بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وال محمد الطاهرين
حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني قال حدثني أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الرقام قال حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد العزيز بن مسلم
قال كنا في أيام علي بن موسى الرضا ( ع ) بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا فإذا رأى الناس أمر الإمامة و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها
فدخلت على سيدي و مولائي الرضا ( ع ) فأعلمته ما خاض الناس فيه
فتبسم ( ع ) ثم قال
يا عبد العزيز جهل القوم و خدعوا عن أديانهم إن الله تبارك و تعالى لم يقبض نبيه ( ص ) حتى أكمل له الدين و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء بين فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه كملا فقال عز و جل ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره ( ص )
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً
و أمر الإمامة من تمام الدين و لم يمض ( ص ) حتى بين لأمته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد الحق و أقام لهم عليا ( ع ) علما و إماما و ما ترك شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز و جل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز و جل و من رد كتاب الله تعالى فهو كافر هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة أجل قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل ( ع ) بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة و فضيلة شرفه بها و أشادبها ذكره فقال عز و جل إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فقال الخليل ( ع ) سرورا بها وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ الله عز و جل
لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة و صارت في الصفوة ثم أكرمه الله عز و جل بأن جعلها ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عز و جل
وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ
فلم يزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي ( ص ) فقال الله عز و جل
إِنَّ أَوْلَىالنَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ
فكانت له خاصة فقلدها ( ص ) عليا بأمر الله عز و جل على رسم ما فرضها الله عز و جل فصارت فيذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الإيمان بقوله عز و جل
وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ
فهي في ولد علي ( ع ) خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد ( ص ) فمن أين يختار هؤلاء الجهال أن الإمامة هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء إن الإمامة خلافة الله عز و جل و خلافة الرسول و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين ( ع ) . إن الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين. إن الإمامة أس الإسلام النامي و فرعه السامي بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج والجهاد و توفير الفيء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف. الإمام يحل حلال الله و يحرم حرام الله و يقيم حدود الله و يذب عن دين الله و يدعوإلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة . الإمام كالشمس الطالعة للعالم و هي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار . الإمام البدر المنير و السراج الزاهر و النور الساطع و النجم الهادي في غياهب الدجى و البيد القفار و لجج البحار . الإمام الماء العذب على الظمأ و الدال على الهدى و المنجي من الردى و الإمام النارعلى اليفاع الحار لمن اصطلى به و الدليل في المهالك من فارقه فهالك الإمام السحاب الماطر و الغيث الهاطل و الشمس المضيئة و الأرض البسيطة و العين الغزيرة و الغدير و الروضة الإمام الأمين الرفيقو الوالد الرقيق و الأخ الشفيق و مفزع العباد في الداهية الإمام أمين الله في أرضه و حجته على عباده و خليفته في بلاده الداعي إلى الله و الذاب عن حرم الله الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم نظام الدين و عزالمسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد و لايعادله عالم و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير مخصوص بالفعل كله من غير طلب منه له و لا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره هيهات هيهات ضلت العقول و تاهت الحلوم و حارت الألباب و حسرت العيونو تصاغرت العظماء و تحيرت الحكماء و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الألباءو كلت الشعراء و عجزت الأدباء و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة منفضائله فأقرت بالعجز و التقصير و كيف يوصف له أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمرهأو يوجد من يقام مقامه و يغنى غناه لا كيف و أنى و هو بحيت النجم من أيدي المتناولين و وصف الواصفين فأين الاختيار من هذا و أين العقول عن هذا و أين يوجد مثل هذا أ ظنوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول ( ص ) كذبتهم و الله أنفسهم و من تهم الباطل فارتقوا مرتقى صعبا دحضا .تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم راموا إقامة الإمام بعقول جائرة بائرة ناقصة وآراء مضلة فلم يزدادوا منه إلا بعدا قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ لقدراموا صعبا و قالوا إفكا و ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً و وقعوا في الحيرة إذ تركواالإمام عن بصيرة وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
و ما كانوا مستبصرين و رغبوا عن اختيار الله و اختيار رسوله إلى اختيارهم و القرآن يناديهم
وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ
و قال الله عز و جل وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْيَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ و قال عز و جل ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَماتَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ و قال عز و جل أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها أم طبع الله على قلوبهمفهم لا يفقهون أم قالوا سمعنا و لا يسمعون إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ وقالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا بل هو فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
فكيف لهم باختيار الإمام و الإمام عالم لا يجهل راع لا ينكل معدن القدس و الطهارة و النسك والزهادة و العلم و العبادة مخصوص بدعوة الرسول و هو نسل المطهرة البتول لا مغمزفيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب فالنسب من قريش و الذروة من هاشم و العترة من آلالرسول ( ص ) و الرضى من الله شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف نامي العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله عز و جل ناصح لعباد الله حافظ لدين الله إن الأنبياء و الأئمة ( ص ) يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم في قوله تعالى
أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّاأَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ و قوله عز و جل وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً و قوله عز و جل في طالوت إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ
و قال عز و جل لنبيه ( ص ) وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً و قال عز و جل في الأئمة من أهل بيته و عترته و ذريته
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْفَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً
و إن العبد إذا اختاره الله عز و جل لأمور عباده شرح الله صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده بجواب و لا يحيد فيه عن الصواب و هو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن الخطايا و الزلل و العثار يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه و ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه تعدوا و بيت الله الحق و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى و الشفاء فنبذوه و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم فقال عز و جل وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ و قال عز و جل فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ و قال عز و جل كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ .