|
المستبصرون
|
رقم العضوية : 29295
|
الإنتساب : Jan 2009
|
المشاركات : 123
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
سوسو1492
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 29-01-2009 الساعة : 04:56 PM
بسمه تعالى
اخوكم من تونس يشكركم على السؤال واليكم الرد:
في الحديث الصحيح عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : كان علي بن الحسين (عليهما السلام ) يقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، و أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق ، و أيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله ، عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار [1] .
الأحاديث في الحث على البكاء على الإمام الحسين – عليه السلام – و ثواب ذلك مستفيضة بل لا يبعد دعوى التواتر فيها . و قد وقع ذلك محل بحث و سؤال إذ كيف يكون ثواب دمعة على الإمام الحسين – عليه السلام – هو دخول الجنة ؟! . و حتى يتضح الجواب نذكره في نقاط :
النقطة الأولى : ثواب البكاء من خشية الله – تعالى - :
روى الشيعة و السنة في ثواب البكاء من خشية الله تعالى أحاديث كثيرة و لا بأس بنقل بعضها لنرى ثواب الدمعة و أثرها .
أ – من روايات أهل البيت – عليهم السلام - :
1- في الحديث الصحيح إلى محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار ، فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجها قتر و لا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار , ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا [2].
2- في الحديث المعتبر قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) إن لم تكن بك بكاء فتباك [3].
3- في الحديث الموثق قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء ؟ قال : نعم ولو مثل رأس الذباب [4].
ب- من روايات أهل السنة :
1- في صحيح البخاري و صحيح مسلم – و اللفظ للبخاري - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله , إمام عدل , و شاب نشأ في عبادة الله , و رجل قلبه معلق في المساجد , و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه , و رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه , و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه [5].
2- روى الترمذي بسنده قال رسول الله صلى الله عليه [ و آله ] وسلم : لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح [6].
و هكذا نجد الأحاديث الشريفة تعطي هذا الثواب الجزيل للبكاء من خشية الله , و تحث على البكاء و لو بمقدار رأس الذباب , كما تحث على التباكي إن لم يستطع الإنسان البكاء , فما هو السر في هذا الثواب الجزيل للدموع ؟!.
النقطة الثانية : طينة الشيعة :
جاء في الروايات المستفيضة أن الشيعة – أو أرواح الشيعة - خلقوا من طينة أهل البيت – عليهم السلام - [7] , لذا فالشيعة يفرحون لفرح أهل البيت – عليهم السلام – ويحزنون لحزنهم , و حيث أن أهل البيت – عليهم السلام – يعيشون الحزن و المأساة في هذه الأيام فالشيعة يعيشون الحزن من الداخل . فحالة البكاء التي تعتري الشيعة نتيجة لما يعيشونه في داخلهم من حرقة و ألم على مصاب الحسين – عليه السلام - .
النقطة الثالثة : عبرة كل مؤمن :
استفاضت الروايات في أن الإمام الحسين – عليه السلام – عبرة كل مؤمن , فلا يذكر عند مؤمن إلا و استعبر [8]. و هذه الروايات توضح أحد العلامات للمؤمنين إضافة لما ورد في القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة من علامات و صفات للمؤمنين . فإن لم تكن هذه الصفة و العلامة موجودة عند الإنسان فعليه أن يسعى لاكتسابها و التحلي بها , لذا ورد الأمر بالتباكي . فالتباكي يساهم في الوصول إلى البكاء .
النقطة الرابعة : أجر الرسالة :
قال الله تعالى { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} سورة الشورى – 23 .
فأجر الرسالة في المنظور القرآني هو المودة في القربى . و ذلك لأن المودة الحقيقية لا تكون إلا مع الاتباع و الاقتداء . فالمودة الحقيقية تفضي إلى الاتباع , أما الاتباع بدون مودة و حب فإنه لا يكون كما ينبغي و يراد . و قد اتفق المسلمون جميعاً على وجوب مودة آل البيت – عليهم السلام – و إن اختلفوا في تفسير الآية المتقدمة و في تحديد من هم آل البيت – عليهم السلام - .
قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية( و يحبون أهل بيت رسول الله – ص – و يتولونهم , و يحفظون فيهم وصية رسول الله – ص- حيث قال يوم غدير خم ( أذكركم الله في أهل بيتي ) و قال أيضاً للعباس عمه – و قد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم – فقال ( و الذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله و لقرابتي ) و قال ( إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة , و اصطفى من كنانة قريشاً , و اصطفى من قريش بني هاشم , و اصطفاني من بني هاشم ) ... ) انتهى موضع الحاجة من كلامه . و قال ابن تيمية أيضاً في مجموع فتاواه ( 28 / 491 ) : ( و كذلك أهل بيت رسول الله – ص – تجب محبتهم و موالاتهم و رعاية حقهم ) انتهى موضع الحاجة من كلامه .
إلا أن لهذا للحب و المودة و الموالاة و رعاية الحق علامات , و ليس مجرد إدعاء بدون دليل , و لا يكفي مدحهم ببضعة أسطر في التراجم . و من علامات المحب أن يبكي لبكاء حبيبه و يحزن لحزنه و يذكر مصائبه و يكثر من ذكره و يقتدي به .
النقطة الخامسة : تعظيم شعائر الله – تعالى - :
قال الله تعالى { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } سورة الحـج – 32 , و لا شك أن ذكر أهل البيت – عليهم السلام – و ما جرى عليهم من مصائب و البكاء عليهم و المشاركة في مجالس و مواكب العزاء و ذكر مناقبهم و فضائلهم و تعاليمهم و فكرهم و أحاديثهم من أبرز مصاديق تعظيم شعائر الله تعالى .
النقطة السادسة : التشبه بالأنبياء و الأوصياء :
ذكر في بعض الروايات بكاء أنبياء – و على رأسهم خاتم الأنبياء و المرسلين - على الإمام الحسين – عليه السلام – . و من سيرة الأئمة الأطهار البكاء عليه . و لا شك أن التشبه بهؤلاء و الاقتداء بفعلهم أمر مطلوب و مرغوب و فيه الأجر الجزيل .
النقطة السابعة : المحافظة على النهضة الحسينية :
قال الإمام الخميني – عليه الرحمة – (إنّ البكاء على الشهيد يعدّ إبقاءً على اتقاد جذوة الثورة وتأججها، وما ورد في الروايات (من أنّ من بكى أو تباكى أو تظاهر بالحزن فأجره الجنة) إنما يفسَّر بكون هذا الشخص يساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين (سلام الله عليه) ) انتهى .
في تلك العصور المظلمة كان الحسين محارباً حتى بعد شهادته , فمنعوا الناس من ذكر مصابه و من زيارته , فحثّ الإئمة – عليهم السلام – على نصرة الثورة الحسينية كل من موقعه , فالشاعر بشعره , و الخطيب بلسانه و نعيه , و عموم الناس ببكائهم أو تباكيهم . فالبكاء أسلوب من أساليب تذكير الذات و الآخرين بهذه الثورة و المبادئ والقيم . و هو أسلوب للتبليغ و الإعلام للثورة الحسينية .
النقطة الثامنة : بناء شخصية الموالين و اتحادهم :
قال الإمام الخميني – عليه الرحمة - ( إنهم لا يدركون أنّ هذه التعزية والمراثي تصنع الإنسان وتبنّي شخصيته ) انتهى .
هناك عوامل لبناء شخصية و هوية الإنسان الموالي لأهل البيت و للمحافظة عليها , و على رأس هذه العوامل اجتماع الموالين في مكان و وقت واحد . فهذه الاجتماع يعزز الشعور بالانتماء , و بالشخصية الدينية و الهوية, و به يلملم الجروح , و ينبغي أن تكون هذه الاجتماعات منطلقاً للوحدة و الاتحاد , فالجميع ضيوف عند أهل البيت – عليهم السلام - , و الجميع جاؤوا يعزون رسول الله و أهل بيته – صلى الله عليه و آله - . ليس لدى الشيعة موسم يجتمعون فيه كعشرة محرم الحرام . فهي أيام عشرة خلال السنة كاملة يجتمع فيها المؤمنين لإحياء شعيرة دينية تذكرهم بهدفهم و قضاياهم .
النقطة التاسعة : اللغة العالمية هي لغة الحب و العاطفة :
اللغة التي يفهمها جميع الناس – على اختلاف اللغات و الأجناس و الأديان و المستوى الثقافي و العقلي - هي لغة الحب و العاطفة . لذا ورد التركيز على هذه اللغة في تبليغ الثورة الحسينية . أما لغة العلم و الثقافة فهي ضرورية جداً و رئيسية لكن لا يفهمها ولا يتأثر بها و لا تجذب الكثير من الناس .
النقطة العاشرة : كربلاء عَبرة و عِبرة , علم و عمل :
لا شك أن البكاء على الإمام الحسين – عليه السلام – مطلوب و عليه الثواب الجزيل , و لكن يجب أن يحمل هذا البكاء أبعاداً أكبر و أسمى , و يجب أن يستفيد المؤمنون من هذا المجالس فيما يرجع إلى أمور دينهم و دنياهم و آخرتهم , و يجب أن تحمل هذا المجالس أبعاداً دينية و اجتماعية و ثقافية و غيرها . و على كل فرد أن يعي مسؤوليته في هذا الشأن . فالقضية ليست قضية دموع فحسب , و القضية ليست قضية محاضرة قيمة فحسب , بل يجب أن يسأل كل منا نفسه قبل أن يسأل الآخرين , و يجب أن ننتقد أنفسنا قبل أن ننتقد الآخرين : ماذا تعلمنا من مدرسة كربلاء ؟ . ليجلس كل مؤمن مع نفسه و يسألها هل تأثرت عملياً و خارجياً و واقعاً بدروس الحب الإلهي من كربلاء ؟ هل انعكس شعاع من إيثار أبي الفضل العباس – عليه السلام – على روحي و واقعي و أصبحت من المؤثرين ؟ هل انعكس شعاع من كربلاء في واقعي فأصبحت أقدم كل شيء في سبيل خدمة الدين ؟ هل دوّت صرخة الإمام الحسين – عليه السلام – في أسماعنا فهببنا لنصرته ؟ هل أصبحت المرأة تدفع زوجها لأعلى عليين كما فعلت امرأة زهير بن القين ؟ .
أيها الأحبة .. كربلاء ليست دمعة فقط , و ليست محاضرات فقط , بل هي مدرسة يتخرج منها الأجيال و تغيّر ما بأنفسهم و ترفعهم إلى أعلى عليين , هي مدرسة ينصهر فيها المؤمن ليصبح قلبا و قالبا و واقعاً و بكل ذرة من ذرات وجوده كما يحب الله و رسوله – صلى الله عليه و آله - . هي مدرسة للعمل و ليست مدرسة للمعلومات المجردة . و في هذه المدرسة يجب أن تسعى بنفسك و لا تتكل على الآخرين ليقوموا هم بتغييرك و إيجاد التحوّل الجذري في روحك و حياتك , فإن التغيير يجب أن ينبع من ذاتك , و الحر تكفيه الإشارة .
[1] كامل الزيارات- جعفر بن محمد بن قولويه- باب ثواب من بكى على الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ص 201 ح 1 .
[2] الكافي - الشيخ الكليني ج 2 باب البكاء ص 481 ح 1 .
[3] الكافي - الشيخ الكليني ج 2 باب البكاء ص 483 ح 8 .
[4] الكافي - الشيخ الكليني ج 2 باب البكاء ص 483 ح 9 .
[5] صحيح البخارى - البخاري ج 2 ص 116 . صحيح مسلم - مسلم النيسابوري ج 3 ص 93 .
[6] سنن الترمذي - الترمذي ج 3 ص 93 .
[7] راجع كتاب الكافي ج 1 باب خلق أبدان الأئمة و أرواحهم و قلوبهم – عليهم السلام - , و كتاب بصائر الدرجات – باب خلق أبدان الأئمة – عليهم السلام – و قلوبهم و أبدان الشيعة و قلوبهم لئلا يدخل الناس الغلو في عجائب علمهم ص 34 , و باب خلق أبدان الأئمة – عليهم السلام – و في خلق أرواحهم و شيعتهم ص 39 .
[8] راجع كتاب كامل الزيارات - الباب ( 36 ) في إن الحسين ( عليه السلام ) قتيل العبرة ، لا يذكره مؤمن إلا بكى , ص 214 .
|
|
|
|
|