الرد على الحديث الذي جاء به رجل من مكة(فاطمة بضعة مني)
بتاريخ : 21-12-2007 الساعة : 10:40 AM
أدعاء البعض ان حديث فاطمة بضعة مني من اذاها اذاني انه في حق علي بن ابي طالب ونحن نقول:
لا بُدّ من التأمل في متن الحديث ومدلوله... فلا بدّ من النظر إلى المتن.. لأنه في كل مورد يختلف فيه متن الحديث والأسانيد معتبرة، يلجأ العلماء إلى القول بتعدّد الواقعة.. واما حيث لا يمكن الالتزام بتعدّدها وتعذّر الجمع بين ألفاظ الحديث.. فذلك عندهم قرينة قويّة على أن لا واقعيّة للقضيّة...
هذا ما قرره العلماء.. وبنوا عليه في كثير من الأحاديث الفقهية وأخبار القضايا التاريخية.. ونحو ذلك...
ولا بدّ من النظر في الدلالة... فقد يكون الحديث صحيحاً سنداً ولكنه يخالف ـ من حيث الدلالة ـ الضرورة العقلية أو محكم الكتاب أو قطعيّ السنة أو واقع الحال...
ونحن ننظر في متن هذا الحديث ومدلوله، بعد فرض صحّة سنده وقبوله.. في فصول:
1 ـ لقد جاء عن مسور: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وأنا محتلم» قال ابن حجر بشرح البخاري: «في رواية الزهري عن علي بن حسين عن المسور ـالماضية في فرض الخمس ـ: (يخطب الناس على منبره هذا وأنا يومئذٍ محتلم). قال ابن سيّد الناس: هذا غلط. والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفط (كالمحتلم). أخرجه من طريق يحيى بن معين عن يعقوب بن إبراهيم بسنده المذكور إلى علي بن الحسين. قال: والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، لأنه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه [واله] وسلّم ثمان سنين»(1)
____________
(1) فتح الباري 9|268 ـ 270.
وقال بترجمة المسور: ووقع في صحيح مسلم (1) من حديثه في خطبة علي لابنة أبي جهل، قال المسور: سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنا محتلم يخطب النّاس، فذكر الحديث. وهو مشكل المأخذ، لأن المؤرخين لم يختلفوا أن مولده كان بعد الهجرة، وقصّة خطبة علي كانت بعد مولد المسور بنحو ست سنين أو سبع سنين. فكيف يسمى محتلماً؟!»(2).
أقول:
فهذا إشكال في المتن ! ولربما أمكن الإشكال من هذه الناحية في السند ! والعجب من الذهبي كيف توهّم من هذا الحديث كونه محتلماً يومذاك (3).
2 ـ ذكر المسور قصة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من علي بن الحسين عليه السلام... وقد وقع الإشكال عندهم في مناسبة ذلك، وذكروا وجوهاً اعترفوا بكون بعضها تكلّفاً وتعسفاً، لكن الحق أن جميعها كذلك كما سترى:
قال الكرماني: «فإن قلت: ما وجه مناسبة هذه الحكاية لطلب السيف ؟ قلت: لعل غرضه منه أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يحترز مّما يوجب الكدورة بين الأقرباء، وكذلك أنت أيضاً ينبغي أن تحترز منه، وتعطيني هذا السيف حتى لا يتجدد بسببه كدورة أخرى.
أو: كما أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يراعي جانب بني أعمامه العبشمية، أنت راع جانب بني أعمامك النوفلية؛ لأن المسور نوفلي.
أو: كما أنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم يحبّ رفاهيّة خاطر فاطمة، أنا أيضاً أحبّ رفاهيّة خاطرك، فأعطنيه حتى أحفظه لك»(4).
هذه هي الوجوه التي ذكرها الكرماني لدفع الإشكال، وقد ذكرها ابن حجر وقال ـ بعد أن أشكل على الثاني بأن المسور زهري لا نوفلي ـ: «والأخير هو المعتمد.
____________
(1) قد عرفت انّه وقع في صحيح البخاري أيضاً، فلماذا خصّه بمسلم ؟!
(2) تهذيب التهذيب 10|137.
(3) سير أعلام النبلاء 3|391.
(4) الكواكب الدراري 13|88.
وما قبله ظاهر التكلّف» قال: «وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب»(1).
وكأن العيني لم يرتض هذا الوجه المعتمد! فقال: «وانما ذكر المسورقصّة خطبة عليّ بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة وفي نسلها لما سمع من رسول الله» (2).
قلت:
إذا كان ذكر القصة ليعلم أنه يحبّ. رفاهيّة خاطره، أو ليعلم بمحبّته في فاطمة ونسلها... فأيّ خصوصيّة للسيف ؟! وهل كانت الرفاهية لخاطره حاصلة من جميع الجهات، وهو قادم من العراق مع تلك النسوة والأطفال بتلك الحال، وبقي خاطره مشوشاً من طرف السيف، فأراد رفاهية خاطره، أو إعلامه بمحبته له، كي يعطيه السيف ؟!.
