السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتك السلام على الحسين وعلي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين
خصوصيات كتاب (منية المريد)
كتاب منية المريد من الكتب المهمة في مجال التربية والتعليم ولا يستغني عنه طالب العلوم الدينية إذا أراد ان يمضي قدماً في طلب العلم ويرتقي سلّم الكمال العلمي والروحي، وهو غني عن التعريف، لكن هنا نريد أن نشير إلى أهم الخصوصيات التي توفر عليها هذا الكتاب التربوي :
الخصوصية الاُولى: أنّه مازال يحتفظ بقيمته منذ أربعة قرون
لا نبالغ إذا قلنا إنّ كتاب منية المريد من الكتب التي قدّر له أن يكون من الكتب الخالدة التي تنعم الأجيال بثماره جيلاً بعد جيل، فمازال إلى يومنا هذا محلّ اهتمام خاصّ من قبل طلبة العلم لما يجدون فيه من فوائد جمّة تربوية وعلميّة ممّا لا يجدونها في كتاب غيره على الرغم من مرور أكثر من أربعة قرون على تدوينه.
فالقارئ لهذا الكتاب لا يجد مللاً في عند مطالعة هذا الكتاب بل يجد في نفسه ميلاً لتكرار قراءته المرّة تلو الاُخرى، حتّى كأنّك تجد الأنفاس القدسيّة للمؤلف تحيط بكل كلماته وأحرفه، وتشعر بأن تلك الكلمات التي يسطرها تخرج من قلبه الشريف، فمن الطبيعي أن يجد الطالب والقارئ أثرها في قلبه فتنقلب حاله من حال إلى حال كلما رجع إليها ونظر فيها.
وحقاً كما قال الأمير(صلوات الله وسلامه عليه): ((الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان))
الخصوصية الثانية: الدقة والعمق وحسن التنظيم
إنّ كتاب منية المريد ليس مجرد كتاب وعظ خالٍ من الدقة والعمق، بل هو على غرار الكتب العلمية التي تعتمد الصناعة الفقهية، ولذا فإن الوصول إلى أسراره بشكل كامل ليس بالأمر اليسير وما ذلك إلا لأن مؤلفة يعتبر قمة من قمم الشموخ الفقهي في طول تاريخ علم الفقه، وهذه تعد سمة مهمة في هذا الكتاب، تحث طالب العلم على أن يستزيد من دقائقه ونكاته العلمية بالقراءة المتأنية والمتكررة له، ولا يمرّ عليها مرور الكرام.
وعلاوة على دقته وعمقه فهو كتاب يمتاز بجودة تنظيم المطالب وترتيبها ممّا يسهّل على القارئ الانتقال من فصل إلى اُخر بشكل متسلسل ومنطقي من دون أن يشعر بأي تشويش.
الخصوصية الثالثة: يرشد إلى الطريق الصحيح في طلب العلم
إن كتاب منية المريد يرشد الطالب إلى أسرار بلوغ الكمال العلمي والروحي، وتلك الأسرار تتمثل بتلك الآداب التي يحثنا على الإلتزام بها إذا أردنا الوصول إلى تلك الغاية، وإلا فإنّ الطالب سيقضي عمره دون أن يصل إلى مبتغاه وهدفه، فكان حريّ بالطالب إلى جانب دراسته للعلوم الشرعية من فقه واُصول وما إلى ذلك ان يتعهد هذا الكتاب بالقراءة دائماً حتى لا تغيب مضامينه عن ذهنه ولا يكتفي بقراءة الكتب العلمية فقط، ومن هنا يقول الشهيد الثاني(رضوان الله عليه) في مقدمّة هذا الكتاب موضحاً هذه الفكرة.
وكم رأينا بغاة هذا العلم الشريف دأبوا في تحصيله ، وأجهدوا نفوسهم في طلبة ونيله ، ثم بعضهم لم يجد لذلك الطلب ثمرة ولا حصل منه على غاية معتبرة، وبعضهم حصل شيئا منه في مدة مديدة طويلة ، كان يمكنه تحصيل أضعافه في برهة يسيرة قليلة ، وبعضهم لم يزده العلم إلا بعدا عن الله تعالى وقسوة مظلما ، مع قول الله سبحانه وهو أصدق القائلين : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، وما كان سبب ذلك وغيره من القواطع الصادة لهم عن بلوغ الكمال إلا اخلالهم بمراعاة الأمور المعتبرة من الشرائط والآداب، وغيرها من الأحوال
الخصوصية الرابعة: يمثل تجربة طويلة في التعليم والتعلّم
إن للشهيد الثاني تجربة الثرية تفرد بها على مستوى التعلّم والتعلم، فهو- كما قال السيد محسن الامين- لم يدع علماً من العلوم حتى قرأ فيه كتاباً أو أكثر على مشاهير العلماء، وهنا تبرز اهمية هذ الكتاب حيث يعكس فيه المؤلف تجربتة تلك، وقد كتبه في قمة نضجه العلمي، حيث خاض غمار تلك التجارب فامتزجت عناصر ثلاث في تأليفه، الأوّل: خبرته في التعلّم والتعليم، سمو مرتبته العلمية وتضلعه بالفقه إلى درجة صار يفتي كل صاحب بمذهب بحسب مذهبه، والعنصر الثالث سمو ملكاته الروحية والأخلاقية.
الخصوصية الخامسة: كتاب جامع ومستوفي لمسائل موضوعه
الميزة المهمة لهذا الكتاب تتجلى في أنّه ليس في مصنفات الإمامية كتاب بهذا عن هذا في آداب العالم والمتعلم سوى ما كتبه المحقّق الطوسي مع الفارق بين الكتابين من جهة المؤلف ومن جهة نفس الكتاب، فنصير الدين الطوسي لم يكن فقيهاً بل كان فيلسوفاً ومتكلماً ومؤلف كتاب المنية من أساطين الفقه الإمامي فجاء كتابه معبراً عن رؤية فقهية دقيقة، والفارق الثاني ان كتاب الطوسي كان مقتصراً على آداب المتعلم فقط، أمّا كتاب الشهيد الثاني فكان شاملاً ومستوعباً لآداب العالم والمتعلم معاً
قال السيد محسن الامين في كتابه أعيان الشيعة(ج7، ص145):
وتفرد بالتأليف في مواضيع لم يطرقها غيره أو طرقها ولم يستوف الكلام فيها مثل آداب المعلم والمتعلم فقد سبقه إلى ذلك المحقق الطوسي فصنف فيه رسالة صغيرة لا تبل الغليل وألف هو فيه منية المريد فلم يبق بعدها منية لمريد
الخصوصية السادسة: مرجع للعلماء في بحوثهم الاستدلالية
يعتبر كتابة المنية من الكتب العلمية ومحل اعتماد العلماء ومحط نظرهم فتراهم يرجعون إليه في بحوثهم الفقهيّة الاستدلالية المعمّقة، ومن الأمثلة على ذلك، ما ذكره المحقق البحراني في الحدائق(ج18، ص10) حيث يقول:
ولعله الأظهر ، كما هو بين علمائنا أشهر - تخصيص الأخبار الدالة على وجوب طب الرزق بهذه الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم ، بأن يقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته أو تعليمه وإفادته . وبهذا الوجه صرح شيخنا الشهيد الثاني في كتاب " منية المريد في آداب المفيدوالمستفيد " حيث قال في جملة شرايط تحصيل العلم ما لفظه : " وإن يتوكل على الله ويفوض أمره إليه ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها وتكون وبالا عليه،ولا على أحد من خلق الله تعالى ، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالى في أمره ورزقه وغيرهما يظهر له من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما يقوم به أوده، ويحصل مطلوبه، ويحصل به مراده.
مضافاً إلى ذلك نجد أنّ كتاب منية المريد توفر على روايات لم تنقلها الكتب الروائية الشيعية، فيكون من هذه الجهة واحداً من مصادر الحديث عند الشيعة، وهو احد المصادر التي اعتمدها المحدث النوري في كتابه المستدرك.
الخصوصية السابعة: حث كبار العلماء على مطالعته والعمل به
1- قال تلميذه ابن العودي التلميذ الخاص والملازم للشهيد(نقلاً عن محقّق الكتاب رضا المختاري):
مجلد مشتمل على مهمات جليلة وفوائد نبيلة ، تحمل على غاية الانبعاث والترغيب في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل ، والتحلي بشيم الأخيار والعلماء الأبرار
2- قال الميرزا الشيرازي الكبير( قدس سرّه) صاحب الفتوى المشهورة في حرمة التنباك (نقلاً محقّق كتاب منية المريد الأُستاذ رضا المختاري):
ما أحرى بأهل العلم أن يواظبوا على مطالعة هذا الكتاب الشريف وأن يتأدبوا بالآداب المذكورة فيه
3- قال الشيخ المامقاني صاحب تنقيح المقال(قدس سرّه) وهو يوصي أولاده في كتابه مرآة الرشاد ص93 من الطبعة الثامنة:
وعليك بُنيّ ـ وفّقك الله تعالى لكلّ خير، وجنّبك من كلّ سوء وشَيْن ـ بمراجعة (مُنية المُريد ) التي أَلَّفها الشهيد الثاني (قدّس سره) في آداب المفيد والمستفيد والعمل بها
4- قال السيد محسن الأمين ( قده ) بشأن الكتاب في كتابه أعيان الشيعة، ص156:
منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، مشتمل على آداب فوائد جليلة، وهو نعم المهذب لأخلاق الطلاب لمن عمل به
5- قال الفيلسوف الكبير صدر المتألهين(قده) في شرحه الأصول الكافي في الجزء الثاني منه بعد أن ذكر بعض وظائف المتعلّم :
فهذه ستّ وظائف من وظائف الطالب المتعلم خصصناها بالذكر، فان لكل من المعلم و المتعلم وظائف و آدابا كثيرة، و انما اخترنا و اوردنا ما هو اهم و ادق و اشرف، و اتركنا سائر الآداب الحسية و الوظائف النقلية تعويلا على المذكور فى كتب الاخلاق و غيرها كرسالة آداب المتعلمين للمحقق الطوسى و اخرى لزين الملة و الدين رحمه اللّه.
المشاركة الآتية إن شاء الله استعراض عام لمطالب الكتاب