الكثير ممن يعتدون بالتوسل كسلوك يقرأون قولة تعالي"إني قريب"..بحقيقة بُعد العبد عن ربه وبذلك فلا تعارض بين الآية وحقيقة التوسل الذي يُفترض فيه بأن تلك العلاقة لن تقوى إلا بوسيط..وفي هذا نُظُر..فحقيقة العبادة لله في الأمر الصريح"أعبدوا الله"..ولم يُشرك رب العزة هذا الأمر بمخلوق حتى يبدو أنه كوسيط..فهو أمر مباشر وقد تكرر في عديد الآيات التي نفت الوسيط بين العبد وربّه..
لماذا أقول هذا الكلام....لأن المتوسل في الغالب ينطلق من قاعدة العصيان أو البُعد ليسلك مسلك التوسل كي يكون أكثر قُربا لخالقه..وهذا الفِعل وإن بدا نزيها إلا أنه قد يجلب بعضا من التواكل والكسل فيظن العبد أن العلاقة بينه وبين ربّه متعلقة بفلان أو عِلان، وكأن باب الله لن يُفتح إلا في أوقات معينة ،وبهذا جعل العبد عبادته لربه من جانب دون جانب.. حقيقة لست من هواة التعقيد ولا أحسب نفسي إلا طارحا لأفكاري بسلاسة ويُسر، وتلك العبادة من ذلك الجانب قد تتعارض حقيقة مع هدى الله لعباده التي ربطها الله في أكثر مواضع القرآن بالتقوى وبالتالي فلا حاجة للعبد إلى وسيط..
يقول تعالي"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"..فالقرآن هداية ولكن لمن؟..هو هداية للمتقين..والتقوى محلها القلب، وللمتقين صفات في القرآن خصَها الله لعباده الصالحين كالإيمان بالغيب وهو أشمل ومنه تأتي سائر العبادات..، فيكفي العبد تدارس ملكاته وتهذيبها عن المعاصي وإقامته لدين الله –كما فهمه-في نفسه كي يكون ممن هدى الله ، ولا تقوى حقيقة إلا بإرادة السلوك..ومنه يأتي الربط بين هدى الله وإرادة العبد....فمن يجعل فكرة الوسيط واجبة كمن قطع العلاقة بين الهُدى والتقى واشترط علي نفسه- بتكلف-طرفا ثالثا قد يحرمه من التدبر الذي لا يحتاج إلى متخصصين..تكفي الفطرة.