لا تحتاج قضية اللطم الى دليل ، إذ كيف يحتاج التعبير عن الحزن والألم والوجدان الى دليل ؟ هل يحتاج الفرح أو الحزن الى دليل
يثبت الانسان حزنه وسروره من خلاله ؟ بل انّ ذلك راجع الى وجدان النفس وبواطنها ، والتعبير عن الحزن والألم لقضية ما ، ترجع الى رغبة الانسان في ذلك ، فبعضهم يعبّر عن حزنه بالبكاء ، وبعضهم يعبّر عن ذلك بالسكوت أو الاضراب عن عمل ما أو الانقطاع عن الأكل وما شابه ذلك ، ولتكن حالة اللطم مثل ذلك ، أي التعبير عن الحزن بهذه الكيفية ، ثم نحن نطالب المعترضين على حرمة اللطم بالدليل ، فهل عندهم دليل ينص على حرمة ذلك ؟ وهل بامكانهم أن يثبتوا حرمة اللطم بأنها حرمت في الكتاب والسنّة ؟ أم أنها مشتهيات وتهريجات ليست أكثر ، على انّ اللطم لا يعني تعذيب النفس بقدر ما هي راحة وجدانية يشعرها الممارس لذلك . إذ ليس كل ألم قبيح ، بالأخص إذا لم يكن يورد ضرراً على البدن يعتد به .
أما جواز اللطم والبكاء على المعصومين عليهم السلام فيستفاد ذلك من روايات كثيرة متواترة وذلك انّ الامامين الحسن والحسين عليهما السلام بكيا على أبيهما أمير المؤمنين عليه السلام والامام الحسين عليه السلام بكى على أخيه الحسن وهكذا كل إمام لاحق يبكي على الامام السابق ، فمن سيرتهم عليهم السلام القطعية يستفاد جواز اللطم والبكاء على المعصومين ، فذلك غير مختص بالامام الحسين عليه السلام ، بل يمكن تعميمه الى بقية المعصومين عليهم السلام ، ويكفينا سيرة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيرا ، حيث بكت على أبيها طيلة مدة بقائها من بعده ، وبكى علي عليه السلام عليها بعد وفاتها وهكذا . كما انّ المستفاد من قوله تعالى : «ومَن يُعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب» . فهل هناك شعيرة إلهية أعظم من البكاء والحزن على مصائب المعصومين عليهم السلام ؟ وبذلك ظهر انّ جواز البكاء غير مقتصر على الإمام الحسين عليه السلام دون بقية المعصومين عليهم السلام ثبّتنا الله وإيّاكم على ولايتهم ووفقنا لتعظيم شعائرهم
انّ الشيعة يقتفون أثر النبي صلى الله عليه وآله في البكاء على الإمام الحسين عليه السلام فهي سنّة نبوية فعلها النبي صلى الله عليه وآله من بعده . أما أدلّة الشيعة على البكاء فكثيرة منها : 1 ـ ما رواه ابن قولويه عن مالك الجهني عن الباقر عليه السلام قال : من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكياً لقى الله تعالى يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة وثواب كل حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمة الراشدين الى آخر الحديث . كامل الزيارات : 174 . 2 ـ عن الامام الباقر عليه السلام قال : بكيت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي عليهما السلام حتى ذرفت دموعها . المصدر السابق : 79 . 3 ـ عن الامام الصادق عليه السلام : انّ أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام لما مضى
بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب عليهن والجنة والنار وما خلق ربّنا وما يرى وما لا يرى . المصدر السابق : 81 . وهناك روايات متواترة كثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في الحث على البكاء لا يمكن ذكرها جميعاً وقد اقتصرنا على بعض منها . ما رواه أهل السنة في البكاء على الحسين عليه السلام : 1 ـ ما رواه الحاكم عن أمّ الفضل بنت الحارث في حديث طويل ... الى أن قالت : ثم حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وآله تهريقان من الدموع قالت : فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال : أتاني جبرئيل عليه السلام فأخبرني انّ أمّتي ستقتل هذا ـ وقد أشار الى الحسين عليه السلام ـ فقلت : هذا ؟ فقال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء . المستدرك على الصحيحين 194 : 3 ، كتاب معرفة الصحابة باب فضائل الحسين . 2 ـ ما رواه الطبري عن أسماء بنت عميس في حديث طويل : ولد الحسين فجاء النبي صلى الله عليه وآله ففعل مثل الأول ـ أي مثل ما فعله بالحسن عليه السلام ـ قلت : وجعله في حجره فبكى صلى الله عليه وآله قلت : فداك أبي وأمّي ممّ بكاؤك ؟ فقال : ابني هذا يا أسماء تقتله الفئة الباغية من أمّتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ، يا أسماء لا تخبري فاطمة فإنها قريبة عهد بولادته ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : 119 هذا ما يمكن أن نذكره من روايات أهل السنة في هذا المجال . أما الأدلة العقلية على حسن واستحباب البكاء : فإنّك تعلم أن البكاء هو حالة وجدانية يتفاعل من خلالها الباكي مع سبب البكاء ، وهذه الحالة ستخلق علاقة ارتباط لا يمكن انفكاكها بأي حال ، لذا فإن الباكي على الحسين عليه السلام لا يزال يعيش حالة التفاعل والوجدان مع الحسين عليه السلام وقضيته المقدسة ، وسيكون قريباً جداً من أهدافها ودواعيها ، وبذلك يمكنه أن يستفاد من دواعي
نهضته المقدسة والالتزام بنهجه الشريف ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ البكاء يخلق حالة تبرّي من أعداء أهل البيت عليهم السلام قتلة الحسين الذين هم في الواقع أعداء الله تعالى فحالة التبري هذه تخلق حالة نفور وابتعاد عن خط ونهج اعداء الله تعالى وسيكون الارتباط بأولياء الله أشد واكد ، فبالبكاء على الحسين عليه السلام سيوجد حالات الارتباط والتمسّك بنهج أهل البيت عليهم السلام اذ هو تذكير وتحفيز وجداني لذلك ، وفي نفس الوقت سيخلق حالة الابتعاد والبراءة من قتلة الحسين عليه السلام الذين هم أعداء الله ورسوله والأئمة المعصومين .