استئذان الشيخين لعيادة فاطمة (عليها السلام)
لمّا مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضها الذي ماتت فيه ،
وصّت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ،
ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحداً بمرضها ، ففعل (سلام الله عليه) ذلك .
فلمّا ثقلت ، وعلم الرجلان بذلك ، أتياها عايدين ، واستأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما ، فأتى عمر عليّاً (عليه السلام) فقال له :
إنّ أبا بكر شيخ رقيق القلب ، وقد كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
في الغار ، فله صحبته ، وقد أتيناها غير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها
وهي تأبى أن تأذن لنا ، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل ،
قال : نعم ، فدخل عليّ (عليه السلام) على فاطمة (عليها السلام) فقال :
يا بنت رسول الله قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت ، وقد تردَّدا مراراً كثيرة
ورددتهما ولم تأذني لهما ، وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك .
فقالت : والله لا آذن لهما ، ولا أكلمّهما كلمة من رأسي حتّى ألقى أبي
فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه منّي .
قال علي (عليه السلام) : فإنّي ضمنت لهما ذلك ،
قالت : إنْ كنت ضمنت لهما شيئاً ، فالبيت بيتك ، والنساء تتبع الرِّجال ،
لا أُخالف عليك بشيء ، فإذن لمَن أحببت ،
فخرج (عليه السلام) فأذن لهما .
فلمّا وقع نظرهما على فاطمة (صلوات الله عليها) ، سلّما عليها فلم تردَّ عليهما ،
فحوَّلت وجهها عنهما ، فتحولاّ واستقبلا وجهها ، حتّى فعلت مراراً وقالت :
يا علي ، جاف الثوب ،
وقالت لنسوة حولها : حوّلن وجهي ، فلمّا حوَّلن وجهها حوَّلا إليها ،
وسألا أن ترضى عنهما وتصفح عمّا كان منهما إليها ، فقالت فاطمة (عليها السلام) :
أنشدكما بالله ، أتذكران أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
استخرجكما في جوف الليل بشيءٍ كان حدث من أمر عليٍّ (عليه السلام) ؟
فقالا : اللّهمّ نعم ،
فقالت : أُنشُدكُما بالله ، هل سمعتما النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول :
فاطمة بضعة منّي وأنا منها ، مَن آذاها فقد آذاني ومَن آذاني فقد آذى الله ،
ومن آذاها بعد موتي كمَن آذاها في حياتي ،
ومَن آذاها في حياتي كمَن آذاها بعد موتي ؟
قالا : اللّهمّ نعم ،
فقالت : الحمد لله ،
ثم قالت :
اللّهمّ إنّي أُشهدك فاشهدوا يا مَن حضرني ،
أنَّهما قد آذياني في حياتي وعند موتي ،
والله لا أُكلّمكما من رأسي كلمةً حتّى ألقى ربّي
فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما منّي.
وفي رواية أُخرى : فرفعت يدها إلى السماء فقالت :
اللّهمّ إنّهما قد آذياني فأشكوهما إليك وإلى رسولك ،
ولا والله لا أرضى عنكما أبداً حتّى ألقى أبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
وأخبره بما صنعتما ، فيكون هو الحاكم فيكما .
فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثّبور وقال :
ليت أُمّي لم تلدني.
فقال عمر : عجباً للناس كيف ولّوك أمورهم ؛
وأنت شيخ قد خرفت ، تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها ،
وما لمن غضب امرأة ، وقاما وخرجا.
فلمّا خرجا ، قالت فاطمة (عليها السلام) لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
قد صنعت ما أردت ؟ قال : نعم ،
قالت : فهل أنت صانع ما آمرك ؟
قال : نعم ،
قالت :
فإنّي أنشدك الله أن لا يصلّيا على جنازتي ولا يقوما على قبري.
(1)أمالي المفيد : ص218 ، البحار : ج43 ص211
نسالكم الدعاء.