ملاحظة : المقال هو رد على المقال الذي سبقه وهو بعنوان ماذا سيكسب الشيعة؛ من دولة شيعية؟
وماذا سيكسب السنة، من دولة سنية؟
محمد الوادي
يضطر المرء في بعض الاحيان الى الدخول في خانة الرد دفاعا عن بلده وأهله وعقيدتهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم ردا على بعض التجاوزات والانحرافات ومحاولات التضليل الصارخة، فلقد تم نشرمقالةبنفس العنوان اعلاه مع اختلاف الشيعة في تلك عن السنة في هذه المقالة. اولا مقالتي هذه لاتعني السنة المعتدلين، ثم هناك محاولة فقيرة للالتفاف على الوعي العراقي و الواقع والتاريخ من خلال القول بانفصال الشيعة في العراق وهذا المنطق ينافي الحقيقة الكبرى بأن الاكثرية السكانية الساحقة واصحاب المساحة الاكبر وثروات البلد ومن ضمنها العاصمة بغداد لايجوز ان ينفصلوا عن أنفسهم بل الاقليات الاخرى ممكن تحت ظرف معين أن تعمل أو أن تطالب بالانفصال وهذا الكلام ينطبق على الاكراد في العراق لتحقيق حلمهم القومي الانساني الذي طال أنتظاره مع الاخذ بنظر الاعتبار أن هذا الحلم يجب ان لاتحيطه الدماء ولا التجاوز على حقوق الاخرين في الارض. اما الاقلية السنية العربية في العراق وهي تمثل اقل من 15% من سكان البلد فأن خزعبلة الانفصال قد بدات هنا وهناك تطل برأسها مترددة وخائفة تحت عباءة السلطان العثماني أوردغان.
وفي تلك المقالة عيب على شيعة العراق بانهم سيبقون بعد أنفصال السنة على اللطم والبكاء فحسب!! وهذه كذبة كبرى فرغم مشروعية هذه الشعائر لكن ميزتها الاولى أنها لاتوذي الاخرين كما فعلت المحافظات الغربية حينما جعلت من نفسها وكر لتمرير بهائم التفجير الارهابية لقتل الشيعة وذبحهم بالسكين أو حرقهم أحياء طيلة عشرة سنوات مضت وأخرها جريمة طوزخرماتو واستهداف زوار الامام الحسين "ع" قبل عدة ايام. ثم أن أمهات الحضارات الانسانية من سومر وبابل وغيرها الكثير تقع في محافظات شيعية و ان ابو الانبياء أبراهيم "ع" موطئه الاول في مدينة الحلة الشيعية وكل هذه الامور وغيرها شاخصة امام أعيننا وفي أنفسنا ووعينا وثقافتنا منذ قرون طويلة، فمن قال لكم انه من الممكن ان نتبرع بها لكم ايها الطائفيون!! ثم مدن تنبض بالحياة والعروبة لوجود المراقد المقدسة ل أل البيت الكرام وفيها علي والحسين والعباس والكاظم والعسكريين هل من الممكن ان تكون مجرد تابع الى أيران كما تزعم تلك السطور!! اي استهانة واستخفاف بملايين البشر من أهل البلد الاصليين.
لقد كان البعض من ايام السعدون وياسين الهاشمي أبناء المشروع التركي وأتباع الباب العالي ومازال حتى يومنا هذا امامهم مراد الرابع واحفاده اورغان و أوغلو.
وسؤال منطقي هل يوجد فقه وثقافة وعلم ومسرح وفن ورياضة في العراق دون أهله الشيعة!! فالنجف الاشرف عاصمة الفقه والدين وفيها قامات لاتطال من أل الصدر وأل الحكيم وبحر العلوم وال ياسين وحتى المراجع العظام، ونحن أهل القيثارة الاولى و الوتر الاول في التاريخ الانساني ونحن من أوصل الوتر الثامن للعود بينما عصيت عليكم الربابة وتسيدتكم فبقيت بوترها اليتم تلوذ بما تلوذ... والجواهري لنا والسياب منا ونحن الحرف الاول وسومر ونحن أهل المسرح والشعر العراقي ونحن الرياضة جميعها ونحن الثقافة والرسم ونحن علماء وخبراء البلد الذين أوصل اسمائهم صنمكم الى لجان التفتيش الدولية ليتم استهدافهم، واذا كان عندكم من أسم معين وفي كل المجالات كانت ضخمته سلطات حكم الاقصاء فعندنا مقابل كل أسم مئات الاسماء من المبدعيين الحقيقين. ثم تتبجحون أن مدينة حديثة تم بناء سد أثر على جماليتها لمصلحة العراق!! اي نكتة هذه لقد دمرتم مدن الجنوب بحروبكم العبثية مع ايران والكويت وقضيتم على مدننا وعلى بساتيننا وعلى عشرات الملايين من نخلينا فعن اي سد واي حديثة تتكلمون! بل أن صنمكم تنازل عن جزء من أرضنا في البصرة الى الكويت في تنازل تاريخي جبان معيب ومشين.
