|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 3089
|
الإنتساب : Mar 2007
|
المشاركات : 48
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الفقهي
الوجدان ودليل الحق
بتاريخ : 13-07-2007 الساعة : 03:58 PM
تـقـديـم سماحة آية الله العظمى السيد محمود الحسني (دام ظله الوارف) تأليف ضياء حاتم
مقدمة السيد الحسني(دام ظله):-
اللـّهمَّ عجّل فرج وليك قائم آل محمد(u) وفرّج عنـّا بفرجه , .... اللـّهمَّ ابتـرْ بهِ الظلم , وبثَّ جبال الغشم , و اخمد سوق المنكر , وأعز من عنه ينزجر , و احصد شأفة أهل الجور , وأنزل عليهم المثلات , وأمت حياة المنكر, ليأمن المخوف , ويسكن الملهوف , ويشبع الجائع , و يحفظ الضائع , ويأوى الطريد , ويعود الشريد , و يغنى الفقير , ويجار المستجير , ويوقـّر الكبير , ويرحم الصغير , ويعز المظلوم , ويذل الظالم , وتنفرج الغمّاء , وتسكن الدهماء , ويموت الاختلاف , ويعلو العلم , ويشمل السلم , ويجمع الشتات , ويقوى الإيمان , ويتلى القرآن ... .
وبعد ..... هذه الحلقة (17) من السلسلة الوافية لرد شبهات الأدعياء الواهية .
يبين فيها الباحث بأسلوب مبسط وبأدلة وجدانية معنى الدليل الوجداني وتطبيقاته من قبل الشارع المقدس واعتماده حجة تامة على جميع المكلفين وبكل المستويات , وهذا ما عجز عن الوصول إليه وبيانه العديد ممن يدّعي لنفسه المناصب العلمية الحوزوية وغيرها , وحتى من يدعي لنفسه الاجتهاد والأعلمية .
وفق الله تعالى المؤلف لنصرة الحق وأهل الحق وجعله من السائرين في خط إمام العصر(u) وثــَبّتـَهُ الله تعالى وثــَبّتـَنا على ذلك .
والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين الحمد لله رب العالمين والحمد حقه كما يستحقه حمدا ً كثيرا ً , اللهم صلِّ على محمد وآل محمد أُولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم وعرفتنا بذلك منزلتهم , اللهم اجعل أحسن ما نقول ثابتا ً في قلوبنا واجعلنا عظماء عندك وأذلة في أنفسنا وانفعنا بما علمّتنا وزدنا علما ً نافعا ً وأعوذ بك من قلب ٍ لا يخشع ومن عين ٍ لا تدمع ومن صلاة ٍ لا تقبل .
أما بعـد:
فإن في تحصين العقل بالأفكار الصحيحة وتعويده على التفكير السليم وإعادة الإنسان الى الفطرة السليمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى لكل فرد من أهم ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية المقدسة , وهذا الأمر من أوضح الواضحات في مصادر التشريع الإسلامي – القرآن وسنة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) – وما ورد من النصوص الكثيرة في هذا المجال موجّه كما هو معروف الى كل البشرية على اعتبار ان الله سبحانه وتعالى لم يحرّم أي أحد من حق التفكير وتقرير المصير ولم تختص هذه المسألة بالعلماء والمثقفين فقط وانما تجاوزتها الى أدنى مستويات التفكير في كل المجتمعات وضمنت لها الأدلة المناسبة كلٌ حسب فهمه واستيعابه .
فهذا الأُسلوب الشريف في الدعوة الشاملة الى المبادئ قد أثبت نجاحه الباهر على كافة الأساليب لأنه الأقرب إلى النفوس كافة وهو وقع في القلوب عامة .
يقول السيد محمود الحسني(دام ظله) في بعض كلماته ما مضمونه :- ((إني طرحت أدلة إثبات الاجتهاد والأعلمية بشكل مبسط يتناسب مع أكثر طبقات المجتمع الفكرية لكي تكون الفرصة سانحة للجميع في مجال تحديد المصير وإتباع الحق)) .
والملاحظ في أدلة السيد(دام ظله) أن أكثرها أدلة وجدانية مبسّطة تحرك النفوس وتحث العقول مهما كانت بسيطة لاتخاذ القرار وكسر طوق العزلة الفكرية التي يعاني منها أكثر أبناء المجتمع بسبب تدني المستوى الثقافي وعدم وجود فرصة مناسبة . كالتي منحها السيد لكافة أبناء المجتمع
وهذا المنهج الذي اتخذهُ السيد(دام ظله) في طرح الأدلة إنما هو تتبع لخطى الأنبياء والمصلحين وفي مقدمتهم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين(عليهم السلام) الذين أوصلوا الرسالة المقدسة الى كل ضمير حي مهما كان مستواه الثقافي من التدني.
والمفروض أننا نفتخر بهذا الأُسلوب للدعوة لأن فيه احتراما ً عظيما ً للإنسانية جمعاء , لا أن نطلق الافتراءات حوله أو نصفهُ بأنه بدعة أو أنه خلط أوراق... وإلى غير ذلك من الافتراءات ولأجل بيان أصالة هذا الأُسلوب في الدعوة ومدى عمقهُ في التاريخ الإسلامي سنقوم بعرض مبسّط لبعض الأمثلة من القرآن والسيرة الطاهرة توضّح المسلك الوجداني الذي اعتمده القرآن وأهل البيت(عليهم السلام) في نشر الرسالة السماوية .
الـقـرآن ودلـيـل الوجـدان بسم الله الرحمن الرحيم {أَفَلا يَـنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ # وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ # وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نــُصِبَتْ} سورة الغاشية الآية /17- 19
هذه الآيات الكريمة كما هو واضح تدعو للتفكير في هذه المخلوقات والنظر الى بديع صنعها وعظيم تنسيقها وبالتالي التفكير بصانعها وقدرته جلَّ في عُلاه , فهل كانت هذه الدعوة للتفكير أو الدليل الذي طرح في هذه الآية خاص بالمثقفين أو العلماء أم أنها دعوة لكافة البشرية ودليل ناجز على الكـل مهما كان جهله أو مستواه الثقافي ؟ هذا من جهة , ومن جهة اخرى حينما نعرض هذا الدليل لأهل المغالطات الفلسفية والمنطقية ألا يمكن أن يطعنوا بهِ ويخرجوه تخريجا ً عكسيا ً ؟
بالطبع هم يستطيعون ذلك إلا أنهم لا يستطيعون أن يغالطوا الوجدان أو يطعنوا به , وكل مغالطاتهم وقوانينهم الباطلة تنهار تلقائيا ً أمام ما وهب الله من قدرة لتمييز الحق ورفض الأباطيل .
وهذه آية شريفة اخرى كمثال للدعوة بالادلة الوجدانية , قال الله تعالى في سورة الروم الآية /9 { أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَْرْضِ فَيَنـْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الأَْرْضَ وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانـُوا أَنـْفُسَهُمْ يَظْلِمُون} .
أقول :-
هل ان السير في الأرض والنظر إلى آثار الماضين لأخذ العِبرة منهم خاص بالمثقفين وأصحاب المناصب العلمية أم أنه نداء إلهي موجّه إلى كل من يمتلك الوجدان الحي والبصيرة الحقيقية لتمييز الحق وأخذ العِظة .
والأمثلة عزيزي القارئ كثيرة في هذا المجال , فالقرآن الكريم يزخر بالعديد من هذه الآيات الشريفة التي تمنح الفرصة لأكبر شريحة ممكنة في المجتمع لتتبع الأدلة , واتخاذ القرار ورفض الانصياع والعبودية للغير مهما كان مستواه ولكن ضمن الإطار العلمي والعقلي الحقيقي والشريف , فهل كان السيد الحسني(دام ظله) بدعا ً حينما سلك هذا المنهج القرآني العظيم في طرح أدلته إلى الساحة وفتح الباب واسعا ً أمام الجميع لنصرة الحق واتباعه .
ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم ) حادثة هذا مضمونها :- (( انه سلام الله عليه جمع أهل مكة وقال لهم ما مضمونه : - لو أخبرتكم ان وراء هذا الجبل عدوا ً يريدكم فهل تصدقون ؟
فقالوا : كيف لا نصدّق وانت الصادق الأمين .
فقال : لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بما مضمونه : إن الله أرسلني إليكم . فصدر منهم التكذيب لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقال لهم بما مضمونه : إنني لم أكذب عليكم فكيف أكذب على الله سبحانه .... إلى نهاية الحادثة )).
وأنت معي عزيزي كيف ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استنفر وجدان هؤلاء رغم كفرهم وانه طرح لهم دليل مبسط ألـْـزَمَهمْ بهِ دون ان يدخل نقاشات فلسفية أو عقلية معقدة لا تزيد الأُمور إلا التباسا ً وتعقيدا ً و ما ذكرته في أمثلة القرآن الكريم ينطبق هنا أيضا ً في ان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الدليل لم يستثني واحدا ً منهم ونـَجّـزَ عليهم الحجة ببساطة الدليل ووجدان السامع .
ومن الأمثلة الأخرى :-
ما ورد عن أمير المؤمنين(u) في نفي شريك الخالق سبحانه وتعالى , وهذا مضمونه :- ((انه لو كان لله شريك لجاءتنا رُسُـلـَهُ...)) ومما هو واضح جدا ً ان مسألة نفي شريك الباري(عزَّ وجل) من الأُمور التي أخذت حيزا ً واسعا ً في الكتب الفلسفية والعقلية , إلا أننا هنا نرى الإمام(u) قد ساق دليلا ً مبسطا ً يفهمهُ أقل الناس إدراكا ً ووعيا ً , وفي نفس الوقت يحمل بين طياته ِ شِفاءاً للقلوب التي تبحث عن الحقيقة بلا تعقيد أو تشويش للأفكار .
والواقع ان الأمثلة في هذا المجال كثيرة والكتب الإسلامية مليئة بهذا الفكر الذي فتح العالم بعد ان فتح القلوب الصادقة واستقر بها , وما ذكرت من المثالين السابقين إنما هما نقطة في ذلك البحر المتلاطم من تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) وسيرة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) .
في كتاب اصول الدين لسماحة السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر(قدس سره) يقول فيه :- (( ان العلم الوجداني من أشرف العلوم التي تحدد عقيدة الإنسان , فرغم وجود عدة طرق للجزم في هذه المسألة كالفلسفة والعقل وغيرها إلا ان الطريق الوجداني هو الأمثل لتنجيز هذا الأمر , والسبب في ذلك انك ترى الحقائق كما هي بهذا العلم , على العكس من باقي العلوم فإن الحقيقة تكون فيها غائمة إلى حدٍ ما )) . وعلى هذا الأساس وإتباعا ً لمنهج القرآن والسنة الشريفة فإن الدعوة قائمة للعودة إلى الوجدان ونفض الغبار عن ذلك الكنز الذي أودعهُ الباري (عزَّ وجل) في النفس البشرية بمنّهِ وفضلهِ , ومحاولة استغلال ولو جزء يسير من هذه الطاقة العظيمة من أجل تحديد الحق وإتباعه ومعرفة الباطل واجتنابه , وما علينا إلا ان نتعلم من القرآن المجيد ونتمعن في آياتهِ الشريفة وسيرة أهل البيت(عليهم السلام) وحركات المصلحين المخلصين .
الشريعة الإسـلامية وتكاملها من الواضح جدا ً ان الشريعة الإسلامية المقدسة حينما اعتمدت الوجدان والأدلة المبسطة كطريقة لنشر الإسلام وتركيزه في القلوب فإنها بالمقابل لم تهمل الجانب العقلي والنظريات الفلسفية الحقة وما جاءنا من آثار في هذا المجال كثيرة وواسعة وتعتبر مفخرة من مفاخر التاريخ الإسلامي والتشريع الإلهي ومن أراد الاستزادة من ذلك فليراجع نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين(u) ليرى تلك النظريات الضخمة التي تعبر عن عمق الحضارة الإسلامية وشموليتها للفكر الإنساني بصورة عامة .
وأما سيرة علمائنا الصالحين وصولاتهم في مجال العقل والفلسفة فهو مما لم ينكره العدو قبل الصديق , ويمكن القول ان أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) هـُم الأوائل في هذا المجال من بين المدارس الإسلامية الأخرى .
وقد كان لعلمائنا في هذا الحقل محاولات نادرة كالتي قام بها – صدر الدين الشيرازي – والتي جمع فيها بين العلم الوجداني والفلسفة – وقد عبّر عنها السيد الشهيد الصدر الثاني(قدس سره) بأنها من أفضل ما كـُتِبَ في هذا المجال , أي الجمع بين الفلسفة والوجدان .
وهذا كله يدل على حقيقة واضحة وهي غزارة التفكير الإمامي واستيعابه لأرقى العلوم الإنسانية ولا عجب في ذلك فإنها مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) التي استمدت نورها من المنهل العذب للوحي الإلهي وهم أئمة الهدى(سلام الله عليهم) .
قلنا في الموضوع السابق أن الشريعة الإسلامية المقدسة حينما اتبعت المنهج الوجداني في طرح الادلة لم تقف عند هذا الحد وإنما تعدته إلى باقي حقول المعرفة الإنسانية بشكل يتناسب مع موضوعية الفكر الإسلامي وعموميته وهذا الأمر – أي موضوعية طرح الأدلة – نجده واضحا ً في دعوة السيد الحسني(دام ظله) فالسيد رغم تأكيده على الأدلة الوجدانية إلا أننا نجد أن العقل والأدلة العقلية والمنطقية قد أخذت مكانها فيما طرحه السيد(دام ظله) وهذه المسألة واضحة لكل من تابع مرجعيته الشريفة وامتلك الحد الأدنى من الإنصاف والتقييم السليم هذا من جهة ومن جهة اُخرى فإن ما قدمهُ السيد من بحوث اصولية وفقهية وعقائدية ومنطقية .... الخ , إنما هي دليل واضح وصريح لشرف هذه القضية وقوتها وشموليتها وشهادة علمية على ان هذا الطرح إنما هو وليد للمنهج الإسلامي الأصيل الذي خطّهُ القرآن العظيم وسيرة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الائمة الميامين(عليهم السلام) .
اعترض جماعة كما هو معروف في ان الوجدان والأدلة الوجدانية ليس لها علاقة بالتقليد وانها خاصة في إثبات العقائد فقط وان أدلة التقليد والاجتهاد هي أدلة فقهية لا علاقة لها بالمسائل العقائدية .
وهذا الاعتراض كما هو واضح باطل ويدل على جهل المعترض , فأنت عزيزي القارئ ما عليك إلا أن تفتح الرسالة العملية أيا ً كانت وتقرأ المسألة الخاصة بتعيين الاجتهاد والأعلمية لتجد أن أول طريق لتحديد الاجتهاد والأعلمية هو – العلم – الذي يُعـّرف :- (( بأنهُ العلم الوجداني الحاصل عند المكلف )) .
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الاطمئنان هو أحد طرق تحديد الاجتهاد والأعلمية ومن الواضح جدا ً ان تحصيل هذا الاطمئنان ممكن بالادلة العقلية والوجدانية معا ً وهذا مما لا يحتاج الى توضيح وأما باقي طرق تحديد الاجتهاد والأعلمية فإنه من الممكن جدا ً ان يتدخل بها الوجدان بشكل أو آخر بل ان الوجدان يتدخل في أكثر المسائل حتى الدنيوية منها لأن مسألة الوجدان إنما هي مسألة تمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب بصورة عامة .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
|
|
|
|
|