عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية بنتُ علي
بنتُ علي
شيعي حسيني
رقم العضوية : 521
الإنتساب : Nov 2006
المشاركات : 6,565
بمعدل : 0.98 يوميا

بنتُ علي غير متصل

 عرض البوم صور بنتُ علي

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : بنتُ علي المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي الجزء الثالث والرابع
قديم بتاريخ : 07-02-2008 الساعة : 02:36 AM


امرأة اسمها زينب ...........

"3"

عصف الأرق بأم سلمة ... غادر النوم عينيها الساهرتين ... تراقب النجوم وهي تومض من بعيد .
مذ غادر الحسين الحجاز والرؤيا لا تفارقها
مذ رحل السبط إلى أرض السواد , وهي ترى النبي حزيناً مكتئباً .
وعندما تنحسر الرؤيا , تتذكر حزن الحبيب يوم فقَد ابنَه إبراهيم .
عانقه ثم قال – وعيناه تدمعان : إنّا بك لمحزونون .
ولكن حزنه الآن حزنٌ عميقٌ .. كبئر سحيقة .
لم تشاهده بهذه الحال أبداً .
رأت شعره المتموّج تموَّجّ الصحارى . رأته أشعث , ورأت وجهه القطني المشرَّب بحمرة الشفق مغبرّاً , وعلى رأسه التراب .
هدّ أمَّ المؤمنين القلقُ . كانت تدرك في قرارة نفسها أنّ شيئاً رهيباً قد وقع , فالحسين في أرضٍ طالما غدرت ْ بأبنائها .
أغمضت عينيها الواهنتين ,فرأت الحبيب َ مرة أخرى . أفزعها منظره .. كان ينكت التراب عن رأسه , وبدا شعره أشعث مغبرّاً :
- مالي أراك أراك أشعث مغبرّاً يا رسول الله .
أجاب آخر الأنبياء , وعيناه تدمعان :
-قُتل ولدي الحسين , ومازلتُ أحفر القبور له ولأصحابه .
انتبهتْ أمّ سلمه من الحُلم .. وجدت ْ نفسها تبكي بصوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر .
الباء يشق ّ طريقه في الليل .. يتسلّل من خلال الظلام الذي يغمر المدينة قبل الساعة التي ينفلق فيها الفجر .
النجوم ما تزال تومض كقلوبٍ واهنة ٍ أجهدها النبض .
أسرعت أمّ سلمة إلى قارورة فيها قبضة من ترابٍ كان جبريل قد أحضرها من شطآن الفرات .
كانت القارورة تفور دماً عبيطاً .. كجُرح بعيدَ الغوْر .. بركان من دم ثائر .
- واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ... اليوم مات رسول الله ... فاطمةُ الزهراء .
غبره كئيبة لفّت المدينة التي فقدتْ مجدها ...
هاهو أبو سفيان يقود جيوشَ الشرك مرّة أخرى , وقد عاد ليثأر من بدر .. يثأر لأبي جهل , وأمية , والوليد , وهبل , واللات والعزى .
-أين أنت يا رسول الله؟ . هلّم إلى سبطك تتخطّفه سيوف القبائل .. هلّم لترى ما يفعل طلقاؤك .. لقد سرقوا منبرك.. ينزّون عليه قردة وخنازير .
وهاهم اليوم يمزّقون قلبك .. يمزقون صدر الحسين !
انهم يطعنون المزن في السماء . فيا أرض اعطشي .. يطفئون وهجة الضياء . فيا شمس ارحلي .. يسحقون الورد والريحان . فيا أرض اهمدي .
وحين غاب الحسين حلّ زمن القهر , وبدت خيول العرب ذليلة .. ذليلة كصبايا السبْي .
ومضت أمّ سلمة تحثّ الخطى الى رسول الله .. تعزّيه في ريحانته .. أمّا الزهراء فما يزال مثواها مجهولاً يرسم علامة سؤال كبير يستفهم التاريخ .
استيقظت المدينة خائفة تترقّب .. أطلّت عيون زائغة ..
الأفاعي التي فرّت من مكّة ظهرتْ رؤوسها في دمشق ... فحيحها يملأ الفضاء .. يكاد يخنق كلمات السماء .
وانبعث أبو جهل يكرع كؤوس الخمر , ويعربد . وفرّ بلال وعمّار وسلمان .. كانوا يبحثون عن رسول الله , فلقد حمي الوطيس .. وطيس المعركة .


