|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 51434
|
الإنتساب : Jun 2010
|
المشاركات : 301
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
وقفة بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام) في ذكرى شهادته الحلقة الاولى والثانية
بتاريخ : 13-11-2010 الساعة : 06:10 PM
الإمام محمد الباقر (عليه السلام) هو خامس الأئمة المعصومين لقيادة الأمة الإسلامية الذي قدّر الله لها في ظلال اتباع المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
الملفت للنظر انه قد ولد الإمام الباقر (عليه السلام) من أبوين علويين زكيين فاجتمعت فيه طهارة جدّيه السبطين الحسن والحسين (عليهما السلام) فابوه سيد العابدين ( ع ) وامه الصديقة فاطمة بنت الحسن ( ع ) وعاش الباقر بين يدي جدّه الحسين (عليه السلام) بضع سنوات وونشأ بين يدي أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) .
والثابت ان لقب الـ( باقر ) أطلقه جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث لقّبه بالباقر قائلاً: إنّه يبقر العلم بقراً، عندما بشّر المسلمين بولادته ودوره في إحياء الشريعة وقد اكد النبي حينها انه سليل علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) .
عاش الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) طيلة حياته في المدينة وعانى الإمام الباقر من ظلم الاُمويين منذ ولادته وحتى استشهاده مسموما بالمدينة عام114 للهجرة وله من العمر57 سنة.
ومن الاولاد والبنات له سبعة أولاد وهم: جعفر (الصادق) وعبد الله وإبراهيم وعبيد الله وعلي وزينب وأم سلمة، ولم يعقب منهم إلا الصادق (عليه السلام).
واما أزواجه: فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وهي ام جعفر الصادق ( ع )، وأم حكيم بنت أسد، واثنتان أخريات.
و عاصر الإمام الباقر (عليه السلام) خمسة من ملوك بني أمية وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وتوفي في ملكه بعد أن دس إليه السم.
وعن صفته يقول التاريخ : كان الإمام الباقر (عليه السلام) ذو هيبة وجلال، وقد جلس عنده عكرمة فارتعش من هيبته وجلالته، وكان معتدل القامة، أسمرا، بدينا نوعا ما، وكان كثير الذكر، يمشي ويذكر الله تعالى، له خال على خده، جعد الشعر حسن الصوت.
اما نقش خاتمه: (ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن، وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن) وروي (العزة لله) أو (العزة لله جميعا).
أوصى الإمام السجاد (عليه السلام) بالإمامة إلى ولده الباقر (عليه السلام) عندما حضرته الوفاة، حينما التفت إلى أولاده و بحضور بعض الأصحاب ، ثم قال إلى ولده الباقر وقال: (يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك)، قال: (أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءا علما).
فلما توفي السجاد (عليه السلام) جاء أخوته يدعون ما في الصندوق فقالوا للباقر: أعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: (والله مالكم فيه شيء ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي)، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه مع كتب وصحف الانبياء السابقين.
وروي أن الإمام السجاد (عليه السلام) قال لابنه الباقر (عليه السلام): بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من نار.
ولو راجعنا التاريخ لوجدنا انه قد عرف عهد الإمام الباقر ببداية نشوء الفرق والاتجاهات الفكرية وبكثرة المناظرات ومن اهم اسباب ذلك ان بني أمية فسحوا المجال لاهل البدع والآراء الفاسدة والمذاهب المنحرفة والاتجاهات الضالة فوقف الإمام الباقر بكل قوة أمام هذه التيارات المنحرفة يواجه أفكارهم ومن تلك المواقف نذكر منها مناظرة لطيفة جدا بين الباقر مع عالم نصراني:
جلس يوما الإمام الباقر إلى أحد علماء النصارى فقال للإمام: هل أنت منا أم من الأمة المرحومة.
فقال الإمام: بل من هذه الأمة المرحومة.
فقال: من أيهم أنت من علمائهم أم من جهالها؟
فقال له: لست من جهالها.
فاضطرب اضطرابا شديدا ذلك العالم وقال للإمام: أسألك؟
فقال الإمام: سل.
فقال النصراني: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد؟
فقال الإمام: مثل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.
فاضطرب النصراني ثم قال: هلا زعمت انك لست من علمائها؟
فقال الإمام: ولا من جهالها.
فقال للإمام: أسألك عن مسألة أخرى؟
قال: سل.
