إن تنشئة الطفل وتربيته على الاعتزاز بالهوية وعلى الشعور بالإنتماء الحضاري والإنساني مع التشبع بثقافة التآخي والتسامح واحترام وحب الآخرين والإنفتاح على المجتمعات الأخرى ونبذ التعصب بجميع أشكاله الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية هي مسؤولية الحاضنة الأولى للطفل أي الأسرة ومن ثم المدرسة والمجتمع بصورة عامة.
ولتحقيق هذا الهدف ينبغي على الأسرة والمدرسة بصورة خاصة والمجتمع بصورة عامة التركيز على تكوين شخصية استقلالية معتزة بنفسها وصادقة وواثقة ومتواضعة وبعيدة عن التعصب بجميع أشكاله.
ولكي ينشأ الطفل على الاستقلالية ويعتاد الاعتماد على النفس ولا يصاب بأمراض الضعة والحسد والإزدراءوالانتقام والتعصب، يجب على الآباء والأمهات أن يهتموا بهذا الطفل اهتماما بالغا منذ الصغر فيحاولوا أن ينموا مقومات الشخصية عند طفلهم بالقدوة الحسنة. يجب عليهم أن يسلكوا معه بصورة يعتقد الطفل معها أنه ذو شخصية مستقلة وأنه عضو حقيقي في الأسرة منذ نعومة أظفاره.
إن من أسلم الطرق وأفضلها في تعزيز شخصية الطفل هي احترامه والامتناع عن تحقيره وإهانته. وقد أشار علماء النفس إلى أهمية هذين الأمرين: احترام الطفل وعدم تحقيره. ومن هنا ينبغي على الوالدين احترام الطفل في الأسرة والاهتمام بشخصيته. وكلما التزم الأبوان باحترام طفلهما توجه هو إلى الآخرين بالحب والاحترام كذلك. وإلاّ قد تنمو لديه نزعة الاحتقار لنفسه وللآخرين. فمثلا يجب ألا يقوم الأبوان بتوبيخ الطفل على أتفه الأسباب والحط من قدره بمناسبة وغير مناسبة. ومن الوسائل المعبرة عن الاحترام التحية والسلام. ينبغي على الآباء أن يردوا التحية إذا بادر إليها الطفل بكل احترام ولين ولطف وأن يعودوه على بدء السلام مع الآخرين وأن ييدأوه هو بالسلام ولذلك آثار نفسية عظيمة. فذلك يقوي صفة التواضع وينمي شخصيته المستقلة وتزيد من ثقته بنفسه. فقد كان الرسول (ص) يبدأ الأطفال بالسلام ويحترم شخصيتهم.
ومن الأمورالهامة التي لا بد من مراعاتها عند تربية الأطفال تربية سوية هي التوازن والمساواة بينهم. ينبغي على الآباء أن ينظروا إلى جميع أبنائهم بعين واحدة دون تمييز بينهم-بنين وبنات- ويعاملوهم بعدالة ومساواة ليزرعوا حب العدالة والمساواة في أنفسهم. وهؤلاء الذين لا يراعون المساواة ويرجحون واحدا على آخر أو الولد على البنت في العطف والحنو إنما هم يحبطون أطفالهم ويحطمون شخصياتهم مما يؤدي إلى احتقار أنفسهم. فالأطفال الذين يشاهدون أحد إخوتهم يحظى بحب وحنان الوالدين أكثر مما يحظون به سيتألمون كثيرا ويشعرون بالضعة والحقارة في نفوسهم وتكرار ذلك يؤجج الإحساس بالضعة والذل في صدورهم مما ينعكس على سلوكهم وتصرفاتهم في المستقبل يوما بعد يوم طيلة حياتهم. فقد تشمل هذه المظاهر عدم الثقة بالنفس والإحساس بالفشل وعدم الجدارة وفقدان الإرادة والحسد وحب الانتقام. ولكن الشعور بالعدالة والمساواة والعطف والحنان يشيع الأمن والأمان في نفوس الأطفال ويزيدهم ثقة على ثقة بالنفس. فالطفل الذي يتربى على الاستبداد والقهر والعنف في المعاملة يعيش خاملا، مهلهل الشخصية، عديم الثقة بنفسه، لا هدف له ولا قصد مما ينعكس على أسرته والمجتمع ككل.
