نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء ( عليها السلام ) من أعظم المصائب ، وأن مجرّد تكذيب الزهراء سلام الله عليها وعدم قبولقولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ،إنّما القضية ظلم الزهراء سلام الله عليها وتضييع حقّها ، وعدم إكرامها ، وإيذائهاوإغضابها وتكذيبها والقضية.
أوّلاً :
لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياةرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّ رسول الله أعطى فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول الله لفاطمة
.
وهذا الامر موجود في كتب الفريقين.
أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الاية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدكاً.
وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس.
تجدون هذا الحديث عن هؤلاءالكبار وأعاظم المحدّثين في الدر المنثور.
ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم.
ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات، تفسير ابن أبي حاتم في نظر ابن تيميّة خال من الموضوعات
، فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر.
وقدأقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول الله ، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصّوا على هذا المطلب ، منهم : سعد الدين التفتازاني ، ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق ، يقول صاحب الصواعق : إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً .فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر.
فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّأبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
وثانياً :
لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام الله عليه ،ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهدالواحد وإنْ علم صدقه
!
لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر
يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد.
نقول : لكنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل شهادة الواحد ـ وهو خزيمة ذو الشهادتين ـ وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قضى بشاهد واحد فقط في قضيةوكان الشاهد الواحد عبدالله بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وإنّه في جامع الاصول لابن الاثير : قضى بشهادة واحد وهو عبدالله بن عمر.
أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبدالله بن عمر في نظر النبي ؟
وثالثاً :
لو سلّمنا حصول الشك لابي بكر ،وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّطلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشاهد ويمين
.
راجعوا صحيح مسلم في كتاب الاقضي،وراجعوا صحيح أبي داود بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على
النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال.
وهنايقول صاحب المواقف وشارحها : لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين.
نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟
وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، بغضّ النظر عن عصمة علي ( عليه السلام ) ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبق عليها القواعد المقررة في كتاب الاقضية.
وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أُم أيمن ، ورسول الله يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الاصابة لابن حجر.
ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ،وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام الله عليها في حياة النبي ، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول الله ،تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا
إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لاحد الصحابة قضيةمشابهة تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الاثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه.
هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأُم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي.
استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية :
أخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله الانصاري : إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لابي بكر : إنّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثمّ حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها.
فنقول : رسول الله ليس في هذا العالم ، يدّعي جابر أنّ رسول الله قد وعده لو أتى مال البحرين لاعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول الله وجاء مال البحرين بعد رسول الله ، وأبو بكر خليفة رسول الله ، عندما وصل هذا المال أتاه جابرفقال له : إنّ رسول الله قال لي كذا ، ورتّب أبو بكر الاثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد.
هذه هي القضية ، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين.
فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لابي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول الله ، وقد رحل رسول الله عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً !! لاحظوا ماذا يقولون !!
يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه ، فلقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثله ـ مثل جابر ـ يقدم على هذا فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب على رسول الله ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء ـ بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا ـ وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !