عضو برونزي
|
رقم العضوية : 70414
|
الإنتساب : Jan 2012
|
المشاركات : 832
|
بمعدل : 0.18 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الثقافي
قامات القصب
بتاريخ : 07-06-2012 الساعة : 01:36 AM
قامات,, القصب
لكل منا ايام سوداء بلون الكحل ,حمد الله على انقضائها فأصبحت من الماضي وقد خطّها على واجهة الذاكرة ,, شريطاً يجترها كلما بعدت به المسافات عن واحات الفرح , لتهوّن عليه قسوة الظروف ,,, فيردد لازالت الدنيا بخير , لازالت بخير قد رأينا ما هو اشد واقسى. قياسا بتلك الايام
وقد اختزلها آباؤنا بقولهم : ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ,,, فرجت وكنت اضنها لا تفرج
وطبعاً على طريقتهم الخاصة في القراءة بعد ان ترجموها مواويل وحكايات ,,, فلكل مصيبة :عزاء على السنتهم يسوقونه بلسماً يخفف وقع الامر على من قرصته الحياة هذه المرة ,,, فإذا سقط احدهم عن نخلة ابتسموا في وجهه وهونوا عليه رضوضه وآلامه فقصوا عليه حادثة فلان وسقوطه الذي لم يبق به عظماً سالماً وقد لفظ انفاسه , فهانت عليه سقطته فحمد الله لأنه لم يمت مثل فلان .
كانوا يهونون الامر على بعضهم بذكر مصائب الاخرين ,,, ومن رأى مصيبة غيره, هانت عليه مصائبه , واذا ما استحكم الخطب وعظمت المصيبة على احدهم بفقد عزيز او اعزاء ولم يجدوا ما يذكروه مما وقع لهم في سالف الايام , ذكروا مصيبة الحسين (ع )وما للصابرين من مآب .
والا كيف نبرر استمرار الحياة وتدفق الامل في شرايينها ,, رغم الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العراقيون اليوم,, ومنذ حفنة من السنين العجاف,, فلو حدث ما حدث لأعظم الدول لانهارت وتعطلت سبل الحياة فيها ,, وصحيح انك ترى سرادق العزاء منتشرة هنا وهناك ,, لكنك لا تغفل مواكب الاعراس وهي تجوب شوارعنا ,تزرع الامل بغد جديد.
أستميحك عذراً صديقي القارئ اذا اطلت عليك مقدمتي لكنك ستعذرني اذا ما علمت انني وضعت اولياتها في بيت لأحد ضحايا التفجيرات التي حدثت اخيراً ,,, حيث بترت ساق رب العائلة في تفجير اعمى .
لم تكن ربة البيت تدري او تعي ما تقول وهي تحمل صينية الشاي بيد , وتغطي بشالها جانب من وجهها حياء باليد الاخرى , وترد بارتباك على عبارات المواسات من الزوار بحمد ربها على سلامة المعيل الوحيد للعائلة .خيمة تظلل على الاطفال في هذا الزمن الصعب.
كنت اجلس كالعادة مع باقي العمال ننتظر الرزق في احد المساطر في مدينة بغداد ,,, قالها الرجل المغطى حتى خصره بشرشف عليه بعض البقع واثار من المعقمات من الجرح الذي اودى بساقه ,,, ونحن نتدفأ على نار اشعلها بعض العمال من بقايا النفايات وصناديق الكارتون , فقد كان الجو بارداً في الصباح الباكر , ولم نشعر بوجود عبوة قريبة وضعها احد ابناء الحرام ,,,ولم نر إلا دخانا واشلاء تتناثر هنا وهناك,, سكت هنيهة ,وظلت الاسئلة جامدة على شفتيه وعيونه ترقب الشفاه علّه يحظى بتعليل لما حدث من الجالسين ,,, او مسوغ لذلك , واي دين او فكر يدعوا لقتل وتمزيق هذه الاجساد البريئة ؟ ,,, وهي خارجة كالطيور لا شيء الا اجنحة ومناقير, ولا تملك من حطام الدنيا سوى بعض القدرة والتحدي , وحاجة ملحة لإطعام افواه لم تعرف الشبع ,, ولا ذاقت حلاوة الدفء, مذ ولدت على هذه الارض, في بيته الصغير ,,وكأنه لصغره بيت زرار .
كان يردد بعد خروج كل زائر, حيث يضع تحت وسادة المصاب ما تيسر من المال, على عادة العراقيين كواجب ومواساة ,,, يردد الحمد والشكر,, وذكر لطف الله به حيث ابقى له ساقا ورحمة ,في قلوب الاخرين ,,, وصغارا يتلاعبون كقطط صغيرة على جانب السرير وفي عيونهم بريق لغد افضل ,,, فما اسرع نمو القصب حين يقطع ,في ذاكرة البسطاء ,,, وما اسهله النسيان بل ما ابلغها الكلمات ,( قدّر الله وما شاء فعل ) على السنتهم ,, وستلحق اللعنة من خطط ودبّر,, وشرعن من علماء الفتنه.
ولنقلها جميعا: اللهم آمين
|