بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ ولاسيما بقية الله في الأرضين وعجّل فرجهم ياكريم… وألْعَنْ كل من ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد لعنة يستغيث منها أهل النار
اسمه وكنيته:
سيد محمّد بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمّد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين السبط الشهيد بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليهما وآلهما.
ويكنّى بأبي جعفر، ويعرف بالبعّاج، ومُشْتَهر بسبع الدُّجَيْل.ويذكر له عدّة ألقاب معروفة في نواحيه منها:
السيد، أبو جاسم، أبو البرهان، أبو الشارة، سبع الدجيل، أسد الدجيل، البعّاج، سبع الجزيرة، أخو العبّاس.
ولادته :
وُلد السيّد محمّد ( المشتهر بـ « سَبع الدُّجَيل » ) في سنة 228 هجريّة تقريباً، بقرية « صريا » من ضواحي المدينة المنوّرة، تبعد عنها ثلاثة أميال، أسّسها الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، وقد خلّف الإمامُ الهادي عليه السّلام ولدَه السيّد محمّداً في هذه القرية حين حمله يحيى بن هَرثَمة بأمر المتوكّل إلى « سُرّ مَن رأى » في جمادى الآخرة سنة 223 هجريّة. وهو الابن الأكبر للإمام الهادي عليهم السلام.
أخلاقه ومنزلته :
وكان الإمام الهادي عليه السّلام يُكنّ لولده السيّد محمّد محبّةً خاصةً واحتراماً فائقاً وعناية ملحوظة، وقد وُصف رضوان الله عليه بأنّه كان نبيلَ المقام، جميل الفضائل، معروفاً بجلالة قَدْره، ونُبل شأنه فكان هذا السيّد الجليل على درجةٍ عاليةٍ من الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، ولا ريب في ذلك فهو من بيتٍ كان موضعَ الرسالة ومختلَفَ الملائكة، ومن سلالةٍ أذهَب الله عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيراً.
وكان السيّد محمّد رضوان الله عليه من علمه وحلمه وحكمته، على درجةٍ شاع معها بين أصحاب أبيه ظنُّهم أنّه الإمام مِن بعد أبيه الهادي سلام الله عليهم.. حتّى وصفه علاّن الكلابي بقوله: صحبت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام وهو حدث السن، فما رأيت أوقر ، ولا أزكى، ولا أجل منه وكان خلفه أبو الحسن العسكري بالحجاز طفلاً، فقدم عليه مشيداً, كما ذكر المجدي في النسب المخطوط. فقال إنه كان ملازماً لأخيه أبي محمد عليه السلام لا يفارقه، وقد تولى عليه السلام تربيته، فغذاه بعلومه وحكمه وآدابه.
وفاته رضوان الله عليه:
بعد أن عزم السيّد محمّد بن الإمام الهادي عليهم السّلام على الرجوع إلى المدينة المنوّرة، ودّع أهلَه وأحبّته في سامراء ومضى.. حتّى إذا وصل إلى قرية « بَلَد » في منطقة الدُّجيل القريبة من سامراء مَرِض وثَقُل به مرضه، فتُوفّي هناك ودُفن في الموضع ذاته.
وقيل: إنّه كان للإمام الهادي عليه السّلام صدقات وأوقاف بمقربةٍ مِن « بلد »، وكان ابنه السيّد محمّد يتولاّها ويصرفها فيما قُرِّرت له.. وفي إحدى وفاداته مَرِض مَرَضَ الوفاة، فأجاب داعيَ ربّه ودُفن هناك. وقد بقي رضوان الله عليه أيّاماً يعاني السقم، واشتدّ به النزع فأخذ يتلو آياتٍ مِن الذِّكر الحكيم، ويمجّد اللهَ تبارك وتعالى.. حتّى صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها تحفّها ملائكةُ الرحمان.
وحتّى إذا تُوفي السيّد محمّد حزن عليه الإمام العسكري عليه السّلام حزناً شديداً، وجاءه والدُه الإمام الهادي عليه السّلام مِن سامراء إلى « بَلَد » وحضر مراسم تشييعه ودفنه.
