العراقيون على علم بإمكانات السيد مقتدى الصدرالمالية ، فلم يكن من رجال المال والأعمال ، ولم يورث عن والده الراحل ثروة تذكر، ولأنه لم يضطلع بوظيفة حكومية مرموقة لا في عهد النظام السابق ولا حاليا ، كما فعل الكثير من أبناء العلماء الدينيين وقادة الأحزاب الدينية القديمة والجديدة ، فلم يدنس الصدر يديه أو ضميره بأي من تلك الأموال والممتلكات الحرام ، وهي ميزة يندر وجودها في هذا الزمن الغريب.
لكن ما يثيرالاستغراب هو سخاء الصدر في تمويل نشاطات جيش المهدي ، الحركة المسلحة التي يتزعمها والتي أصبحت في فترة قصيرة جدا قوة يحسب لها الحساب ، لما لها من قدرات قتالية ، واسلحة ثقيلة متقدمة ، استخدمت ضد قوات التحالف والجيش والشرطة العراقيين. وفي الأسبوع الماضي أصدر السيد الصدر بيانا ذكر فيه انه " خصص أموالا كبيرة للعناية بالمعتقلين من أنصاره، وتحسين ظروف اعتقالهم ومنع ممارسة التعذيب ضدهم، وتعويض عائلاتهم، ومنح تعويضات للمتضررين من اعمالهم ".
نستطيع الجزم بأن هذه الأموال لم يوفرها من راتبه الشحيح كطالب علم في الحوزة الدينية بمدينة قم الإيرانية ، لأننا نعرف إن دخل طالب الحوزة لا يكاد يكفي قوت عائلة صغيرة. لكن لماذا يبدي الصدر تعاطفه مع أولئك المحكومين بعقوبة الاعدام الذين ثبت ارتكابهم جرائم قتل واغتصاب وخطف وتهجيرالناس من ديارهم ومدنهم ؟
السيد الصدر لاشك سمع عن هذه الجرائم سنينا قبل أن تشن الحكومة عملية " صولة الفرسان " ، ولم يتدخل أبدا لمنع أفراد جيشه عن استهداف النساء سيئات الحظ وتقطيع أوصالهن ورميها على قارعة الطريق بحجة التبرج وعدم ارتداء الحجاب الذي فصلوه كما يشتهون ، ولم يحرم عليهم اغتصاب المختطفات المظلومات مقابل فدية لم تنقذ واحدة منهن. ولم يدعو الجهات المسئولة للتصرف بحزم تجاه أفراد جيشه العقائدي الخارجين عن النظام العام. إن الأدلة الجنائية الكثيرة على ارتكاب أفراد جيشه لتلك الجرائم مع سبق الاصرار منحت القوة المادية للمحاكم لإيقاع الجزاء العادل بحقهم. وبعد أن صدرت الأحكام باعدام أكثر من مائتي قاتل من المتورطين بدماء العراقيين والعراقيات خرج السيد الصدر بمشروع جديد لاعادة الاعتبار للمدانين من أفراد جيشه. فاستقبل بالأحضان زعيم عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي وعددا من أفراد عصابته ودعاه الى العودة الى تياره ، وهو نفسه من وصف العصائب في بيان سابق له أنهم " مجموعة منشقة وبأنهم من قتل الجيش العراقي وشرطته بل والمدنيين العزل " وقال بالحرف الواحد " أتبرأ منهم وأعلن عصيانهم لأوامري وقراراتي ، وأسأل الله ألا يعيد نشاطهم فهم كحشرة تنخر في المجتمع العراقي الحبيب".
وبين أيضا انه قام بالتبرؤ من العصائب " لأنهم سبب تأجيج الفتنة الطائفية والاهلية والحكومية التي ادت الى الاعتقالات، لانهم كانوا لايميزون بين المحتل والمدني وينشرون عبواتهم الناسفة في المدن والمحلات على عكس الاوامر الصادرة منا ".
