. ولعل أكثر ما يمكن الحديث عنه في السنوات السابقة احتفالية صغيرة هنا أو محاضرة هناك، وسط حضور هزيل ومتكرر للشخصيات ذاتها. وكان من الطبيعي ألا تعرف غالبية السوريين الكثير عن هذا اليوم، حتى إن الكثير من الكتاب والمثقفين كثيراً ما كانوا يخلطون بينه وبين «عيد الأم».
ووسط كل العواصف التي تضرب سورية اليوم، تعيش النساء السوريات واحدة من أسوأ المراحل في تاريخ البلد، فقبل أسبوع واحد من اليوم العالمي للمرأة أجريت انتخابات المجلس المحلي في مدينة حلب ولم يكن هناك امرأة واحدة تمثل جمهور النساء في هذا المجلس، ولا يمكن التفاؤل في ما يتعلق بأية مجالس محلية أخرى أو انتخابات طالما أن حلب بدأت بإخراج النساء من دائرة الشأن العام.تقول حنان، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة: «تُكافأ المرأة السورية في يوم المرأة، ليس فقط بحال اللاستقرار والجوع والعوز وفقدان الأمن الشخصي، وإنما باستبعادها من الحياة السياسية أيضاً، كما حدث في حلب». وترى أن الأمر لا يتعلق بغياب التمثيل السياسي للمرأة في مجلس من المجالس المحلية وحسب، بل بالإغفال المتعمّد لدورها في الحياة المستقبلية لسورية وللفئة الواسعة التي تعتبر المرأة ممثلاً لها.
معتقلات
وتشير إلى أن «ما حدث في حلب هو نكران واضح للجميل تجاه التضحيات التي قدمتها المرأة في هذه المحافظة، ولا يمكن تفادي تكرار حصول هذا في أي هيكلية جديدة». وتضيف: «من السخرية الحديث عن يوم للمرأة، بينما نرى آلاف النساء والأطفال بلا مأوى وفي أوضاع إنسانية مهينة. وإذا كنا نتحدث في السنوات الماضية عن تمكين المرأة، فإننا للأسف نتحدث اليوم عن حمايتها من القتل والاعتقال والخطف ونتحدث عن تجويعها هي وأطفالها».
وتركت الاحداث المندلعة منذ سنتين في سورية آثارها على كل مكونات المجتمع، لكن أكبر المتأثرين بالحرب كان جمهور النساء، خصوصاً مع تصاعد ظاهرة اختطاف النساء السوريات واعتقالهن وتعذيبهن وإذلالهن بهدف الضغط على ذويهن من الناشطين. ووفقاً لـ «المنظمة السورية لحقوق الإنسان» (سواسية) فإن أكثر من 3900 امرأة قتلن منذ اندلاع الأحداث في 15 آذار (مارس) 2011. كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 17 امرأة بسبب التعذيب وأكثر من 6400 بين معتقلة أو مختفية قسرياً في المحافظات السورية. ومع أن أحداً لا يعلم على وجه الدقة أعداد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب بسبب التستر على هذه الجريمة من جانب المغتصبات وذويهن، فقد رصدت أيضاً الشبكة السورية لحقوق الإنسان ست حالات قتلت فيها الفتاة المغتصَبة من جانب الأب أو الأخ، وذلك للتخلص من «العار».
تقول المنظمة السورية لحقوق الإنسان، في بيان لها لمناسبة يوم المرأة العالمي: «لم يكد يمضي يوم واحد طوال العام المنصرم من دون أن تسقط فيه امرأة واحدة على الأقل نتيجة القمع الممنهج والذي تصاعدت حدته خصوصاً في حق المرأة التي أصبحت أداة للتسلط والإذلال النفسي والقهر والاستعباد السياسي حتى تحول استهدافها في بعض المناطق إلى استراتيجية ممنهجة تمارسها القوات الحكومية من دون وازع من ضمير أو أخلاق، في ظل الاقتحامات والمداهمات وخرق حرمات البيوت وترويع الأهالي».
سورية... عيد بأية حال عدت؟
بيسان البني
صوت نحيبه يحول دون سماعه الأسئلة عن اسمه وابن مَن يكون. صوت صراخه وطلبه المتكرر «بدي أمي، بدي أمي» يطغى على كل شيء. سارعت إحدى صبايا الحي إلى احتضانه وإبعاده عن الجموع، همست للمتجمهرين حوله من دون أن يسمعها، أمه لا تزال هناك مع أخوته الآخرين تحت أنقاض بيتهم المدمَّر... مشهد آخر لأم تتنقل بين جثامين أولادها الثلاثة المسجّاة على أرض غرفة متواضعة، عساها تحاول توزيع حبّها وحنانها عليهم بالتساوي، وتعلو من خلفها أصوات شباب الحي بهتاف «أم الشهيد نحن ولادك» تعبيراً عن التضامن والتعاطف... ولا توفر النسوة وسيلة لمواساتها وإبعادها عن شهدائها، لكن هيهات، فكيف يمكن إبعاد أم عن ضناها.
