![]() |
آداب طلب العلوم الدينية على ضوء كتاب منية المريد
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد الله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين قصدت من طرح هذا الموضوع تذكير نفسي وإخوتي وأخواتي في الله بآداب طلب العلم؛ لأنّ التواصي بالحق والتواصي بالأخلاق الحسنة أمر مطلوب عقلاً وشرعاً، وهو أمر غنيّ عن الاستدلال. ويكفينا في ذلك قوله تعالى: ((وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) قال العلامة في الميزان: ((والتواصي بالحق أوسع من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لشموله الاعتقاديات ومطلق الترغيب والحث على العمل الصالح)) وسوف نستقي المادة الأساسية لهذا الموضوع من كتاب (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) وهو من تأليف الفقيه النحرير الشيخ زين الدين بن أحمد العاملي المعروف بـ(الشهيد الثاني)(رضوان الله عليه) وهو كتاب جليل القدر لا غنى لطالب العلم من مداومة قراءته والاستفادة منه في حياته العلمية والعملية. وفي المشاركة الآتية سنتناول فيها نبذه مختصرة من السيرة العطرة لمؤلف الكتاب وبيان أهمية هذا الكتاب لطلبة العلم وكذلك بيان فهرس للمسائل التي سوف نتناولها إن شاء الله تعالى. |
بسم الله الرحمن الرحيم هذه نبذة مختصرة جداً عن حياة مؤلف كتاب منية المريد مؤلف كتاب منية المريد غني عن التعريف وهو الشيخ زين الدّين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني، ولد في سنة911هـ وهو علم بارز من أعلام التشيع قلّما يجود الزمان بمثله وله خدمات علمية عظيمة ومصنفات كثيرة مازلنا ننعم بثمارها حتّى هذه اللحظة، فمازال كتابة شرح اللمعة الدمشقية من الكتب الدرسية المهمة في مرحلة السطوح، والتي تعادل بحسب الدراسات الأكاديمية الحديثة مرحلة الماجستير، وكذلك مازل شرحه على الشرائع المسمى بمسالك كالأفهام محط نظر العلماء والمحقّقين، وما زل ينتهل منه الطالب والاُستاذ على حد سواء عند قراءة كتاب شرائع الإسلام. وحول علوّ شأنه في عالم الفضل والفقاهة يقول الخوانساري في روضات الجنات: أفاض الله على تربته الزكية من سجال رحمته وفضله وكرمه وجزائه اللطيف السبحاني لم ألف إلى هذا الزمن الذي هو من حدود ثلاث وستين ومائتين بعد الألف أحداً من العلماء الأجلة يكون بجلالة قدره، وسعة صدره، وعظم شأنه، وارتفاع مكانه، وجودة فهمه، ومتانة عزمه، وحسن سليقته، واستواء طريقته، ونظام تحصيله، وكثرة أساتيذه، وظرافة طبعه، ولطافة صنعه، ومعنوية كلامه، وتمامية تصنيفاته وتأليفاته، بل كاد أن يكون في التخلق بأخلاق الله تبارك وتعالى، تالياً لتلو المعصوم ويقول السيّد محسن الامين في ترجمته: كان عالماً فاضلاً جليل القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة تقياً، نقياً، ورعاً، زاهداً، عابداً، حائزاً صفات الكمال متفرداً منها بما لا يشاركه فيه غيره، مفخرة من مفاخر الكون وحسنة من حسنات الزمان أو من غلطات الدهر كما يقال، كان فقيها ماهراً في الدرجة العليا بين الفقهاء، محدثاً أصولياً مشاركاً في جميع العلوم الإسلامية، لم يدع علماً من العلوم حتى قرأ فيه كتاباً أو أكثر على مشاهير العلماء من النحو والصرف والبيان والمنطق واللغة والأدب والعروض والقوافي والأصول والفقه والتفسير وعلم الحديث وعلم الرجال وعلم التجويد وأصول العقائد والحكمة العقلية والهيئة والهندسة والحساب وغير ذلكوقد تضارب الكلمات حول تاريخ شهادته وتفاصيلها، لكن كتب محقّق كتاب منية المريد الاُستاذ رضا المختاري حول ذلك قائلاً:
