إن الشيعة تعتقد - وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ أن نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل نساء الأنبياء قاطبة منزهات عن الفواحش التي تمس الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أن نساء النبيّ معصومات عن سائر الاخطاء،
بل جاء في القرآن ما يدلّ على أن امرأتين من نساء بعض الانبياء مصيرهما النار وهما امرأة نوح وامرأة لوط ، كما قال الله تعالى: (( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين )) (التحريم:10).
وأمّا نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء كما تحدّث القرآن عنهن، لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ، وإنما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة قال تعالى: (( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً * ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين واعتدنا لها رزقاً كريماً )) (الاحزاب:30 و 31) ,
وذلك لمكان قربهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجسامة مسؤليتهنّ عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الافك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : ((إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم )) (النور:11) ( صحيح البخاري بحاشية السندي : 3 / 38 ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان).
وقد ذكرت القصّة مفصلة في (صحيح البخاري) وغيره، والمراد بالافك هو الكذب العظيم أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما سيأتي بيان ذلك .
وجوابنا عن ذلك :
أولاً : ان هذه القضية وقعت في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدّث عنها القرآن الكريم، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعد ـ كما يدّعي أهل السنّة ـ فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة .
ثانياً : أنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضيّة ومنهم حسّان بن ثابت ذكر ذلك البخاري (أنظر صحيح البخاري 3 / 39) وابن داود وغيرهما، وكان لحسّان في ذلك شعر يعرض فيه بابن المعطّل المتهم في هذه القضية وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الامر كذلك ، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس .
ثالثاً : انّ هذه القضيّة محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه والترمذي والبيهقي وأحمد بن حنبل وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنة أن المتّهم في هذه القضيّة هي مارية القبطيّة جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمّ ابراهيم ، ويستدلّ الشيعة بروايات وردت عن أئمّتهم (عليهم السلام)، وقد ذكر علي بن ابراهيم القمي تلك الروايات في تفسيره للآية الشريفة (انظر تفسير القمي : 2 / 99 ، مؤسسة دار الكتاب ، ـ قم ـ ايران) .
وأمّا من قال بهذه المقالة من علماء السنة كمسلم في (صحيحه : 8 / 119 النسخة المشكولة ، والحاكم في مستدركه : 4 / 39 ، وابن الأثير في كامله : 2 / 313 ، وابن سعد في طبقاته : 8 / 154 ، والطبراني في اوسطه ـ مجمع الزوائد : 9 / 161 عن الطبراني في الاوسط ـ ، والسيوطي في دره المنثور : 6 / 140 ، وغيرهم) ، فقد ذكروا روايات أيضاً تدل على أنّ مارية القبطية هي المتّهمة في قضية الافك .
ورابعاً : انّ من العجيب حقاً والملفت للنظر أن نجد في الروايات السنّية أن ممّن اتّهم مارية القبطيّة عائشة نفسها، وانّها قد أصابتها الغيرة الشديدة!! حتى ان ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : (( ما غرت على امرأة الاّ دون ما غرت على مارية … )) ( الطبقات الكبرى لابن سعد : 8 / 212 راجع أيضاً انساب الاشراف : 1 / 449 )، وهي التي نفت الشبه بين ابراهيم وبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكر ذلك السيوطي في (الدر المنثور)، ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين مات ابراهيم : (( … ثم مات ابراهيم فابطنت شماتة وإن اظهرت كآبة … )) ( شرح نهج البلاغة : 9 / 195 ) .
هذا ما يذكره بعض علماء السنة حول القضيّة وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضد مارية ، كما ذكرت ذلك المصادر السنية ، فقل بربك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء رسول الاسلام ؟ الا يقتضي التثبت والتروي أن يبحث الانسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الامر ليقف على الحقيقة بنفسه بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير ايقاع الفتنة بين الناس .