لا أحد منا لا يعرف الحق لكن نوازع النفوس في الإغراق بذاتيتها تجعل الحق في أكثر الأحيان بعيداً عن الإلتزام به فكم هم الناس الذين يقولون هذا هو الحق وأن علينا الامتثال له مهما كانت النتائج التي ستترتب على موقفنا العرفاني فيه؟ ومن المؤكد فإن الإجابة معروفة.. فتلمس طريق الحق شيء وعدم السير فيه شيء آخر. إن نظرة عاجلة على كل الخلافات الفردية والاجتماعية يمكن أن تدخل ضمن إطار الصراع بين الحق والباطل ولعل الحاجز النفسي الذي يتصدر لرسم العلاقة بين المتصارعين يضعف من رابطة الإنسان بأخيه الإنسان ويجعل في أحيان الاستدلال على الطرف المحق في أي صراع منشب يأخذ شكلاً هلامياً عند الآخرين الذين يتطلعون إلى حلبة الصراع وخصوصاً في المجال السياسي على كونه صراع سوف لن ينتهي مادام هناك خلل يتحكم في وقائعه التي غالباً ما تفتقر لوجود مبرر قوي لتفجير ذلك الصراع
فعند نشوب الخلاف بين الحق والباطل تتضارب الأفكار وغالباً ما تكون الأقلية هي التي تقف على جانب الحق أمام الأكثرية التي تتحكم بجانب الباطل ويكاد أن يكون المفهوم الذي يحكم موضوعية الوقوف مع جانب الحق غير عملي في نظر البعض الإتكالي الذين يفكرون أن على غيرهم أن يعلنوا المواجهة مع الباطل. وهذا ما يعود بالشعور على أن البحث عن الحقيقة الكاملة لمعرفة نوايا وأهداف المتصارعين ليس من مهام البعيدين عن طريق الصراع وتوطئة لهذا التفكير اللامسؤول فقد رست بعض العلاقات على متكأ اللامسؤولية، وتزخر الدعاوي لدى دوائر المحاكم في كل بلد بما تصل أرقامها إلى كم غير معقول وكلها تأمل إستعادة حق وإجبار الطرف المصادر له أن يعيد حقوق الآخر الذي هو المدعي في غالب الأحوال
إن الإنسان المتناسي مكانته السامية في الكون حين يزل بقدميه عمداً نحو جانب الباطل في حالة الاختلاف أو الصراع يقترب من مناوئه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمقدار ما يبتعد عن عبوديته لله سبحانه وتعالى. إلا أنه وبقدر العمل للإنقياد للحق مضاف لله العلي القدير فإن المفارقة إذا ما ساد قول الحق أو الدعوة له أو تقويته أو الإلتزام به تصبح ضعيفة في جحودها
إذ أن الطرف الباطل وهو غير الشرعي في إدلاءاته واقترافاته يعاني من وطأة الشعور بالهزيمة المعنوية مادام ذاك الباطل قد وضع نفسه رهينة لتفكيره الناقص فقد ورد في التجارب أن صناع الخير في كل التاريخ كانوا قلة لكن رصيدهم في الرفعة المعنوية أمتازت في التمسك بالحق بدرجة الاستعداد لبذل كل غال ونفيس بدأً من الأموال وانتهاءً بترخيص الأرواح وذلك مرضاة لله أو راحة للضمير أو لكليهما معاً
ومعروف تماماً أن الحق الذي يوصف طريقه بالصعب ليس قابلاً للمزايدة عليه واصحاب الحق على قلة عددهم في العالم لكن الضمير العالمي يمنحهم من التقييم ما يذكر بأن البشر ينبغي أن يكونوا مثبتين لهم على الأقل ضمن حفظ ذكرى من استشهد أو مات منهم لتكون مواقفهم نبراساً لمن يريد أن يحيى نفسه ولا يكتفي بعيشها فالأمانة للمثل العليا هي التي تحرك المرء كي يترجم مبادئه وتطلعاته المشروعة المفتخرة برسالة الحياة الحقة عنده التي تعرف الحقوق الذاتية والموضوعية عند كل طرف