|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 56469
|
الإنتساب : Sep 2010
|
المشاركات : 8,405
|
بمعدل : 1.62 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حميد الغانم
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 01-03-2013 الساعة : 11:53 PM
{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }[1].
روى مسلم في (صحيحه) عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص عن أبيه قال: ( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ قال: أمَّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله (ص) فلن أسبَّه، لإنْ يكون لي واحدة منهنَّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعت رسول الله (ص) يقول حين خلَّفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلَّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه لا نبي بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، قال فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً فأُتي به أرمد العين فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يده، ولما نزلت هذه الآية ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي )[2].
فالرواية صريحة في أنَّ دعوة علي ومَن معه للمباهلة كانت منقبةً وفضيلةً بنظر سعد بن أبي وقَّاص، لذلك قال إنّها أحب إليه من حمر النعم، وهي منقبة وفضيلة عند معاوية لأنَّه أذعن ولم يُحر جوابًا، وكأنَّ حجَّة سعدٍ قد ألقمته حجراً.
وقد تواتر الإخبار عن عبدالله بن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، وفيما يلي قائمة في من نقلوا الأحاديث:-
1- صحيح الترمذي ج 4 ص 82 ط مصر.
2- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 124 ط الأعلمي ببيروت.
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150 وصححه.
4- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 263 ح 310. وص 115 نسخة مكتبة صنعاء اليمن.
5- مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 185 ط الميمنية و ج 3 / 97 ح 1608 ط دار المعارف.
6- كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 54 و 85 و 142 ط الحيدرية وص 13 و 28 - 29 و 55 و 56 ط الغري.
7- ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 / 21 ح 30 و 271.
8- تفسير الطبري ج 3 / 299 و 300 و 301 و ج 3 / 192 ط الميمنية بمصر.
9- الكشاف للزمخشري ج 1 / 368 - 370 ط بيروت و ج 1 / 193 ط مصطفى محمد بمصر.
10- تفسير ابن كثير ج 1 / 370 – 371.
11- تفسير القرطبي ج 4 / 104.
12- أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 295 - 296 " قال : لم يختلفوا فيه أن النبي ( ص ) أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة إلى آخر كلامه " ط عبد الرحمن محمد بمصر.
13- أسباب النزول للواحدي ص 59.
14- أحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 275 ط 2 الحلبي و ج 1 ص 115 ط السعادة بمصر.
15- التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 1 / 109.
16- فتح البيان في مقاصد القرآن ج 2 / 72.
17- زاد المسير لابن الجوزي ج 1 / 399.
18- فتح القدير للشوكاني ج 1 / 347 ط 2 مصطفى الحلبي بمصر و ج 1 ص 316 ط 1 بمصر.
19- تفسير الفخر الرازي ج 2 ص 699 ط دار الطباعة العامرة بمصر و ج 8 ص 85 ط البهية بمصر.
20- جامع الأصول لابن الأثير ج 9 ص 470.
21- مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص 18 ج 1 ط النجف وص 8 طهران.
22- ذخائر العقبى ص 25.
23- تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 17 ط النجف وص 14 ط الحيدرية.
24- الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 38 – 39.
25- تفسير البيضاوي ج 2 / 22 أفست بيروت على ط دار الكتب العربية بمصر.
26- تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169.
27- الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 72 ط الميمنية بمصر وص 119 ط المحمدية بمصر . وفي هذه الطبعة حذف اسم الإمام الحسن وهو موجود في الطبعة الأولى ص 72 ط الميمنية وذكر نزول الآية فيهم ص 87 و 93 ط الميمنية . وص 143 و 153 ط المحمدية.
28- تفسير الخازن ج 1 / 302.
29- الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي الشافعي ص 5.
30- معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن ج 1 / 302.
31- السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 3 / 212 ط المطبعة البهية بمصر و ج 3 / 240 ط محمد علي صبيح.
32- السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 3 / 5.
33- المناقب للخوارزمي الحنفي ص 60 و 97.
34- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 110.
35- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 / 291 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و ج 4 / 108 ط 1 بمصر.
36- أسد الغابة لابن الأثير الشافعي ج 4 / 26.
37- الإصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي ج 2 / 509 ط السعادة بمصر و ج 2 ص 503 ط مصطفى محمد بمصر.
38- مرآة الجنان لليافعي ج 1 / 109.
39- مشكاة المصابيح للعمري ج 3 / 254.
40- البداية والنهاية لابن كثير ج 5 / 54 ولم يذكر أمير المؤمنين (ع). ط السعادة بمصر.
41- تفسير أبي السعود مطبوع بهامش تفسير الرازي ج 2 / 143 ط الدار العامرة بمصر.
42- تفسير الجلالين للسيوطي ج 1 / 33 ط مصر وص 77 ط دار الكتاب العربي في بيروت.
43- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 9 و 44 و 51 و 52 و 232 و 281 و 295 ط اسلامبول وص 9 و 49 و 57 و 59 و 275 و 291 و 353 ط الحيدرية.
44- الرياض النضرة للطبري الشافعي ج 2 ص 248 ط 2.
45- فرائد السمطين ج 1 / 378 ح 307 و ج 2 / 23 ج 365 وص 205 ح 484 و 485 و 486.
46- عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 / 252.
47- فتح الباري في شرح صحيح البخاري : 7/60 .
إنَّ منشأ اعتبار آية المباهلة دليلاً قاطعًا على أفضليّة عليٍّ (ع) على مَن سواه هو أنَّ النبي (ص) نزَّل علياً بمنزلة نفسه ولما كان رسول الله (ص) أفضل خلق الله تعالى فمَن هو بمنزلته كذلك إلا فيما اختصَّ به رسول الله (ص).
ويمكن تأييد التنزيل لنفس عليٍّ (ع) منزلةَ نفس رسول الله (ص) بروايات كثيرة وردت من طرق السنَّة.
منها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عبد الرحمن بن عوف أنَّ رسول الله (ص) قال: ( ...والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتون الزكاة أو لأبعثنَّ عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربنَّ أعناق مقاتليهم وليسبينَّ ذراريهم، قال: فرأى الناس أنَّه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي فقال: هذا )[3].
قال الحاكم النيسابوري: ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )[4].
ومنها: ما رواه الذهبي بسنده عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "عليٌّ مني وأنا من عليّ، لا يؤدي عني إلا أنا وهو" قال الذهبي: هذا حديث حسن غريب رواه ابن ماجة في سننه[5].
وفي تاريخ الإسلام للذهبي قال بعد أن ذكر الحديث: (رواه ابن ماجة عن سويد ورواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى عن شريك وقال صحيح غريب...)[6].
وروى الذهبي في تاريخ الإسلام بسنده عن عمران بن حصين أن رسول الله (ص) قال: (ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي)، قال أخرجه أحمد في المسند والترمذي وحسَّنه النسائي[7].
وروى البخاري في صحيحه في مناقب المهاجرين أنَّ النبي (ص) قال لعلي (ع): "أنت مني وأنا منك"[8].
ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي (ع): (يا علي الناس من شجرٍ شتَّى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثمَّ قرأ رسول الله (ص) ﴿وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ﴾ قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه[9].
هذا بعض ما ورد من طرق العامَّة في تنزيل النبي (ص) عليًّا (ع) منزلة نفسه وقد أهملنا الكثير خشية الإطالة.
قد يقال أنَّ المراد من ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ هو خصوص النبي (ص)، وإن مجيء الآية بصيغة الجمع للتعظيم، وهذا خاطئ جداً، وذلك للإجماع بأنَّ علياً كان ضمن مَن باهل بهم النبي (ص) وهو ليس من النساء ولا من الأبناء، فما الذي حدا برسول الله (ص) أن يجعله ضمن مَن باهل بهم؟ وهذا لا يحتمل سوى وجهين، إما أن يكون علي (ع) هو المعنيُّ ضمناً أو تعييناً بقوله: ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ وهو الذي ندَّعيه، وإما أن يكون النبي (ص) قد دعاه ولم يكن مأموراً من قبل الله تعالى بذلك، وحينئذٍ يتحتم السؤال عن منشأ دعوته إيَّاه رغم عدم أمر الله تعالى له بذاك هل هو تجاوز لله تعالى؟ فإن كان كذلك فهو القول بعدم عصمة النبي (ص) وتصحيح ارتكابه للمعصية وإنْ كان استدراكاً لما ينبغي أن يأمر به الله، ولكنه لم يأمر به فذلك أسوأ لاستلزامه نفي الحكمة عن الله جلَّ وعلا. وإن كان منشأ دعوته إيَّاه هو المحاباة والاستئثار نظراً لقرابته منه فذلك ما لا يقبله مسلم على رسول الله (ص) لأنَّه لا يفعل ولا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى. فتعيَّن أن تكون دعوته إيَّاه نشأت عن أمر الله جلَّ وعلا، وبذلك يثبت المطلوب.
ثم إنَّ دعوى إرادة خصوص نفس النبي (ص) من قوله: ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ منافٍ لمقتضى الظهور العرفي، إذ إنَّ الإنسان لا يدعو نفسه، فتعيَّن أن يكون المدعو هو غيره لكنَّه نزَّله منزلة نفسه.