ان الدولة الشيعية ان أضطررنا اليها وأجبرنا عليها فستحمل كل مقومات النجاح والتواصل وستكون عملاقا عاصمته بغداد اما محيطها السني العربي فمثله لايسبب الأرق والقلق لان مفاتيحه معروفة مسبقا لدينا. واما الماء الذي يتم تهددينا بقطعه كل يوم فانه سياتي الى دجلتنا وفراتنا وشط العرب عندنا وحتى اقدامنا راضخا وهذا حساب علمي سياسي واقتصادي ليس هنا مكانه ثم ان الماء حياة ومن يريد من الدويلات المزعومة تهددينا بقطع حياتنا سنقطع عنه الروح نفسها.وسيكون عندنا النفط الذي سنصل به قريبا الى اكثر من عشرة ملايين برميل كما سيكون عندنا الغاز لترتبط الدنيا كلها بنا وبمصالحنا.
فماذا عن الدولة السنية ان كتب لها تعلن، اولا سيرفع العرب أيدهم عنكم لان مبرر منكافة الشيعة واستهدافهم قد أنتهى بعد الانفصال المزعوم وسيتعاملون معكم كعشائر وعوائل بل ستكون صحراء الرمادي وعاء لحل معضلة حق الرجوع للفلسطنيين في كل بقاع الكرة الارضية، ثم سيحدث جوع نفطي عندكم لم يشبعه العرب لان مثال الاردن الاكثر التصاق بالمشروع العربي المعني يتضور جوعا بهذا الجانب والعرب النفطيون يتفرجون عليه لكننا سنعطيه النفط مجانا لتكون دولة السنة المزعومة بين فكي كماشة فالاردن عندهم أنفسهم اولأ وهذا شعار مرفوع بشكل علني،اما الموصل فسيتم أ قتسامها بين الكورد واوردغان، فماهي مقومات الدولة السنية في الرمادي وتكريت؟ الا اذا ارادت الدراما الاردنية تستغلها لتمثيل مسلسلات بدوية مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الانتاج الدرامي ضعيف جدا في الاردن.
ان القلب يتالم لكن هناك حقائق على الارض اما ان يتم احترامها والعمل بها او فليذهب من يشاء الى حيث يشاء، اولا كفاكم قطع الطرق، وثم أنكم اقلية حكمت البلد لقرون وعقود طويلة وأورثتوا الشيعة 420 مقبرة جماعية وأهوار مدمرة وسلمتم البلد لقوات التحالف وهو ينافس افغانستان والصومال في مستوى التخلف ولاتقارنوا العقد الاخير الاحمر بدمائنا وتخريبكم بسجل حكمكم الطويل فاما ان تحترموا حقوق الاكثرية الانسانية والدستورية والديمقراطية وتتعلموا كيف تكونوا محكومين مع حفظ حقوقكم الانسانية والدستورية وحق الاختيار الديمقراطي وليس حكام متسلطين وأما فارحلوا غير مؤسف عليكم لأن موجة التذمر والانزعاج من سلوككم الدموي والتخريبي أتجاه الشيعة وصل الى حدود شعبية لايمكن تصورها ثم لماذا يتم تصوير الامر وكأن سنة العراق متفضلين على شيعة العراق ببقائهم ضمن بلد واحد! وأن من تعجيه هذه المغامرة الرهيبة سيصفق له دعاة الدولة السنية برباتها ذات الوتر اليتم المحمية من أوردغان والذي سيدخلهم النادي الانكشاري باقرب فرصة ممكنة ومبروك عليكم. والباديء بالكتابة أظلم. وليس من الشجاعة بشيء أن يكون المرء ملثما حتى في الكتابة!
ماذا سيكسب الشيعة؛ من دولة شيعية؟
إبراهيم أحمد
في هذه الأيام الحالكة؛ أخذت تتعالى صيحات كثيرة من ساسة وكتاب طائفيين شيعة؛ منادية بانفصال الشيعة في دولة خاصة بهم! ليس ذلك رد فعل، على الحراك الجماهيري الواسع النطاق في ما يسمى بالمناطق السنية وحسب، بل هو عودة لدعوات سابقة واسعة؛ نادت بدولة البصرة والناصرية وجمعت من أجلها مضابط بمليون توقيع! ونظمت من أجلها مسيرات ومحافل خطب حاشدة، مدعين أن ذلك وحده يزيل مظلومية أتباع أهل البيت! دعوات اليوم تكشف مرة أخرى عن نزق ويأس متزعمي الشيعة عن ايجاد الحل الوطني الصائب لانتفاضة الأنبار والمناطق الأخرى، والتي هي تعبير عن ازمة الوطن، مع نظام الحكم كله، مفضلين الرد عليها بوصفها فقاعة ونتانة، وسلوك طريق التهديد والوعيد، والتمهيد للانفراد بالشيعة، وجرهم لكانتون ضيق، متجاهلين ما سيجره على جماهير الشيعة الأبرياء الغافلين؛ من ويلات ومصائب!
هؤلاء يستندون في دعواهم إلى ان الثروة النفطية تقع في معظمها بما يسمونه المناطق الشيعية، غير مكترثين لحقيقة ثبتتها الدساتير والأعراف الإنسانية، تقول أن ثروات أي بلد هي ملك لجميع مواطنيه، وإن عملية اكتشافها، وإدارة استثمارها قامت بها الدولة بجهدها الوطني لا الفئوي أو المناطقي! وإن الشعب كله مكلف بحمايتها، ينظم ذلك قانون الخدمة العسكرية الإلزامية الذي يشمل الجميع، وإن أسلافهم قد ذادوا عنها بدمائهم وارواحهم، وهم سيدافعون عنها لاحقاً بكل ما أوتى من قوة الشعب، لا الفئة الواحدة! لذا لا يحق لفرد أو جماعة أن تدعي ملكيتها لوحدها! فمن قصر النظر والسذاجة؛ تصور أن ثروات الفوسفات والذهب في عكاشات هي ملك لأهل الأنبار، ولا حق لأهل البصرة أو الموصل وأربيل او كركوك بها! أو أن آبار النفط في الرميلة هي ملك لأهل البصرة وحدهم، ولا حق لأهل الأنبار أو الموصل والسليمانية بها، فعندما ضحى أهل الأنبار بمدينة عانة من أجل إقامة سد الفرات في السبعينات، لم يخطر ببالهم أن الماء المخزون سيكون لهم وحدهم! كانوا يعرفون جيداً إنه سيكون لأبناء الجنوب أيضاً، وقد أغرقت عانة وهي مدينة جميلة كانت تحوي الكثير من الكنوز التاريخية، وذكريات أهاليها، وقبور أحبتهم، تضحية من أجل العراق كله، وتوارت بهدوء وصمت! ترى هل لو كانت هذه المدينة جنوبية او شيعية،يحق لشيعي أن يرفع صوته؛ ليتحدث على طريقة الطائفيين اليوم؛ فيقول: يجب ان يكون الماء للشيعة فقط؟ أي منطق هذا؟ هذه مفاهيم ولافتات غوغائية استعملها الطائفيون بكل قسوة ووحشية على مر العصور، وفي كثير من البلدان؛ وكان مصيرها أنها ارتدت إلى نحورهم، ولكنها آذت الكثيرين معهم أيضاً!