قال النصراني: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل؟
فقال الإمام: دليله أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع.
فاضطرب النصراني فقال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار؟
فقال الإمام: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
فقال النصراني: بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عنها ولا تقدر أن تجيب عليها، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا؟
فقال الإمام: ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرون عاما مر عزير على حماره بأنطاكية وهي خاوية على عروشها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها). البقرة:259
فأماته الله مائة عام ثم بعثه على حماره، وكان عزيرة عمره مائة وخمسة وعشرون سنة، فعاشا سوية خمسة وعشرين سنة ثم قبضهما الله في يوم واحد.
فهنض النصراني وقال: جئتموني بأعلم مني وأقعدتموني معكم حتى هتكني وفضحني.
وقد جائت معاجز وكرامات كثيرة عن الباقر (عليه السلام) نذكر منها :
قال أبو بصير: قلت يوما للباقر (عليه السلام): أنتم روثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث الأنبياء جميعهم؟
قال: وارث جميع علومهم.
قلت: وأنتم ورثتم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: فأنتم تقدرون ان تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال: نعم نفعل ذلك بإذن الله تعالى.
ثم قال: ادن مني يا أبا بصير.
وكان أبو بصير مكفوفا (أعمى)، قال: فدنوت منه، فمسح بيده على وجهي فأبصرت السماء والجبال والأرض.
فقال: أتحب أن تكون هكذا تبصر وحسابك على الله أو تكون كما كنت ولك الجنة؟
قلت: الجنة.
فمسح بيده على وجهي فعدت كما كنت.
واما عبادة الإمام الباقر (عليه السلام) كانت تمثل ارقى مستويات الكمال فقد كان يأنس بعبادة لله تعالى.
حكى (أفلح) وهو خادم الإمام الباقر، قال: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) فلما دخل المسجد ونظر البيت بكى، فقلت: بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو خفضت صوتك قليلا؟
قال: ويحك يا أفلح ولم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة منه فأفوز بها غدا.
ثم طاف بالبيت وجاء حتى ركع خلف المقام فلما فرغ إذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
فالباقر (عليه السلام) يستحضر القرب الإلهي الرباني والأنس والشوق لله سبحانه .
واستوعب الباقر الناس باخلاقه فقد روي انه كان أحد الرجال يجلس عند الإمام الباقر (عليه السلام) ولكنه يبغض الإمام بغضا كبيرا، وكان يقول للإمام الباقر: يا محمد ألا ترى أني إنما أجيء إلى مجلسك حياءا مني منك ولا أقول أن احدا في الأرض أبغض إلي منكم أهل البيت وأعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ، فإنما اختلافي إليك لحسن أدبك.
وكان ابو جعفر يقول له خيرا لن تخفى على الله خافية.
ففي يوم من الأيام مرض هذا الرجل وكان من أهل الشام واشتد وجعه، عندها دعا ابنه وقال له: إذا مت فأت محمد الباقر وسله أن يصلي علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك.
فلما كان في نصف الليل ظنوا أنه قد مات وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج ابنه إلى المسجد فلما صلى الإمام الباقر وتورك قال له: يا أبا جعفر إن فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه.
فجاء الإمام إلى داره، وأسند الرجل الشامي وأجلسه وسقاه شرابا، وقال لأهله: املئوا بطنه وبردوا صدره بالطعام البارد.
ثم انصرف الإمام فلم يلبث قليلا حتى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر فقال له: أشهد أنك حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فمن أتى غيرك خاب وخسر وضل ضلالا بعيدا.
فقال له أبو جعفر: مابدا لك؟
قال لما أصابتني الغيبوبة وخرجت روحي عاينت بها وسمعت مناديا ينادي: ردوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد بن علي (عليه السلام).
ويروى أن نصرانيا لاقى الإمام الباقر في الشارع فقال له: أنت بقر؟
فقال له الإمام: لا، أنا باقر.
فقال النصراني: أنت ابن الطباخة؟
قال: ذاك حرفتها.
قال: أنت ابن السوداء الزنجية؟
قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.
فخجل النصراني من شدة حلم الإمام الباقر، وأخذه الحياء حتى رافقه الإمام وكلمه بأحسن الكلام فأسلم النصراني على يد الإمام.
