ألف الفيلسوف اليوناني بطليموس كتابا ً في سكون الأرض ودورة الشمس عليها , فشاع مذهبه , وذاع , واعتنقه فلاسفة الإسلام , ونقلوه في كتبهم , كالفارابي وابن سينا وغيرهما من العلماء والمفسرين والمحدثين , وساد هذا المذهب , حتى ظهر (( كوبر نيكوس )) في القرن السادس عشر , وأثبت أنَّ الأرض هي التي تدور حول الشمس , فحكم عليه في مجمع كنيسة رومية بالزيغ والإلحاد(1) , أما الإمام وأحفاد الإمام فقد أعلنوا هذه الحقيقة قبل أن يخلق (( كوبر نيكوس )) بمئات السنين , قال الإمام في إحدى خطب النهج يصف الأرض: (( فسكنت على حركاتها من أن تميد بأهلها , أو تزول عن مواضعها )) .
وفي خطبة ثانية : (( وعدَّل حركاتها بالراسيات من جلاميدها )) . وقال حفيده الإمام الصادق كما جاء في احتجاج الطبرسي.
(( إن الأشياء تدل على حدوثها , من دوران الفلك بما فيه , وهي سبعة أفلاك وتحرك الأرض ومن عليها , وانقلاب الأزمنة واختلاف الوقت )) .
للأرض حركات شتَّى , أنهاها بعض الفلكيين إلى 14 حركة , منها ما تستغرق 26 ألف سنة , ومنها قرابة ثلاثة آلاف سنة , ومنها تتم بـ 24 ساعة , وهي الحركة اليومية , ومنها تتم بـ 365 , وهي الحركة السنوية واختلاف الفصول , وهي الربيع والخريف والشتاء , نتيجة الحركة السنوية , واختلاف ساعات اليوم , وهي الصبح , والضحى , والظهر , والعصر , والمغرب , والعشاء والسحر , نتيجة الحركة اليومية. وإشارة الإمام إلى حركة الأرض تشمل الجميع.
-----------
(1) قال نصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672 هـ, وبهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1301هـ, قالا : ( لاشيء يمنع من أن تكون الأرض متحركة ) . الهيئة والإسلام للشهرستاني. وأعجب من هذا ما نقله أحمد أمين المصري في كتاب يوم الإسلام ص 89 طبعة 1958 ( أنَّ الطوسي أسبق من آينشتاين في فهم الزمنية ) , أي النظرية النسبية التي بني عليها تفتيت الذرة.
جاء في إحدى خطب النهج :
(( وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها , وقمرها آية ممحوة من ليلها , وأجراهما في مناقل مجراهما , وقدَّر مسيرهما في مدارج درجهما , ليميز بين الليل والنَّهار بهما , وليعلم عدد السّنين والحساب بمقاديرهما )) .
قال الفلكيون الجدد : إنَّ لكلِّ من جرم الشمس والقمر حركة خاصة به , كما أنَّ للأرض حركات تخصها , وجاء في كتاب (( الله والعلم الحديث )) للأستاذ نوفل ص 170 أن (( سيمون )) العالم الفلكي الحجة قال: (( إن أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أنَّ الشمس والكواكب السيارة وأقمارهما تجري في الفضاء نحو برج النسر )) .
وحين أراد الإمام المسير لبعض حروبه قال منجم : إن سرت في هذا الوقت لن تظفر بمرادك.
فقال الإمام : إنَّ النجوم لا تنفع ولا تضر , وإنها يهتدي بها المسافرون في بر أو بحر.
خلق آخر:
سئل الإمام الصَّادق الذي ينتهي علمه إلى جده أمير المؤمنين , سئل:
-هل في السَّماء خلق ؟
قال , أجل , وفي الفضاء الذي بين سماء وسماء خلق(1).
وقال الصَّادق في حديث آخر:
(( إن لله عزَّ وجل اثني عشر ألف عالم كل منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين , ما يرى عالم منهم أنَّ لله عز وجل عالما ً غيرهم )) .