وينبغي على الآباء أيضا فتح قنوات التواصل والحوار والإقناع مع الأبناء في جميع المجالات بما فيها الأمور التي لم يتعود الآباء التواصل فيها من قبل. ويجب أن يكون الحوار بسيطا يبتعد عن أسلوب المحاضرات والإملاءات وأن يكون حوارا متساويا لكلا الطرفين بمعنى أن يكون لهما نفس الحق والوقت ويحترم استقلالية الأبناء. ويجب أن يسمح الآباء لأبنائهم التحدث في أي موضوع يشعرون بأهميته لهم. وعند الحوار مع الأبناء يجب ألا يرتفع الصوت من كلا الطرفين حتى يكون الحوار مفهوما وكأنه يجري بين أصدقاء أو زملاء. وإذا كان السلوك مع الأطفال على هذا النحو نشأوا نشأة سوية ويلتزمون بأدب الحوار مع الآخرين. وإذا افتقدت التربية أساليب الإقناع والحوار فسينتج عنها حتما أشخاصا فاقدي الثقة بالنفس لا يملكون زمام المبادرة ويميلون إلى حب الذات وبالتالي يستسهلون الكذب والنفاق والتذلل وعدم إدراك قيمة العمل لأن الذي لا ثقة له بنفسه يلجأ إلى تحقيق مآربه وأهدافه بوسائل غير مشروعة والتي تقوم في الغالب على النفاق والخداع. ولهذا يجب على الآباء أن يعدلوا عن أساليب القمع والإسكات في تربيتهم وأن يسمحوا لأولادهم بالتعبير عن أنفسهم بالطريقة التي يريدون وعن آرائهم مهما كانت تظهر سطحيتها وبساطتها وأن يسمح لهم بأخذ المبادرة وإبداء آرائهم دون الاستهانة أو الاستهزاء بهم. وكما أنه من الضروري أن يقوم الآباء بالإجابة على أسئلة الأبناء مهما كانت محرجة أو غير مناسبة وأن تتصف إجاباتهم بالصدق والموضوعية. فعاقبة الإجابة غير الصحيحة وخيمة على الأطفال.
ومن العوامل التي تساعد على تنشئة الطفل التنشئة الحقة عامل الحوافز النفسية والتشجيع والثناء. إن التشجيع المادي والمعنوي عند قيام الطفل بعمل إيجابي يعزز ثقته بنفسه وبقدراته وتحمل المسؤولية. إن تقديم التشجيع والثناء والحوافز الأخرى للطفل مقابل قيامه بعمل ما يعد أسلوبا نافعا لكي يدرك الطفل بأن كل عمل يؤديه له مردود مادي أو معنوي. ولكن على الآباء والمربين ألاّ يجعلوا هذه الحوافز عملا دائما يركن إليه الطفل فيصبح اتكاليا متكاسلا في عمله.
أما دور المدرسة فهو متمم لدور الأسرة في تعزيز شخصية الطفل الخالية من العقد والمنفتحة على المجتمع. فالتعاون والتواصل بين البيت والمدرسة من الأهمية بمكان لأن الاتصال الشخصي الجماعي كمجالس الآباء أو الفردي يكون سببا في التفاهم بين البيت والمدرسة على معايير سلوكية معينة يحب الأهل أن تراعيها المدرسة بحيث ألا يكون هناك تناقض في التربية بين البيت والمدرسة. فمن المحتمل أحيانا أن يأتي الأولاد إلى البيت بمفاهيم غير مستحبة ومفاهيم غريبة نوعا ما تصل إليهم من بعض المدرسين. ولعل العديد من الأسر واجهت وتواجه مثل هذه المتاعب مع أطفالها عندما يعودون إلى البيت بأفكار قد لا تكون مناسبة لمفهوم العصر والزمان الذي نعيشه. ومن هنا يجب أن يكون هناك تواصل ما بين المدرسة والبيت لحل مثل هذه الإشكالات وإلا يقع أطفالنا في حيرة من أمرهم عندما يسمعون أو يرون شيئا في البيت يتناقض مع ما يسمعونه أو يرونه في المدرسة أو العكس بالعكس.
وبإيجاز شديد، على الآباء والمربين أن يكونوا القدوة الصالحة والأسوة الحسنة للأطفال في كل سلوكاتهم وتصرفاتهم لأن الطفل مفطور على التقليد والمحاكاة ويكتسب سلوكياته من خلال ما يراه حوله. فإذا كان الأب متسامحا ومحبا وعادلا وصادقا ومحترما للآخرين فلا بد من أن يقتدي به أطفاله في الفعل والتصرف. فالصغار على ما يعودون عليه حيث يقول أحدهم:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه إن قدرة الأطفال على إدراك ما يدور حولهم من أفعال وسلوكات كبيرة جدا وأكبر مما نتصور. وليس صحيحا أن الصغار لا يدركون ولا يعون ما يدور حولهم. فكما يقول المثل العامي:"ابن ليلته يعرف شيلته". أي منذ لحظة ميلاده يعرف من يحمله.