صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في قتال الروم (...قال النبي(ص):أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم...).
حاول البعض من عشاق بني أمية ان يتشبث بهذا الحديث ليدخل يزيدا الجنة وفي تعليقنا على ذلك نقول:
لعل اول ما يواجهنا في الحديث هو ان رجال سنده من اهل الشام المنحرفون عن اهل البيت والموالون عادة لبني امية , وليس من المستبعد ان يكون الحديث موضوعا اصلا وقد ذكرنا -في محل اخر- ان سبب موت النسائي كان بسبب تأليفه لكتاب خصائص امير المؤمنين(ع) ولم يكتب في معاوية فقتله اهل الشام لذلك, ونحن نذر ذلك ونذكر ثلاثة نقاط كفيلة بنسف هذه الفضيلة المزعومة.
1-لم يكن يزيد في الجيش حينما توغل في ارض الروم ولم يهمه امره أمر الفتح وقد صرح هو بهذا واعترف على نفسه وهو جالس على الانماط متخلف وهو متمارض كذبا بعد ان ارسله معاوية لكي يكسبه سمعة جيدة تمهيدا لمبايعته في الخلافة ففي الكامل في التاريخ لابن الاثير ج3 ص 458-459: "ذكر غزوة القسطنطينية في هذه السنة وقيل سنة خمسين سير معاوية جيشا كثيفا الى بلاد الروم للغزاة وجعل عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم فتثاقل واعتل فأمسك عنه أبوه فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد فأنشأ يزيد يقول:
ما أن أبالي بما لاقت جموعهم بالفرقدانة من حمى ومن موم
أذا اتكأت على الأنماط مرتفقا بدير مران عندي أم كلثوم
وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر
فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان في ارض الروم ليصيبه ما أصاب الناس فسار..".
وفي معجم البلدان قال عن دير مران في ج2 ص533 :"هذا الدير بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة , وبناؤه بالجص وأكثر فرشه بالبلاط الملون.."
وفي الأغاني لابي الفرج الاصفهاني ج17 ص 211: "فأصابهم جدري فمات أكثر المسلمين وكان ابنه يزيد مصطبخا بدير مران مع زوجته أم كلثوم فبلغه خبرهم فقال.. الابيات).
وفي تاريخ مدينة دمشق ج65 ص405 : "بعث معاوية جيشاالى الروم فنزلوا منزلا يقال له الفرقدونة، فأصابهم بها الموت وغلاء شديد فكبر ذلك على معاوية فاطلع يوما على ابنه يزيد وهو يشرب وعنده قينة تغنيه...).
اذن لم يكن هو في الغزوة بل انطلقت الغزوة الى الروم واصابها ما اصابها وهو يتلذذ بمعاصي الله بين الشراب والغناء والاسترخاء وهو يتعلل كاذبا بحجة المرض ولم يهمه موت ومرض هذا الجيش ومن ثم التحق بهم جبرا ومن كان هذا حاله لا يكون بحال مشمولا في الحديث ان صح عن النبي(ص).
2- ذكرنا في النقطة الاولى ان يزيد لم يكن من الجيش الغازي واذا تنزلنا وقلنا انه من اهل هذه الغزوة وان الحديث صحيح فإن المغفرة لاتشمله وقد أكد ذلك البعض من علماء السنة:
قال العيني في عمدة القاري في شرح الحديث ج14 ص199 "..قلت: أي منقبة كانت ليزيد وحاله مشهور ؟ فإن قلت : قال ، صلى الله عليه وسلم ، في حق هذا الجيش : مغفور لهم . قلت : لا يلزم ، من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص ، إذ لا يختلف أهل العلم أن قوله ، صلى الله عليه وسلم : مغفور لهم ، مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم ، فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم .." .
وقال المناوي في فيض القدير ج3 ص109 " لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفورا له لكونه منهم إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك لخروجه بدليل خاص ويلزم من الجمود على العموم أن من ارتد ممن غزاها مغفور له وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد به حتى قال التفتازاني : الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحادا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه . قال الزين العراقي : وقوله بل في إيمانه أي بل لا يتوقف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده..".
3-واذا كان اصحاب منهج طاعة الحاكم وان كان فاسقا يتحججون بهذا الحديث فنحن نضيف الى ما قدمناه ونقول ان يزيد خارج بحديث آخر متأخر تحققه عن الحديث الاول فيكون الثاني مقيد للأول بل هناك اكثر من حديث يخرج يزيد عن المغفرة واليك بعضها:
في صحيح البخاري كتاب الجزية والموادعة باب ذمّة المسلمين وجوارهم واحدة: " قال خطبنا على فقال ما عندنا كتاب نقرؤه الا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فقال فيها الجراحات وأسنان الإبل والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو آوى فيها محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل..).
وفي مستدرك الحاكم ج4 ص 90 " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبي مجاب المكذب بقدر الله والزائد في كتاب الله والمتسلط بالجبروت ليذل ما أعز الله ويعز ما أذل الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي . هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
وفي مجمع الزوائد ج3 ص306 "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل . رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح" . واورده الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة.
وفي مصنف ابن ابي شيبة ج7 ص551 :"قال رسول الله (ص) من اخاف اهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، من أخافها فقد أخاف ما بين هذين واشار الى مابين جنبيه".
ويزيد تسلط بالجبروت واستحل من العترة ما حرم الله وترك السنة, وهل هناك استحلال اشد مما فعله بسيد شباب اهل الجنة الحسين(ع)ام هل يجوز ان يدخل سيد شباب اهل الجنة بالجنة ويدخل قاتله معه ربما يحاول البعض ان يبرء يزيد من قتل الحسين(ع)ويلقون اللوم على عبيد الله بن زياد او الشمر ولكن نذكر امرا واحدا ولا نتوسع روما للاختصار وهو لو لم يكن راضيا ولو كان قتل الحسين واهل بيته وسبي عياله يهمه لعاقب قاتليه ولكنا نراه يبقي على عبيد الله في محله رغم الاعتراضات وتذمر الناس بل لم يتعرض ولم يستنكر حتى على الشمر قاتله وهذا يدل على انهم قاموا بتطبيق اوامره ولم يتعدو حدودهم بمثل هذا الامر الجلل.
وقد اخاف اهل المدينة في وقعة الحرة واباحها لجيشه ايام للقتل والسلب والنهب والزنا: ففي السيرة الحلبيةج1 ص268 " ولزم أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه بيته أيضا فدخل عليه جمع من الجيش بيته فقالوا له من أنت أيها الشيخ فقال أنا أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا قد سمعنا خبرك ولنعم ما فعلت حين كففت يدك ولزمت بيتك ولكن هات المال
فقال قد أخذه الذين دخلوا قبلكم على وما عندي شيء فقالوا كذبت ونتفوا لحيته وأما جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فخرج في يوم من تلك الأيام وهو أعمى يمشى في بعض أزقة المدينة وصار يعثر في القتلى ويقول تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قائل من الجيش من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخاف المدينة فقد أخاف ما بين جنبي فحمل عليه جماعة من الجيش ليقتلوه فأجاره منهم مروان وأدخله بيته قال السهيلي وقتل في ذلك اليوم من وجوه المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم ألف وسبعمائة وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان.."
ونقل العيني في عمدة القاري ج17 ص 221 "ووقعوا على النساء حتى قيل:إنه حبلت ألف امرأة في تلك اللأيام , وعن هشام بن حسان : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج"
اي حوف اعظم من هذا قتل واغتصاب , سلب ونهب بمدينة النبي(ص)وهل هناك حدث اعظم من هذا الحدث فيكون الحديث متوجه الى يزيد فلعنة الله وملائكته والناس اجمعين منصبة عليه ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
وبهذه النقاط نكون قد توصلنا بغير شك ولا شبهة بعدم شمول الحديث ليزيد لعنه الله.
والكتاب جمع فيه عقائدنا من الصحيحين مبوب يبدء بباب الشرك والتوحيد
من احب اقتناء الكتاب يجده في هذا الرابط -النيل والفرات