إن دعوة السيد الصدر لعصائب أهل الحق للاندماج مجددا بتياره أمر يثير الغضب وعدم التصديق ، فهو يعرف جيدا فظاعة الجرائم بحق الأبرياء التي أرتكبتها عصائب أهل الحق وبالأخص زعيمها قيس الخزعلي. وهي نذير شؤم لما ستأتي به الأيام والأسابيع القادمة ، ولا ينبغي التهوين من نتائجها على واقع الحياة اليومية للعراقيين. ومن تابع تحركات الصدر الأخيرة بدءا بلقاءاته التي أجراها مع السيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بهدف الضغط لاطلاق سراح أنصاره من السجون والمعتقلات ، وبيانه الشديد اللهجة ضد حكومة المالكي بعد تفجيرات الأثنين الماضي ، يستشف منها موجة جديدة من العنف لا شك تلوح في الأفق تحت ستار مقاومة المحتل. وما يرميه السيد الصدر من وراء المطالبة باطلاق سراح الذين ما يزالون في السجون ، واستعداده لضمهم إلى تياره يمكن تفسيره كالآتي :
إن الغرض من إطلاق سراحهم هو إعادة استخدامهم كآلة قتل خبيرة في اختيار ضحاياهم وبث الرعب بين الناس ، وباعتبارهم قوى مدربة على استعمال مختلف أنواع الأسلحة ، فليس من الحكمة إزهاق أرواحهم بالمشانق بينما يمكن إزهاقها بعمليات " انتحارية هادفة " تسقط عنهم ذنوبهم و ينالوا عفوا الاهيا.
أما تصريحات السيد الصدر والاعلان عن قرب عودته للعراق فيأتي ضمن حملته لاعادة الاعتبار لتياره ، وأيضا للمساهمة بحملته الدعائية لمرشحي تياره من جهة ، ومن جهة أخرى ، إلحاق الضرر بقائمة رئيس الوزراء الانتخابية ، حيث طالب المواطنين بصورة صريحة بعدم التصويت لها في الانتخابات المقبلة ، كونها خاضعة للاحتلال وغير مكترثة بدماء العراقيين. لكن ما صرح به السيد الصدر أخيرا يعني أكثر وابعد من حملة انتخابية
فقد جاء في بيان قال فيه " أصدرت الأوامر إلى المقاومة الشريفة بتنفيذ بعض العمليات ضد المحتل ليكون ضاغطا على الحكومة والمحتل للافراج عن المعتقلين ". لقد أراد السيد الصدر ببيانه هذا توجيه الضغوط على المالكي لدفعه باتجاه مواقف أكثر شدة من القوات الأمريكية في العراق ، لضمان انسحابها الكامل وعدم الأحتفاظ بوجود لها بعد 2011.
فيما أعلن التيار الصدري من جهته على لسان المتحدث باسمه الشيخ صلاح العبيدي ، وهو أمر عودنا عليه الشيخ خلال السنوات السبعة الماضية ، نافيا " وجود نوايا لدى التيار باستخدام السلاح أو وجود أي تصعيد" مشيراً إلى أن البيان الصادرعن مكتب الصدر قبل يومين قد "شدد على حرمة إراقة الدم العراقي أو التورط به مطلقاً من قبل جماعة التيار، لأن هذا الأمر بمثابة خط أحمر يجب عدم تجاوزه".
لكن التيار وجيشه تجاوز كل الخطوط الحمراء حتى لم نعد نميزها عن أنهار الدماء التي سالت في النجف وكربلاء والبصرة والناصرية ومدينة الصدر.
كيف تستقيم الحياة مع هذا التناقض الصارخ يا حضرة الشيخ ، وأي تيارهذا الذي يدعى إليه قتلة محترفون ، وهل تبقى أي حرمة للدروس الدينية التي دعي إليها قاتل مثل الشيخ قيس الخزعلي ، وهل تبقى أية قدسية لدين تنتمي إليه عصابة قتلة يتزعمها قاتل كقيس الخزعلي ، وهل تبقى أية قيمة لعمامته حتى لو نال درجة آية الله العظمى؟
علي الاسدي-كاتب عراقي
يجب ان توحد الجهود امام هكذا تمريرات وان لايغض الطرف عنها بحجة التحالف والتالف
هناك مخطط لتمرير هكذا جموع ارهابيه مطلوبه للعداله
وضغط يمارس على الحكومه من اجل الاذعان لها