شنّع اهل سنة عمر على مبدأ العصمة الذي نؤمن به على اساس انه موضوع مستحدث مبتدع ما انزل الله به من سلطان
لكن الواقع والمنطق يقول ان نفي ذلك هو العبثية المحضة في وجود الخلائق والثواب والعقاب
هنا الطرح العقلي لمبدا حتمية وجود المعصوم الذي لا مناص منه
الله عز وجل قادر على خلق العوالم مؤمنة صاغرة لا تعصيه طرفة عين وتسير الى ما كتب عليها وتنحو منحى الجبر دونما ان يعجزه سبحانه
وهذا لا ينكره الا فاقد عقل وفهم وهو من البديهيات لكن قلّما يستفسر احد عن العلة والغاية لاعترافنا بمحدودية العقل البشري امام العقل الكلّي <مجازا> الذي لا يسبر غوره
اذن بغض النظر عن الخوض في غمار التعليل ندرك ان الميزة التي منحها الله لنا هي الارادة الحرة المصانة في اي زمان ومكان اذ ان مقرها العقل الذي لا يمكن تسييره بالجبر البيئي او الظرفي
وبناء على ما ذكرته كان العقل حجة لله علينا اذ ان فاقده لا جناح عليه في ارادته واختياره
والمجتمع البشري يقسم الى قسمين
عاقل
فاقد عقل <مجنون>
وبما ان القلم رفع عن المجنون حتى يفيق نستفيض جزئيا في القسم الاول
نقرّ بان الله عز وجل ارسل الانبياء عليهم السلام الى البشرية لاصلاحها دينيا ودنيويا فبات تفعيل مصداقية الارادة الحرة هو المعيار الدنيوي <صلاح المجتمع> والاخروي <الحساب>
وبما ان النتائج تتأتّى من الافعال التي تعكس ارادة اصحابها فانه من المحتوم عقلا ان يكون الانبياء اصحاب ارادة صلبة وعقول فريدة تختلف عن مثيلاتها عند ابناء الجنس البشري
فالنبي الذي يكون صلة وصل بين الخالق ومخلوقاته وجب ان يكون عقله محيطا بكل تفاصيل الرسالة الموكلة اليه كون التبليغ شفوي اضافة الى ان عقول الناس متفاوتة من حيث القدرة على فهم المغزى الصحيح لآيات الله وتتحكم بها الاهواء والظروف البيئية والوراثية
فلنطلق <مجازا> صفة العقل الكامل على عقل النبي او الوصي او القائم بامر اي رسالة
ثم نعرّج الى الاحتمالات الممكنة لهذا العقل وهي
يخطئ
لا يخطئ
ضروري الوجود
غير ضروري الوجود
فيكون هذا العقل الكامل محصورا ضمن الظروف الآتي ذكرها
اما
يخطئ وغير ضروري الوجود
يخطئ وضروري الوجود
لا يخطئ وغير ضروري الوجود
لا يخطئ وضروري الوجود
والمنحيين المكانيين هما
دينيا
دنيويا
العقل الكامل يخطئ وغير ضروري الوجود
دينيا
ان كان كذلك فان تبليغه الرسالة قابل للخطأ <عقائديا كان او فقهيا او الخ> وبالتالي فاعتمادها بالنسبة لنا بات مشكوكا فيه اضف الى ذلك جواز الاجتهاد في مقابل النص الصريح لعدم ضمان الحالة المثلى للتطبيق سواء كان مبلغا او قائما على حفظ محتواها وتفسيرها
اما انعدام ضرورة وجوده فهي تتماهى مع قابلية الخطأ لديه فان كان تفسيره او تعليماته او تقويمه يحتمل الخطأ فلا داعي لوجوده اصلا بل انتفت صلة الوصل بينه وبين العقل الكلّي <مجازا ايضا> اي العقل المطلق وبات هراء وصفه برسول لعدمية تدخل العقل الكلي في تصحيح مساره
دنيويا
ايعقل ان يامر عقل يخطئ عقلا يخطئ ايضا عن امر يلعب به العلم المتوارث دورا فاعلا ويستقيم الامر؟
