ماذكرناه سابقاً كافٍ لدحض هذه الفرية ، فمع تعدّد الطرق وتظافرها ، وتلقّي الناس للمتن بالقبول ،لا يبقى مجال للشك في صحّة هذه الخطبة ، لكن من في قلبه مرض يحاول تغطية عين الشمس بغربال .
ومن باب المجاراة لهؤلاء نقول : الخطبة الشقشقية إما وضعها الرضي قدس سره ، أو أحد الرواة المتقدَّمين الذين نُقلت عنهم الخطبة .
أما الأول فممتنع؛ لوجود من روى الخطبة قبل الشريف الرضي قدس سره كما قدّمناه آنفاً ، وشهادة ابن أبي الحديد وشيوخه بوجود الخطبة حتى قبل ولادة والد الشريف الرضي قدس سره .
وأما الاحتمال الثاني فهو أيضاً ممتنع ؛ إذ أن الخطبة رواها مجموعة من الرواة ، ولم ينفرد بها راوٍ واحد كي يُتَّهم بها ، فلو راجعنا الأسانيد السابقة لوجدنا على الأقل خمسة رواة في كل طبقة ، تواطؤ هؤلاء على وضع هذه الخطبة مستبعد جدَّا ، بل يكاد يكون مستحيلاً .
جاء في حلية الابرار للسيد هاشم البحراني(ج1\ص382):والخطبة الشقشقية ذكرها السيد الرضى قدس الله سره في كتاب ' نهج البلاغة ' والخبر بها مستفيض
وجاء في مستند العروة الوثقى -كتاب الخمس- محاضرات السيد الخوئي تأليف البروجردي ص308 :وإن كانت ضعيفة السند بأجمعها - فهي نصوص مستفيضة متظافرة مضافا إلى التسالم والاجماع وفيه الكفاية ، فخلاف ابن الجنيد لا يعبأ به .اهـ
- السيد الخوئي يصحح الخطبة الشقشقية ويحتج بها فاذا كان لايوجد أي سند صحيح عنده فيها فلماذا لايبطلها :
أنقل عن كتابه البيان في تفسير القرآن بالنص والهامش ص 217 ولاحظ إنه يقول أن الخطبه الشقشقيه معروفه :
وأما احتمال تحريف الشيخين للقرآن – عمدا - في الآيات التي لا تمس بزعامتهما، وزعامة أصحابهما فهو بعيد في نفسه، إذ لا غرض لهما في ذلك، على أن ذلك مقطوع بعدمه، وكيف يمكن وقوع التحريف منهما مع أن الخلافة كانت مبتنية على السياسة، وإظهار الاهتمام بأمر الدين؟ وهلا احتج بذلك أحد الممتنعين عن بيعتهما، والمعترضين على أبي بكر في أمر الخلافة كسعد بن عبادة وأصحابه؟ وهلا ذكر ذلك أميرالمؤمنين (عليه السلام) في خطبته الشقشقية المعروفة، أو في غيرها من كلماته التي اعترض بها على من تقدمه؟ ولا يمكن دعوى اعتراض المسلمين عليهما بذلك، واختفاء ذلك عنا، فإن هذه الدعوى واضحة البطلان.
وأما احتمال وقوع التحريف من الشيخين عمدا، في آيات تمس بزعامتهما فهو أيضا مقطوع بعدمه، فإن أميرالمؤمنين (عليه السلام) وزوجته الصديقة الطاهرة (عليها السلام) وجماعة من أصحابه قد عارضوا الشيخين في أمر الخلافة، واحتجوا عليهما بما سمعوا من النبي (صلى الله عليه وآله) واستشهدوا على ذلك من شهد من المهاجرين والأنصار، واحتجوا عليه بحديث الغدير وغيره، وقد ذكر في كتاب الاحتجاج: احتجاج اثنى عشر رجلا على أبي بكر في الخلافة، وذكروا له النص فيها(1)، وقد عقد العلامة المجلسي بابا لاحتجاج أميرالمؤمنين في أمر الخلافة(2)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الانوار: 28 / 189، الباب الرابع، رقم الحديث: 2.
(2) نفس المصدر: الباب الرابع.