أبو فاطمة العذاري
وقفة بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام) في ذكرى شهادته الحلقة الثانية
لقب «الباقر»، قيل: لتبقّره في العلم، أي توسّعه فيه. أو لتبحّره فيه، أو لشقّه للعلم حيث بقرَه فعرف أصله واستنبط فرعه. وقيل: لُقّب بالباقر لغزارة علمه، وبذلك لقّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله، مُخبِراً جابر بن عبدالله الأنصاريّ، وباعثاً إليه سلامه.
أمّا ألقابه الأُخرى فهي: الشاكر لله، والهادي، والأمين، والشبيه؛ إذ كان عليه السّلام يشبه رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهو ربع القامة رقيق البشرة، ضامر الكشح، حسن الصوت.
كانت مدّة إمامته تسعة عشر عاماً، بعد أن عاش مع جدّه الإمام الحسين عليه السّلام أربع سنين، وشهد واقعة كربلاء. وعاش في ظلّ أبيه السجّاد عليه السّلام ثمانيةً وثلاثين عاماً
ومن اشهر أصحابه ورواته: زُرارة بن أعيَن، وأبو بصير الأسديّ، وفُضَيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم، ويزيد بن معاوية العِجليّ، وجابر بن يزيد الجُعفيّ، وحُمران بن أعيَن، وبُكير بن أعيَن، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيغ، وأبو هارون المكفوف، والكُميت بن زيد الأسديّ.. وغيرهم.
ومن شعراؤه : السيّد الحِميَريّ، والكُميت بن زيد الأسديّ وأخوه الورد الأسديّ.
و بوّابه : جابر بن يزيد الجُعفيّ.
واهم الوقائع المشهورة في حياة الإمام الباقر عليه السّلام التي حضرها وعاشرها :
1ـ حضوره عليه السّلام ـ وهو في الرابعة من عمره الشريف ـ في واقعة الطفّ بكربلاء، وشاهد مقتل جدّه سيّد الشهداء عليه السّلام وباقي الشهداء وشاهد السبا وأسره وأسر أبيه وعمّات أبيه والنساء والأطفال وأخذهم إلى الكوفة ثمّ إلى الشام، ثمّ إلى كربلاء فالمدينة، وكان ذلك سنة 61 هجريّة.
2ـ في سنة 95 هجريّة استُشهد أبوه الإمام عليّ السجّاد عليه السّلام، فقام بتجهيزه ودفنه.
3 ـ علّم عليه السّلام عبدَالملك بن مروان سكَّ الدراهم والدنانير الإسلاميّة، فردّ مكيدة ملك الروم وتهديده، في قصّة ظريفة نقلها البيهقيّ في «المحاسن والمساوئ»، وكان ذلك سنة 76 هجريّة.
4 ـ اُحضر هو وابنه الإمام جعفر عليهما السّلام إلى الشام قهراً مِن قِبل هشام بن عبدالملك، ليكون تحت رقابة السلطة الاُمويّة.
من كرامات باقر العلوم :
عن محمّد بن مسلم قال: خرجتُ إلى المدينة وأنا وَجِع، فقيل له ( أي للإمام الباقر عليه السّلام ): محمّد بن مسلم وَجِع. فأرسل إليّ أبو جعفر عليه السّلام إناءً مع غلام، مغطّى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربْه؛ فإنّه أمرَني ألاّ أبرحَ حتّى تشربه.
فتناولته.. فإذا رائحة المِسْك منه، وإذا شراب طيّبُ الطعم بارد، فلمّا شربتُه قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربتَه فتعال. ففكّرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رِجْلي، فلمّا استقرّ الشراب في جوفي، فكأنّما أُنشِطتُ مِن عِقال، فأتيتُ بابه فاستأذنتُ عليه فصوّت بي: صحّ الجسم، أُدخُلْ. فدخلتُ عليه وأنا باكٍ، فسلّمت عليه وقبّلت يده ورأسه، فقال لي: وما يُبكيك يا محمّد ؟ فقلت: جُعلت فداك، أبكي على اغترابي وبُعد شقّتي وقلّة القدرة على المُقام عندك أنظر إليك. فقال لي: أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل اللهُ أولياءَنا وأهلَ مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً. وأمّا ما ذكرتَ من الغُربة.. فإنّ المؤمن في هذه الدنيا لغريب، وفي هذا الخلق منكوس حتّى يخرجَ مِن هذه الدار إلى رحمة الله. وأمّا ما ذكرتَ مِن بُعد الشُّقّة، فلَك بأبي عبدالله عليه السّلام ( أي الإمام الحسين سلام الله عليه ) أُسوة، بأرضٍ نائية عنّا بالفرات. وأمّا ما ذكرتَ مِن حُبِّك قُربَنا والنظرَ إلينا، وأنّك لا تقدر على ذلك، واللهُ يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
وروي عن عليّ بن أبي حمزة وأبي بصير قالا: كان لنا موعدٌ على أبي جعفر عليه السّلام، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى، فقال: يا سكينة هلمّي المصباح. فأتت بالمصباح، ثمّ قال: هلمّي بالسفط الذي موضع كذا وكذا ( السفط: وعاء تُوضع فيه الأشياء ).
قال: فأتته بسفطٍ هنديٍّ أو سنديّ، ففضّ خاتمه، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء.. فأخذ يُدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها، حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ، فارتعدت فرائصي، حتّى خفتُ على نفسي، فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري فقال: أبَرِأْتَ أنت ؟ قلت: نعم جُعلتُ فداك، قال: ليس عليك بأس.
ثمّ قال: أُدنُ. فدنوت، فقال لي: ما ترى ؟ قلت: اسمي واسم أبي وأسماءَ أولادٍ لي لا أعرفهم! فقال: يا عليّ، لولا أنّ لك عندي ما ليس لغيرك ما اطّلعتُك على هذا، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما ها هنا.
قال عليّ بن أبي حمزة: فمكثتُ ـ والله ـ بعد ذلك عشرين سنة، ثمّ وُلِد لي الأولاد بعد ما رأيتُ بعيني في تلك الصحيفة.
وروي عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض الأصحاب، عن عمر بن حنظلة قال:
قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي أظنّ أنّ لي عندك منزلة.
قال: أجل.
قلت: فإنّ لي إليك حاجة.
قال: وما هي ؟
قلت: تعلّمني الاسمَ الأعظم.
قال: وتُطيقه ؟!
قلت: نعم.
قال: فادخل البيت. فدخلت.. فوضع أبو جعفر عليه السّلام يده على الأرض فاظْلمّ البيت، فأُرعِدتْ فرائصي، فقال: ما تقول .. أُعلِّمُك ؟ فقلت: لا. فرفع يده، فرجع البيت كما كان.
وروى الحضينيّ بإسناده عن محمّد بن مسلم الثقفيّ، عن أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام.. قال محمّد بن مسلم: كنتُ عنده ذات يوم إذ وقع عليه ورشان وهَدَلا هديلَهما، فردّ عليهما أبو جعفر عليه السّلام بمِثله، فلمّا طارا على الحائط هدل الذَّكَر على الأُنثى، فردّ عليه أبو جعفر عليه السّلام هديلاً لا يعرفه الناس. ثمّ نهضا.. فقلت: جُعلتُ فداك، ما قال هذا الطائر ؟ قال: يا ابن مسلم، كلُّ شيءٍ خلَقَه اللهُ مِن بهيمةٍ أو طائر وما فيه الروح، أسمعُ لنا وأطوع من بني آدم، إنّ هذا الورشان أتاني وشكا لي مِن زوجته، وقد كان ظنّ بها ظنَّ سوء، فحلَفتْ له فلم يقبل، فقالت له: بمَن ترضى ؟ فقال: بمحمّد بن عليّ، فقال: رضيت.
فأقبلا إليّ فأخبراني بقصتهما، فسألتها عمّا ذكر، فحلفَتْ لي بالولاية أنّها ما خانَتْه، فصدّقتُها فنهيتُه عن تهمة زوجته، وأعلمته أنّه ظالمٌ لها؛ فإنّه ليس من بهيمةٍ ولا طائرٍ يحلف بولايتنا إلاّ أبَرّ، إلا بني آدم، فإنّه حلافٌ مهين، لا يعرفنا حقَّ معرفتنا إذا حلف بحقّنا كاذباً.
وعن أبي بصير قال: كنت مع الباقر عليه السّلام في المسجد؛ إذْ دخل عمر بن عبدالعزيز عليه ثوبان ممصّران، متّكئاً على مولىً له. فقال عليه السّلام: لَيَلينَّ هذا الغلام، فيُظهر العدل، ويعيش أربع سنين ثم يموت.. فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء. فقلنا: يا ابن رسول الله، أليس ذكرتَ عدله وإنصافه ؟ قال: لأنّه يجلس في مجلسٍ لاحقَّ له فيه.