اذ ان احتجاج العقل الكامل باطل لاحتمال تنحيه عن الصواب وعدم معرفته اللحظة التي يمكن ان يكون فيها قد جانبه فعلا
ووجوده كعدمه تماما في هذا السياق
النتيجة
استحالة ان يكون العقل الكامل يخطئ وغير ضروري الوجود
العقل الكامل يخطئ وضروري الوجود
دينيا
لا يمكن لله عز وجل ان يحاسب اي عقل او ان يقيم عليه الحجة طالما ان العقل الكامل المرسل يخطئ ولا تستقيم صحة اي كتاب تشريعي وصاحبه في هذه الحال
اذ انه ببساطة القول يمكن لاي عقل الاحتجاج على العقل الكلّي
اذا سال العقل الكلي عقلا ما عن سببية القيام بعمل خارج عن منحى التشريع المرسل اجابه انه التزم فعل العقل الكامل في تفصيل او اساس
فان اخذها منه في حال الخطأ الصادر من العقل الكامل وعمل به فلا جناح عليه لان العقل الكامل هو المسؤول عن تبعات الخطأ الصادر عنه
نبسط ذلك بمثل
اذا سال الله عبدا ساعة حسابه عن سبب قيامه بعمل القتل مثلا لزاني غير محصن فاجابه ان المرسل <او الامام او القائم بامر الرسالة> امره بان الزاني يقتل سواء كان محصنا او غير محصن سقط الاثم عنه ووقع في المرسل الذي اخطأ في تبليغه وتعليمه
اضافة الى انه ان اصاب العقل الكامل في التبليغ بكليّته فان احتمال النسيان وارد في الاستذكار الذي يجعل الاخرين يقومونه او تأتمر بامره طائفة حال استذكاره الخاطئ فيضلون <وينتفي سبب ارسال الرسل اي هداية البشرية>
ثم ان ضرورية وجوده باطلة لعدم تمايزه عن العقول الاخرى ولا منطق يقول بوجوب وجود العنصر اللامتميز لقابلية احتمال الرسالة من قبل اي عقل آخر او الطرح المباشر باي وسيلة الى العقول مجتمعة
دنيويا
ضرورة وجود عقل يخطئ منتفية اذ ان العقول الاخرى تخطئ جميعا والعلم الجمعي افضل من العلم الفردي ولو فرضنا ان وجوده يمكن ان يقوم اي خطأ فذلك لا يعتمد واحتمال الائتمار باوامره حال الخطأ ثم الفناء وارد وقائم
يعني ان ياخذ احد بقوله الخاطئ ثم يموت على الخطأ او ان يسمعه بمكان معين حال خطأه ثم يحال بينهما امر يجعل المسافات فاصلة تمنع الرؤية
لا يخطئ وغير ضروري الوجود
دينيا
هنا يركن المنطق الى اعتماد انتفاء الخطا عن العقل الكامل
لبيان صلته المباشرة بالعقل الكلي
للتسليم بان كل ما يرد عنه لا يقبل المماحكة اوالتصويب فهو صحيح بالمطلق
لاعتماد الكتب والشرائع والاوامر الواردة عنه كلّيا
وابطال تحكم الزمان او المكان بما يرد عنه
الى اخر ما هناك من الزامات لا مناص منها لصلاح البشرية
ثم قيام حجة الله على الناس فكل ماورد من العقل الكامل لا يقبل حتى احتمال الشك فيه ومن يغالط فبارادته الشخصيه
دنيويا
النظام الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي و البنيوي بل حتى الفيزيولوجي سيكون في الوضع الامثل وطالما ان شرائح التنظيم مرتبطة ومتشابكة فان الرقي الفردي والعام بديهي في حال كون العقل الكامل لا يخطئ
اما عن انتفاء ضرورة وجوده فان ذلك يحيل الامر في الحالتين <دينيا ودنيويا> الى العقول العادية وقد اسلفنا ذلك اعلاه