[الشيوعي]

ما مدى امكانية انتقال عدوى ثورتي تونس ومصر الى دول الخليج العربي؟

ا. د. علي الهيل
معيبٌ ومُخزٍ ان يتشدق مفتي السعودية بما لا يفهم فيه، وهو جهل مطبق بفقه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبفقه القرآن والسنة، الذي أخاله ضالعا في فهمـــهما، وذلك عندما افتى بانَّ ثورة الشباب في مصر وقبلها في تونس، انما هي فتنة وان وسائل الاعلام التي تدعمها منحرفة في اشارة الى تلفزيون (الجزيرة).
لا نشك في ان تلك الفتوى موجَّهة سياسيا والا فلِم لم يعِ الشيخ ان يقول لا ادري، ان كأن لم يُرِد ان يقحم نفسه فيما لا يعلم، والمرء جاهل فيما لا يعلم، و'من قال لا ادري فقد أفتى' و' قل خيرا او اصمت'. ان الذين اصدروا اليه التعليمات بان يقول ذلك، قصدوا تضليل الناس في مدن السعودية وتخويفهم في الوقت نفسه، مستخدمين ادواتهم الدينية، خوفا من ان يحذوا حذو اشقائهم المشتركين واياهم بالكاد في الهموم نفسها في تونس ومصر. فهم يعرفون (والمعرفة يسبقها جهل) ولا نقول يعلمون (لان العلم لله فلا يسبقه جهل) ان شوارع جدة والرياض والدمام والاحساء والقطيف والقصيم وحائل وتبوك وعسير ومكة المكرمة والمدينة المنورة تغلي كالماء في المِرجل، وتعاني جلُّها منذ زمن بعيد من احتقانات سياسية وازمات اقتصادية واختناقات مشاعرية، نتيجة البطالة وبيوت الصفيح والرواتب والاجور المتدنية، التي تستهين بآدمية المواطن.
فقد بلغت نسبة البطالة في السعودية (التي تصدر زهاء اثني عشر مليون طن من النفط يوميا، ناهيك عن دخول الحج والعمرة على مدار العام، التي تقدرها جهات مستقلة بنحو ثلاثمئة مليون دولار، اضافة الى موارد اخرى) تبلغ نسبة البطالة حسب الاحصاءات الرسمية 18 بالمئة، وتقدرها احصاءات غير حكومية باكثر من عشرين في المئة.
قال لي عدد من سكان مدينة (جبيل) النفطية شرق المملكة، ان المواطن السعودي الذي يعمل حارسا امنيا مثلا حول الفنادق وغيرها يبلغ راتبه الشهري ما يقارب خمسمئة دولار. واضافوا ان استياء وامتعاضا لافتين للنظر بين هؤلاء وغيرهم لا يكاد يختفي من احاديث الشارع السعودي. يتضح للمراقب انه مع انتشار عدوى كسر حاجز الخوف وقول كلمة لا امام السلطان الجائر وامتلاء الاجواء العربية بصيحات العزة والكرامة ورفع الرأس والمنتقلة من ثورتي تونس ومصر، سيكون السعوديون، خاصة شابات وشباب الشبكة الدولية (الانترنت) والرسائل الآلية (الالكترونية) والفيس بوك والتويتر والبلوجنج، هم الثوار المنتظَرون الذين سينفجرون في تلك المدن 'وان غدا لناظره قريب'. الا اذا تداركت الحكومة السعودية الامر اقتداء بدولة الكويت مثلا، التي اغدقت على شعبها واكرمته بالمنح المالية والمؤونية وبالزيادة الكبيرة وغير المسبوقة في الرواتب والاجور، وحصنته بكل ذلك مخافة ان يُصابَ بعدوى الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر و'درهم وقاية خير من قنطار علاج'. كلام الشيخ السعودي يذكرنا بكلام (احمد ابو الغيط) وزير خارجية نظام (حسني مبارك) البائد، عندما سأله احد الصحافيين: هل سيحدث في مصر ما حدث في تونس، فرد عليه باسلوبه العبثي اللامبالي المعتاد: 'كلام فارغ'.