وإن قيل أنَّ المراد من ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ هو عموم المسلمين كما قيل ذلك فالسؤال هو أنَّه لماذا اختير علي (ع) من بينهم وهم كثيرون، ألا يكشف ذلك كشفاً قطعياً عن امتيازه عليهم؟ ألم يجد رسول الله (ص) أحداً غير علي من المسلمين يضمّه إلى من يباهل بهم حتى يتحقّق أقل الجمع؟
قد يقال لماذا قال ﴿نسائنا﴾ ولم يقل بناتنا لأنّ الزهراء بنت النبي (ص)؟
أقول الآية لم تكن بصدد تحديد الهويّة الشخصيّة لمن يلزمه الحضور للمباهلة وإنَّما هي بصدد بيان أنَّ المباهلة إنَّما تكون بالنفس وبأخصِّ الأهل. والنبي (ص) في مقام تطبيق الآية وامتثالها اختار علياً (ع) ليكون مصداقاً للنفس واختار فاطمة (ع) لتكون مصداقاً لخاصته من النساء، واختار الحسنين (ع) ليكونا مصداقاً لأبنائه. وذلك ثابت بالتواتر عن الفريقين.
وأما أنَّ فاطمة (ع) بنتٌ للنبيّ (ص) فذلك لا يقتضي أنَّ عنوان النساء غير صادق عليها، فهي بنت وهي من النساء، وأمَّا لماذا لم يقل بناتنا فلأنَّ عنوان البنات داخل تحت عنوان الأبناء فلفظ الأبناء يصدق على الذكور والإناث من الأولاد، فلو قال بناتنا ولم يقل نساءنا لتُوهِّم أنَّ الدعوى للحضور للمباهلة ليس بتمام خاصة كلٍّ من الطرفين والحال أنَّ الآية كانت بصدد التعبير عن أنَّ النبي (ص) كان مطمئناً بصوابيَّة دعوته لذلك فهو مستعد للمباهلة بتمام خاصَّته.
ولذلك ثبت من الروايات أنَّه قال عند الحضور للمباهلة مع علي وفاطمة والحسن والحسين (ع): "اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي"، وذلك يعبِّر أنَّهم خاصَّته من دون غيرهم.
وقد يُقال: يجوز للإنسان أن يدعو نفسه ، تقول العرب : دعوت نفسي إلى كذا فلم تجبني. وهذا يسمونه التجريد.
ويمكن أن يقال بأنه يصح التعبير عن الحضور بدعاء النفس مجازا وهو المراد هنا فالأولى في الاستدلال أن يقال أن الاتفاق واقع على أن عليا كان من جملة من دعاهم النبي ص للمباهلة وليس داخلا في الأبناء والنساء قطعا فتعين دخوله في قوله وأنفسنا فيكون المراد بأنفسنا علي وحده أو هو مع النبي ص وعلى الوجهين يكون قد أطلق عليه نفس النبي ص فان قلنا المراد بأنفسنا علي وحده كان التجوز في أنفسنا وحدها ، وإن قلنا المراد به رسول الله وعلي معا كان التجوز في ندعو باستعمالها في دعاء النفس ودعاء الغير وفي أنفسنا أيضا.
وقد يقال: لا يلزم المماثلة أن تكون في جميع الأشياء بل تكفي المماثلة في شيء ما، هذا الذي عليه أهل اللغة، لا الذي يقوله المتكلمون من أن المماثلة تكون في جميع صفات النفس، هذا اصطلاح منهم لا لغة، فعلى هذا تكفي المماثلة في صفة واحدة، وهي كونه من بني هاشم، والعرب تقول: هذا من أنفسنا، أي : من قبيلتنا.
يكفي في الرد عليه ما ذكره الرازي، حيث قال : « وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه... »
وهذا ما أورده الفخر الرازيّ في تفسيره في بيان سبب نزول آية المباهلة قال: ( رُوي أنَّه عليه السلام لما أورد الدلائل على نصارى نجران ثمَّ أنَّهم أصرّوا على جهلهم فقال عليه السلام: "إنَّ الله أمرني إن لم تقبلوا الحجَّة أن أُباهلكم"... وكان رسول الله (ص) قد خرج وعليه مرط أسود وكان قد احتضن الحسين (ع) وأخذ بيد الحسن (ع) وفاطمة (ع) تمشي خلفه وعلي (ع) خلفها وهو يقول: (إذا دعوت فأمِّنوا).
قال: وروى أنَّه عليه السلام خرج في المرط الأسود فجاء الحسن (ع) فأدخله ثمَّ جاء الحسين (ع) فأدخله ثمَّ فاطمة (ع) ثمَّ علي (ع) ثمَّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
قال الفخر الرازي: واعلم أنَّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث)[10].
وقال الرازي أيضاً:
( {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} وليس المراد بقوله { وَأَنفُسَنَا } نفس محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد منه، أن هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة، وفي حق الفضل لقيام الدلائل على أن محمداً عليه السلام كان نبياً وما كان علي كذلك، ولانعقاد الإجماع على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من علي رضي الله عنه، فيبقى فيما وراءه معمولاً به، ثم الإجماع دلَّ على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء .
ثم قال أي الرازي : ويؤيد الاستدلال بهذه الآية، الحديث المقبول عند الموافق والمخالف ، وهو قوله عليه السلام: [من أراد أن يرى آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلته، وموسى في هيبته، وعيسى في صفوته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه] ، فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقاً فيهم، وذلك يدل على أن علياً رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم )[11].
الفخر الرازي يسلّم بأن ظاهر الآية يدل على أفضلية أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سائر الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله، ولكن يمنع هذا التفضيل قيام الإجماع بين المسلمين - كما يزعم - قبل زمن محمود بن الحسن الحمصي على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا كذلك على أن علياً صلوات الله عليه ما كان نبياً ، فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق النبي صلوات الله عليه وآله فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء عليهم السلام، أي استثناء بقية الأنبياء كما استثني النبي محمد صلى الله عليه وآله.
يكفي في رد ما ذهب له الرازي نفي هذا الإجماع المزعوم ، فإن الإمامية ـ قبل الشيخ الحمصي وبعده ـ قائلون بأفضلية عليّ والأئمة من ولده، على جميع الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ويستدلون لذلك بوجوه من الكتاب والسنة، أما من الكتاب فالآية المباركة ، وأما من السنة فالحديث الذي ذكره الحمصي. ومن متقدمي الإمامية القائلين بأفضلية أمير المؤمنين على سائر الأنيباء هو : الشيخ المفيد ، المتوفى سنة 413 ، وله في ذلك رسالة ، استدل فيها بآية المباهلة ، واستهل كلامه بقوله : « فاستدل به من حكم لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام وكافة الناس سوى نبي الهدى محمد عليه وآله السلام بأن قال... » وهو صريح في أن هذا قول المتقدمين عليه[12].
على أنه إذا كان « تكفي المماثلة في صفة واحدة ، وهي كونه من بني هاشم » فلماذا التخصيص بعلي منهم دون غيره ؟!
وهناك رواية بلا سند في السيرة الحلبية تضيف عمر بن الخطاب وعائشة وحفصة. كما توجد رواية في ترجمة عثمان بن عفان من تاريخ ابن عساكر: أن رسول الله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده .
لكن هذه الروايات في الحقيقة :
أولاً : روايات آحاد .
ثانياً : روايات متضاربة فيما بينها .
ثالثاً : روايات انفرد رواتها بها , وليست من الروايات المتفق عليها .
رابعاً : روايات تعارضها روايات الصحاح .
خامساً : روايات ليس لها أسانيد , أو إن أسانيدها ضعيفة .
إذن تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ من أن الذين خرجوا معه (ص) هم علي وفاطمة والحسنان (ع) .
واعترض الواسطي اللغوي بأن جميع قريش نفس النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) فلا خصوصية بالفضل في ذلك لعلي فلا يختص بالإمامة دون كل قريش . قلنا : قد سلم أن عليا نفس النبي صلى الله عليه وآله فيلتزم بهبوط الصحابة عن منزلة علي لتخصيص النبي له ولولديه وزوجته بالمباهلة دون كل قريش ، والمعارض خص بها عليا بعد الثلاثة لأفضليته دون كل قريش ولم يأت لأحد من الفضائل ما أتى لعلي لحديث سعد المتقدم وغيره.
وإن قيل: لم يقصد في المباهلة الأفضل بل النسب ولهذا أحضر الحسنيين وكانا طفلين. قلنا : لولا إرادة الفضل لدعا عقيلاً وعباسا وولده فإنهم انضموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وأسلموا قبل المباهلة بمدة والمباهلة كانت في سنة عشر من الهجرة وقد كان الحسنان في حد العقل والمعرفة ، وإن لم يبلغا حد التكليف.
[1] - آل عمران61
[2] - صحيح مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبي طالب ج 2 / 360 ط عيسى الحلبي و ج 15 / 176 ط مصر بشرح النووي و ج 7 / 120 ط محمد علي صبيح بمصر و ج 4 / 1871 ط آخر بمصر.
[3] - ج2ص120. ط دار المعرفة- بيروت لبنان
[4] - نفسه ص 121
[5] - سير أعلام النبلاء ج8ص212
[6] - تاريخ الإسلام / ج3 ص630
[7] - نفسه ص630
[8] - صحيح البخاري ج3 ص 168 كتاب الصلح. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
[9] - المستدرك ج2 ص241 دار المعرفة – بيروت - لبنان
[10] - تفسير الفخر الرازي ج8 / 85 - 87
[11] - تفسير الرازي 8 |86.
[12] - تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر الصحابة. رسالة مطبوعة في المجلد السابع من موسوعة مصنفات الشيخ المفيد.
{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }[1].
