أما انتهينا من معزوفة السنة والشيعة يا شيخنا القرضاوي؟ عبدالله السعدون* - « صحيفة أوان » - 20 / 3 / 2009م - 7:07 م
الشيخ يوسف القرضاوي
لا أدري لماذا يصر الشيخ د. يوسف القرضاوي، وللمرة الثالثة، على إطلاق تصريحات لا ينجم عنها صراحة سوى إذكاء نار الفتنة بين المسلمين السنة والشيعة، وذلك في كل مرة نظن فيها أننا تجاوزنا، ولو بعض الشيء، هذا الحديث السلبي في الإعلام وفي الشارع الإسلامي العريض؟ فقد صرح القرضاوي أخيرا، وعلى هامش مشاركته في مؤتمر «مجمع البحوث الإسلامية» في تونس: «لا نقبل أن تقوم إيران بنشر التشيع في بلادنا، ولا نقبل أن تغزونا في عقر دارنا، فنحن مؤمنون بأننا كأهل سنة على حق، ولا نريد أن يحولنا الإيرانيون إلى شيعة... إن إيران ماضية في غزوها المذهبي للدول السنية».
وأعود وأتساءل، أنا المسلم السني الكويتي، والذي أقيم الصلاة كل يوم، وأتمم سائر واجباتي الدينية، وأقرأ وأتابع وأحلل المجريات السياسية الجارية على الأرض، وخصوصاً في منطقة الخليج وعموم الشرق الأوسط، باعتبارها منطقتنا الساخنة والمهددة بالحروب المفتوحة.. أعود وأتساءل ماذا يريد أن يحقق القرضاوي جراء دعواته هذه؟ وهل يدري أن تصريحاته هذه تسهم في إلهاب نار الفتنة في أفئدة ونفوس قطاع طويل عريض من المسلمين الشيعة والسنة على السواء، وتدفع الدهماء في صفوفهما إلى مزيد من العصاب والعصبية، وبناء أسوار جديدة على هامش الأسوار الموجودة.. ومن يدري فقد نستيقظ ذات يوم على حروب متجددة في كل بلد عربي أو مسلم يضم الطائفتين الإسلاميتين الكريمتين.. وإلى مالا نهاية؟ وهل يرضى القرضاوي ساعتئذ بهذا المصير للمسلمين والديار الإسلامية، خصوصاً في ظل الهجمة الكبرى على بلادنا، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي إلى يومنا هذا واتخاذ الغرب الإسلام عدواً جديداً له بديلاً من الشيوعية، وخصوصاً بعدما أشارت إلى ذلك علانية مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية ذات يوم: «لقد كان الغرب في صراع مع الشيوعية وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن العدو الوحيد للغرب هو الإسلام الآن»؟
الشيخ يوسف القرضاوي ليس فرداً مسلماً عادياً.. إنه داعية إسلامي، وله منصب حالي منتدب له، وهو «رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين».. وله أتباعه ومريدوه، وهو صاحب مؤلفات كثيرة منتشرة في كل أصقاع العالم الإسلامي، وعليه فهو وحده يعرف، أو ينبغي له أن يعرف أن أي تصريح منه، وعلى هذه الشاكلة، لا يمكن أن يرشح منه إلا سطوع فتنوي يمكن أن يحرك «شارعاً» إسلامياً عريضاً ضد «شارع» إسلامي آخر.. هكذا في حرب لا تبقي ولا تذر على امتداد خارطتنا العربية الإسلامية.. وهو ما يريده بالقطع، أعداء الإسلام والمسلمين، ولاسيما إسرائيل، ومن يؤازرها ويسلحها ويشجعها على التهام كل فلسطين.. والمنطقة العربية الإسلامية من حولها.
وعليه نحن نطلب من شيخنا توضيح الموقف هنا، ونسأله بصراحة قصوى، ما الهدف من تكراره مثل هذه التصريحات التي تضر بوحدة الإسلام والمسلمين؟ وهنا ينبغي أن نقول إنه اذا كان هنالك من خلاف سياسي كبير بيننا وبين إيران«وهو طبعا موجود»، واننا إذا كنا على الضد منها في بعض الاستراتيجيات والتطلعات للمنطقة، فإن هذا الأمر يبقى في نطاقه السياسي ليس إلا، وهو كذلك على الأرض وفي الواقع. فالخلاف مع إيران يتأطر في شؤون سياسية وليست دينية أو مذهبية البتة. حرام أن نقلب المعادلة هنا.. حرام أن نكون ضيقي النظرة إلى هذا الحد، وخصوصاً في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من الصراع العربي- الإسرائيلي، وسياسات الهيمنة بالقوة على مقدرات بلداننا ومستقبلها.