"4"


الغروب الحزين يقرض منازل المدينة المشهورة بالغدر, توهّجت ذرى النخيل بحمرة تشبه الجمر , فبدت ْ كجراح متألّقة .
دخلت القافلة التي جاءت على قدَرٍ العاصمة الدارسة .
كمومس عجوز بدت الكوفة ذلك الغروب.
احتشدت جموع مذهولة حول القافلة العجيبة .
سألت امرأة كوفية ربّما لتمسّ الجراح :
-من أي الأسارى أنت ؟
وجاء الجواب الصاعقة :
- نحن أسارى آل محمد .
وأومأت بنت محمد إلى الناس , فسكنت الأصوات , وبلغت القلوب الحناجر .
وبدت ْ وهي فوق ناقتها ملاكاً قادماً ن السماء .
سكت الناس , وتوقّف التاريخ يصغي إلى كلمات عليّ تنبعث من جديد :
- أما بعد يا أهل الكوفة , يا أهل الختل والغدر . أتبكون فلا رقأت الدمعة , ولا هدأت الرنّة . إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا , تتخذون أيمانكم دَخلاً بينكم . ألا وهل فيكم الا الصلف النطف والعجب والكذب والشنف , وملق الإماء , وغمز الأعداء .
كمرعى على دمنة أو كقصة عل ملحودة . ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخِط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .
كلمات تشبه الصواعق . وبدت الجموع كشواهد قبور دارسة تحترق .
كان الصمت ما يزال جاثماً فوق المكان كغراب أسطوري , وكانت الكلمات وحدها تدوّي في أذن التاريخ :
-أتبكون وتنتحبون , اي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً , فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ... فتعساً لكم وسحقاً , فلقد خاب السعي , وتبّت الأيدي وخسرت الصفقة , وبؤتم بغضب من الله ورسوله , وضربت عليكم الذلّة والمسكنة ... ويلكم يا أهل الكوفة ! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم , وأي دم له سفكْتم ؟! لقد جئتم شيئاً إدّا .. تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض , وتخرّ الجبال هدّاً ... لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض وملء السماء . أفعجبتم أن مطرت السماء دماً , ولعذاب الآخرة أخزى , وأن ربكم لبا لمرصاد .
كانت الكلمات تتدفّق قويّة كإعصار فيه نار, وكان صهيل ٌ غاضب يتردّد من بعيد .. قادماً من أرض كربلاء ...
ما يزال الحسين يقاتل .فالحسين لا يعرف الموت . لقد كشف سرّ الخلود , ومزّق بسيفه حجب الزمن . وهاهي زينب تشير بيدها نحو الدرْب .. الدرب الذي خطّه الحسين .
تساءل صوتٌ مدهوش :
- ولكن الحسين ما يزال في الرمضاء .. جسداً بلا رأس !!
- مجرّد إغفاءة .. وسينهض الفارس الذي دوّخ القبائل .. سيلمع سيفه كبروق السماء , وسينبعث جواده من مياه الفرات , وعندها ستشتعل المعركة من جديد ... .
كربلاء معركة متجدّدة في كل أرض مظلومة وفي كل زمان جائر .
وستغدو كلّ بقعة من دنيا الله كربلاء, وسيمتدّ يوم عاشوراء ليشمل كل الزمن . سيصبح أطول يوم في التاريخ , بل سيستوعب التاريخ كلّه .
- هاهي زينب .. هاهي بنت علي .
هتف حرّاس القصر , وهم يتطلّعون إلى قافلة قادمة .. قافلة تحوطها ذئاب غبراء .
هاهي زينب تتقدّم بخطى ً واثقة .. تدخل القصر .. ينبض في صدرها قلب عليّ , ويتألق في عينيها بريق الحسين .
وتتفتّح الأبواب أمام موكب من الأسرى .. تطفح فوق وجوههم العزّة والإباء . العيون النفّاذة تخترق أستار الزمن , تنظر إلى ما وراء الأيام ... .
لقد سقط يزيد وابن زياد .. تحّطمت عروشهم , وتهاوت قصورهم . أنهم لم يعودوا سوى جثث متعفّنة غادرتّها الروح .
أناخت القافلة رحلها في قصر يكاد يميد بأهله .. قصر تحرسه رماح ونبال .