وبعد شهر تقريبا حدث ما هو اكثر هولا مما حدث في تونس، واسقط الشعب المصري النظام، فكيف سيكون موقف الشيخ ساعة الشابات يثُرنَ والشباب يثورون في بلده. وللتذكير فقط فان رياح الثورة التونسية هبت على مجموعة من النساء السعوديات، اللاتي تظاهرن امام الداخلية السعودية يطالبن بالافراج عن ذويهنَّ. وكذلك قام عدد من المعلمين السعوديين بالاعتصام امام وزارة التعليم السعودية مطالبين بفرص عمل، خاصة انهم من حملة الشهادات العليا ولم توجِد لهم الوزارة عملا. كل هذه التطورات ما كان لها ان تحدث لولا عدوى الثورة، وهو غيضٌ من فيضٍ قادم. وشهود عيان افادوا بقمع احتجاجات في جدة، والقصيم والرياض والدمام والقطيف مؤخرا. وللاسف فان الاعلام السعودي المضلل كاعلام (بن علي) و(مبارك) الهالكين هو المصدر الوحيد للمعلومات، ومحظور على وسائل اعلام مستقلة ان تعمل من السعودية. وانه لَمعيبٌ ومخزٍ وفعل يندى له الجبين حياءً ان تنضم دولة الامارات العربية المتحدة والسعودية والاردن الى اسرائيل في الطلب من راعيتهم جميعا الولايات المتحدة الامريكية ان لا تتخلى عن نظام حسني مبارك.
وان يزور الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الامارات (وهو للاسف ابن زايد الخير حكيم العرب) حسني مبارك، ومصر عن بكرة ابيها كانت تطالب باسقاطه. ومعيب ومخزٍ ان تستضيف السعودية الطاغية السارق والمجوع شعبه زين العابدين بن علي وتؤويه في جدة بعد ان رفضه ولفظــــه حلفاؤه، ولكـــن الطـــيور على اشكالها تقع والعيب من اهل العيب ليس بعيب. وفي المقابل وسط كل هذا الخنوع العربي الرسمي انه لَمفرح حقا ان ينطلق صوت العلامة القرضــــاوي من الدوحة، ومن جامع عمر بن الخطاب من خلال تلفزيون قطر وتلفزيون الجزيرة، منذ اول يوم في ثورة تونس وثورة مصر، وحتى اليوم الذي اسقط فيه الشعب التونسي بن علي، واسقط الشعب المصري نظام حسني مبارك.
وانه لَمفرح حقا ان تواكب (الجزيرة) القطرية ثورتي تونس ومصر لحظة بلحظة وسط اعلام تونسي ومصري مضلل للناس ومعتم للمعلومات، مما جعلها مهوى افئدة الناس، ومرآتهم الحقة. لقد شهد القرن العشرون اعظم ثلاث ثورات؛ الجزائرية والفيـــتنامية والايرانية. الثورتان الاولَيان كانتا من اجل التحرر الوطني من الاستعمار الخارجي، ومثلهما كثير في عهد الاستعمار القديم او التقليدي (ان جاز وصفه) وهو ردة فعل طبيعية وعمل واجب.
واما الثالثة فقد انفجرت من اجل التحرر الوطني من الاستعمار الداخلي الايراني، وشكَّل ظاهرة ومفارقة في العلاقة بين ابناء البلد الواحد 'لان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة من وقع الحسام المهند' كما يقول طُرفةُ بن العبد. ولعل الثورة الايرانية الشعبية ضد الشاه اواخر ثمانينات القرن المنصرم تذكرنا مشاهدها الملايينية بالثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية، مع الفارق الزمني والايديولوجي الى حد ما بين الثورة الايرانية والثورتين التونسية والمصرية، ولكن مع الاسباب ذاتها تقريبا: الديكتاتورية والاقصاء والتهميش والقمع والجوع والبطالة وازدياد الفجوة بين الاغنياء والفقراء والملايين التي تحت خط الفقر واستئثار قلة من بطانة النظام وزبانيته بالسلطة والثروة، وسيطرة الولايات المتحدة الامريكية والغرب ومن خلالهما اسرائيل (بصورة غير مباشرة ربما واحيانا) على البترول والقرار السيادي الايراني.
