معاملة الإمام علي عليه السلام لعائشة
موقف من النبل والإنسانية، يصغر دونه كل موقف
أجل يحتاج الإنسان إلى خلق مصفى، وقلب كبير، وإنسانية سمحة،
ليتمكّن من الانتصار على حبّ الإنتقام ممّن أساء إليه!
قليلة هي تلك المواقف في التاريخ من أجل هذا خلّدت وخلّد أصحابها
لأنّهم هم ذروة الإنتصار تناسوا كل إساءة وتسامحوا بكل إهانة!
ولو أردنا أن نتّخذ حادثة نتلمس بها مفتاح شخصية الإمام علي (عليه السلام) على كثرة الحوادث الفذّة
في سجل حياته الخالدة، لآثرنا هذه الحادثة بل هذا الموقف من عائشة تحرّض عليه الخصوم، وتسيّر
الجيوش معتزّة بمناصرتها، ويوم يُعقر جملها، ويصفى حساب أتباعها!
تتجلّى فيه طبيعة القلب الكبير، والإمام المهذّب والبطل الفذّ، والقائد الملهم،
فبعد أن يصطّ أهل البصرة في خطبته المشهورة
... الى اخر الخطبة !!كنتم جند المرأة، وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم، وعُقر فهربتم،
فبعد مثل هذه الخطبة، يتصوّر الإنسان أنّ كل من يقع بين يدي القائد
سيكون نصيبه الموت أو الإحتقار على أقلّ تقدير.!
لكنّ شيئاً من ذلك لم يكن!
بل عفو سام يدلّ على نفس سامية عظيمة واحترام خاصّ لعائشة!!!!!
إذ سيّرها إلى المدينة المنوّرة في جمهور من نساء عبد القيس عشرين عمّمهنّ بعمائم الرجال،
وقلّدهنّ السيوف، فلمّا كانت في بعض الطريق ذكرته بما لا يجوز، وقالت:
هتك ستري ابن أبي طالب برجاله وجنده الذين وكّلهم بي
فألقت النساء عمائمهنّ فعلمت أنّ الموكب الذي يرافقها من النساء
فهل بعد هذا النبل غاية؟
ليقل خصوم الإمام بعد ذلك ما شاءوا، وما شاءت لهم أحقادهم، فإنّ هذا الموقف وحده كاف يكذّب
الأقاويل والأراجيف، فلقد اتهموا ـ كاذبين ـ الإمام بأنّه حقود على من تقدّمه من الخلفاء،
فلو كان في نفسه أقلّ ظلّ للحقد،
لما تسامح مع عائشة مثل هذا التسامح الكريم، فلم يعرض لها بكلمة نابية
بعد أن انهزم عنها الأعوان، وعُقر جملها.