وعلى القرضاوي أن يعرف، وهو يعرف، أن كل محاولات إشعال الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة في دول المنطقة، وعلى امتداد العالم الإسلامي، هي من صنع إسرائيل، ولمصلحتها في المقام الأول... هو بالتأكيد يعرف مثلا من هو برنارد لويس، ملهم سياسة المحافظين الجدد والداعية الصهيوني «يهودي أميركي من أصل بريطاني» الذي قال «إن العالم الإسلامي ينبغي أن يعود إلى الصراع السني الشيعي فيه، حتى يتأكد سلام إسرائيل في المنطقة ويتأبد، وعلى إسرائيل هنا أن تؤازر طرفاً إسلامياً على آخر في كل بلد مسلم ترى أن مصلحتها فيه تكمن في ذلك، فهي قد تكون «حليفة» للسنة في هذا البلد «وحليفة» للشيعة في بلد آخر».
وأقول صراحة للشيخ يوسف القرضاوي، باعتباره هنا «رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، وباعتباري أنا شخصياً من المسلمين السنّة، المؤمنين بالله وبرسوله إلى يوم الدين.. ألا كفى إطلاقك، مثنى وثلاث ورباع.. مثل هذه التصريحات.. وكفى القيام بتحركات ونشاطات تهدد أمن مجتمعاتنا ووحدتها واستقرارها. نحن الخليجيين يا شيخ قرضاوي لا نريد لأوطاننا ومجتمعاتنا الإسلامية السنية - الشيعية التي يعيش بعضها مع بعض، ومنذ قرون مديدة، في وحدة وتلاؤم، أن يخربها أحد، كائناً من كان، وخصوصاً إذا حمل صفة، أو هيئة رجل دين هنا.. كفانا شرذمة وتفتتاً لعالمنا العربي والإسلامي.. كفانا نهشاً وتدميراً في سلام مجتمعاتنا وأهلنا باسم الدين الحنيف والحرص عليه.. اتقوا الله في عباده وجماعته!!
نحن في الخليج «وأظن أن المسلمين في كل أقطارهم كذلك» وبكل صراحة لا نريد رجال دين يحرضوننا على الفتنة في السر والعلن، سواء أكانوا من الشيعة أم السنة، من يريد العيش بيننا مسلماً، مؤمناً بالله ورسوله، وكتابه ودينه الواحد فأهلاً به مسلما وفي دياره الإسلامية، أما من يريد أن يتلاعب بأمانة الإسلام ووحدة أبنائه ومناعة ثقافته القرآنية والمحمدية الواحدة، فلا نريده، ليس في بلادنا هنا فقط، وانما في عموم البلاد، أو الديار الإسلامية.
إننا يا شيخ قرضاوي نريد أن نعمل بما أمرنا به الله تعالى في محكم كتابه.. أو ليس جل ثناؤه هو القائل: «إن هذه أمتكم أمة واحدة» «صدق الله العظيم»، ونريد منك أن تكون كذلك، نريد منك، ومن موقعك «كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» أن تكون داعية لوحدة المسلمين من شيعة وسنة وما يتفرع عنهما من مذاهب وطرق وعقائد، نريد منك أن تكون في عداد العاملين على التقريب بين المذاهب الإسلامية كافة، وهذا هو دورك في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة التي نمر فيها عربا ومسلمين، فبلادنا وديننا وحضارتنا وثقافتنا كلها على المحك الآن. نريد منك أن تكون على غرار إمام الأزهر الشريف الشيخ الراحل شلتوت، الذي كان أفتى بضرورة ألا تتعصب السنة ضد الشيعة ولا الشيعة تتعصب ضد السنة.. «ينبغي للمسلمين جميعاً أن يتخلصوا من العصبية لمذهب معين، فما كان دين الله، وما كانت شريعته تابعة لمذهب، أو مقصورة لمذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، فلا فرق بين مذهب سني ومذهب شيعي، ماداما يغرفان من معين واحد هو الكتاب والسنة».
أخيراً اننا نعرف أن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، لا تعني إلغاء المذاهب، أو دمجها، أو التلفيق بينها، بل تعني الارتكاز إلى الثوابت العامة المشتركة في العقيدة والشريعة.. وان الخلافات الفقهية بين السنة والشيعة هي من طبيعة الخلافات بين أهل السنة نفسها.
إذن، الوحدة الإسلامية هي من حقائق العقيدة، وعليه وجب علينا أن نعرف هنا أن الخلافات السياسية للحكام، هي التي سيست الخلافات الفقهية المذهبية، وان واجبنا كمسلمين حقيقيين نفي التوجهات السياسية من الهيكل المعرفي الإسلامي.