«عيد بأية حال عدت يا عيد»، كيف يمكن ان يكون عيد الأم في سورية هذا العام، والمشاهد تفيض بالألم والحزن، أهوَ عيد لأم صارت وحيدة إلاّ من ذكرى مع فلذات أكبادها الذين قضوا ببشاعة لا توصف ولم يعد لديها من يقول لها كل عام وأنت بخير، أم لأم تغسل جثمان ابنها أو زوجها وتقبل أقدامه وهي تحبس ألماً وحنقاً لا يعرفان حدود، أم لأم تزغرد لابنها الشهيد كعريس للوطن والحرية والكرامة، أم لأم تهيم على وجهها بحثاً عن ابنها المفقود أو لمعرفة مصير أولادها المعتقلين منذ بدء الثورة، أم لأم تتحمل فراق أبنائها في الغربة ولا تسمح لهم بالعودة خوفاً عليهم من العنف المجنون.
«لا عيد لي إلاّ عيد الوطن والحرية»، تقول أم خالد، التي فقدت ابنيها منذ عام وتكمل بصلابة: «جميع أولادي فدا سورية... والله رفعوا راسي لفوق فوق». ليست أم خالد الأم الوحيدة التي تكابر اليوم على الجرح وتبذل كل غال ورخيص من أجل الوطن، هي واحدة من أمهات سوريات كثيرات يكابدن يومياً ليس فقط ألم فقدان الأحبة بل آلام أخرى كثيرة.
هل شاهدت ألوف الأمهات وهن يسحبن خلفهن أطفالهن بحثاً عن مأوى؟
هل شاهدتهم والحدائق العامة تغص بهم أو يسرحون في الشوارع الضيقة طلباً لبعض الطعام؟
هل شاهدت سيدات كريمات اضطرهن تصاعد العنف وتدمير بيوتهن وأعمالهن واستشهاد أزواجهن للتوسل وإذلال النفس كي يوفرن لأطفالهن كسرة خبز أو قطعة لباس، أو يعملن خادمات لقاء أجر زهيد يمنح صغارهن بعض الكفاف؟
يؤدي ازدياد عدد الشهداء والجرحى والمفقودين الى ازدياد عدد الأمهات الوحيدات والمعنيات بإعالة أسر كاملة بعد خسارة زوج أو أب أو أخ أو أبناء، لتفقد المرأة أمانها الشخصي بالدرجة الأولى وتجد نفسها أمام أعباء إضافية مرهقة لا ترحم جسدها ولا قلبها، فكيف الحال إن كن من النساء النفاس أو المرضعات واللواتي يعجزن اليوم عن تأمين الحليب ويتعرضن لخطر كبير على صحتهن وصحة أطفالهن، وكيف الحال إن كن نساء حوامل لا يتوافر لديهن الغذاء المناسب ولا شروط الولادة بأمان مع نقص المواد الطبية في هذه الأوقات الصعبة ليؤثر ذلك في صحة الجنين أو يؤدي إلى إنجاب أطفال مرضى أو مشوهين.
كالملح على الجرح المفتوح يحل عيد الأم هذه السنة، ليس فقط بالنسبة الى الأمهات السوريات وإنما أيضاً بالنسبة الى آلاف الأطفال السوريين العاجزين عن الاحتفال أو المحرومين من أمهاتهم، إن كانت الأم شهيدة أو معتقلة أو مخطوفة أو مفقودة. تحضر صورة جديدة للأم السورية في المشهد السياسي والإنساني الراهن. ليس فقط بوصفها أم الجريح والشهيد والمعتقل، أو الأم اللاجئة المشرّدة بعيداً من بيتها ووطنها، بل أيضاً الأم المتظاهرة والكاتبة والمحامية والمغيثة والناشطة التي لا تبخل بتقديم العون لكل محتاج. هي اليوم الأم التي لم تعد أولوياتها محصورة بمطالبها المتعلقة بتعرضها للتمييز الأسري الذي يبدأ من الأسرة ويطاول جوانب كثيرة في حياتها وقد يحرمها من الحضانة والوصاية والإرث مثلاً وحتى من الحق في طلب الطلاق، بل الأم التي تجسد أجمل التحام للمرأة بالوطن وبمطالب أهلها وحقوقهم المشروعة.
هي معاناة تكابدها الأم السورية منذ سنتين من الأحداث النوعية والمؤلمة التي غيّرت وجه المجتمع السوري وأيضاً صورة الأم السورية وأولوية حقوقها التي صارت أكثر من أي وقت جزءاً لا يتجزأ مــن حقوق الإنسان أولاً وحقوق الوطن ثانياً. لقد أصبح لربيــــع سورية معنـــى مختلف منذ آذار 2011، وصارت لعيد الأم أيضاً معانٍ مختلفة هي أكثر حزناً وألماً ولكنها كذلك أكثـــر تضـــامناً وأملاً، لن يحل أحد محل ابن أم الشهيد، وللأســـف لن نستطيع أن نجنّبها ألم الذكرى والحنين والـشوق. ويبقى الانتظار أن يبرد وجع أمهات سورية... بحرية!
