كثير من الآباء والأمهات يظنون أن الطفل ليست له إرادة، وأنه يمكن أن يتحرك بالـ «ريموت كونترول» كما يريدون، وحتى وهم معترفون بوجود هذه الإرادة، يريدون إلغاءها، لأنهم يعتقدون أن عندهم خبرة وعندهم معرفة بالحياة أكثر من هذا الطفل، فلابد من أن يختاروا له طريقته في التفكير، وفي الحياة وفي تحديد الأهداف والأساليب وكل شيء، وكثير من الآباء والأمهات يصلون إلى درجة أن يحاولوا جعل هذا الطفل صورة طبق الأصل منهم، وهم يعتقدون- واهمين - أنهم أفضل صورة إنسانية ممكنة أو أفضل نموذج ممكن، وعندما يواجه الطفل بمحاولة إلغاء إرادته، يبدأ في اتباع سلوك العناد، وهذه مشكلة كثير من الآباء والأمهات.
إن الأب والأم وصلا لما هما فيه حالياً بعد مراحل كثيرة من التجارب والأخطاء والنضج والتعلم، ويريدان أن يأخذ الطفل أو الطفلة النمط نفسه الذي وصلا إليه في هذه المرحلة من العمر، مثلاً هما في الأربعين أو الخمسين، يريدان أن يكون لطفل أو طفلة في عمر خمس سنوات أو عشر سنوات آرائهما وتوجهاتهما نفسها، وهذا ضد الفطرة، وضد طبيعة الإنسان، وضد إرادته واختياره ومسؤوليته التي خلقه الله عليها، ولو أصر الأب والأم على هذا، تحدث المشكلة التي نراها دائماً.
حقيقة عناد الطفل، تكمن في أن الأب والأم دخلا في شرنقة الماضي، ولم يتمكنا من رؤية احتياجات الطفل وضروراته وظروفه والدنيا التي يعيش فيها، فهو يعيش في دنيا مختلفة كثيراً عن دنياهم، وبما أن لديهما سلطة على هذا الطفل، فإنهما يحاولان التحكم فيه، وجعله يمشي على شريط القطار الذي حدداه له.
النتيجة ستكون شيئاً من اثنين، إما أن يستسلم الطفل تحت هذا الضغط والقهر من الأبوين، فيكون طفلاً سلبياً واعتمادياً ليس له إرادة ولا اختيار ولا مبادرة ولا تلقائية ولا أي شيء على الإطلاق، هو أسلم كل شيء للأب والأم، وفي الوقت نفسه يقوم بعمل شيء يسمى العدوان السلبي، فمن الممكن أن يفشل دراسياً أو اجتماعياً أو أخلاقياً، هو قد سلم نفسه، ويريد أن يحمل نتيجة هذا الفشل للأب والأم اللذين أصرا على التحكم في خط سيره، وعلى جعله صورة طبق الأصل من الذي يريدانه.
ومن الممكن أن يتمرد الطفل، أن يرفض عمل أي شيء، ويصبح عدوانياً، يفعل ضد كل ما يقولانه له، ويصبح عنيفاً جداً، لأن هناك صراع إرادات، إما أن أكسب أنا أو أنتما، وطالما لدي شيء أستطيع عمله، فسأقوم به، وسنرى في النهاية من سيكسب، وتكون رحلة صراع مؤلمة وضارة للطرفين، وتتراكم فيها مشاعر سلبية عند الطفل تجاه الأبوين، وعند الأبوين تجاه الطفل، ويدخل الجميع في أزمة، لا يستطيعون الخروج منها، إلا لو دخل طرف ثالث، يفك هذا الاشتباك، ويبدأ في إخراج هذه المشاعر السلبية التي تراكمت ومشاعر الصراع والعداء التي تكونت نتيجة لإصرار كل طرف على إلغاء إرادة الطرف الآخر.