·
- صحة الخطبة الشقشقييه على مباني السيد الخوئي لإستفاضتها ولايطبق حسب مبانيه المنهج السندي عليها لأن منهجه السندي يطبق على رواية الآحاد فيشترط هو فيها تزكية رجالها والاتصال
حيلة المخالف لن تجدي في استعانته بالمعجم وبالمفيد- وان كان من فهم الجواهري- لتفحص رجال أسانيد الخطبه لغرض إسقاطهم ويفرح بذلك ويعاند ويظن أن طريقته صحيحه فيقول : هاهو الخوئي يضعف فلان السند لايصح عنده وبالتالي يبطل احتجاجكم بالخطبه على مبانيه!
أقتطع من جواب الشيخ الجزيري على هذا السؤال هل يمكن اثبات ولادة الامام المهدي عند من يجري على منهج السيد الخوئي في تصحيح الأخبار بملاحظة الأسانيد ؟
الأمر الخامس :
هو : ايهام السامعين أن الدليل على وجود الامام المهدي عج ضعيف .
فقد تكلم المعترض عن روايات ولادة الامام المهدي عج التى روى الشيخ الكليني بعضا منها في الكافي ، فبلغت واحدة وثلاثين رواية ، ثم نقل تضعيف المجلسي لكثير منها ، وتصحيحه لسبع روايات أو ثمان منها .
وهذا خلط بين مسألتين ، أو تعمد التلبيس على الناس بين مسألتين :
المسألة الأولى : الروايات الواردة في ولادة الامام المهدي عج .
المسألة الثانية : الدليل على وجود الامام المهدي عج بعد شهادة الامام العسكري ع .
والمسألة الأولى تاريخية .
ولا يجب الاعتقاد أن الامام عج دعا للقاسم بن العلاء أن يبقى له ولد ، ولا يلزم الاعتقاد أنه ورد استيناف من الصاحب لإجراء أبي الحسن وصاحبه .
ولا يسأل عنها العبد في قبر ولا حشر .
والمسألة الثانية عقدية .
فإن من إمامة الإثني عشر من أصول الاعتقادات عند الشيعة ، والثاني عشر منهم هو ولد الامام العسكري الذي مضى في سنة 254 هـ .
وأن إمامتهم لا يخلو منها زمان بعد رسول الله ص .
ومن أنكر اتصال امامتهم ، وزعم انقطاع الامامة الى أن يولد الامام المهدي في آخر الزمان ، فليس اماميا .
والأدلة على وجود الامام الثاني عشر ، وامامته من زمن شهادة الامام العسكري كثيرة جدا ، من العقل ، والنقل .
ويكفي من النقل :
حديث الائمة اثنا عشر
وحديث الثقلين
وحديث ميتة الجاهلية
فإنها أحاديث قطعية ، وليس لها تطبيق مقبول إلا على معتقد الامامية الاثني عشرية أنار الله برهانهم .
ومن تلك الأدلة :
الروايات التي تربو على ثلاثين رواية في باب مولد الصاحب ، فإنها روايات لها مضامين متعددة ، إلا أنها تشترك في الدلالة على أنه عج قد ولد .
ودلالتها على ذلك ليست من دلالة الآحاد ، بل هي محفوفة بالقرينة القطعية التي تشهد بصدقها ، من العقل والنقل .
ولو جحد جاحد هذه القرينة ، فلا أقل من أن عددها الكثير يوجب تواترا
ولو جحد التواتر فلا سبيل الى جحود الاستفاضة
ولو تجرأ وعاند وجحد الاستفاضة فهي محفوفة بقرينة توجب الاطمئنان بصدورها
وعلى جميع هذه التقادير تخرج عن أخبار الآحاد .
وأما اعتراض المعترض على ما سماه (المنهج السندي) :
فنقول : إن هذا الكلام مبني على وهم واضح ، وجهل فاضح .
أو تلبيس وتدليس .
بيان ذلك :
أن قائل هذه المقولة قد أوهم من لا معرفة له بقواعد الاستدلال ، وصناعة البحث والاحتجاج :
أن شرط السيد الخوئي في العمل بأي رواية هو :
أن يكون رواة الرواية ممن مدحهم علماء الرجال .
