قضى عشرين سنة وهو يصلي لله كي يحصل على وظيفة محترمة ومال يمكنه من شراء منزل يصلح ان يكون حضنا لكل الأحلام ،
لم يتحقق له شيء مما سأل ، لم يحصل على وظيفة ؛ ولم يحصل على سكن ؛ وإنما حصل على شيب يشتعل في رأسه كما تشتعل النار في الحطب ، بل حتى حبيبته ملت من وعوده وغادرته إلى حضن رجل أخر قبل أن يشتعل رأسها شيباً فتنخفض قيمة أسهمها في سوق الزواج .
فكّر صاحبنا ملياً في حاله ، أمعقول أن يمنعني الله الاستجابة وأنا لا أعرف طريق للخير إلا أسرعت إليه ؟ لا شك أن في الأمر سراً . قضى صاحبنا ليالي طوال يفكر في سبب مشكلته ، وذات ليلة وبينما هو نائم ؛ أتاه ملك في المنام وأخبره أن الله قد استجاب لدعائه منذ عشرين سنة ؛ بل استجاب له قبل أن ينزل من بطن أمه ؛ وأشار له بيديه إلى قصر جميل به ما لذ وطاب من الأكل والشراب ، بل فيه منازل جميلة تجري من تحتها الأنهار ، وأموال لا تعد ولا تحصى ، استيقظ صاحبنا من نومه فزعاً يحوقل و يحمدل ، وبدأ أيامه من جديد هماً و حزناً ، فالحلم الذي خامره في المنام ؛ لا يعني بالنسبة إليه أن مشاكله قد حلت وأنه قد حقق تلك الأحلام التي ابتعد به الزمان عنها فأيام الحزن التي عاش هي نفسها التي لازال يعيش .
أخذته أقدامه إلى حي من الأحياء الراقية التي تعيش منعزلة عن فقر المدينة ومشاكلها البيئية والصحية ، رأى بأم عينيه السيارات الجميلة كيف تمر أمامه على استحياء ، لا تحدث ضوضاء ولا تكاد - العين - ترى البنزين المحترق ينبعث منها ، و من خلف الزجاج تنظر إليه كلاب نظيفة شعورها مرتبة بأناقة ، و تبدوا علـــيها أثر النعمة ، ولم يسبق له - طول حياته - أن رأى كلاب تبتسم حتى شاهد هاته الكلاب بل إنه تمنى لو كان كلب مثلها ، هو يعلم علم اليقين أن من يستوطن هاته المنازل والقصور ، هم لصوص المدينة الحقيقين ، العمدة و بعض الوزراء و الأمراء و المتهربين من دفع الضرائب .
توقفت أمامه سيارة مكشوفة تقودها فتاة ذات ألوان وأغصان ، يجلس إلى جانبها كلب صغير يفوح منه عطر لذيذ ، نظر إليها في شبه شرود ، مستيقناً أن مثل هذا الجمال يوجد بالفعل في هاته المدينة ، غير أن الفتاة لم تمكنه من حظه في النظر إليها حيث أقلعت بسيارتها و تركته لأفكاره وأحلامه ...
نعم ، الأن بدأت أفهم ، لقد استجاب الله لدعائي منذ عشرين سنة خلت ولكن اللصوص قد سرقوا كل شيء ..