وثمة فرق اخر وهو ان الثورة الايرانية كانت محركاتها ومحرضاتها خارجية، واهم من مثَّلها الامام الخميني من فرنسا، في حين ان الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية مع ان خلفياتهما تعود بشكل رئيسي الى 1978 في الحالة التونسية حينما بدأت اضرابات النقابات العمالية بقيادة الحبيب بن عاشور (والكاتب شاهد على ذلك العصر لوجــــوده في تونس خلال تلك الفترة) وما تلتها من الثورة الشعبية في (الرديِّف) قبل سنــــتين، وفي كانون الثاني (يناير) 1977 ثورة الخبز الشعبية في الحالة المصــــرية، التي وصفها الرئيس الهالك انور السادات بانتفاضة حرامــــيَّة، بَيدَ ان من حرك الثورتين الشعبيتين في كل من تونس ومصر في الفصل الاخير من تاريخهما شخصان: البوعزيزي (الفقير الذي لم يجد قوت يومه) بحرق نفسه مولدا ارادة وفكرا جمعيا عفويا، ووائل غنيم (الغني الذي وصف نفسه بانه يسكن في احسن البيوت ويركب افخم السيارات ويتقاضى اعلى الرواتب) عن طريق صفحة (الفيس بوك) وعن بعد من دولة الامارات العربية المتحدة.
اذن الفقر سلاح ذو حدين، كما ان الغنى سلاح ذو حدين. البوعزيزي حرق نفسه لانه احتج على عدم منحه فرصة عمل شريف، وعندما قرر ان يجر عربة خضار اوقفته احدى شرطيات زين العابدين بدعوى انه لم يكن لديه ترخيص، اي كما يقول العامة في بلادنا 'لا يرحمون ولا يخلون رحمة الله تنزل'. ان سقوط نظام بن علي ونظام مبارك هو سقوط لاسرائيل والهيمنة الامريكية في بلدين عربيين. وهذا هو سبب فرحة الجماهير العربية من المحيط الى الخليج.
ولعل شكر المتحدث باسم الجيش المصري في البيان رقم 3 لحسني مبارك واطلاق لقب السيد الرئيس عليه، وذكر ما قدمه لمصر وخدمته لها ينم عن تدخل امريكي لتقديرهم للدور الذي قام به الرئيس المخلوع في تنفيذ الاجندات الامريكية والاسرائيلية. والا فان الرئيس الذي نُحِّيَ (ولم يتنح كما قيل كثيرا في الاعلام) من قِبَلِ شعبه، مخلفا اربعين مليون مصري تحت خط الفقر (اقل من دولارين في اليوم)، وجيشا جرارا من العاطلين عن العمل. فكيف يُدَّعى انه خدم بلده وشعبه؟ ان ثمةَ تسريبات ان الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي و(اسرائيل) اوضحت للمشير طنطاوي ضرورة المحافظة على معاهدة (كامب ديفيد) وابقاء الوضع مع غزة على ما هو عليه، والحوؤل دون قيام حكم اسلامي ولو كان على غرار حكم (العدالة والتنمية التركي) من خلال احتمال امكانية وصول (الاخوان المسلمين) للحكم في انتخابات حرة ونزيهة موعود بها، والا ستُقاطَع كما قوطعت ديمقراطية (حماس) (ومثل هذا تم تمريره للحكومة المؤقتة في تونس) بصرف النظر عن عدم رضى السواد الاعظم من الشعب المصري الذي اسقط نظام مبارك عن المعاهدة، وعن خنق وحصار غزة، وكان ذلك واضحا في هتافات المتظاهرين في كل ربوع مصر المعادية لامريكا والغرب و(اسرائيل) بطبيعة الحال.

' كاتب قطري

[عبود مزهر الكرخي]

شكراً لك على نقل المقال.
والذي بأعتقادي المتواضع نتنظر الأحداث ونراقب لأن الأحداث مليئة بالمفاجات وحبلى بالتغييرات.