روى مسلم في (صحيحه) عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص عن أبيه قال: ( أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب؟ قال: أمَّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله (ص) فلن أسبَّه، لإنْ يكون لي واحدة منهنَّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعت رسول الله (ص) يقول حين خلَّفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله خلَّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص): أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه لا نبي بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، قال فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي علياً فأُتي به أرمد العين فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يده، ولما نزلت هذه الآية ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ﴾ دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي )[2].
فالرواية صريحة في أنَّ دعوة علي ومَن معه للمباهلة كانت منقبةً وفضيلةً بنظر سعد بن أبي وقَّاص، لذلك قال إنّها أحب إليه من حمر النعم، وهي منقبة وفضيلة عند معاوية لأنَّه أذعن ولم يُحر جوابًا، وكأنَّ حجَّة سعدٍ قد ألقمته حجراً.
وقد تواتر الإخبار عن عبدالله بن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، وفيما يلي قائمة في من نقلوا الأحاديث:-
1- صحيح الترمذي ج 4 ص 82 ط مصر.
2- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 124 ط الأعلمي ببيروت.
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150 وصححه.
4- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 263 ح 310. وص 115 نسخة مكتبة صنعاء اليمن.
5- مسند أحمد بن حنبل ج 1 / 185 ط الميمنية و ج 3 / 97 ح 1608 ط دار المعارف.
6- كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 54 و 85 و 142 ط الحيدرية وص 13 و 28 - 29 و 55 و 56 ط الغري.
7- ترجمة الامام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 / 21 ح 30 و 271.
8- تفسير الطبري ج 3 / 299 و 300 و 301 و ج 3 / 192 ط الميمنية بمصر.
9- الكشاف للزمخشري ج 1 / 368 - 370 ط بيروت و ج 1 / 193 ط مصطفى محمد بمصر.
10- تفسير ابن كثير ج 1 / 370 – 371.
11- تفسير القرطبي ج 4 / 104.
12- أحكام القرآن للجصاص ج 2 / 295 - 296 " قال : لم يختلفوا فيه أن النبي ( ص ) أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة إلى آخر كلامه " ط عبد الرحمن محمد بمصر.
13- أسباب النزول للواحدي ص 59.
14- أحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 275 ط 2 الحلبي و ج 1 ص 115 ط السعادة بمصر.
15- التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج 1 / 109.
16- فتح البيان في مقاصد القرآن ج 2 / 72.
17- زاد المسير لابن الجوزي ج 1 / 399.
18- فتح القدير للشوكاني ج 1 / 347 ط 2 مصطفى الحلبي بمصر و ج 1 ص 316 ط 1 بمصر.
19- تفسير الفخر الرازي ج 2 ص 699 ط دار الطباعة العامرة بمصر و ج 8 ص 85 ط البهية بمصر.
20- جامع الأصول لابن الأثير ج 9 ص 470.
21- مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص 18 ج 1 ط النجف وص 8 طهران.
22- ذخائر العقبى ص 25.
23- تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 17 ط النجف وص 14 ط الحيدرية.
24- الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 38 – 39.
25- تفسير البيضاوي ج 2 / 22 أفست بيروت على ط دار الكتب العربية بمصر.
26- تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169.
27- الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 72 ط الميمنية بمصر وص 119 ط المحمدية بمصر . وفي هذه الطبعة حذف اسم الإمام الحسن وهو موجود في الطبعة الأولى ص 72 ط الميمنية وذكر نزول الآية فيهم ص 87 و 93 ط الميمنية . وص 143 و 153 ط المحمدية.
28- تفسير الخازن ج 1 / 302.
29- الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي الشافعي ص 5.
30- معالم التنزيل للبغوي بهامش تفسير الخازن ج 1 / 302.
31- السيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج 3 / 212 ط المطبعة البهية بمصر و ج 3 / 240 ط محمد علي صبيح.
32- السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 3 / 5.
33- المناقب للخوارزمي الحنفي ص 60 و 97.
34- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 110.
35- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 / 291 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل و ج 4 / 108 ط 1 بمصر.
36- أسد الغابة لابن الأثير الشافعي ج 4 / 26.
37- الإصابة لابن حجر العسقلاني الشافعي ج 2 / 509 ط السعادة بمصر و ج 2 ص 503 ط مصطفى محمد بمصر.
38- مرآة الجنان لليافعي ج 1 / 109.
39- مشكاة المصابيح للعمري ج 3 / 254.
40- البداية والنهاية لابن كثير ج 5 / 54 ولم يذكر أمير المؤمنين (ع). ط السعادة بمصر.
41- تفسير أبي السعود مطبوع بهامش تفسير الرازي ج 2 / 143 ط الدار العامرة بمصر.
42- تفسير الجلالين للسيوطي ج 1 / 33 ط مصر وص 77 ط دار الكتاب العربي في بيروت.
43- ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 9 و 44 و 51 و 52 و 232 و 281 و 295 ط اسلامبول وص 9 و 49 و 57 و 59 و 275 و 291 و 353 ط الحيدرية.
44- الرياض النضرة للطبري الشافعي ج 2 ص 248 ط 2.
45- فرائد السمطين ج 1 / 378 ح 307 و ج 2 / 23 ج 365 وص 205 ح 484 و 485 و 486.
46- عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 / 252.
47- فتح الباري في شرح صحيح البخاري : 7/60 .
إنَّ منشأ اعتبار آية المباهلة دليلاً قاطعًا على أفضليّة عليٍّ (ع) على مَن سواه هو أنَّ النبي (ص) نزَّل علياً بمنزلة نفسه ولما كان رسول الله (ص) أفضل خلق الله تعالى فمَن هو بمنزلته كذلك إلا فيما اختصَّ به رسول الله (ص).
ويمكن تأييد التنزيل لنفس عليٍّ (ع) منزلةَ نفس رسول الله (ص) بروايات كثيرة وردت من طرق السنَّة.
منها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسنده عن عبد الرحمن بن عوف أنَّ رسول الله (ص) قال: ( ...والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتون الزكاة أو لأبعثنَّ عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربنَّ أعناق مقاتليهم وليسبينَّ ذراريهم، قال: فرأى الناس أنَّه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي فقال: هذا )[3].
قال الحاكم النيسابوري: ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )[4].
ومنها: ما رواه الذهبي بسنده عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "عليٌّ مني وأنا من عليّ، لا يؤدي عني إلا أنا وهو" قال الذهبي: هذا حديث حسن غريب رواه ابن ماجة في سننه[5].
وفي تاريخ الإسلام للذهبي قال بعد أن ذكر الحديث: (رواه ابن ماجة عن سويد ورواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى عن شريك وقال صحيح غريب...)[6].
وروى الذهبي في تاريخ الإسلام بسنده عن عمران بن حصين أن رسول الله (ص) قال: (ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه وهو وليّ كل مؤمن بعدي)، قال أخرجه أحمد في المسند والترمذي وحسَّنه النسائي[7].
وروى البخاري في صحيحه في مناقب المهاجرين أنَّ النبي (ص) قال لعلي (ع): "أنت مني وأنا منك"[8].
ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي (ع): (يا علي الناس من شجرٍ شتَّى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثمَّ قرأ رسول الله (ص) ﴿وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ﴾ قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه[9].
هذا بعض ما ورد من طرق العامَّة في تنزيل النبي (ص) عليًّا (ع) منزلة نفسه وقد أهملنا الكثير خشية الإطالة.
قد يقال أنَّ المراد من ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ هو خصوص النبي (ص)، وإن مجيء الآية بصيغة الجمع للتعظيم، وهذا خاطئ جداً، وذلك للإجماع بأنَّ علياً كان ضمن مَن باهل بهم النبي (ص) وهو ليس من النساء ولا من الأبناء، فما الذي حدا برسول الله (ص) أن يجعله ضمن مَن باهل بهم؟ وهذا لا يحتمل سوى وجهين، إما أن يكون علي (ع) هو المعنيُّ ضمناً أو تعييناً بقوله: ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ وهو الذي ندَّعيه، وإما أن يكون النبي (ص) قد دعاه ولم يكن مأموراً من قبل الله تعالى بذلك، وحينئذٍ يتحتم السؤال عن منشأ دعوته إيَّاه رغم عدم أمر الله تعالى له بذاك هل هو تجاوز لله تعالى؟ فإن كان كذلك فهو القول بعدم عصمة النبي (ص) وتصحيح ارتكابه للمعصية وإنْ كان استدراكاً لما ينبغي أن يأمر به الله، ولكنه لم يأمر به فذلك أسوأ لاستلزامه نفي الحكمة عن الله جلَّ وعلا. وإن كان منشأ دعوته إيَّاه هو المحاباة والاستئثار نظراً لقرابته منه فذلك ما لا يقبله مسلم على رسول الله (ص) لأنَّه لا يفعل ولا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى. فتعيَّن أن تكون دعوته إيَّاه نشأت عن أمر الله جلَّ وعلا، وبذلك يثبت المطلوب.
ثم إنَّ دعوى إرادة خصوص نفس النبي (ص) من قوله: ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ منافٍ لمقتضى الظهور العرفي، إذ إنَّ الإنسان لا يدعو نفسه، فتعيَّن أن يكون المدعو هو غيره لكنَّه نزَّله منزلة نفسه.
وإن قيل أنَّ المراد من ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ هو عموم المسلمين كما قيل ذلك فالسؤال هو أنَّه لماذا اختير علي (ع) من بينهم وهم كثيرون، ألا يكشف ذلك كشفاً قطعياً عن امتيازه عليهم؟ ألم يجد رسول الله (ص) أحداً غير علي من المسلمين يضمّه إلى من يباهل بهم حتى يتحقّق أقل الجمع؟
قد يقال لماذا قال ﴿نسائنا﴾ ولم يقل بناتنا لأنّ الزهراء بنت النبي (ص)؟
أقول الآية لم تكن بصدد تحديد الهويّة الشخصيّة لمن يلزمه الحضور للمباهلة وإنَّما هي بصدد بيان أنَّ المباهلة إنَّما تكون بالنفس وبأخصِّ الأهل. والنبي (ص) في مقام تطبيق الآية وامتثالها اختار علياً (ع) ليكون مصداقاً للنفس واختار فاطمة (ع) لتكون مصداقاً لخاصته من النساء، واختار الحسنين (ع) ليكونا مصداقاً لأبنائه. وذلك ثابت بالتواتر عن الفريقين.
وأما أنَّ فاطمة (ع) بنتٌ للنبيّ (ص) فذلك لا يقتضي أنَّ عنوان النساء غير صادق عليها، فهي بنت وهي من النساء، وأمَّا لماذا لم يقل بناتنا فلأنَّ عنوان البنات داخل تحت عنوان الأبناء فلفظ الأبناء يصدق على الذكور والإناث من الأولاد، فلو قال بناتنا ولم يقل نساءنا لتُوهِّم أنَّ الدعوى للحضور للمباهلة ليس بتمام خاصة كلٍّ من الطرفين والحال أنَّ الآية كانت بصدد التعبير عن أنَّ النبي (ص) كان مطمئناً بصوابيَّة دعوته لذلك فهو مستعد للمباهلة بتمام خاصَّته.
ولذلك ثبت من الروايات أنَّه قال عند الحضور للمباهلة مع علي وفاطمة والحسن والحسين (ع): "اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي"، وذلك يعبِّر أنَّهم خاصَّته من دون غيرهم.
وقد يُقال: يجوز للإنسان أن يدعو نفسه ، تقول العرب : دعوت نفسي إلى كذا فلم تجبني. وهذا يسمونه التجريد.
ويمكن أن يقال بأنه يصح التعبير عن الحضور بدعاء النفس مجازا وهو المراد هنا فالأولى في الاستدلال أن يقال أن الاتفاق واقع على أن عليا كان من جملة من دعاهم النبي ص للمباهلة وليس داخلا في الأبناء والنساء قطعا فتعين دخوله في قوله وأنفسنا فيكون المراد بأنفسنا علي وحده أو هو مع النبي ص وعلى الوجهين يكون قد أطلق عليه نفس النبي ص فان قلنا المراد بأنفسنا علي وحده كان التجوز في أنفسنا وحدها ، وإن قلنا المراد به رسول الله وعلي معا كان التجوز في ندعو باستعمالها في دعاء النفس ودعاء الغير وفي أنفسنا أيضا.
وقد يقال: لا يلزم المماثلة أن تكون في جميع الأشياء بل تكفي المماثلة في شيء ما، هذا الذي عليه أهل اللغة، لا الذي يقوله المتكلمون من أن المماثلة تكون في جميع صفات النفس، هذا اصطلاح منهم لا لغة، فعلى هذا تكفي المماثلة في صفة واحدة، وهي كونه من بني هاشم، والعرب تقول: هذا من أنفسنا، أي : من قبيلتنا.
يكفي في الرد عليه ما ذكره الرازي، حيث قال : « وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه... »
وهذا ما أورده الفخر الرازيّ في تفسيره في بيان سبب نزول آية المباهلة قال: ( رُوي أنَّه عليه السلام لما أورد الدلائل على نصارى نجران ثمَّ أنَّهم أصرّوا على جهلهم فقال عليه السلام: "إنَّ الله أمرني إن لم تقبلوا الحجَّة أن أُباهلكم"... وكان رسول الله (ص) قد خرج وعليه مرط أسود وكان قد احتضن الحسين (ع) وأخذ بيد الحسن (ع) وفاطمة (ع) تمشي خلفه وعلي (ع) خلفها وهو يقول: (إذا دعوت فأمِّنوا).
قال: وروى أنَّه عليه السلام خرج في المرط الأسود فجاء الحسن (ع) فأدخله ثمَّ جاء الحسين (ع) فأدخله ثمَّ فاطمة (ع) ثمَّ علي (ع) ثمَّ قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
قال الفخر الرازي: واعلم أنَّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث)[10].
وقال الرازي أيضاً:
( {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} وليس المراد بقوله { وَأَنفُسَنَا } نفس محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد منه، أن هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة، وفي حق الفضل لقيام الدلائل على أن محمداً عليه السلام كان نبياً وما كان علي كذلك، ولانعقاد الإجماع على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من علي رضي الله عنه، فيبقى فيما وراءه معمولاً به، ثم الإجماع دلَّ على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء .
ثم قال أي الرازي : ويؤيد الاستدلال بهذه الآية، الحديث المقبول عند الموافق والمخالف ، وهو قوله عليه السلام: [من أراد أن يرى آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلته، وموسى في هيبته، وعيسى في صفوته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه] ، فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقاً فيهم، وذلك يدل على أن علياً رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم )[11].
الفخر الرازي يسلّم بأن ظاهر الآية يدل على أفضلية أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سائر الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله، ولكن يمنع هذا التفضيل قيام الإجماع بين المسلمين - كما يزعم - قبل زمن محمود بن الحسن الحمصي على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا كذلك على أن علياً صلوات الله عليه ما كان نبياً ، فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق النبي صلوات الله عليه وآله فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء عليهم السلام، أي استثناء بقية الأنبياء كما استثني النبي محمد صلى الله عليه وآله.
يكفي في رد ما ذهب له الرازي نفي هذا الإجماع المزعوم ، فإن الإمامية ـ قبل الشيخ الحمصي وبعده ـ قائلون بأفضلية عليّ والأئمة من ولده، على جميع الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ويستدلون لذلك بوجوه من الكتاب والسنة، أما من الكتاب فالآية المباركة ، وأما من السنة فالحديث الذي ذكره الحمصي. ومن متقدمي الإمامية القائلين بأفضلية أمير المؤمنين على سائر الأنيباء هو : الشيخ المفيد ، المتوفى سنة 413 ، وله في ذلك رسالة ، استدل فيها بآية المباهلة ، واستهل كلامه بقوله : « فاستدل به من حكم لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام وكافة الناس سوى نبي الهدى محمد عليه وآله السلام بأن قال... » وهو صريح في أن هذا قول المتقدمين عليه[12].
على أنه إذا كان « تكفي المماثلة في صفة واحدة ، وهي كونه من بني هاشم » فلماذا التخصيص بعلي منهم دون غيره ؟!
وهناك رواية بلا سند في السيرة الحلبية تضيف عمر بن الخطاب وعائشة وحفصة. كما توجد رواية في ترجمة عثمان بن عفان من تاريخ ابن عساكر: أن رسول الله خرج ومعه علي وفاطمة والحسنان وأبو بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده .
لكن هذه الروايات في الحقيقة :
أولاً : روايات آحاد .
ثانياً : روايات متضاربة فيما بينها .
ثالثاً : روايات انفرد رواتها بها , وليست من الروايات المتفق عليها .
رابعاً : روايات تعارضها روايات الصحاح .
خامساً : روايات ليس لها أسانيد , أو إن أسانيدها ضعيفة .
إذن تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ من أن الذين خرجوا معه (ص) هم علي وفاطمة والحسنان (ع) .
واعترض الواسطي اللغوي بأن جميع قريش نفس النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) فلا خصوصية بالفضل في ذلك لعلي فلا يختص بالإمامة دون كل قريش . قلنا : قد سلم أن عليا نفس النبي صلى الله عليه وآله فيلتزم بهبوط الصحابة عن منزلة علي لتخصيص النبي له ولولديه وزوجته بالمباهلة دون كل قريش ، والمعارض خص بها عليا بعد الثلاثة لأفضليته دون كل قريش ولم يأت لأحد من الفضائل ما أتى لعلي لحديث سعد المتقدم وغيره.
وإن قيل: لم يقصد في المباهلة الأفضل بل النسب ولهذا أحضر الحسنيين وكانا طفلين. قلنا : لولا إرادة الفضل لدعا عقيلاً وعباسا وولده فإنهم انضموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وأسلموا قبل المباهلة بمدة والمباهلة كانت في سنة عشر من الهجرة وقد كان الحسنان في حد العقل والمعرفة ، وإن لم يبلغا حد التكليف.
[1] - آل عمران61
[2] - صحيح مسلم كتاب الفضائل باب من فضائل علي بن أبي طالب ج 2 / 360 ط عيسى الحلبي و ج 15 / 176 ط مصر بشرح النووي و ج 7 / 120 ط محمد علي صبيح بمصر و ج 4 / 1871 ط آخر بمصر.
[3] - ج2ص120. ط دار المعرفة- بيروت لبنان
[4] - نفسه ص 121
[5] - سير أعلام النبلاء ج8ص212
[6] - تاريخ الإسلام / ج3 ص630
[7] - نفسه ص630
[8] - صحيح البخاري ج3 ص 168 كتاب الصلح. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
[9] - المستدرك ج2 ص241 دار المعرفة – بيروت - لبنان
[10] - تفسير الفخر الرازي ج8 / 85 - 87
[11] - تفسير الرازي 8 |86.
[12] - تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر الصحابة. رسالة مطبوعة في المجلد السابع من موسوعة مصنفات الشيخ المفيد.
|
|
|
|
|