أسباب الهزيمة والإنتصار في أحد
اصطف الجيشان للحرب، وراح كلّ واحد منهما يشجع رجاله على القتال بشكل من الأشكال ويحرضهم على الجلاد بما لديه من وسيلة.وقد كان أبو سفيان يحرض رجاله باسم الأصنام ويغريهم بالنساء الجميلات.
وأمّا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان يحث المسلمين على الصمود والإستقامة، مذكراً إياهم بالنصر الإلهي والتأييدات الربانية.ها هي تكبيرات المسلمين ونداءات "الله أكبر، الله أكبر" تدوي في جنبات ذلك المكان، وتملأ شعاب "أُحد" وسهولها، بينما تحرض هند والنسوة اللاتي معها من نساء قريش وبناتها الرجال ويضربن بالدفوف ويقرأن الأشعار المثيرة.وبدأ القتال وحمل المسلمون على المشركين حملة شديدة هزمتهم شر هزيمة، وألجأتهم إلى الفرار وراح المسلمون يتعقبونهم ويلاحقون فلولهم.ولما علم "خالد" بهزيمة المشركين وأراد أن يتسلل من خلف الجبل ليهجم على المسلمين من الخلف شقه الرماة بنبالهم، وحالوا بينه وبين نيته.هذه الهزيمة القبيحة التي لحقت بالمشركين دفعت ببعض المسلمين الجديدي العهد بالإسلام إلى التفكر في جمع الغنائم والإنصراف عن الحرب، بظن أن المشركين هزموا هزيمة كاملة، حتّى أن بعض الرماة تركوا مواقعهم في الجبل متجاهلين تذكير قائدهم "عبدالله بن جبير" إياهم بما أوصاهم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عدم ترك المواقع على اي حال كان عليه المسلمون سواء في حال النصر أم الهزيمة، ولم يبق معه إلاَّ قليل ظلوا يحافظون على تلك الثغرة الخطرة في الجبل محافظة على المسلمين.فتنبه "خالد بن الوليد" إلى قلة الرماة في ذلك المكان، فكر راجعاً بالخيل (وعددهم مائتا رجل كانوا معه في الكمين) فحملوا على "عبدالله بن جبير" ومن بقي معه من الرماة وقتلوهم بأجمعهم، ثمّ هجموا على المسلمين من خلفهم.وفجأة وجد المسلمون أنفسهم وقد أحاط بهم العدو بسيوفهم، وداخلهم الرعب، فإختل نظامهم، وأكثر المشركون من قتل المسلمين فاستشهد ـ في هذه الكرة ـ "حمزة" سيد الشهداء وطائفة من أصحاب النبي الشجعان، وفر بعضهم خوفاً، ولم يبق حول النبي سوى نفر قليل جداً يدافعون عنه ويردون عنه عادية الأعداء، وكان أكثرهم دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورداً لهجمات العدو، وفداء بنفسه هو "الإمام علي بن أبي طالب" عليه السلام الذي كان يذب عن النبي الطاهر ببسالة منقطعة النظير، حتّى أنه تكسر سيفه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيفه المسمى بذي الفقار، ثمّ تترس النبي بمكان، وبقي علي عليه السلام يدفع عنه حتّى لحقه ـ حسب ما ذكره المؤرخون ـ ما يزيد عن ستين جراحة في رأسه ووجهه، ويديه وكلّ جسمه المبارك، وفي هذه اللحظة قال جبرائيل "إن هذه لهي المواساة يا محمّد" فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إنه مني وأنا منه" فقال جبرائيل : "وأنا منكما".
قال الإمام الصادق عليه السلام : نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جبرائيل بين السماء والأرض وهو يقول : " لاسيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي.وفي هذه اللحظة صاح صائح : قتل محمّد.
يذهب بعض المؤرخين إلى أن "ابن قمئة" الذي قتل الجندي الإسلامي البطل "مصعب بن عمير" وهو يظن أنه النبي، هو الذي صاح "واللات والعزى : لقد قتل محمّد".وسواء كانت هذه الشائعة من جانب المسلمين،أو العدو فإنها ـ ولاريب ـ كانت في صالح الإسلام والمسلمين لأنها جعلت العدو يترك ساحة القتال ويتجه إلى مكّة بظنّه أن النبي قد قتل وانتهى الأمر، ولولا ذلك لكان جيش قريش الفاتح الغالب لا يترك المسلمين حتّى يأتي على آخرهم لما كانوا يحملونه من غيظ وحقدعلى النبي، بل ولما كانوا يتركون ساحة القتال حتّى يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم لم يجيئوا إلى "أُحد" إلاّ لهذه الغاية.لم يرد ذلك الجيش الذي كان قوامه ما يقارب خمسة آلاف ـ وبعد تلك الإنتصارات ـ أن يبقى ولو لحظة واحدة في ساحة القتال، ولذلك غادرها في نفس الليلة إلى مكّة، وقبل أن يندلع لسان الصباح.إلاّ أن شائعة مقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوجدت زلزالاً كبيراً في نفوس بعض المسلمين، ولذلك فر هؤلاء من ساحة المعركة.
وأما من بقي من المسلمين في الساحة فقد عمدوا ـ بهدف الحفاظ على البقية من التفرق وإزالة الخوف والرعب عنهم ـ إلى أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشعب من "أُحد" ليطلع المسلمون على وجوده الشريف ويطمئّنوا إلى حياته، وهكذا كان، فإنهم لما عرفوا رسول الله عاد الفارون وآب المنهزمون واجتمعوا حول الرسول ولامهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فرارهم في تلك الساعة الخطيرة، فقالوا يا رسول الله أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين.
وهكذا لحقت بالمسلمين ـ في معركة أحد ـ خسائر كبيرة في الأموال والنفوس، فقد قتل منهم في هذه الموقعة اثنان وسبعون من المسلمين في ميدان القتال، كما جرح جماعة كبيرة، ولكنهم أخذوا من هذه الهزيمة والنكسة درساً كبيراً ضمن إنتصاراتهم في المعارك القادمة.1