قال تعالى: { ... فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْلِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا ... } ، وقال : { ... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ... } . كيف يلتئم ذلك مع قوله : { ... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } ، وقوله : { ... لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } ؟! .
الكاتب : سماحة العلامة المحقق الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله
النسيان في الآيتَين الأَوّليتَين هو التناسي والتغافل ،أمّا المنفّي في الآيتَين الأخيريتَين فهي الغفلة والنسيان حقيقة .والنسيان ـبمعنى التناسي ـ في القرآن ، كما في قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنقَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾[1]أي تناسى العهد ولم يأخذ بجدٍّ ؛ إذ لو كان نَسيَ حقيقةًلكان معذوراً ، إذ لا مؤاخذة على التناسي عقلاً ولا لوم عليه .
وقوله : ﴿وَلَاتَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ...﴾[2]أي تَغافلوا حضورَه تعالى في الحياة ؛ ومِن ثَمَّتغافلوا ولم يأخذوا كرامة الإنسان بجدّ .
فقوله تعالى : ﴿قَالَكَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾[3]يعني نَبَذتَ آياتنا وراء ظهرك ولم تأخذها بجدٍّ ، فكذلكاليوم تُنسى ولا تَشملك العناية الإلهيّة .
كما في قوله تعالى : ﴿... فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ...﴾[4] أي استهانوا بشأن الكتاب واستعاضوا به مَتاع الحياةالدنيا القليل ، وهو مِن التغافل في الأمر والتساهل فيه وليست حقيقة الغفلة . وهكذاجاء في الجواب فيما نُسب إلى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال :
( أمّا قوله : ﴿... نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ...﴾[5]فإنّما يعني : نَسوا الله في دار الدنيا ، لم يَعملوابطاعته ، فنَسَيهم في الآخرة أي لم يَجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسيّينَ منالخير ، وقد يقول العرب : قد نَسيَنا فلان فلا يَذكُرُنا ، أي إنّه لا يَأمر لنابخير ولا يَذكُرُنا به ، وأمّا قوله : ﴿... وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾[6] فإنّ ربّنا تبارك و تعالى ليس بالذي يَنسى ولا يَغفل بلهو الحفيظ العليم ) [7] [8]