وحضر أبوه الإمام الهادي عليه السّلام مراسم تغسيله، وتجهيزه والصلاة عليه، ودفنِه.. والتفتَ إلى ولده الحسن العسكريّ عليه السّلام قائلاً له: يا بُنيّ، أحدِثْ لله تبارك وتعالى شُكراً؛ فقد أحدث فيك أمراً. فبكى الإمام الحسن عليه السّلام، واسترجع وقال: الحمد لله ربّ العالمين، وإيّاه أشكر، وأيّاه أسأل تمام نعمه علينا، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وكانت وفاة السيّد محمّد رضوان الله عليه قبل شهادة أبيه الهادي عليه السّلام بسنتين، وقبل شهادة أخيه العسكري عليه السّلام بثمان سنين.. وذلك في حدود سنة 252 هجريّة في آخر جمادى الآخرة عن عمرٍ مبارك لم يتجاوز 24 عاماً.
أسباب وفاته :
كتب السيّد كاظم القزوينيّ: ولا نعلم سببَ وفاة السيّد محمّد في تلك السنّ؛ فنعتبر وفاته حتف أنفه مشكوكاً فيها؛ لأنّ الأعداء كانوا ينتهزون كلَّ فرصةٍ لقطع خطّ الإمامة في أهل البيت عليهم السّلام، فلعلّهم لَمّا عرفوا أنّ السيّد محمّداً رضوان الله عليه هو أكبرَ أولاد أبيه الهادي سلام الله عليه، وهو ( المحتمل ) أن يكون مرشّحاً للإمامة بعد أبيه، قتلوه كما قتلوا أسلافه مِن قبل، فانتهز الإمامُ الهادي عليه السّلام الفرصة ليَنُصَّ على ولده الحسن العسكريّ عليه السّلام بالإمامة بمحضرٍ من أولئك الناس.
كما لا يستبعد العلامة الشيخ باقر القرشي شهادته مسموماً كما ورد في كتابه (حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ص24 ـ 26)
المرقد الطاهر للسيّد محمّد ( سبع الدُّجَيل ) ابن الإمام الهادي عليهم السّلام
يقوم المرقد شرق مدينة بلد قرب سامرّاء ضمن أراضي بني سعد، يحيط به سور يبلغ ارتفاعه 8 أمتار وطوله 300 متر وعرضه 200 متر، ويقع على أرض مربعة الشكل، طول كل ضلع من أضلاعه 150متراً، والصحن فناء كبير له أربعة أبواب رئيسية، وهي: باب القبلة، وباب الحمد، وباب المراد، وباب البريّة. والباب الشرقي مغلقة، وفي السبعينات فتح الباب الغربي عند محل نحر الذبائح المهداة ( القصّابخانة ).
وفي الصحن ـ وهو من أوسع صحون آل البيت النبويّ في العراق ـ ست طارمات رئيسية واسعة و 14غرفة، وصالة للاستقبال أُعدّت للوفود وكبار الشخصيات والوجهاء، تحتوي على مكتبة صغيرة
وكان المعروف عن المكان الذي دفن فيه عليه السلام من قبل مئات السنين ببعده عن مناطق السكن وعن قراهم، حيث أن بعده عن مدينة بلد القديمة وقبل أن يمتد البناء ويصل إليه كما هو اليوم كان يبعد (5كم)، وأما عن ضفاف نهر دجلة فيبعد حوالي (4كم).
وسعى العلامة المحدث الشيخ النوري (رضوان الله عليه) في تشييد مشهده وتعميره، وكان له فيه اعتقاد عظيم.
زيارته :
لا شكّ أنّ زيارة السيّد محمّد بن الإمام الهادي عليه السّلام لها آثار كثيرة من الخير والبركة، وقد حثّ النبيّ صلّى الله عليه وآله على زيارة قبور ذريّته؛ فإنّ بها صلةً معه صلّى الله عليه وآله، فقال: مَن زارني أو زار أحداً مِن ذريّتي، زرتُه يومَ القيامة فأنقذتُه مِن أهوالها.
روى السيد الأجل علي بن طاووس رضي الله عنه في (مصباح الزائر) زيارتين يُزار بهما أولاد الأئمّة عليهم السلام ينبغي لنا ذكرهما هنا، قال: إذا أردتَ زيارة أحد منهم _ كالقاسم بن الكاظم عليه السلام أو العبّاس بن أمير المؤمنين عليه السلام أو علي بن الحسين عليه السلام المقتول بالطف ومن جرى في الحكم مجراهم _ فقف على قبر المزور منهم فقل: ((السلام عليك أيّها الزكي، الطاهر الولي، والداعي الحفي، أشْهَدُ أنَّكَ قُلْتَ حَقّاً، وَنَطَقْتَ صِدْقاً، وَدَعَوْتَ إِلَى مَوْلايَ وَمَوْلاكَ عَلانِيَةً وَسِرّاً، فاز متَّبعك، ونجا مصدّقك، وخاب وخسر مكذّبك والمتخلّف عنك، اشهد لي بهذه الشهادة لأكون من الفائزين بمعرفتك وطاعتك وتصديقك واتّباعك، والسلام عليك يا سيدي وابن سيدي، أنْتَ بَابُ اللَّهِ الْمُؤْتَى مِنْهُ وَالْمَأخُوذُ عَنْهُ، أتَيْتُكَ زَائِراً، وَحَاجَاتِي لَكَ مُسْتَوْدِعاً، وَهَا أنَا ذَا مُوَدَّعُكَ، أسْتَوْدِعُكَ دِيني وَأمَانَتِي وَخَوَاتِيمَ عَمَلِي وَجَوَامِعَ أمَلِي إِلَى مُنْتَهَى أجَلِي، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)).
