إبان الحرب الأمريكية في فيتنام ، رن جرس الهاتف في منزل من منازل أحياء كاليفورنيا الهادئة ، كان المنزل لزوجين عجوزين لهما ابن واحد مجند في الجيش الأمريكي ، كان القلق يغمرهما على ابنهما الوحيد ، يصليان لأجله باستمرار ، وما إن رن جرس الهاتف حتى تسابق الزوجان لتلقي المكالمة في شوق وقلق .
الأب : هالو .. من المتحدث ؟
الطرف الثاني : أبي ، إنه أنا كلارك ، كيف حالك يا والدي العزيز ؟
الأب : كيف حالك يا بني ، متى ستعود ؟
الأم : هل أنت بخير ؟
كلارك : نعم أنا بخير ، وقد عدت منذ يومين فقط .
الأب : حقاً ، ومتى ستعود للبيت ؟ أنا وأمك نشتاق إليك كثيراً .
كلارك : لا أستطيع الآن يا أبي ، فإن معي صديق فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب وبالكاد يتحرك ويتكلم ، هل أستطيع أن أحضره معي يا أبي ؟
الأب : تحضره معك !؟
كلارك : نعم ، أنا لا أستطيع أن أتركه ، وهو يخشى أن يرجع لأهله بهذه الصورة ، ولا يقدر على مواجهتهم ، إنه يتساءل : هل يا ترى سيقبلونه على هذا الحال أم سيكون عبئاً وعالة علـيهم ؟
الأب : يا بني ، مالك وماله اتركه لحاله ، دع الأمر للمستشفى ليتولاه ، ولكن أن تحضره معك ، فهذا مستحيل ، من سيخدمه ؟ أنت تقول إنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى ، سيكون عاله علـينا ، من سيستطيع أن يعيش معه ؟ كلارك … هل مازلت تسمعني يا بني ؟ لماذا لا ترد ؟
كلارك : أنا أسمعك يا أبي هل هذا هو قرارك الأخير ؟
الأب : نعم يا بني ، اتصل بأحد من عائلته ليأتي ويتسلمه ودع الأمر لهم .
كلارك : ولكن هل تظن يا أبي أن أحداً من عائلته سيقبله عنده هكذا ؟
الأب : لا أظن يا ولدي ، لا أحد يقدر أن يتحمل مثل هذا العبء!
كلارك : لا بد أن أذهب الآن وداعاً .
وبعد يومين من المحادثة ، انتشلت القوات البحرية جثة المجند كلارك من مياه خليج كاليفورنيا بعد أن استطاع الهرب من مستشفى القوات الأمريكية وانتحر من فوق إحدى الجسور !
دعي الأب لاستلام جثة ولده … وكم كانت دهشته عندما وجد جثة الابن بلا ذراعين ولا قدم يمنى ، فأخبره الطبيب أنه فقد ذراعيه وقدمه في الحرب !
عندها فقط فهم !
لم يكن صديق ابنه هذا سوى الابن ذاته (كلارك) الذي أراد أن يعرف موقف الأبوين من إعاقته قبل أن يسافر إليهم ويريهم نفسه .
******************************************
إن الأب في هذه القصة يشبه الكثيرين منا ، ربما من السهل علـينا أن نحب مجموعة من حولنا دون غيرهم لأنهم ظرفاء أو لأن شكلهم جميل ، ولكننا لا نستطيع أن نحب أبداً “ غير الكاملين ” سواء أكان عدم الكمال في الشكل أو في الطبع أو في التصرفات .
” ليتنا نقبل كل واحد على نقصه متذكرين دائماً إننا نحن ، أيضاً ، لنا نقصنا ، وإنه لا أحد كامل مهما بدا عكس ذلك “