ثمّ ملك وأظهر العدل جهدَه!
وروى الطبري الإمامي قال: عن أبي حازم يزيد غلام عبدالرحمان قال:
كنتُ مع أبي جعفر ( الباقر ) عليه السّلام بالمدينة، فنظر إلى دار هِشام بن عبدالملك التي بناها بأحجار الزيت ( موضع بالمدينة )، فقال: أما ـ واللهِ ـ لتُهدَمنّ، أما ـ واللهِ ـ لتبدونّ أحجارُ الزيت، أما ـ واللهِ ـ إنّه لموضعُ النفس الزكيّة.
فسمعتُ هذا منه وتعجّبت، وقلت: مَن يهدم هذه الدار وهشام بناها ؟! فلمّا مات هشام بعث الوليد مَن يهدمها، فهدَمَها ونقلها حتّى بدرت أحجار الزيت!
وحدّث سفيان عن وكيع، عن الأعمش أنّه قال: قال لي المنصور ـ أي أبا جعفر المنصور ـ: كنتُ هارباً مِن بني أُميّة أنا وأخي أبو العبّاس.. فمررنا بمسجد المدينة ومحمّد بن علي ( الباقر ) جالس، فقال لرجلٍ إلى جانبه. كأنّي بهذا الأمر وقد صار إلى هذين.
قال المنصور: فأتى الرجل فبشَّرَنا به، فمِلْنا إليه وقلنا: يا ابن رسول الله، ما الذي قلت ؟! فقال: هذا الأمر صائرٌ إليكم عن قريب، ولكنّكم تَسوؤون إلى ذريّتي وعترتي، فالويل لكم عن قريب!
قال المنصور: فما مضت الأيّام حتّى تملّك أخي وتملّكتْها.
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله الصادق عليه السّلام قال: مرض أبو جعفر عليه السّلام مرضاً شديداً فخِفْنا عليه، فقال: ليس علَيّ مِن مرضي هذا بأس. قال: ثمّ سكت ما شاء الله، ثمّ اعتلّ علّةً خفيفة فجعل يوصينا، ثمّ قال: يا بُنيّ، أدخِلْ علَيّ نفراً مِن أهل المدينة حتّى أُشهدهم. فقلت: يا أبتا، ليس عليك بأس، فقال: يا بُنيّ، إنّ الذي جاءني وأخبرني أنّي لستُ بميّت في مرضي ذلك، هو الذي أخبرني أنّي ميّت في مرضي هذا.
و عن عبدالله بن العلا، عن جعفر الصادق عليه السّلام قال:
كنتُ مع أبي وبيننا قوم من الأنصار، إذ أتاه آتٍ فقال له:
ـ إلْحَقْ؛ فقد احترقتْ دارك!
فقال: يا بُنيّ ما احترقت.
فذهب ثمّ لم يلبث أن عاد فقال: قد ـ واللهِ ـ احترقت دارُك!
فقال: يا بُنيَّ ـ واللهِ ـ ما احترقت.
فذهب.. ثمّ لم يلبث أن عاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا يبكون ويقولون: قد احترقت دارك. فقال: كلاّ ـ واللهِ ـ ما احترقت، ولا كَذِبتُ ولا كُذِبت، وأنا أوثقُ بما في يدي منكم وممّا أبصرَتْ أعينُكم.
وقام أبي وقمتُ معه.. حتّى انتَهَوا إلى منازلنا والنارُ مشتعلة عن أيمان منازلنا وعن شمائلها ومن كلّ جانبٍ منها، ثمّ عدَلَ ( أي الإمام الباقر عليه السّلام ) إلى المسجد فخرّ ساجداً.. وقال في سجوده: وعزّتِك وجلالك، لا رفعتُ رأسي مِن سجودي أو تُطفيها.
قال ( الصادق عليه السّلام ): فوَاللهِ ما رفعَ رأسَه حتّى طُفِئت، واحترق ما حولها، وسَلِمتْ منازلنا. ثمّ ذكر عليه السّلام أنّ ذلك لدعاءٍ كان قرأه عليه السّلام.
أبو فاطمة العذاري
[COLOR=window****][/COLOR]
|
|
|
|
|