3 ـ وهل من المعقول أن يذكر الإنسان لمن يريد أن يعلم بمحبته له ورفاهية خاطره ما يكدر خاطره ويجرح عواطفه ؟!
وهذا هو الإشكال الذي أشار إليه ابن حجر في عبارته الآنفة. ثم قال في كتاب المناقب: «ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصبه لعلي بن الحسين، حتى قال: إنه لو أودع عنده السيف لا يمكن أحداً منه حتى تزهق روحه، رعاية لكونه ابن ابن فاطمة، ولم يراع خاطره في أن في ظاهر سياق الحديث غضاضة على علي بن الحسين، لما فيه من إيهام غضٍ من جدّه علي بن أبي طالب، حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة، حتى اقتضى أن يقع من النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم في ذلك من الإنكار ما وقع ؟!
بل أتعجّب من المسور تعجباً اخر أبلغ من ذلك، وهو ان يبذل نفسه دون السيف رعاية لخاطر ولد ابن فاطمة، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه ـ أعني الحسين والد علي الذي وقعت معه القصّة ـ حتى قتل بأيدي ظلمة الولاة؟!!»(3).
____________
(1) فتح الباري 6|61.
(2) عمدة القاري 15|34.
(3) فتح الباري 9|268.
ثم إن ثمة شيئاً آخر... وهو أن المسور بن مخرمة لمّا خطب الحسن بن الحسن ابنته: «حمد الله عز وجل وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، فما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إلي من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع إلآ نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنته ولو زوجتك لقبضها ذلك» فانطلق الحسن عاذراً إليه(1).
ولو كان مسور يروي قصة خطبة أبي جهل لاستشهد بها وحكى الحديث كاملاً، لشدّة المناسبة بين خطبة عليّ ابنة أبي جهل وعنده فاطمة وخطبة الحسن بن الحسن ابنة المسور وعنده بنت عمه !
فهذه إشكالات حار القوم في حلها الحل المعقول...
تأملات في اللفاظ الحديث
وهنا أسئلة:
الأول:
هل خطب عليّ ابنة أبي جهل حقاً؟
الملاحظ أن في حديث الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور «سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: إن بني المغيرة استأذنوني في أن ينكح عليّ ابنتهم...».
وفي أغلب طرق حديث الزهري ـ وبعض الأحاديث الأخرى ـ عن علي بن الحسين، عن المسورّ «أن علي بن أبي طالب خطب...».
وفي حديث عبد الله بن الزبير: «أن عليّاً ذكر بنت أبي جهل...».
وهذا ليس اختلافاً في التعبير فحسب...
الثاني:
هل وعد عليّ النكاح ؟
____________
(1) مسند أحمد 4|323، المستدرك 3|158، سنن البيهقي 7|64.
صريح بعض الأحاديث عن الزهري: «وعد النكاح» وهو ظاهر الأحاديث الأخرى ـ عن الزهري أيضاً ـ التي فيها قول فاطمة للنبي: «هذا عليّ ناكحاً» أو «نكح» فإنه بعد رفع اليد عن ظهوره في تحقق النكاح فلابدّ من وقوع الخطبة والوعد بالنكاح.
لكن في حديث.أبي حنظلة: «فقال له أهلها: لا نزوّجك على ابنة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم».
الثالث:
هل وقع الاستئذان من النبي؟
صريح الحديث عن الليث عن المسورأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يعلن أنه قد استؤذن في ذلك وأنه لا يأذن. لكن صريح الحديث عن الزهري عن المسور أنه سمعه يتشهد ثم قال: «أمّا بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدّثني وصدقني...» أو نحو ذلك ممّا فيه التعريض بعلي وليس فيه تعرّض للمشورة والاستئذان منه ! وكذا الحديث عن إيوب عن ابن الزبير، لا تعرض فيه للاستئذان، لكن بلا تعريض، فجاء فيه: «فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: إنّما فاطمة بضعة مني...».
الرابع:
من الذي استأذن ؟
قد عرفت خلو حديث الزهري عن الاستئذان مطلقاً.
ثم إن كثيراً من الأحاديث تنص على استئذان أهل المرأة. وفي بعضها: أنه استأذن بنفسه وقال له: «أتأمرني بها؟» فقال: «لا، فاطمة مضغة مني... فقال: لا آتي شيئاً تكرهه».
الخامس:
من الذي أبلغ النبي ؟
في حديث أيوب عن ابن الزبير: «فبلغ ذلك...».
وفي حديث الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور: أنهم أهل المرأة حيث جاءوا إليه ليستأذنوه...
وفي حديث سويد بن غفلة: أنه عليّ نفسه. حيث جاء ليستأذنه...
لكن في حديث الزهري: إنها فاطمة !.. إنها لمّا سمعت بذلك خرجت من بيتها وأتت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وجعلت تخاطبه بها لا يليق ! يقول الزهري: «إن علياً خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا عليّ ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم...».