لماذا سمي بسبع الدجيل :
بما أن المنطقة كانت تسمى الدجيل قديماً نسبة إلى نهر الدجيل المشهور في التاريخ. والمعروف بالمصطلح اللغوي أن دجيل مصغر من دجلة (أي إنه فرع من نهر دجلة). وهذا النهر يمتد من شمال مدينة بلد (وهي قرية تقع على بعد تسعة فراسخ من سامراء) وحتى جنوبها ليصل إلى مدينة الدجيل الحالية.
وكان الزائرون في الأزمنة القديمة وقبل مئات السنين كما يرويها المؤرخون عند زيارتهم لمرقده الشريف المبارك عليه السلام كانوا في خوف ووجل وخصوصاً من اللصوص وقطاع الطرق وذلك لضعف الحكومات المركزية قديماً، إلا أن الزائرين لمرقده المقدس وعند وصولهم إلى القبر المبارك كانوا يشاهدون أسداً ضارياً يجوب حول القبر الشريف، وربما شاهدوه وهو رابض على القبر ليلاً ونهاراً لا يدع أحداً بشراً كان أم حيواناً من أن يدنوا إلى زواره أو الحرم الطاهر المبارك.
لذا كان الزائرون ينعمون بالراحة والاطمئنان ما داموا في حرمه المقدس. ويقال إن السبع (الأسد) كان موجوداً حتى الأربعينيات من القرن العشرين تقريباً، وبتطور المنطقة وامتداد العمران وبظهور الحكومة المركزية وسيطرتها، وبناء حرمة الشامخ المبارك لم يشاهد السبع هناك منذ زمن بعيد نسبياً وشاهدوه الخاصة والعامة. وينقلوا حكايات كثيرة وكرامات عجيبة. لذا سمي بسبع الدجيل.
ولايخفى على أحد بأنَّ قبره الشريف كان عرضة لغارات الأعراب ونهبهم وسلبهم لما فيه من نفائس وتحف لو لم يكن له في قلوبهم رغبة ورهبة برغم أنَّ معظم العشائر المتوطّنة حوالي مرقده ليست من المؤمنة بمذهب آبائه وأجداده الطاهرين بمعنى أنهم لا يأخذون عن آل البيت أمور دينهم، وغير ملتفتين إلى مقامهم عند الله عز وجل ومع ذلك لهم رغبة قوية بحب أهل البيت، يرونهم الملجأ الآمن والكهف الحصين، وهم كذلك، لذا ترى العالم والجاهل والمثقّف يلوذون بهم وفي قلوبهم جلالة وتعظيم لأهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين.
أشعار قيلت فيه عليه السلام :
الشيخ محمّد علي اليعقوبي ( ت 1385 هـ ) قال يعظّمه:
وضريحُ قُـدْسٍ هيـبةً لجـلالِهِ يعنو الضِّراحُ وهـامةُ الجوزاءِ
تأتي ملوكُ الأرضِ خاضعةً له وتَؤُمُّـه أمـلاكُ كـلِّ سمـاءِ
نجل الإمام، أخو الإمام، محمّدٌ عمُّ الإمـام، بقـيّـةُ الأُمَنـاءِ
• السيّد صادق الموسوي الهندي ( ت 1384 هـ ) قال يخاطبه:
أبـا جعفرٍ جئنـا بمُزجى بضاعةٍ لِنَكتالَ ما نحتـاجُ إذ مَسَّنـا الضُّرُّ
فـأنت عزيزُ الهـاشميّينَ رِفـعةً وأرضٌ بك ازدانَتْ جوانبُها مِصرُ
فـأوفِ لنا الكيلَينِ: كيـلاً مُعجَّلاً وكيلاً لدى الميزانِ.. موعدُه الحشرُ
( اَيْنَ الطـّّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاءَ )