تقدير من نوع آخر
لم يعد الطاقم الطبي خارج الحدث، بل صار جزءاً منه، لا يعود ذلك فقط إلى أن القتلى والجرحى يمرون من خلاله، بل لأنه صار معرضاً للخطر مثله مثل باقي المحتجين السلميين، رأينا في الحلقة السابقة ما تعرض له الطاقم الطبي في جامعة البحرين من ضرب وتهديد على ممارسته دوره الإنساني والمهني في إسعاف الجرحى والمصابين، في هذه الحلقة المزيد من المعاقبة والملاحقة والتنكيل.
حنين البوسطة طبيبة شابة تعشق عملها. خلال سنواتها الجامعية، فازت في المسابقة التي تنظمها جامعة الطب في أوكرانيا. حصلت على المركز الثالث بين العلماء الشباب دولياً (2). هكذا كرّم المجتمع الدولي نبوغها وتفوقها، وهي لم تزل طالبة في مقاعد الطب، لكن في يوم 15مارس 2011، كانت جائزة تقديرية من نوع آخر تنتظر حنين بعد أن صارت طبيبة، هذه المرة جائزة خاصة من بلدها.
حنين نقلت ما تعرضت له إلى صحيفة الوسط ونشرت في اليوم التالي(9)، ووثقتها في مضابط الأمن أثناء التحقيق معها فيما بعد. هناك تفاصيل أكثر مما تمّ نشره، حصلت عليها مرآة البحرين من إحدى المقربات.
في البيت، آتية من نوبة ليلية في الخيمة الطبية في الدوار، لم تنم سوى ساعات قليلة، الساعة العاشرة والنصف صباحاً، يتصل بها أحد المسعفين: "تعالي الآن، لقد تم ضرب منطقة سترة"من فورها نهضت مرتدية ملابسها، حاولت أمها منعها، كذلك فعل أخوها. صرخا فيها ألا تذهب، لم تأبه، راحت تجهز عدتها للخروج. آخر ما سمعته كانت صرخة أمها تنادي اسمها وهي تغادر للخارج، علمت فيما بعد أن والدتها قد فقدت وعيها إثر خروجها. في السلمانية، وقفت تبحث عن اسعاف يقلها إلى سترة، حافلة صغيرة بها جريح تدخل السلمانية، تساعد حنين في إنزال الجريح، تركب، تغلق الباب خلفها، يتوجهون لجزيرة سترة.
عند مشارف سترة، سترى الحاويات التي استخدمت لإغلاق الشوارع منعا لدخول قوات الأمن، وسترى حجارة ملقاة على الأرض في كل مكان، وفي مركز سترة الصحي، حالات ممدة على الأرض. أعداد من الجرحى تعرضوا لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع وإصابات الطلق الانشطاري (الشوزن) (3). عملت حنين على معالجة حالات الشوزن، الجروح الأكبر يتم نقلها لقسم التمريض. عند مدخل المركز تجمهر كبير(4). سلسلة بشرية تعمل على تنظيم الدخول وفتح الطريق للحالات التي تصل. عند الباب يقف أحد الأطباء يقوم بمعاينة سريعة للاصابات لتوجيهها للمكان الأنسب للمعالجة (5).