والعارفون -اليوم- يعتقدون بأنَّ في الكون عوالم لا يبلغها العدد والإحصاء , وغير بعيد أن يكون قول الإمام 12 ألفاً كناية عن الكثرة , لا الحصر.
ونقل الشهرستاني في كتاب (( الهيئة والإسلام )) ص 278 طبعة ثانية عن المجلد الـ 11 من مجلة الهلال المصرية ص 78 أنَّ هوف الأمريكي ألقى خطابا ًَ أعرب فيه عن اعتقاده (( بأن المريخ والزهرة (2) وعطارد آهلة بالناس , وسائر الأحياء , وأنَّ سكانها أرقى من سكان الأرض بدنا ً وعقلا ً )) .
ونقل الأستاذ نوفل في كتاب (( القرآن والعلم الحديث )) ص 177 طبعة أُولى , أنَّ عالمين روسيين , وهما اوبارين , وفسنكوف ألفا كتابا ً عنوانه (( الكون )) قالا فيه : (( إنَّ هناك كثيرا ً من الكواكب مسكونة في هذا الكون )) .
وإذا استندت هذه ِ الأقوال إلى مجرد الاستنتاج فإنَّ العلم في المستقبل القريب أو البعيد سيبعد الطريق للسًّفر عبر الفضاء من كوكب إلى كوكب في أطباق طائرة , ويجتمع أبناء أبينا آدم بأبناء عمومتهم في المريخ أو عطارد.
---------
(1) البحار مجلد 14 ص 113 طبعة 1305هـ.
(2) إن المعلومات التي تلقاها العلماء من صواريخ الفضاء دلت على أنَّ درجة الحرارة على الزهرة تبلغ 425 مئوية , فالحياة عليها _إذن_ محال.
نقل السيد هبة الدين الشهرستاني في كتاب
(( الهيئة والإسلام )) عن الشيخ الحر العاملي في الصحيفة الثانية السجادية , والسيد نعمة الله الجزائري في شرحه على تعليقات الصحيفة السجادية دعاء عن الإمام زين العابدين جاء فيه:
(( سبحانك تعلم وزن السماوات , سبحانك تعلم وزن الأرضين , سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر , سبحانك تعلم وزن النور والظلمة , سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال )) .
وجاء في كتاب (( العلم في حياتنا اليومية ))ج1 ص41 و 42 : (( انفخ كرة قدم , أو كرة سلة بالهواء بواسطة منفاخ , ثم ضعها على كفة ميزان , وزنها , ثم أفرغها من الهواء , وتأكد من إخراج كل الهواء منها , ثم زنها ثانية .. فتعرف من هذه التجربة أنَّ للهواء وزنا ً مهما )) .
وفي كتاب (( غدنا والذرة )) تأليف (( كوننــت )) ترجمة عفيف البعلبكي فصل (( المشهد العلمي المتبدل )) :
(( إنَّ القول بأنَّ الضوء إنَّما يبعث , ويتسلم كما لو كان سيلا من الذرات , وأنَّه إنَّما ينتقل كما لو كان مجموعة من الموجات , إنَّ هذا القول كان في نظر العلماء منذ أربعين سنة بمثابة القول إنَّ صندوقا ً ما ممتلئ , وفارغ في الوقت نفسه , لقد كان من المستحيل على الضوء في اعتقادهم أن يكون جسميّاً وتمويجيا ً في وقت معا ً )) .
أجل , إن وزن الضوء كان محالا ً في نظر العلماء في أوائل القرن العشرين , ولكنه بديهي عند آل الرسول منذ مئات السنين. أما وزن الفيء والظلمة فلم اطلع عليه في كتاب حديث , ولا أدري : هل توصل إليه العلم أولا ً , ولا بد أن يبلغه في يوم من الأيام..
وسأله سائل : ما الذاريات ذروا ؟
قال : الرياح.
قال السائل : ما الحاملات وقرا ؟
قال : السحاب.
قال السائل : فالجاريات يسرا ؟
قال : السفن.
قال السائل : فالمقسمات أمرا ؟
قال : الملائكة.
وقال : إنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء.
وسمع قائلا ً يقول : قوس قزح.
فقال الإمام : لا تقولوا قوس قزح , وقولوا : قوس الله , وأمان من الغرق.
أما وصف الإمام الأرض والسماء , ونظام الكون , وأسراره وعجائب مخلوقاته , كالطاووس والخفاش والنملة والنحلة والغراب والجرادة وما إلى ذاك فإن فيه من الصدق والعمق , ودقة التصوير وبلاغة التعبير ما يرفعه فوق الفلاسفة والعلماء والأدباء مجتمعين.
قال مشيراً إلى الأدوار التي يمر بها الإنسان : (( أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام , وشغف الأستار نطفة دهاقا , وعلقة محاقا , وجنيناً وراضعا , و وليداً يافعا , ثم منحه قلباً حافظا ولساناً لافظا , وبصراً لاحظا , ليفهم معتبرا , ويقصر مزدجرا )) .
وقال : (( علق بنياط(1) هذا الإنسان بضعةٌ هي أعجبُ منه , وذلك القلب , وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها , فإن سنح له الرجاء أذله الطمع , وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص , وإن ملكه اليأس قتله الأسف , وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ , وإن أسعده الرضا نسي التحفظ , وإن ناله الخوف شغله الحذر , وإن اتسع له الأمن استلبته الغيرة , وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى , وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع , وإن عضته الفاقة شغله البلاء , وإن جهده الجوع قعد به الضعف , وإن أفرط به الشبع كظته البطنة , فكل تقصير به مضر , وكل إفراط له مفسد )) (2).
والقلب أول عضو يتحرك في بدن الإنسان , وآخر ما يسكن فيه , وبسكونه تنتهي حياة صاحبه , وله خواص وصفات متضاربة متناقضة , وشيطانية وإنسانية , وبهذه الخواص يختلف عما عداه من المخلوقات , حيث لا نعرف شيئاً واحداً تختلف آثاره وتتباين بالكنه والحقيقة , كما هي الحال بالقياس إلى القلب الذي يجمع بين بواعث الخير والشر , والفضيلة والرذيلة , ومن هنا كان الموقف بين هذه الدواعي والبواعث من أحرج المواقف وأخطرها , لا يثبت فيه إلا الحكيم العاقل الذي يستطيع الصمود , والوقوف موقفاً وسطا لا تقصير فيه ولا إفراط.
وقال الإمام مشيراً إلى ضعف الإنسان : (( ما لابن آدم والفخر ؟ أوله نطفة , وآخره جيفة , لا يرزق نفسه , ولا يدفع حتفه )) .
وقال أيضاً: (( مسكين ابن آدم , ومكتوم الأجل , مكنون العلل , محفوظ العمل , تؤلمه البقة , وتقتله الشرقة , وتنتنه العرقة )) .
وقال مشيراً إلى عظمة الإنسان ومقدرته : (( الإنسان يشارك السبع الشداد ))أي أن موهبته لا تقف عند حد الوضع الذي هو فيه .. بل تتعداه إلى ما هو أسمى وأرفع , بل وإلى مشاركة القمر والزهرة والمريخ , وسائر الكواكب , يسخرها لحاجاته وأغراضه..
أشار الإمام إلى ضعف الإنسان , كي لا يركن إلى قوته ويغتر بها فيطغى , وأشار إلى قوته , كي لا يستسلم للضعف إن أصابه , فينصرف عن الجهاد والعمل.. والعاقل من يناضل وهو على حذر من المخبئات والمفاجئات.
---------
(1) النياط : عرق متصل بالقلب.
(2) وقد عبر عن هذا المعنى الأديب الفرنسي المعاصر ( هنري لو فيفر ) عبر عنه بأسلوب آخر , حيث قال : إن الإنسان مجموعة من المتناقضات تماما ً كالمجتمع الذي يعيش فيه , ويجب أن يحلل التركيب الفردي المتناقض , كما يجلل المجتمع المتناقض الذي يعيش فيه الفرد. وقال بسكال : إن الإنسان مخلوق شاذ غريب الخلقة لا سبيل إلى فهمه.