الأم في يومها... عين على الحقوق وقلب على الوطن -
السوريات اللاجئات في الأردن... أمومة «معلّقة»
عمان - ماهر الشوابكة
الخميس ٢١ مارس ٢٠١٣
لن تحصل سلمى، اللاجئة السورية في مخيم الزعتري شمال الأردن، على هديتها المعتادة والمتواضعة من ابنتها التي تدرس في الصف الخامس في المجمع التعليمي البحريني داخل المخيم.فابنتها سالي لم تطلب منها 300 ليرة سورية، كما عودتها مع اقتراب عيد الأم من دون ان تذكر لها السبب، وتصر على كتمان السر الذي أوصتها به معلمتها في المدرسة.
تقول سلمى بحسرة: «كنت أعطيها المبلغ وأظهر نفسي أنني لا أعرف السبب، لا بل أحاول الضغط عليها مازحة من أجل معرفته، مظهرة شوقي الكبير الى معرفة المفاجأة». ولكن الطفلة تحاول جاهدة كتم سرّ مدرّستها، ولكنها سرعان ما تسأل أمها عن الألوان التي تحبها والمقاسات والملابس التي ترتديها، وهي تخفي حماستها لسماع الإجابات عن أسئلتها. تغرورق عينا سلمى بالدموع وهي تتحدث عن سالي التي تجلس الآن في خيمة من دون أن تستطيع إخراج يديها من تحت البطانية من شدة البرد، وكيف أمضت معها خمسة أيام في المستشفى الميداني في المخيم بعد إصابتها بأزمة برد في صدرها حوّلت أنفاسها الى ما يشبه الصافرة. ولا تجد سلمى ما يعزيها بغياب أجواء يوم الأم عن أسرتها المكوّنة من خمسة أفراد سوى رؤية سالي تلعب مع شقيقتيها الصغيرتين ببعض بقايا خيام محروقة أو أوانٍ هجرها أصحابها بعدما وقّعوا على كفالات بالعودة الطواعية الى الوطن أو الخروج من المخيم للعمل وفقاً لتعليمات الحالات الإنسانية.
وتهون قصة سلمى الثلاثينية كثيراً عن قصة جميلة الأربعينية التي أصبحت تنتابها حالات متلاحقة من العصبية والإغماء بعدما فقدت زوجها وطفليها (دون العاشرة) في قصف عشوائي أصاب بيتهم المجاور لمركز أمني استولى عليه الثوار، لتخرج من تحت الأنقاض فاقدة إحدى قدميها. تقول جميلة التي حملها أشقاؤها على نقالة إلى مدينة الرمثا الحدودية، بصوت أعياه البكاء والنحيب إنها لم تعد تريد الحياة، وانها تفضل الموت من أجل اللحاق بأسرتها، فيما يشير أشقاؤها إلى أنهم أنقذوها من محاولات عدة للانتحار. تجهش جميلة كلما نطقت بكلمة عن أبنائها. ويوضح أحد أشقائها ان ابنيها كانا يلحّان عليها بضرورة مغادرة البيت بسبب شدة القصف وأصوات الانفجارات، ولكنها كانت تحضهما على الصبر وتطلب منهما التشبث بالبيت والوطن، قائلة ان «بشار سيسقط... قريباً». ويشير الى ان شقيقته كانت ضد ترك بيتها في رنكوس، إحدى ضواحي دمشق التي ولدت وعاشت فيها، ما أجبر زوجها على اللجوء مع أشقائه الى منطقة في ريف السويداء، المحافظة الآمنة نسبياً، لكنه عاد الى بيته راجياً منها ان تلجأ معه الى حيث توجد عائلته. إلا ان القدر الذي كان يفر منه كان في انتظاره في المنزل حيث سقط عليه صاروخ قتله مع طفليه.
اللبنانيات ضحايا وسائل الإعلام... أيضاً
بيروت – فيرونيك أبو غزاله
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣
الصورة النمطية المتداولة عن المرأة اللبنانية هي ذاتها منذ سنوات: جميلة، متحرّرة الى أقصى الحدود، مدلّلة وتتعمّد لفت النظر إليها. ويكفي البحث عن كلمة «امرأة لبنانية» عبر محرّك البحث «غوغل» حتّى تظهر عشرات الصور لفنّانات وعارضات أزياء بتن يختصرن نساء لبنان. لكنّ الواقع يتناقض تماماً مع هذه المظاهر، ففي لبنان نساءٌ مناضلات يسعين إلى انتزاع حقوقهن في كل الميادين. كما هناك نساءٌ معنّفات وضعيفات يبحثن عن طاقة أمل للتحرّر الحقيقي من الظلم، ونساء أخريات يعانين من فقدان المساواة مع الرجل على صعيد الحقوق السياسية والمهنية، ما يعيق تقدّمهن في المجتمع. هذه كلّها نماذج لنساء لبنانيات لا يمكن تصنيفهن ضمن إطار الصورة النمطية ذاتها التي تعمّق عملية تهميش المرأة واستبعادها عن مواقع صناعة القرار.
«تخلّف» في حماية حقوقهن
منذ نحو سنتين، يشهد لبنان سلسلة من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية المستمرة التي تطلقها الجمعيات الأهلية ومنظّمات المجتمع المدني للمطالبة بتحصيل حقوق المرأة اللبنانية، ومن أهمّها حقّها في إعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها وإقرار قانون الحدّ من العنف الأسري، إضافة الى الكوتا النسائية وغيرها من المطالب. وهذه الاحتجاجات تُبنى على تاريخ طويل من نضال الحركة النسائية الهادف الى كسر الصورة التقليدية المُناطة بالمرأة اللبنانية ودفعها الى المطالبة بحقوقها البديهية. وتؤكد الناشطة والمديرة التنفيذية للمركز الدولي للتنمية والتــــدريب وحلّ النزاعات رويدا مروّة أنّ «مهمّة النضال في الشأن العام وقضايا حقوق الإنسان لا يشمل فقط القوانين، بل أيضاً الصور النمطية المنتشرة حول شكل المرأة ومضمونها». وتلفت مروّة الى أنّ المناضلات اللبنانيات يعانين من الصورة المسوّقة عبر وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية للمرأة اللبنانية الجميلة والأنيقة، وذلك ليس لخجلهن من أنوثتهن بل لأنّ ذلك يظهرهن فارغات من الداخل. وتشدّد مروة على التناقض الحاصل واقعياً بين هذه الصورة وحقيقة التخلّف على صعيد حماية حقوق المرأة في لبنان، فهي تشير الى أنّ «حال التونسيات والمغربيات أفــضل منّا في ما يخصّ مدوّنات الأسرة الضـــامنة لحقوق المرأة، وفي دول عربية عدّة تمنح المرأة جنسيتها لأولادها أو تحتلّ مراتـــــب قيادية مهمة». وذلك على نقيض ما يحصل في لبنان، حيث تكون «وجوه النساء في البرلمان اللبناني دائماً بديلاً من نائب راحل»، وفق مروة.
أمّا الحملات الاحتجاجية الحاصلة اليوم من جانب الناشطات النسائيات، فترى مروّة أنّها في تطوّر مستمر، وهي تتخلّى عن الشكل التقليدي للاعتصام والتظاهرة بالخطابات المطوّلة والشعارات واللافتات نحو إحداث ضجّة في المكان الذي تحصل فيه، كـ «التطبيل على الطناجر» والرقص والغناء بهدف جذب انتباه الإعلام وتحريك الرأي العام. لكنّها تشير أيضاً الى أنّ الحراك، على رغم جديته، لم يحقّق أي مطلب نسائي بعد في لبنان، «فلا حماية للمرأة من العنف الجسدي والمعنوي واللفظي، ولا تعديل لقانون العقوبات في ما يخصّ عقوبة المغتصب والمتحرّش جنسياً. كما هناك انتهاكات جسيمة ما زالت المرأة تعاني منها في إجراءات الطلاق والحضانة وإجازة الأمومة». وترى الناشطة الحقوقية أن السلطات الرسمية غير مهتمة بحقوق المرأة، فـ «مجلس النوّاب يقف متفرّجاً» والحكومة لم تقرّ أي آلية تنفيذية لحماية النساء، فيما تطغى الصراعات السياسية والطائفية على النقاشات الجادة حول المطالبات النسائية.
... وصولاً الى الإضراب عن الطعام
لمواجهة حالة تسويف حقوق النساء اللبنانيات والتأجيل المستمر لإقرارها، تتّجه المنظّمات النسائية اليوم نحو التصعيد، خصوصاً أنّ لبنان شهد خلال شهر واحد فقط أربع جرائم أودت بحياة نساء على خلفية عنف أسري. فقد أكدت مؤسِّسة مجموعة «نسوية» نادين معوّض أنّ الناشطات سيعملن على إعلان إضرابهن عن الطعام في حال لم يُقرّ قانون الحدّ من العنف الأسري في 19 آذار (مارس) الجاري، حين تُعقد جلسة تشريعية في البرلمان اللبناني. وتشدّد معوض على المطالبة بإقرار القانون في صيغته الأصلية، أي من دون «التشويهات» التي قامت بها اللجنة النيابية الفرعية. أمّا السبب وراء لجوء الناشطات الى الإضراب عن الطعام تحديداً، فتفسّره معوض بأنّ «الطرق التقليدية ليست نافعة، ويجب تحريك الرأي العام في هذه القضية النسائية تحديداً كي يمارس الضغط على الطبقة السياسية».
هذه التحرّكات النضالية التي تعلن عنها مجموعة «نسوية» وغيرها من المنظّمات النسائية، ترى فيها معوّض ردّاً على الصورة النمطية المسوّقة للمرأة اللبنانية، معتبرة أنّ الحريات التي تتغنّى بها النساء في لبنان «زائفة». كما تلفت الى أنّ وزارة السياحة تروّج دائماً لقالب معيّن من النساء من خلال إعلاناتها لجذب السياح للسهر والسياحة، لكنّ ذلك لا يعكس أبداً الواقع الذي يمكن اختصاره بأنّ لبنان من أكثر البلدان تخلّفاً في مجال حقوق المرأة. إلا أنّ معوض تبقى متمسّكة بالأمل، إذ أنّها تلاحظ نشوء جيل جديد من الشابات اللبنانيات المناضلات يعملن بحماسة للقضايا النسائية، ما يمكن أن يحقّق تطوّرات إيجابية في هذا المجال.
الهمّ الإقتصادي أيضاً
التحدّيات التي تواجهها النساء في لبنان لا تقتصر على هضم الحقوق الإنسانية فقط، إنما هناك واقع اقتصادي سوداوي تكشفه الأرقام. فوفق دراسة أعدّتها «دائرة الإحصاء المركزي» تحت عنوان «واقع المرأة في لبنان بالأرقام»، وهي الدراسة الأولى التي تبرز الإحصاءات الرقمية الخاصة بالمرأة، تبّين أنّ مشاركة النساء في الحياة الإقتصادية لا تتعدّى نسبة 23 في المئة، أي أنّ هناك 77 في المئة من النساء اللبنانيات غير ناشطات اقتصادياً. وذلك على رغم التحاق الفتيات بالمؤسسات التعليمية بنسب عالية، بحيث تتقارب نسبة النساء الجامعيات ونسبة الرجال الحاصلين على مستوى تعليمي جامعي. وحول هذه المشكلة، تقول مروة أنّ «التمكين الإقتصادي للمرأة مهمّ جداً لتحرّرها وتحريرها من القيود الاجتمـــاعية، وليكــــون لها كيان أساسي خاص بها بصرف النظر عن الرجل الشريك». وتؤكد مروة أنّ الرقم مخيف، وهو يشير الى أنّ المرأة اللبنانية ما زالت بعيدة جداً من المشاركة في التنمية الإجتماعية والإقتصادية لوطنها. فهل يمكن المرأة أن تحصّل حقوقها الإجتماعية إذا لم تكن تتمتّع بالإستقلالية المادية أولاً؟ سؤال تواجهه المنظّمات الحقوقية اليوم، وهي الأكثر دراية بأنّ الطريق إلى تحرير المرأة لا يُختصر في حركة احتجاجية واحدة، إنما يحتاج الى سنوات من النضال والدعم من مختلف الفئات النسائية... لكي يخرجن من دائرة التبعية الاقتصادية والاجتماعية.
أردنيات يحتفلن بيومهن وقلوبهن على مصير أبنائهن
عمان - ماهر الشوابكة
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣
تختصر معاناة سعاد، التي اضطرت الى ترك أطفالها مع زوجها الفلسطيني على الحدود الأردنية-السورية ليعودوا رغماً عنهم الى «الجحيم السوري» الذي هربوا منه، مأساة المرأة الأردنية التي لا تستطيع منح جنسيتها إلى أبنائها. طرقت سعاد الأبواب الخاصة والعامة للمسؤولين من أجـــــل النظر بعــين الرأفة والإنسانية، بعيداً من القانون، لإنقاذ ابنائها من حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، لكن كل مناشداتها باءت بالفشل. سعاد واحدة من مئات الأمهات الأردنيات اللواتي لا تغمض لهن عين وهنّ يخشين فقدان أبنائهن بين ليلة وضحاها.
حلّ «يوم المرأة» العالمي هذا العام على نساء الأردن وهن ما زلن يعانين التمييز والعنف في ظل قوانين تنتقص من حقهن في المساواة مع الرجل، وسط إصرار الدولة على التحفظ عن بعض بنود «اتفاقية سيداو» (1979) الخاصة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. ويحتاج تطبيق المساواة في الأردن، وفق كثيرات من الناشطات في مجال حقوق المرأة، إلى إلغاء أو تعديل كثير من نصوص المواد في القوانين، ولعل أبرز المواد المثيرة للجدل المادة 308 من قانون العقوبات، والتي تجيز للمغتصب الزواج من المغتصبة للإفلات من العقوبة أو الملاحقة القضائية، إضافة إلى العذر المخفف في جرائم الشرف المستمرة، على رغم انخفاض عددها سنوياً، وحقها في منح الجنسية إلى أبنائها.
تعديلات على الورق
ورغم التعديلات التي أقرّت على المادة 340 من قانون العقوبات، والمتعلقة بجرائم الشرف، فإن القاتل لا يزال يستفيد من العذر المخفف في المادة 98 من القانون ذاته، بحجة أن الجاني ارتكب جريمته في «فورة غضب». كما يُمارس العنف بكل أشكاله على النساء الأردنيات، خصوصاً الريفيات والفقيرات والمهمشات وذوات الإعاقة. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد النساء اللواتي لجأن إلى مكاتب حماية الأسرة خلال العام الماضي وصل الى 4311 امرأة وفتاة، وفق الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط. وتؤكد المديرة التنفيذية لـ «جمعية النساء العربيات» ليلى نفاع، وجوب اتخاذ خطوات فعلية لضمان حماية النساء، مشيرة إلى أن قانون الحماية من العنف الأسري يحتاج إلى تعديلات تضمن الحماية للضحية. وتطالب نفاع بإقرار قانون يجرم كل أشكال العنف ضد المرأة، إلى جانب إقرار قانون يسمح بإجراء عمليات الإجهاض للنساء المغتصبات، من ذوات الإعاقة، ومنع تزويج القاصرات.
ورغـــم أن أمينــــة سر «تجمــــع لجان المرأة الوطني الأردني» الدكتورة مي أبوالسمن، ترى أن الاعتراض على اتفاقية «سيداو» التي صادق عليها الاردن عام 1992 بجميع بنودها، ليس مبرّراً، إلا أنها تجد أن الأردن من حقه أن يأخذ فـــي الاعتبار بعض مواد الاتفاقية التي تخالف الشريعة والدين، والتحفظ عنها، وخصوصاً البنود الواقعة ضمن المواد 9 و15 و16. وتشير أبوالسمن إلى أن بعض الظروف السياسية التي تحيط بالمنطقة قد تكون سبباً مقنعاً للتحفظ عن بعض بنود الاتفاقية، وخصوصاً المادة الرقم 9 من قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة بالجنسية المكتسبة للمرأة. وتؤكد أن المنظمات النسائية في المملكة لا تقف ضد المرأة في هذا التحفظ، بل ترى أن ذلك يحد من مدى وخطورة المشروع، الذي يهدف في النهاية إلى «التوطين وإيجاد الوطن البديل».
بين الحقوق والواجبات
أما في ما خصّ الفقرة الرابعة من المادة 15 من القانون عينه، والتي تتعلق بالسكن والمساواة بين الرجل والمرأة في الأهلية القانونية، وقوانين السفر والإقامة، فقد عمد الأردن أخيراً إلى رفع التحفظ عن هذه المادة، ما أدى إلى «استنفار بعض الجهات التي تناهض الاتفاقية بكل بنودها، بسبب مخالفتها الشريعة الإسلامية»، مبررةً ذلك بأنه يتعارض والدين الإسلامي من جهة، ومع قانون الأحوال الشخصية الأردني (المادة 36) من جهة أخرى. وتؤكد أبوالسمن أن الأردن ما زال مستمراً في تحفظه عن بعض المواد، مثل المادتين التاسعة والسادسة عشرة، المتعلقتين بقوانين الأسرة، والحياة الزوجية، والتي تتنافى مع ديننا الحنيف. ولا تعد كل بنود الاتفاقية منافية للدين والأخلاق، إذ إن المواد التي تدعو إلى حماية حقوق المرأة الواردة في الاتفاقية «تندرج فعلياً ضمن شريعتنا الإسلامية وتنطلق منه. أما التمييز فيأتي من المجتمع، ومن الفكر المتجمد».
ويشير مدير جمعية «العفاف» مفيد سرحان، إلى أن «سيداو» تتضمن كثيراً من السلبيات، منها مفهوم المساواة المطلقة، والتماثل التام بين الرجل والمرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والقانونية... وغيرها». ويرى في هذه الاتفاقية «صورة مشحونة بالعداء بين الرجل والمرأة، تنمي روح الفردية وتنظر إلى المرأة باعتبارها فرداً مستقلاً وليست عضواً في أسرة أو جزءاً من مجتمع. وتتحدث عن الحقوق وتغفل الواجبات، كما تتجاهل الاختلافات الفيزيولوجية بين الجنسين، وتدعو إلى القضاء على ما تسميه بالأدوار النمطية للمرأة». أما الأمين العام لـ «اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة» وزيرة الإعلام السابقة أسمى خضر، فتؤكد أن هناك قوانين يجب تعديلها، مثل قانون الانتخاب، والتقاعد، والضمان الاجتماعي، والأحوال الشخصية الذي يندرج تحته «صندوق النفقة». وتلفت خضر إلى أن الصندوق يتيح للمرأة أن تحصل على نفقة، ويُلزم الزوج بدفعها وإن كان خارج البلاد، حماية لها، وبالتالي، «تظل هذه النفقة دَيْناً في ذمة زوجها»، وفق تعبيرها. وعلى رغم ذكر الصندوق في القانون، فإنه ما زال حبراً على ورق.
الألمانية تحفظ نصيبها عبر «كوتا» المناصفة
برلين - يارا وهبي
الخميس ١٤ مارس ٢٠١٣
في صباح «يوم المرأة» العالمي، دخل الشاب الألماني «فولد» صفّه متأخراً، حاملاً باقة من الورد الأحمر فيما علت وجهه ابتسامة فرح. وراح يوزّع الورود على زميلاته اللواتي تراوحت أعمارهن بين العشرين والستين سنة . أثار تصرّف فولد جواً من الدهشة والسعادة لدى جميع الطالبات اللواتي تجمعهن دورة تعليم اللغة الألمانية في مدينة ينا، وكذلك الأمر لدى إدارة المدرسة التي لم تكن تتوقع أن وراء هذا التأخير الصباحي وردة، مجرّد وردة!