"5"


جلس الأرقط متربعاً على عرشه . تقدحان شرراً , و ما تزال سكرة الليل ترسم آثارها فوق وجهه ... وفي عينيه لاحتْ كؤوس من خمرة ودماء .
كان يتصفّح وجوه "أسراه" . توقّف عند أحدهم . تسمّرت عيناه وارتدّ بصره خاسئاً وهو حسير , فهؤلاء لا تلوح عليهم سمات الأسْر أو القهر .
نظرات متحدّية تصفعه من كل صوب . وكانت ذلّة الأسر تلوح فوق حرّاسه و جلاوزته .
سأل الأرقط وقد غاظته هيْبة "الأسرى ":
- من هذه المتنكرة ؟!
كان الصمت المشوب بالاحتقار صفعة أطارت بقايا نشوةٍ تطوف في رأسه .
لم تجب المتنكرة .
حاول أحد الجلاوزة إنقاذ هيبة سيّده , فتمتم :
- إنها زينب ... زينب ابنة علي .
لمعت في عينيه شهوة الانتقام :
- الحمد لله الذي فضَحكم وقتَلكم وأكْذَب أُحدوثتكم .
وانتفضت المرأة الزوبعة :
- الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه " محمد" وطهّرنا من الرجس تطهيراً .
وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر , وهو غيرنا .
قال الأرقط متمادياً في شماتة ونفاق :
- كيف رأيتِ فعْل الله بأهل بيتكِ؟
- أجابت بنتُ محمد ٍ وهي تنظر إلى ما وراء الحوادث :
- ما رأيت ُ الاّ جميلاً . هؤلاء قومٌ كتب اللهُ عليهم القتْل فبرزوا إلى مضاجعهم , وسيجمع الله ُ بينك وبينهم فتحاجَّ وتخاصم , فانظر لمن الفلج يومئذ . ثكلتك أمّك يا بن مرجانة .
لم تنتَه المعركة بعد.هناك جولاتٌ أخرى .. جولات مريرة عنيفة .
كاد يتميّز غيظاً , وبدا كأفعى رقطاءَ تهمُّ بابتلاع ضحيتّها .
زاغت عيناه تطاير منها شرر كشَرر الجحيم المستعرة , وثار بركان حقدٍ في أعماقه , فنظر إلى أ حد جلاوزته .
كان رأس الحسين صامتاً , وكان صمته المحيِّر يتكلّم بلغة عميقة أو صرخة مدوّية تكاد تعصف بالقصر وساكنيه .
كفحيح حيّة جاء صوت الأرقط :
لقد اشتفيت من الحسين والعصاة المرَدة من أهل بيتك ِ .
تساءلت المرأة المقهورة : كيف أمكن لخنزير ان يسرق منابر الصدّيقين , تمتمت بحرقة :
- لعمري لقد قتلتَ كهلي , وقطعتَ فرعي واجتثثتَ أصلي , فإن يشفِكَ هذا فقد اشتفيت .
أدارت الأفعى رأسها نحو فتى عليل .. فتىً ادّخره القدر لزمن آخر .
سأل الأرقط : ما اسمك ؟
أجاب الفتى باعتزاز عليّ بن الحسين .
- أولم يقتل ِ الله ُ علياً ؟!
- كان لي أخ أكبر منّي يُسمى علياً , قتله الناس .
- بل قتله الله .
ردّ الفتى , والحكمة تتفجّر من جوانبه :
- الله يتوفّى الأنفس َ حين موتها , وما كان لنفس لتموت إلا بإذن الله .
زاغت عينا الأرقط غيظاً . أشار إلى أحد جلاّديه
- اضرب عنقه !
هبّت عمته معترضة :
-حسبك يا بن زياد من دمائنا ما سفكتَ , وهل أبقيت أحداً غير هذا , فإن أردت قتْله فاقتلني معه .
زاد الفتى من تحدّيه . إنه لا يرى سوى خرائب قصر ولا يرى سوى جثث متعفّنة :
- أما علمت أن القتل لنا عادة , وكرامتنا من الله الشهادة ؟!
الشهادة ليست موتا بل خلوداً ... الموت ان يتعفّن الإنسان .
والذي يعبر جدار الزمن وأوداجُه تشخب دماً ليس ميّتاً .
لا يموت من يصبغ الأرض بلون الشفَق الدامي .



تحياتي : بنتُ علي

توقيع : بنتُ علي
كانت شمعةً كلما احترق قلبُها أضاءت , وحين ذابت صارت
شمساً تنشر أشعتها في كل الكون !

كانت تلك (بـنـتُ عــلــــي ) !
من مواضيع : بنتُ علي 0 فتح باب التسجيل في حوزة البتول العلمية للعام 1433ه(تفاصيل الجدول الدراسي تجدوه هنا)
0 عوّام أنتِ وطني !
0 ماذا تعني إيران للشيعة ؟!
0 عاجل عاجل الله يرحم والديكم
0 سلام عليكم (اشكركم وابشركم بأني قد زرت العراق آخيراً !!!))
رد مع اقتباس