|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 73796
|
الإنتساب : Aug 2012
|
المشاركات : 15
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
ماهو الإصلاح وكيف يكون / الدكتور ابراهيم الجعفري
بتاريخ : 31-10-2012 الساعة : 07:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة، وأتمّ السلام على أشرف الخلق أجمعين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وجميع عباد الله الصالحين..
ننطلق في مفهوم الإصلاح من قوله تعالى:
((إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))
وردت مفردات الإصلاح والصلاح في القرآن الكريم بشكل كثير، وتناثرت في سور قرآنية كثيرة؛ مما يدل على أهمية الإصلاح والصلاح.. الإصلاح في مقابل الافساد، والصلاح مقابل الفساد، والصلاح يُطلـَق في الأعم الأغلب لتوصيف الأعمال والأفعال، ويقابله الفساد أو تقابله السيئة، والإصلاح مقابل الإفساد، وقد زخرت الآيات القرآنية المباركة بالكثير من هذه المسائل، وذكرت الصالحين والمصلحين، وما أعدّ الله لهم.
فما هي قصة الإصلاح؟
مرة يكون المرء صالحاً بالذات، وأخرى يكون مُصلحاً للآخرين، وعلى صعيد الفساد أحياناً يكون فاسداً بالذات من دون أن يمتد بفساده على الآخرين، وقد يمتد بفساده إلى الآخرين وذلك هو المفسد.
الصالح أحياناً يكون صالحاً في ذاته، لكنه يقف عند حدود كونه صالح، ولا يحرّك مكاناً من الصلاح في داخله كمفاعلات ليُحدث الصلاح مع الآخرين.
الإصلاح يعني تغيير الفاسد، فكل إصلاح تغيير، لكن ليس كل تغيير هو إصلاحاً، فقد يكون تغييراً من صالح إلى فاسد، وبالفعل يوجد قوى شريرة تعمل على تغيير المجتمع، وتغيير الفرد من صالح متلق ٍلثقافة الإصلاح من بيته وعائلته إلى متلق ٍلمنظومة قيمية تعمل بمختلف السبل لإفساده.
مفردات الفساد في المجتمع تتعدّد مثلما تتعدّد في داخل النفس البشرية فأحياناً يكون الفاسد في المجال الأخلاقيّ أي في القلب عندما نتحدث عن الأخلاق ومنظومة القلب.. الخُلُق (بضم الخاء) يعني السريرة والضمير والوجدان في داخل قلبه يكون فاسداً، فتترك صفة الفساد في قلبه بصماتها وآثارها على سلوكه في الخارج، فإذا تصرف في المجال الماليّ يُفسد، وإذا عمل في المجال السياسيّ يُفسِد، وإذا تصرّف في المجال الأخلاقيّ يُفسِد وكذا في مجال العلاقات تجده يفسد أيضاً؛ لأن قلبه مُنِي بالفساد، وتحوّل من فاسد بالذات إلى مُفسِد للآخرين..
عندما ينتشر الفساد في المجتمع لابدّ أن يكون له معادل، كما تقول الآية القرآنية الكريمة:
((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ))
ما لم تتحول منظومة القلب، وتتخلص من الفساد، ويحل بدلاً عنه الصلاح، ويتحرك من الصلاح إلى الإصلاح لا يمكن أن تعطي انعكاسات الإصلاح في المجتمع، وحين يكون الإنسان مصلحاً في داخل قلبه، ويعمر قلبه بالصلاح نجد أن الوجود من حوله يتجاوب معه، ويتجاوب مع هذا القلب.
هنالك شدّ قيميّ قلبيّ كونيّ داخل الإنسان وخارجه فإذا كان قلبه صالحاً، وإرادته إرادة المصلح وجد الوجود من حوله يتجاوب، وبالعكس عندما يكون فاسداً فإن الوجود لا يتجاوب معه.
هذه الصفة قد لا نستطيع أن نصل إليها في لغة الحس، وفي هذه الليالي في شهر الله، الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم نتحدث عن حقائق قرآنية، ولسنا في حديث فلسفة حتى نقول: إن هناك أدلة مادية أو غير مادية هذا واقع القرآن الكريم يتحدث عن الكثير من الحقائق القرآنية، وتتكلم ليتعطل الحس، ولا يستطيع الحس أن يبرهنها، نعم.. قد تكون في العقل، ولا يمنعها، لكن قد يكون صعب إثباتها بطريقة مختبرية، يقول الله تعالى:
((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ))
الكثير من القضايا في القرآن الكريم مبثوثة، وهي من مقولة الغيب، ومعنى أن تكون من الغيب أن يتعطل الحس الماديّ، ولا يستطيع أن يكتشفها بشكل مباشر، لكن لأن الإنسان المؤمن يسمى مؤمناً؛ لأنه يسلّم بالغيب قبل الشهادة، وهذا هو مطلع ومستهل آية أو سورة البقرة:
((ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))
إن الغيب جزء أساسيّ من واقعنا، وهو نقطة الافتراق بين الركب الإيمانيّ، والركب الماديّ المحض، والقلب العامر بالإيمان تتحرك إرادته لإحداث تغييرات نحو الإصلاح، ويجد الوجود يتجاوب حوله، يقول الله تعالى:
((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))
هذا الوجود انعكاس لما يحمل الإنسان في داخله، وعندما يكون موغلاً في الفساد كأن يكون كاذباً، وهذا خلاف السنة الإلهية فالوجود من حوله يتمرّد عليه، يقول الله تعالى:
((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))
عندما يتمثل الإنسان هذه الآية يجد أن الله - تبارك وتعالى - بصريح النص القرآني الشريف يعلل هلاك قرية على الرغم من وجود مجموعة صالحة، إلا أنها لا تمارس الإصلاح، وهذا الاقتران موجود في القرآن الكريم وحتى في الأحاديث الشريفة:
(إذا تركتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يسلط عليكم شراركم فتدعون فلا يستجاب لكم)
أبواب السماء تنغلق، ولا تستجيب، فلا يمكن التفكيك بين هاتين السنتين (سنة التوجه الخالص بالقلب إلى الله، والعمل المترتب عليها)؛ لذا نجد الاقتران بين الإيمان والعمل الصالح، يقول الله تعالى:
((الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ))................................
|
|
|
|
|