مدرسة تعليم اللغة السريانية
جبعدين - ريف دمشق - سورية
مقدمة تاريخية
لابد لمن يدرس اللغة السريانية وآدابها أن يلم إلمامة قصيرة بهذه اللغة التي صد رعنها ذلك الأدب، إلى أي أسرة من اللغات السامية تنتمي، ومن أي مجموعة نبتت هذه اللغة، فإذا بلغ من ذلك ما يريد، كان عليه أن يدرس شيئا عن هذه الأسرة.
واللغة السريانية هي إحدى اللهجات الآرامية, والآرامية لغة من مجموعة اللغات السامية.
والآراميون هم ثالث فرع نبت في شجرة الأمم السامية. وكان أول ذكر لهم في نصوص إسفينية ترجع إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهم يذكرون فيها على أنهم منتشرون في الصحراء الواقعة غربي ما بين النهرين, وأنهم كانوا في أول أمرهم قبائل رحلاً يتنقلون في البادية- كبقية الأمم السامية- بين نجد في الجنوب، وحدود الشام في الشمال، ونهر الفرات في الشرق، وخليج العقبة في الغرب، وأن ظروف الصحراء كانت تضطرهم إلى الالتجاء إلى الحضر في بعض الأحيان فيدخلونه مغيرين وقد استطاعوا في إحدى إغاراتهم أن يكونوا إمارة بين بابل والخليج الفارسي عرفت باسم كلد ومنها اشتق اسم الكلدانين وبعد سقوط دولة الميتني حوالي 1300ق م دخل الآراميون ما بين النهرين، وعرفوا باسم آرام النهرين، وكان تغلغلهم في هذه الأرجاء قد سبق سقوط دولة الميتني وترجع هجرة قبيلة إبراهيم الخليل – من أور في بلاد الكلدانيين إلى حران - إلى واحدة من هذه الهجرات.
وكذلك أغار الآراميون على الشام وتوغلوا فيها في الوقت الذي كان الصراع فيه قائماً بين الدويلات الكنعانية, وتمكنوا من الوصول إلى شمال الشام وكونوا عدة دويلات آرامية صغيرة بين حلب وجبال طوروس, ومنها إمارة سمأل بين انطاكية ومرعش ومكانها الآن بلدة زنجرلي. وفي أواخر القرن العاشر قبل الميلاد استولى الآراميون على دمشق وأسسوا فيها مملكة كان لها دور مهم في تاريخ ذلك الحين وبخاصة في محاربة الفينقيين والإسرائيليين والتغلب عليهم, وكذلك لعبت دوراً مهماً في شؤون التجارة. فقد كان البدو من أهلها ينقلون التجارة بين المراكز المختلفة مثل دمشق وحماة وحلب إلى بلاد نهر الفرات, وكانت تدمر مركزاً من هذه المراكز. وقد وصل هؤلاء البدو إلى واحات بلاد العرب الشمالية وتركوا بعض النقوش في تيماء.
وكما استولى البابليون على مملكة دمشق في القرن الثامن قبل الميلاد نقلوا إلى بلادهم عدداً كبيراً من مهرة الآراميين للاستعانة بهم ، وقد استقر الآراميون في مملكة بابل ونشروا لغتهم حتى غلبت اللغة البابلية والآشورية وتخلد النقوش الاسفينية في عهد سرجون (فيما بين سنتي 733-705) ق م عدداً من الأسماء الآرامية كان أصحابها يحترفون التجارة في مملكة أشور وبعد سقوط نينوى سنة 612 ق م أصبحت بلاد أشور آرامية. وكان من الشائع في بابل أن تكتب العقود لغتين البابلية والآرامية.
وفي نهاية القرن السادس قبل الميلاد تم للفرس الإستيلاء على الشرق وسقطت في أيديهم مدينة بابل سنت 538 ق م في عهد الأسرة الأكمينية التي يطلق عليها العرب اسم أسرة الكيانيين، وكانت اللغة الآرامية شائعة في الشرق كله حتى بين طبقة الحاكمين من الفرس. فاستعملوها لغة للتفاهم بين أجزاء الإمبراطورية, فأصبحت في ذلك لغة المكتبات الرسمية.