يبرّر الشاب مبادرته، قائلاً: «قررت مع أصدقائي الشباب في الصف أن نقوم بحركة لطيفة تجاه النساء اللواتي نتشارك معهن نصف وقتنا يومياً، وذلك في يومهن المميز هذا». واعترفت زميلته في الصف نتاليا (50 سنة) بالقول: «منذ زمن طويل لم يهدني أحد وردة، ولا في أي مناسبة. ولكن هذه الوردة، حسنت مزاجي بالكامل». ويقول يوكي، وهو طالب روسي شاب في الصف، «إن ثمة تقليداً في بلاده ما زال متبعاً في «يوم المرأة»، ويقضي بألّا تقوم المرأة بأي عمل في المنزل مهما كان صغيراً أو بسيطاً، بدءاً من ترتيب السرير... وصولاً إلى تحضير الطعام. وبالتالي، تتحوّل كل هذه المهام إلى الرجل. وذلك ليوم واحد فقط في السنة».
وفي هذا اليوم، تنظم في ألمانيا حلقات نقاش حول وضع المرأة ومطالبها، كما تنظم عروض راقصة للرجال، احتفالاً بالنصف الآخر، فضلاً عن برامج تلفزيونية وإذاعية خاصة بالمناسبة. وتشكل النساء في ألمانيا نسبة ٥١ في المئة من السكان، فيما تشكل ٤٤ في المئة من القوة العاملة في البلاد. وتجد كثيرات من النساء الألمانيات في «يوم المرأة» مناسبة للحديث عن مشاكلهن التي تتمحور حول قدرة الرجل على الكسب المالي الأكبر، والوصول إلى مراكز القيادة في شكل أسرع من المرأة، ما يشكل لها تحدياً مستمراً، على رغم أن عدد النساء العاملات في تزايد مستمر، وفق دراسة حديثة لـ «المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية». وتوقعت الدراسة أن ترتفع نسبة النساء العاملات في البلاد إلى ٧٢ في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة.
وتحتل المرأة نسبة ٥٠ في المئة من تمثيل مجالس الإدارة للشركات والمعامل، وفق نظام «الكوتا النسائية»، فيما تطالب هيئات كثيرة بأن تنخفض النسبة إلى الثلث بدل النصف. وعلى رغم ذلك، تعارض كثيرات من الألمانيات نظام «الكوتا النسائية»، بحجة أنها تدخل حكومي معيق لتطور الشركات، ويطالبن بأن تكون المواقع الأعلى للأكفأ، رجلاً كان أم امرأة، فيما تصرّ أخريات على عدم حرمانهن من هذه الحصص. ومع هذا، ظلت نسبة تمثيل النساء منخفضة نسبياً في مجالس الإدارة عام 2012. وعلى صعيد آخر، يحق للمرأة العاملة في ألمانيا أن تبقى في المنزل سنة كاملة عند إنجابها طفلاً، مع الحفاظ على مكانها في وظيفتها، فيما تتلقى راتباً خاصاً من مفوضية الحكومة. وتكون مدة العقد لمن يعمل بديلاً منها لسنة واحدة فقط.
انكماش الإنجاب يهدّد الأمومة في بريطانيا
لندن - رانيا كرم
يحتفل العالم هذه الأيام، كما في مثل هذا الوقت من كل عام، بعيد الأم. وإذا كان وضع الأم البريطانية يبدو، للوهلة الأولى، أكثر راحة مقارنة بوضع أمهات بعض دول العالم الثالث التي تشهد حروباً ونزاعات دموية وفقراً، فإن واقع الأمر هو أن لا خلاف جوهرياً بين الأمهات، لأي بلد انتمين، فجميعهن يَشْقَيْن ويُفْنِين العمر بهدف تأمين أفضل ما يمكن لأولادهن، وبالتالي فإن أقل ما يستحققنه هو الحصول على «دلال» ليوم واحد في السنة. هذا «الدلال» ليوم واحد ربما يكون الشيء الوحيد المضمون للنساء في بريطانيا، إذ تؤكد الإحصاءات أن الأم تحصل من أولادها في عيدها على ضعف ما يتلقاه والدهم في عيده. لكن عيد الأم يأتي هذه السنة في بريطانيا في ظل أرقام وإحصاءات لا بد أن تعطي طابعاً حزيناً للاحتفالات بالعيد، فقد تبيّن أن واحدة من بين خمس نساء بريطانيات بلغن سن الـ 45 من العمر ليس لديها أولاد، كما أن نصف البريطانيات تقريباً غير متزوجات.