وهذا خطأ لا يقع فيه صغار الطلاب ، بل لا يقع فيه الشباب المثقفون ثقافة ابتدائية .
فإن الأخبار على أقسام :
1 - : الأخبار المتواترة .
وهي الأخبار التي ينقلها أناس كثيرون ، بحيث لا نحتمل اتفاقهم على اختلاق الخبر ، ولا نحتمل مصادفة وقوعهم جميعا في الخطأ .
2 - : الأخبار المحفوفة بالقرينة القطعية.
وهي قسمان :
القسم الأول : ما دل الدليل على صدق مخبرها مطلقا .
وهي الأخبار التي دل الدليل على صدقها .
كأخبار الأنبياء والملائكة .
فالخبر الذي يأتينا به الأنبياء نجزم أنه حق ، ونتيقن بصدقه ، مع أن المخبر به شخص واحد ، لكنه في الاصطلاح لا يعد من أخبار الآحاد .
وما ذاك إلا لأجل أن القرينة قد دلت على صدق الخبر ، وتلك القرينة هل المعجزة الدالة على صدق النبي .
والقسم الثاني : ما دل الدليل على صدق الخبر بذاته ، مع قطع النظر عن مخبره .
3 - : الأخبار المستفيضة .
4 - : الأخبار المحفوفة بالقرينة المفيدة للوثوق بصدقه .
وهي الأخبار التي يوجد شاهد يفيد الاطمئنان بصدقها ، وسكون النفس الى صحتها .
والاطمئنان والوثوق وسكون النفس والقناعة مرتبة عالية جدا من الظن ، لا تصل الى حد اليقين ، ولكن الاحتمال المخالف احتمال موهوم جدا ، لا يعتني به العقلاء ، ولا يراعونه في سلوكهم .
ولذا سمي الاطمئنان بالعلم العادي ، لأن العقلاء يتعاملون معه كما يتعاملون مع العلم .
ويهملون الاحتمال الآخر ، فوجوده كعدمه عندهم .
وهذه الأقسام حكمها واحد عند المحققين من علماء الأصول .
ولا يخالف السيد الخوئي ره فيها رأي المشهور .
5 - : أخبار الآحاد .
وهي الأخبار التي اجتمع فيها شرطان :
1 - : عدد رواتها واحد او اثنان مثلا ، فليست بمتواترة ولا مستفيضة .
2 - : كانت خالية من القرينة المفيدة لليقين أو الوثوق بصدقها .
وأخبار الآحاد هذه هي التي وقع فيها الخلاف بين السيد الخوئي وجماعة وبين المشهور من علمائنا .
فالسيد الخوئي يرى حجية هذا القسم الخامس من الأخبار ، ولكن بشرط أن يكون سندها متصلا ، ورواتها ثقات .
والمشهور عند علمائنا عدم حجية هذا القسم الخامس من الأخبار .
فاتضح من هذا :
أن منهج السيد الخوئي على التحقيق أوسع من المنهج المشهور عند علمائنا .
لأن السيد الخوئي يصحح الرواية إذا كان سندها متصلا ، وكان رواتها ممن زكاهم علماء الرجال .
وتصحيحه لهذه الرواية بسبب تزكية علماء الرجال لرواتها .
وأما المشهور فإنهم لا يصححونها ، بل يلاحظون القرائن التي تحف بها ، فإن اطمئنت نفوسهم بصحتها صححوها ، وإلا لم يصححوها .
وقد اتضح لك مما بيناه
أن الرواية اذا متواترة أو محفوفة بقرينة قطعية : فهي حجة عند جميع علماء الأصول ، ولا يطلب فيها السند ، ولا ينظر الى أسانيدها .
وإذا كانت مستفيضة أو محفوفة بقرينة تفيد الوثوق : فهي أيضا حجة عند جميع علماء الأصول ، السيد الخوئي وغيره ، ولا ينظر الى أسانيدها أيضا .
والسيد الخوئي ره لا يشترط في حجية هذه الأقسام الأربعة صحة السند .
ورأيه فيها موافق لرأي غيره من المحققين من علماء أصول الفقه من أتباع أهل البيت ومخالفيهم اهـ