يقول رب العزة تبارك وتعالى.."ياأيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا"..وكما أوضحنا العلاقة بين الهُدى والتُقى في معرض العلاقة بين العبد وربه..يبدو لنا تلازماً من وجهٍ آخر بين التُقى والقُدرة على التفريق بين الحق والباطل، وكما أثبتنا في الفكرة الإجتماعية أن القائم على هدم الأضرحة حكمُهُ حُكم المعتدي فيتبين لنا عدم صفاء قلبه بدلالة تَلبّس المسألة عليه وعدم قدرته على التفريق ..وبالتالي وقوعهِ في الآثام.
فالفكرة الثقافية المتعلقة بالبناء نابعة من الحالة الثقافية للمجتمع الحاضن لهذا الفعل، والوقوف على ماهية المجتمع صعب في هذا الزمان، ذلك لأن الحدود بين الدول والشعوب أصبحت كالسراب وبالتالي سقطت فكرة.."أهل مكة أدرى بشعابها"..ربما يكون لنا عودة مع هذه المقولة.... وكما أن الثقافة في أصلها معارف وعلوم فالإنسان المثقف لن يكون مثقفا إلا باطلاعه على كل خِلاف دار حول أي مسألة ومن ضمنها مسألة هدم الأضرحة..فلا يتعين على الفاعل القيام بما يريد إلا بتجاوز الخلافات وخاصة الفكرية منها، وإلا لن يكون مثقفا.
إذاً فالتفريق بين الحق والباطل مشروط بالمعرفة- شرط الثقافة-والثقافة كما أنها علوم ومعارف وبما أن العلوم والمعارف لا ينضب معينها ، إذاً فالثقافة أصلها الإحاطة بجميع أوجه الخِلاف وتجاوز كافة الشُبهات، وأنه لا حق إلا بإجماع متحقق ومُعتبر وبدليل صحيح وصريح لا يقبل التأويل..ولو ساغ فيه الخِلاف وكان التأويل فيه على أوجه ، حينها خرجت المسألة من سياق اليقينيات إلى سياق الظنون وبالتالى أصبحت شُبهة ومن اتقى الشُبهات فقد استبرأ لدينهِِ وعِرضِه.