لتفترض أن هؤلاء الطائفيين، قد غمطوا حقوق الآخرين، واستأثروا بثروة البلاد، وتجاوزا بحر الدم الذي يتفجر عادة عند تقسيم بلدان القوميات والطوائف، واقاموا دولتهم العتيدة معتمدين على مليارات النفط، ترى كم ستكون حصة الشيعة الفقراء منها؟ وكم ستنزل في جيوب المتزعمين كالعادة؟ ماذا سيحققون لجماهير الشيعة؟ هل سينهون هذه المظلومية التي لا تزال مستمرة؛ رغم حكمهم لعشر سنوات، واختفاء مئات مليارات الدولارات، ووصول حتى مزوري الشهادات إلى مناصب وزراء ونواب وأعضاء لجان نزاهة وثقافة؟
تثبت تجربة الحضارة؛ ان الدول لا تبنى بالثروة فقط، لا بد من سلسلة شروط وأوضاع، وسلم قيم ومبادئ رصينة لقيام الدولة!
هل فكر هؤلاء كيف سيكون موقع ومكانة هذه الدولة في محيط سني يضم أكثر من 90% من المسلمين؟ كيف ستتعامل هذه الدول مع رعايا الدولة المنفصلة، وهي الآن تسأل المسافر في مطاراتها: هل أنت سني أم شيعي؟ بالطبع ستلوذ هذه الدولة أو الدويلة بجناح إيران؟ فأسس ذلك قائمة الان بالفعل في كواليس مجلس الوزراء، ووزارة الداخلية، والدفاع ومعظم مؤسسات الدولة! كيف ستعامل إيران هؤلاء الناس الذي أحرقوا سفنهم مع العالم العربي، والإسلامي السني؟ من المتوقع أنها ستعاملها بمنتهى العنجهية والتعالي، وتسومهم الإهانة والإذلال! ويتذكر كثير من العراقيين الذين عاشوا في إيران، أيام التهجير الصدامي المشؤومة، كيف عاملهم الإيرانيون واذاقوهم صنوف القسوة والفظاظة والغطرسة. كانوا يتصدون حتى لمن يبيع السجائر على الرصيف؛ بالضرب والتوقيف والحجر.
ثم كيف سيقتسم متزعمو الشيعة العراق مع السنة؟ اين هي الحدود الواضحة بين الشيعة والسنة ومدنهم وأحيائهم،بيوتهم ومقابرهم؟ وقد عاشوا مئات السنين أسرة واحدة، تصاهروا وتحابوا وارتبطوا بأعمال ومصالح لا تحصى ولا تعد، كيف تنفرط هذه الوشائج الإنسانية العميقة، من اجل سواد عيون الطائفيين في الضفتين؟ كيف سيقتسمون تاريخ العراق، الذي صنعه العراقيون جميعاً شيعة وسنة؟ كيف سيقتسمون المتحف العراقي مثلاً؟
لا يسعني، سوى أن أتخيل السيناريو التالي: سيتنازل متزعمو الشيعة عن كل لقى وآثار الفترة السومرية والأكدية والبابلية والآشورية؛ بدعوى أنها تعود للعهود الوثنية، فهي اصنام وأوثان (كتماثيل بانيان في افغانستان) ثم سيركلون بأقدامهم كل آثار الفترة الأموية؛ فهم قتلة الحسين، ويرفضون آثار العباسيين بدعوى مشاركتهم في ظلم الشيعة، وقتلهم أئمتهم اللاحقين، ثم سيركلون بقايا العهد العثماني، وسينظرون بحقد وضغينة لآثار الدولة الحديثة في العهد الملكي لأنه بنظرهم عهد سني بامتياز! سيحملون فقط، وبكل اعتزاز وإجلال آثار الفترة الصفوية، والتي لا تعدو زردات وقامات تطبير، بوصفهم هم من علم شيعة العراق اللطم والتطبير وركضة طويريج! يا له من تراث، وقسمة رابحة، ستفرح الطائفيين السنة؛ فسيكون المتحف العراقي كله ملكهم، ويخرج ملايين العراقيين الشيعة بفضل متزعميهم الطائفيين، بلا تاريخ، ولا امتداد، ولا جذور، في وطن كانوا ولا يزالون أبناءه المحبين المخلصين له، المضحين من أجله، احتضنه المبدعون منهم بقصائدهم وأغانيهم وروايتهم وأفلامهم ولوحاتهم، ومواهبهم الكبيرة الساطعة. من تعجبه هذه المغامرة الرهيبة، فليصفق لدعاة دولة الشيعة الغنية بالنفط، والمحمية من إيران، التي ستدخلهم معها النادي النووي قريباً، وتهانينا مقدماً!