فجزاه الله عنّا وعن جميع المسلمين خير جزاء المحسنين، وسلام عليه يوم ولد ويوم اُستشهد ويوم يبعث حياً المشاركة التالية إن شاء الله ستكون عبارة عن نبذة عن كتاب منية المريد وأهميته لطالب العلم |
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم (منية المريد) كتاب مفيد بما يحويه من نقاط جداً مهمة في آداب طلب العلم .. احسنتم أخي / أبو محمد اختيار موفق للموضوع , ننتظر كل ما هو مفيد من قلمكم تحيتي |
اقتباس:
|
خصوصيات كتاب (منية المريد) كتاب منية المريد من الكتب المهمة في مجال التربية والتعليم ولا يستغني عنه طالب العلوم الدينية إذا أراد ان يمضي قدماً في طلب العلم ويرتقي سلّم الكمال العلمي والروحي، وهو غني عن التعريف، لكن هنا نريد أن نشير إلى أهم الخصوصيات التي توفر عليها هذا الكتاب التربوي : الخصوصية الاُولى: أنّه مازال يحتفظ بقيمته منذ أربعة قرون لا نبالغ إذا قلنا إنّ كتاب منية المريد من الكتب التي قدّر له أن يكون من الكتب الخالدة التي تنعم الأجيال بثماره جيلاً بعد جيل، فمازال إلى يومنا هذا محلّ اهتمام خاصّ من قبل طلبة العلم لما يجدون فيه من فوائد جمّة تربوية وعلميّة ممّا لا يجدونها في كتاب غيره على الرغم من مرور أكثر من أربعة قرون على تدوينه. فالقارئ لهذا الكتاب لا يجد مللاً في عند مطالعة هذا الكتاب بل يجد في نفسه ميلاً لتكرار قراءته المرّة تلو الاُخرى، حتّى كأنّك تجد الأنفاس القدسيّة للمؤلف تحيط بكل كلماته وأحرفه، وتشعر بأن تلك الكلمات التي يسطرها تخرج من قلبه الشريف، فمن الطبيعي أن يجد الطالب والقارئ أثرها في قلبه فتنقلب حاله من حال إلى حال كلما رجع إليها ونظر فيها. وحقاً كما قال الأمير(صلوات الله وسلامه عليه): ((الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان)) الخصوصية الثانية: الدقة والعمق وحسن التنظيم إنّ كتاب منية المريد ليس مجرد كتاب وعظ خالٍ من الدقة والعمق، بل هو على غرار الكتب العلمية التي تعتمد الصناعة الفقهية، ولذا فإن الوصول إلى أسراره بشكل كامل ليس بالأمر اليسير وما ذلك إلا لأن مؤلفة يعتبر قمة من قمم الشموخ الفقهي في طول تاريخ علم الفقه، وهذه تعد سمة مهمة في هذا الكتاب، تحث طالب العلم على أن يستزيد من دقائقه ونكاته العلمية بالقراءة المتأنية والمتكررة له، ولا يمرّ عليها مرور الكرام. وعلاوة على دقته وعمقه فهو كتاب يمتاز بجودة تنظيم المطالب وترتيبها ممّا يسهّل على القارئ الانتقال من فصل إلى اُخر بشكل متسلسل ومنطقي من دون أن يشعر بأي تشويش. الخصوصية الثالثة: يرشد إلى الطريق الصحيح في طلب العلم إن كتاب منية المريد يرشد الطالب إلى أسرار بلوغ الكمال العلمي والروحي، وتلك الأسرار تتمثل بتلك الآداب التي يحثنا على الإلتزام بها إذا أردنا الوصول إلى تلك الغاية، وإلا فإنّ الطالب سيقضي عمره دون أن يصل إلى مبتغاه وهدفه، فكان حريّ بالطالب إلى جانب دراسته للعلوم الشرعية من فقه واُصول وما إلى ذلك ان يتعهد هذا الكتاب بالقراءة دائماً حتى لا تغيب مضامينه عن ذهنه ولا يكتفي بقراءة الكتب العلمية فقط، ومن هنا يقول الشهيد الثاني(رضوان الله عليه) في مقدمّة هذا الكتاب موضحاً هذه الفكرة.