وتُظهر الأرقام حالياً تراجع احتمال أن تصير المرأة البريطانية أمّاً بنسبة الثلث خلال جيل واحد. ولم يسبق أن شهدت بريطانيا مثل هذه النسبة المتدنية منذ عشرينات القرن الماضي، إذ كانت آنذاك مرتبطة تحديداً بالخلل العددي بين الجنسين، نتيجة مقتل مئات آلاف الجنود على جبهات الحرب العالمية الأولى، وعدم وجود ما يكفي من الرجال كي تتمكن المرأة من الزواج والإنجاب. ووفق الأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا، فإن خُمس البريطانيات يبلغن سن الـ45 من العمر وليس لديهن أولاد. وحلل باحثون سجلات النساء من مواليد عام 1966، أي اللواتي بلغن 45 سنة عام 2011، فوجدوا أن واحدة من بين خمس نساء من مواليد ذلك العام ليس لديها أطفال، على رغم أن هناك حالياً إقبالاً على الإنجاب بين البريطانيات في سن متقدم، إذ افترض الباحثون أن المرأة التي تبلغ 45 سنة ستكون على الأرجح بلا أولاد (عدد من يحمل وينجب بعد تجاوز هذه السن سيكون قليلاً جداً بلا شك، ولن يؤثر في شكل جذري على نتائج الدراسة). وهذه الأرقام تمثّل تراجعاً في نسبة الأمومة بين هذا الجيل من النساء وبين جيل أمهاتهن اللواتي ولدن عشية الحرب العالمية الثانية عام 1939، فالجيل السابق من النساء (جيل عشية بدء الحرب العالمية) بلغت نسبة عدم الإنجاب في صفوفه حالة واحدة من بين كل ثماني حالات، فيما باتت في الجيل الحالي تبلغ حالة واحدة من بين كل خمس نساء، وهي نسبة بالغة الارتفاع. كما أن النسبة الحالية من النساء اللواتي يبلغن 45 سنة وليس لديهن أولاد، هي الأعلى منذ العام 1920، عندما تعذر على كثير من النساء العثور على شريك حياة والزواج منه والإنجاب بسبب انخفاض أعداد الرجال البريطانيين نتيجة الحرب العالمية الأولى.
وجاء في تقرير المكتب الوطني للإحصاء، أن هناك تفسيرات عديدة تُقدّم في شأن أسباب ارتفاع عدد حالات النساء اللواتي لا ينجبن، ومن بين هذه التفسيرات تراجع نسبة النساء المتزوجات، وبالتالي تراجع نسبة المواليد، كما أن من بين الأسباب تغيّر النظرة إلى التكاليف التي ستنتج من إنجاب الأطفال، وهو أمر بات اليوم مكلفاً جداً بعد توقف الحكومة عن تقديم الدعم المخصص للمواليد الجدد، والذي اعتاد الأهل على الحصول عليه سابقاً. ومن التفسيرات الواسعة الانتشار، أن النساء يركّزن في عالم اليوم على إكمال الدراسة الجامعية وتأمين وظيفة بعد التخرج وتأخير عملية الزواج والإنجاب إلى وقت لاحق، يكون غالباً متأخراً جداً كي تتمكن المرأة من إنجاب الأطفال طبيعياً.
ويوضح تقرير مكتب الإحصاء الوطني، أن معدل الإنجاب بين النساء اللواتي يبلغن 45 سنة هو 1.91 طفل حالياً، وهي نسبة خصوبة متدنية مقارنة بجيل النساء السابق (مواليد 1939) الذي بلغت فيه النسبة 2.36 طفل لكل امرأة. لكن عدم إنجاب الأطفال يبدو في بعض الحالات الحديثة قراراً اختيارياً لشريحة من النساء البريطانيات، فديانا بوردمان (48 سنة) تقول إنها أخذت قرارها عن وعي بأنها لا تريد أطفالاً. «ليسوا لي»، كما قالت بصراحة في مقابلة مع صحيفة «دايلي ميل». وأضافت أنها لم تشعر بضغط المجتمع عليها للإنجاب، بعكس الضغط الذي واجه جيل أمها. وأوضحت أنها شخصياً لم تتخيل يوماً أنها تريد أولاداً في حياتها، وأنها غير نادمة على قرارها هذا، وأن قرار عدم إنجاب الأولاد لم يكن من جانب واحد، إذ أخذته في شكل مشترك مع زوجها الذي تعرفت عليه قبل 15 سنة.
وفي تقرير منفصل لمكتب الإحصاء البريطاني، أظهر بحث أن أقل من نصف النساء البالغات في البلد غير متزوجات. وأوضح البحث أن 49 في المئة من النساء اللواتي تجاوزن 16 سنة صرن زوجات عام 2011، وهي المرة الأولى التي تنخفض فيها هذه النسبة إلى أقل من 50 في المئة من مجموع النساء البريطانيات البالغات. وكانت نسبة المتزوجات تبلغ نحو ثلاثة أرباع مجموع النساء البريطانيات في السبعينات من القرن الماضي. ووفق البحث الجديد، فإن واحدة من كل ثلاث نساء غير متزوجات كانت تعيش حياة مساكنة عام 2011، وهو ما يوحي بأن علاقات المساكنة أقل استقراراً من حالات الزواج، ولا تدوم كطول فترة الزواج. وأوضح البحث، في هذا المجال، أن معدل سنوات الزواج الذي ينتهي بطلاق يبلغ أقل من 11 سنة، فيما تنتهي علاقة المساكنة التي لا تصل إلى حد الزواج في حدود أربع سنوات فقط.