بل في حديثٍ يرويه مفاده شيوع الخبر بين الناس !! يقول: «فقال الناس: أترون أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يجد من ذلك ؟! فقال ناس... وقال ناس...».
وهناك أسئلة أخرى...
فألفاظ الحديث متناقضة جدّاً، والقضية واحدة، وقد تحير الشرّاح هنا أيضاً واضطربت كلماتهم ولم يوفقوا للجمع بينها وإن حاولوا وتمحلوا !!
ثم إنه يجب النظر في هذه الأحاديث من الناحية الفقهية والناحية الأخلاقية والعاطفية... بعد فرض ثبوت القضيّة...
فماذا صنع عليّ ؟ وما فعلت فاطمة؟ وأيّ شيء صدرمن النبي ؟
لقد خطب عليّ ابنة أبي جهل، فتأذت الزهراء، فصعد النبي المنبر وقال...
هل كان يحرم على علي التزوج على فاطمة أو لا؟
وعلى الأول: فهل كان على علم بذلك أو لا؟
لا ريب في أن علياً لا يقدم على هذا الأمر المحرم عليه مع علمه بالحرمة، فإمّا أن لا تكون حرمة، وإمّا أن لايكون له علم بها.
لكن الثاني لا يجوز نسبته إلى سائر الناس فكيف بباب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
فهو إذن حين فعل ذلك لم يكن فاعلاً لمحرم في الشريعة، لأن حاله حال سائر
المسلمين الجائز عليهم نكاح الأربع، ولو كان ـ بالنسبة إليه خاصّة ـ حكم دون رجال المسلمين لعلمه !
وحينئذٍ فهل من الجائز خروج الصدّيقة الطاهرة ـ بمجرد سماعها الخبرـ إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لتشكو بعلها وتخاطب أباها بتلك الكلمات القارصة؟ !
إنه لم يفعل محرماً حتى تكون قد أرادت النهي عن المنكر، فهل أن شأنها شأن غيرها من النساء ويكون لها من الغيرة ما يكون لسواها؟! وهل كانت غيرتها لإقدام عليّ على النكاح أو لكون المخطوبة بنت أبي جهل ؟!
والنبي... يصعد المنبر... بعد أن يرى فاطمة منزعجة... أو بعد أن يستأذنه القوم في أن ينكحوا ابنتهم... فيخاطب الناس ؟!
وماذا قال ؟!
قد اشتملت خطبته على ما يلي:
1 ـ الثناء على صهرله من بني عبد شمس !
2 ـ الخوف من أن تفتن فاطمة في دينها!
3 ـ إنه ليس يحرم حلالاً ولا يحلّ حراماً... ولكن لا يأذن !
4 ـ إنه لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله ! وفي لفظ: إنه ليس لأحد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة رسول الله ! وفي ثالث: لم يكن ذلك له أن يجمع... !
5 ـ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنته صلى الله عليه وآله وسلّم وينكح ابنتهم ! وفي لفظ: إن كنت تزوجتها فردّ علينا ابنتنا..!
أترى من الجائزكل هذا؟!
لقد حار الشرّاح ـ وهم يقولون بأن علياً خطب ولم يكن بمحرم عليه، وبأن فاطمة تعتريها الغيرة كسائر النساء! ـ في توجيه ما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذه الواقعة...
إن علياً كان قد أخذ بعموم الجواز!
وفاطمة الزهراء ليست بالتي تفتن عن دينها أو يعتريها ما يعتري النسوة وقد نزلت فيها اية التطهير من السماء، وكانت لعصمتها وكمالاتها سيدة النساء، وعلى فرض ذلك ـ كما تقول هذه الأحاديث ـ فلا خصوصية لابنة أبي جهل.
والنبي يعترف في خطبته بأن علياً ما فعل حراماً، ولكن لا يأذن. فهل إذنه شرط ؟! وحل يجوز حمل الصهر على طلاق زوجته إن تزوج بأخرى عليها؟!
كل هذا غير جائز ولا كائن...
سلّمنا أن فاطمة أخذتها الغيرة(1)، والنبي أخذته الغيرة لابنته، (2). فلماذا صعد المنبر وأعلن القصة وشهر؟!
يقول ابن حجر: «وإنما خطب النبي ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به، إمّا على سبيل الإيجاب، وإمّا على سبيل الأولوية»(3).
وتبعه العيني (4).
والمراد بالحكم: حكم «الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله» لكن ألفاظ الحديث مختلفة، ففي لفظ: «لا تجتمع...» وفي آخر: «ليس لأحد...» وفي ثالث: «لم يكن ذلك له». ولذا اختلفت كلمات العلماء في الحكم !
قال النووي: «قال العلماء: في هذا الحديث تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم بكل حال وعلى كل وجه، وإن تولد ذلك الإيذاء ممّا كان أصله مباحاً وهو حي. وهذا بخلاف غيره. قالوا: وقد أعلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله: لست احرم حلالاً، ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين منصوصتين، إحداهما: أن ذلك يؤدّي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذٍ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهلك من آذاه.