الحرب على سوريا... فشل مؤكد !
منذ البداية، عكست تصريحات المسؤولين الغربيين رغبة محمومة في شن حرب كبرى على سوريا، وبرروا عدم مسارعتهم إلى شن تلك الحرب بعدم توفر غطاء شرعي لها.
من هنا كانت المحاولات التي بذلت في أواخر نيسان / أبريل الماضي من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن يدين العنف ضد المتظاهرين، والتي أفشلها رفض التصويت عليه من قبل لبنان وروسيا والصين. واستبدل قرار الإدانة يومها بعقوبات اقتصادية أقرها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، انضم مجلس حقوق الإنسان، بدفع من واشنطن، إلى جوقة التحريض على سوريا، وعقد اجتماعاً في جنيف دون أن يتمكن من اتخاذ قرارات ذات وزن.
وفي هذه الأثناء كانت عشرات ومئات الهيئات الحقوقية والإنسانية، وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية وانتهاء بهيومان رايتس ووتش تواصل الضغوط على سوريا عبر إدارة الأنشطة التحريضية لمجموعات واسعة من المخبرين وشهود العيان والمعارضين المغمورين والناشطين المتمركزين عند أبواب وزارات الخارجية وأجهزة الاستخبارات في بلدان الغرب والبلدان المتاخمة لسوريا.
وعلى أمل زحزحة البلدان المعارضة للتدخل في شؤون سوريا عن مواقفها في مجلس الأمن، عادت بلدان أوروبية في طليعتها بريطانيا وفرنسا على طرح مشروع قرار جديد بإدانة العنف في سوريا. وكما في المرة السابقة، كان نصيبه الفشل، رغم خروجه بصيغة مخففة، بسبب رفض الموافقة عليه من قبل روسيا التي انضمت إليها مجموعة البلدان الطامحة إلى احتلال مواقع أكثر تقدماً على المسرح الدولي كالصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا.
وقد شكل هذا التطور مؤشراً جديداً ليس فقط على اعتراضات هذه البلدان على بنية مجلس الأمن ووظائفه التي تتحكم بها واشنطن، بل أيضاً على تنامي التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب كبديل لعالم القطبية الأحادية التي تبذل الولايات المتحدة جهوداً يائسة وباهظة التكاليف من أجل إقامته في وقت يتفاقم فيه عجزها، وعجز حلفائها، عن مواجهة أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.
والواضح أن الفضل يعود إلى سوريا في إعطاء دفعة قوية لهذا التناقض بين معسكر غربي مهلهل (حربا العراق وأفغانستان أحدثتا صدوعاً كبرى على مستوى تماسك الحلف الأطلسي، وهذه الصدوع بدأت بالبروز مجدداً في الحرب على ليبيا)، وبين معسكر آخذ بالتكون ويمتلك ما يكفي من القدرات لقول كلمته في إدارة الشأن الدولي.
وإذا كانت الجهود الغربية المبذولة منذ أشهر من أجل زعزعة سوريا قد أفضت إلى هذه النتيجة التي عكست تضعضع المعسكر الغربي، فإن من الواضح أن الغربيين لم يستوعبوا هذا الدرس، فعادوا من حيث بدأوا، وفشلوا في استصدار قرار من مجلس الأمن،
فأوعزوا ـ هذه المرة ـ إلى وكالة الطاقة الذرية بإحالة ما يسمى بالملف النووي السوري إلى المجلس المذكور.
والأكيد أن مسارعة الوكالة إلى تنفيذ الإملاء الأميركي بهذا الشأن لن يفضي إلا إلى نتيجة أكثر سوءاً من النتائج السابقة:
معظم البلدان الصاعدة تمتلك برامج نووية ولم توقع على المعاهدات التي ترعاها الوكالة، ما يعني أن عرض الملف على مجلس الأمن سيفاقم الخلافات بين واشنطن وتلك البلدان.
من هنا، يمكن القول بأن الحرب التي يقودها المعسكر الأميركي الصهيوني وملحقاته الإقليمية والمحلية على سوريا، والتي تحاول التستر بغطاء الشرعية الدولية، قد بدأت بالدفع نحو توترات لا يستهان بها على الصعيد الدولي، وأن إثارة هذه التوترات ليست في مصلحة المعسكر المذكور.
يبقى الخيار الآخر: المعسكر المذكور تمكن من تأمين شرعية شديدة الالتباس في حربه على أفغانستان وليبيا، وشن حرباً بلا أي غطاء دولي على العراق.
فما الذي يمنعه من معاودة الكرة على سوريا ؟
عناصر عديدة : منها حصان الفتنة الداخلية التي تغذيها جهات إقليمية معروفة وتدعمها بالمال والسلاح والمتسللين والأكاذيب والصور الملفقة وما إلى ذلك من أدوات الحرب الإعلامية والنفسية.
ومنها الخوف : إذا كانت الحرب على أفغانستان، البلد الفقير والذي دمرته الحروب منذ أكثر من أربعين عاماً، أو الحرب على العراق، البلد الذي أنهكته سياسات صدام حسين وغزواته الفاشلة على جيرانه،
أو الحرب على ليبيا بقدراتها البشرية المحدودة قد أفضت إلى ما أفضت إليه من نتائج كارثية وضعت قوة الغرب وتفوقه على المحك،
فإن الحرب على سوريا، بموقعها الجغرافي الحساس على حدود الأرض الفلسطينية التي يحتلها الصهاينة، وبقربها من منابع النفط، وبتحالفاتها الإقليمية والدولية، وخصوصاً بما يمتلكه شعبها من إرث طويل في حمل قضية فلسطين وسائر قضايا التحرر في المنطقة، لن تكون نزهة إلا بمعنى النزهات التي كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي الذي تحطمت أسطورته بفضل تلاحم قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.
أما أولئك الذين يظنون أنهم يتظاهرون من أجل الحرية في سوريا،
فليس عليهم إلا أن يلاحظوا أنهم قد دخلوا، عن وعي أو غير وعي،
في معسكر واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب والعواصم العربية المرتبطة، وأن دخولهم هذا لن يعود عليهم بغير الويل والثبور.