بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أجاز المولى سبحانه التوجه بالسؤال إلى الأنبياء والأولياء والاولياء الصالحين بالتوسط في الدعاءوقضاءالحوائج.
ففي القرآن الكريم حكى المولى سبحانه سؤال أبناء يعقوب(ع) وهم الأسباط ، أباهم يعقوب بأن يستغفر لهم ذنوبهم، ولم يوبخهم يعقوب(ع) على قولهم هذا، ولم يرد في القرآن ما ينهى عن مثل هذا القول، بل قول يعقوب(ع) لأبنائه: (( قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفر لَكمْ رَبّي إنَّه هوَ الْغَفور الرَّحيم )) [يوسف:98]، دليل على جواز مثل هذا السؤال بالتوسط في الدعاء لاستغفار الذنوب وقبوله، وإلا لكان من المفروض شرعاً ـ إن لم يكن مثل هذا التصرف جائزاًـ أن يقول يعقوب(ع) لأبنائه: لا تقولوا هذا ذلك وتوجهوا إلى الله مباشرة بطلب المغفرة، لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله ولا ينبغي السؤال الإّ إلى الله.
وأيضاً جاء في سورة (النساء الآية 64) قوله تعالى: (( وَلَوْ أَنَّهمْ إذْ ظَلَموا أَنْفسَهمْ جَاءوكَ فَاسْتَغْفَروا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهم الرَّسول لَوَجَدوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً ))، ففي الآية دلالة واضحة على جواز زيارته(ع) وطلب شفاعته(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد فهم منها الصحابة الكرام ذلك، وأيضاً الفقهاء الأعلام وللسبكي الشافعي بحث وافي في الموضوع يمكنكم مطالعته في كتابه(شفاء السقام في زيارة خير الأنام).
وأيضاً الحديث الصحيح المعروف بحديث الأعمى الذي رواه ابن ماجة (1:441)، وأحمد في مسنده(4:138)، والحاكم في (المستدرك 1: 313)، والسيوطي في (الجامع الصغير:59) وغيرهم، والذي ورد فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علّم رجلاً أعمى طلب الدعاء منه بأن يفتح الله عليه بصره، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): توضأ وأدعو بهذا الدعاء: (اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى، اللهم شفّعه فيَّ).
هذا بالنسبة لطلب توسط الأنبياء والصالحين في استجابة الدعاء.
وقد يكون سؤالك عن السؤال المباشر لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو الولي بقضاء الحاجة بلسان: يا محمد أقضي حاجتي، أو يا علي أشف ولدي ، وما شابه، فنقول:
إن هذا اللسان يسميه أهل البلاغة بالمجاز في الإسناد، لأن الناطقين بهذه الكلمات أناس موحدون يعتقدون بالله الواحد الأحد، وأنه الخالق الرازق والنافع الضار، وإنما الأنبياء والصالحين عباد مكرمون يتوسل بهم إلى الله في قضاء حاجته. وكأن لسان حاله حين يقول: يا علي أشف ولدي، يريد: يا علي بجاهك عند الله أسأل الله تعالى أن يشفي ولدي. والمجاز في الإسناد وارد في لغة العرب، وكذلك وارد كتاباً وسنة، فلا محذور في استعماله وتداوله بعد ثبوت العقيدة والإيمان بالله الواحد الأحد النافع الضار.
صحة سند حديث الاعمى :
حديث الاعمى، روي بطرق متعددة، ويكفيك أن تعرف أنه روي بطريق صحيح في (مسند أحمد 138:4، وسنن الترمذي 281:4، وسنن ابن ماجة 418:1، والمعجم الكبير للطبراني 2:3 والحاكم في المستدرك على الصحيحين 313:1) كلهم من طريق عثمان بن عمر (شيخ أحمد فيه): أن شعبة عن أبي جعفر المدني قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان به، وقال الترمذي: ((حسن صحيح غريب)). وفي ابن ماجة عقبه: ((قال أبو اسحاق: حديث صحيح))، ثم رواه أحمد: ثنا شعبة به، وفيه الرواية الأخرى، وتابعه محمد بن جعفر ثنا شعبة به. رواه الحاكم (519:1) وقال: ((صحيح الاسناد))، ووافقه الذهبي.
قال الألباني: وقد أعله بعضهم كصاحب (صيانة الانسان) وصاحب (تطهير الجنان ص37) وغيرهما بأن في إسناده أبا جعفر، قال الترمذي: (لانعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وليس الخطمي)، فقالوا: هو إذن الرازي، وهو صدوق ولكنه سيء الحفظ.
قلت ــ والكلام للألباني ــ : ولكن هذا مدفوع بأن الصواب أنه الخطمي نفسه، وهكذا نسبه أحمد في رواية (138:4)، وسماه في أخرى: (أبا جعفر المدني) وكذلك سماه الحاكم. والخطمي هذا لا الرازي هو المدني، وقد ورد هكذا في (المعجم الصغير) للطبراني، وفي طبعة بولاق من سنن الترمذي أيضاً، ويؤكد ذلك بشكل قاطع أن الخطمي هذا هو الذي يروي عن عمارة بن خزيمة، ويروي عن شعبة، كما في إسناده هنا، وهو صدوق، وعلى هذا فالاسناد جيد لا شبهة فيه [انظر: التوسل أنواعه وأحكامه للألباني ص75 ـ 76]
وفي هذا السند الصحيح كفاية عن البحث في بقية الاسانيد.