ما هى الاسس العلمية لتربية المراهقين
سماحة الشيخ حبيب الكاظمي
ان مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين منالمهتمين بامور التربية .. حيث أن الأولاد يبقون حتى سن معينة ، تحت قبضة الوالدين، لكنهما كثيرا ما يسيئان استثمار هذه السيطرة ، ليندما بعد خروج الولد عن دائرةقبضتهما ، زواجا ً ، أو هجرةً ، او دراسةً .. فكم من الحري بهما أن يعطيا للموضوع حقهمن التفكير و الوقت.. اذ من المعلوم ان الولد الصالح من مصاديق الصدقة الجارية التيتنفعهما بعد الموت !
إن للانسان تكوين بدني وتكوين نفسي .. فكما أن هناكجسما ً يتحرك فهناك روح تنمو.. ولهذا فانه في الوقت الذي نهتم فيه بالنمو الجسميلأولادنا ، فانه يتحتم علينا أن نهتم بأرواحهم ونموها ، هذا النمو الذي يبلغ أوجفورانه - تكاملا ً أو تسافلا ً- في مرحلة المراهقة.
ان هناك عناصر مؤثرة فيتربية المراهق وسلوكه .. فمنها ما هو ذاتي : كالصفات الوراثية ، والبنية النفسيةوالعقلية ، و من الواضح ان هذه الخصوصيات - رغم تميزها من فرد عن أخر حتى ضمنالأسرة الواحدة- لا تعني أبدا ً حالة من ( الجبر) في تحديد سلوك الأنسان .. ومنهاما هو محيطي : كسلوك الآباء ، والأقارب المنحرفين ، والأصدقاء ، والجو المدرسي ،وأخيراً وسائل الإعلام المختلفة التي كثيراً ما أصبحت من الأدوات الشيطانية المسببةلانحراف أبنائنا.
اننا نلاحظ فى حالات كثيرة سلامة التكوين الذاتي لدىالأبناء وعدم وجود خلل فيه .. و لكن - مع الاسف - نرى ان سلوك الأبوين داخل الأسرة : من حيث وجود خلاف أو نزاع بينهما، أو عدم التزامهما بتعاليم الشريعة ، أو إهمالالأولاد داخل المنزل والانشغال عنهم بشؤونهم الخاصة ، هو الذي يؤدي إلى نشوء أنواعمن الخلل في سلوكهم الجوارحى والجوانحى ، وبذلك يكونان في هذ! ه الحالة ، هماالمؤاخذان اللذان يتحملان المسؤولية يوم القيامة .
نلاحظ أن بعض الآباء لايعرفون من هم أصدقاء أبنائهم، وما هي توجهاتهم وميولهم ، والحال أن هؤلاء هم الذينيرسمون سلوك الأبناء من حيث لا يشعرون ! .. ولطالما رأينا ان الأهل يبذلون أقصىالجهود- نفسيا ً وفكريا ً- لتربية ولدهم تربية صالحة حتى سن الثامنة ! عشرة ، و لكنليلة من الليالى الحمراء ، أو سفرة إلي الأماكن المشبوهة، أو معاشرة منحرفة واحدة ،تجعله ينقلب رأسا ً على عقب ، ويا لها من خسارة كبرى!.. ولذا لا بد من مراقبةالأولاد مراقبة دقيقة وكاملة ما دام في ذلك صيانة لهم عن المفاسد، بمراقبة منيعاشرون، وأين يذهبون، واستخدام الفخاخ التربوية المناسبة في هذا المجال.
منالمؤثرات المحيطية على سلوك المراهقين هو الجو المدرسي .. فمن الملاحظ أن المدرسةفي هذه الأيام ترسم مساحة كبيرة من حياة الشاب.. ومع هذا فان من المؤسف أن بعضالأباء - من أجل التوفير المادي ، أو القرب المكانى ، او ما شابه ذلك - يختارونمدرسة منحرفة، أو معروفة بالأجواء التربوية غير السليمة أو المختلطة ، لتكون منبتاً لأبنائهم.. والحال أن الأنفاق المادي في هذا المجال هو استثمار مضمون النتائج.. وهو أجدى بكثير من الأنفاق على كماليات الحياة !!.
من التوصيات العمليةلتربية المراهقين هي الحوارية الهادفة، حيث نلاحظ أن الشباب في هذا العصر يملكونإطلاعا ً واسعا ، ً وقدرة تحليلية في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة ، وبما أنالساحة مليئة بالأفكار المستوردة ، والانحرافات الثقافية ، والمفاهيم الزئبقية التىيساء الاستفادة منها ، فان من اللزام علينا أن نأخذ بيد الشباب الذين يعيشون شيئامن الحيرة الفكرية التى هى من افرازات الحرية ال! فكرية !!.. ولا يتم ذلك الابالنقاش مع صدر واسع ، بدلا من المواجهة والاتهام بالانحراف أو الكفر، فان ذلك منموجبات العناد والتمسك بتلك المفاهيم ولو من باب التحدى والاغاظة !!. وقد جاء بمايقرب من هذا المضمون الشريف : ( أدبوا أولادكم بغير أدبكم .. فأنهم خلقوا لزمان غيرزمانكم).
ومن التوصيات العملية للآباء : إنشاء حالة من الصداقة مع الولد،والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب ( العصا والخيزران )!.. ان من شانهذه الصداقة ان تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه - وهما الأعرف بما يصلحه - بدلامن الالتجاء إلى الغرباء ! .. كما أن على الأب أن يختار بنفسه المجموعة السليمة منالأصدقاء كشباب المساجد مثلا ، قبل أن يختار هو بنفسه بطانة السوء .
ومنالتوصيات المهمة للآباء : هو إظهار حبهم و مشاعرهم و رضاهم للأبناء ، و الابتعاد عنالاتهام و سوء الظن !.. حيث يلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهماً في المنزل ، فإنهسيفقد الثقة بنفسه ، و من هنا ينبغي على الاب الذى يرى من ولده بادرة حسنة ، أنيستثمر الفرصة و يشجعه و يمتدحه معبراً عن ذلك بفرحةٍ وجائزة .. ومن المعلوم أن عاملالاجرو الثواب من الأمور المشجعة حتى للبالغين ، وهو ما نلاحظه أيضا في مجال الحثعلى المستحبات من قبل الشريعة السمحة.
إذا كان الأمر الإلهي لموسى و هارون (ع) أن يقولا لفرعون قولاً ليناً.. أليس من ! الأولى أن يكون قولنا لأولادنا - و همرعيتنا و قرة أعيننا و صدقتنا الجارية - من مصاديق اللين من القول ؟! .. أليس فيذلك امتثال لقوله تعالى : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} و{ لا إكراهفي الدين } ؟! .. ولنطلب العون من الله تعالى، و ندعوه قائلين : { ربنا هب لنا منأزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} ، ليباهي الرسول (ص) بمثل هذهالذرية ، فى قبال الأمم الاخرى يوم القيامة.