الخصوصية الرابعة: يمثل تجربة طويلة في التعليم والتعلّم إن للشهيد الثاني تجربة الثرية تفرد بها على مستوى التعلّم والتعلم، فهو- كما قال السيد محسن الامين- لم يدع علماً من العلوم حتى قرأ فيه كتاباً أو أكثر على مشاهير العلماء، وهنا تبرز اهمية هذ الكتاب حيث يعكس فيه المؤلف تجربتة تلك، وقد كتبه في قمة نضجه العلمي، حيث خاض غمار تلك التجارب فامتزجت عناصر ثلاث في تأليفه، الأوّل: خبرته في التعلّم والتعليم، سمو مرتبته العلمية وتضلعه بالفقه إلى درجة صار يفتي كل صاحب بمذهب بحسب مذهبه، والعنصر الثالث سمو ملكاته الروحية والأخلاقية. الخصوصية الخامسة: كتاب جامع ومستوفي لمسائل موضوعه الميزة المهمة لهذا الكتاب تتجلى في أنّه ليس في مصنفات الإمامية كتاب بهذا عن هذا في آداب العالم والمتعلم سوى ما كتبه المحقّق الطوسي مع الفارق بين الكتابين من جهة المؤلف ومن جهة نفس الكتاب، فنصير الدين الطوسي لم يكن فقيهاً بل كان فيلسوفاً ومتكلماً ومؤلف كتاب المنية من أساطين الفقه الإمامي فجاء كتابه معبراً عن رؤية فقهية دقيقة، والفارق الثاني ان كتاب الطوسي كان مقتصراً على آداب المتعلم فقط، أمّا كتاب الشهيد الثاني فكان شاملاً ومستوعباً لآداب العالم والمتعلم معاً قال السيد محسن الامين في كتابه أعيان الشيعة(ج7، ص145):
الخصوصية السادسة: مرجع للعلماء في بحوثهم الاستدلالية يعتبر كتابة المنية من الكتب العلمية ومحل اعتماد العلماء ومحط نظرهم فتراهم يرجعون إليه في بحوثهم الفقهيّة الاستدلالية المعمّقة، ومن الأمثلة على ذلك، ما ذكره المحقق البحراني في الحدائق(ج18، ص10) حيث يقول:
مضافاً إلى ذلك نجد أنّ كتاب منية المريد توفر على روايات لم تنقلها الكتب الروائية الشيعية، فيكون من هذه الجهة واحداً من مصادر الحديث عند الشيعة، وهو احد المصادر التي اعتمدها المحدث النوري في كتابه المستدرك. الخصوصية السابعة: حث كبار العلماء على مطالعته والعمل به 1- قال تلميذه ابن العودي التلميذ الخاص والملازم للشهيد(نقلاً عن محقّق الكتاب رضا المختاري): مجلد مشتمل على مهمات جليلة وفوائد نبيلة ، تحمل على غاية الانبعاث والترغيب في اكتساب الفضائل واجتناب الرذائل ، والتحلي بشيم الأخيار والعلماء الأبرار 2- قال الميرزا الشيرازي الكبير( قدس سرّه) صاحب الفتوى المشهورة في حرمة التنباك (نقلاً محقّق كتاب منية المريد الأُستاذ رضا المختاري): ما أحرى بأهل العلم أن يواظبوا على مطالعة هذا الكتاب الشريف وأن يتأدبوا بالآداب المذكورة فيه 3- قال الشيخ المامقاني صاحب تنقيح المقال(قدس سرّه) وهو يوصي أولاده في كتابه مرآة الرشاد ص93 من الطبعة الثامنة: وعليك بُنيّ ـ وفّقك الله تعالى لكلّ خير، وجنّبك من كلّ سوء وشَيْن ـ بمراجعة (مُنية المُريد ) التي أَلَّفها الشهيد الثاني (قدّس سره) في آداب المفيد والمستفيد والعمل بها 4- قال السيد محسن الأمين ( قده ) بشأن الكتاب في كتابه أعيان الشيعة، ص156: منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، مشتمل على آداب فوائد جليلة، وهو نعم المهذب لأخلاق الطلاب لمن عمل به 5- قال الفيلسوف الكبير صدر المتألهين(قده) في شرحه الأصول الكافي في الجزء الثاني منه بعد أن ذكر بعض وظائف المتعلّم :
|
الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام الساعة الآن: 05:05 PM. بحسب توقيت النجف الأشرف |
Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025