ولم تكن الآرامية لغة الإمبراطورية الفارسية الرسمية فحسب، وإنما كانت لغة دولية –إن صح هذا التعبير- نعلم ذلك من الكتاب المقدس، فقد جاء في سفر الملوك الثاني (18-26) وأشعيا (36:11) أنه في سنة 701 ق. م لما حاصر سنحاريب بيت المقدس في عهد حزقيا كان الشعب يتكلم الآرامية وكانت أرستقراطية اليهود تعرف الآرامية, وكان موظفو سنحاريب يعرفونها أيضاً.
وقد تبع انتشار الآرامية واتصال أصحابها بغيرهم من الأقوام أن تولدت منها لهجات عدة يمكن أن تميز بينها تبعاً لاختلاف الزمان والمكان والدين والحضارة, وقد اختلفت الآراء في تقسيم اللهجات الآرامية, فيقسمها (نولد كه) إلى شرقية وغربية, واللهجات الشرقية عنده هي لهجات التلمود البابلي والسريانية والمندعية وما عداها فهو غربي.
ومع ذلك فالواقع أن الخلاف بين اللهجات الآرامية لم يتخذ شكلاً واضحاً إلا في عصر متأخر، وهو العصر الذي يبدأ تقريباً بظهور المسيحية، وعلى ذلك وجب استبعاد اللهجات الآرامية القديمة لتقاربها، وهي لهجة زنجيرلي، والآرامية التي استعملها الفرس في دواوينهم والتي يسميها العلماء الآن بالآرامية الدولية، وآرامية أوراق البردى التي وجدت في جزيرة الفنتين بأسوان، وآرامية الكتاب المقدس.
اللهجات الآرامية
ترجع اللهجات الآرامية إلى مجموعتين رئيسيتين يفصلها الفرات وصحراء الشام: إحداها مجموعة اللهجات الآرامية الشرقية، وتشمل اللهجات الآرامية ببلاد العراق بشمالها وجنوبها، وثانيتهما مجموعة اللهجات الآرامية الغربية وتشمل اللهجات الآرامية بسورية وفلسطين وشبه جزيرة سيناء.
وتنقسم المجموعة الشرقية إلى لهجات كثيرة أهمها أربع لهجات وهي:
1 - اللهجة الجنوبية: وبها شرح يهود بابل كتاب المشنا وتلمود بابل.
2 - اللهجة المندائية: نسبة إلى المندائيين وهم طائفة سكنت جنوب العراق، وكانوا في عزلة فلم تؤثر اللغة العبرية في لهجتهم، وسرعان ما قضت اللغة العربية لغة المسلمين الفاتحين على لغة بابل.
3 - اللهجة الحرانية: نسبة إلى حران بشمال العراق، التي كانت مركزاً ثقافياً هاماً، وزاد من شأنها شدة احتكاكها بالفلسفة اليونانية، واستخدم الخلفاء العباسيون كثيراً من علماء حران لترجمة الكتب الفلسفية من الآرامية واليونانية إلى العربية.
4 - اللهجة السريانية: وهي لهجة مدينة إديسا كما كان يسميها اليونان، أو أرهي كما كان يسميها السريان أنفسهم، أو الرها كما يسميها العرب، وتقع شمال حران في شمال العراق ، وحرّف اسمها في القرن الخامس عشر إلى أورفا وبه تعرف الآن. وهي أهم اللهجات الآرامية على الإطلاق وأغناها في الإنتاج الأدبي والعلمي والفلسفي.
وتنقسم الآرامية الغربية إلى لهجات كثيرة أشهرها:
1 - اللهجة اليهودية الآرامية: دون فيها أحبار اليهود العهد القديم.
2 - اللهجة الآرامية المسيحية الفلسطينية.
3 - اللهجة النبطية: لهجة الأنباط الذين سكنوا منطقتي تيماء ومدائن صالح شمالي غربي الجزيرة العربية.
4 - اللهجة التدمرية.
لهجة الرها (السريانية)
هي اللهجة الآرامية لما بين النهرين في الإقليم الذي كانت عاصمته مدينة الرها، والتي كانت تحكمها أسرة عربية قبل ظهور المسيحية، وعند انتشار المسيحية، كره أهلها أن يطلق على لغتهم الآرامية حيث اعتبروا أن هذه التسمية مرادفة للوثنية والإلحاد فعدلوا إلى الاسم الذي أطلقه عليهم اليونان وهو السريان فسموها السريانية.
انتشرت السريانية باتجاه الشرق حتى وصلت الصين، واجهت صعوبة باتجاه الغرب لانتشار اللغة اليونانية، ولكنها وصلت إلى مصر وخاصة في الأديرة وفي الإسكندرية.
وقد دون السريان كتبهم بعدة أنواع من الخطوط وأقدمها الخط (الإسطرنجيلي) أي خط الإنجيل ثم ظهر اليعقوبي، والنسطوري، والملكي، وخط رابع مستخرج من الخطوط الثلاثة السابقة.
خواص اللغة السريانية
- صار آخر الاسم (آ) وهو أداة التعريف. (الكتاب : خْثوبا). (الخبز: لِحْما).
- في صيغة المستقبل يبتدئ الفعل بالنون مثل: (سأقتل:نْكوتيل).
- أصول الكلمات في السريانية ثلاثية كما في اللغات السامية، وهي الفاء والعين واللام، وما عداها زائد.
- تغيير الحركات في وسط الكلمات، وبتغير الحركات يتغير المعنى.
- ليس فيها تضعيف.
- ليس فيها مثنى، وإن كان هناك آثار له.
- تبدل النون راءً في بعض الأسماء (ابن: إبرا)،(ابنة، برجا)
آداب اللغة السريانية
كانت السريانية لغة حية كثيرة الإنتشار من القرن الرابع إلى الثامن الميلادي، وقد خرجت عن الأمور الدينية إلى أمور التثقيف والأدب على يد السريانيين الذين كانوا خاضعين لامبراطورية الفرس، وفي عهد الامبراطورية الرومانية في الشرق كانت السريانية أهم لغة بعد الإغريقية ، ثم بدأت تموت بالتدريج بظهور الدين الإسلامي وبنهضة اللغة العربية وإسلام الكثير من المسيحيين.، وهنا ظهر فرق عظيم واختلاف كبير بين لغة الكتابة ولغة المحادثة.
وهنا ظهرت ضرورة وضع قواعد للغة والضبط بالحركات للتمكن من قراءة الكتاب المقدس باللغة السريانية قراءة صحيحة، وهنا اختلف النطق الشرقي عن الغربي.
ويفخر السريانيون بأن لغتهم كانت لغة المسيح وأمه، ولا تزال تستعمل في الكنائس السريانية في لبنان وسورية والعراق والهند، وأنها كانت لغة علمية ترجمت إليها الكثير من الكتب الإغريقية واللاتينية والفارسية في مختلف العلوم. وكان السريانيون أول من اشتغل في بابل بالرياضيات والفلك وعلم الهيئة. وحقق السريان شهرة واسعة في مجال الترجمة. وكان للسريان نحو خمسين مدرسة فيما بين النهرين تعلم فيها العلوم المختلفة باللغتين السريانية والإغريقية.
انقرضت السريانية كلغة تخاطب بعد الفتح الإسلامي في معظم مناطق سورية وفلسطين، ولكنها بقيت تصارع العربية عدة قرون في المناطق الجبلية ولبنان، حيث بقيت السريانية لغة حديث الناس في كثير من قرى لبنان حتى أواخر القرن السابع عشر بعد الميلاد.
المراجع:
1 - اللغة السريانية ، المؤلف: منير الشعراوي.
2 - تاريخ الأدب السرياني ، المؤلف: د. مراد كامل.